أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 32 - صـ 1212

جلسة 22 من إبريل سنة 1981

برئاسة السيد /المستشار نائب رئيس المحكمة/ محمد الخولي، وعضوية السادة المستشارين: يوسف أبو زيد، منصور وجيه، علي عمرو، وعزت حنورة.

(223)
الطعن رقم 1192 لسنة 47 القضائية

(1) بيع "التزامات المشتري". التزام "الحق في الحبس".
حق المشتري في حبس الثمن. مناطه. وجود سبب جدي يخشى معه نزع المبيع من تحت يده م. 457 مدني. تقدير جدية السبب. من سلطة قاضي الموضوع بلا رقابة من محكمة النقض متى أقام قضاءه على أسباب سائغة.
(2) دعوى "تكييف الطلبات". محكمة الموضوع.
محكمة الموضوع. التزامها بإعطاء الدعوى وصفها الحق وتكييفها الصحيح.
1 - من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه في العقود الملزمة للجانبين إذا كانت الالتزامات المتقابلة مستحقة الوفاء جاز لكل من المتعاقدين أن يمتنع عن تنفيذ التزامه إذا لم يقم المتعاقد الآخر بتنفيذ ما التزم به، وأن المشرع أجاز تطبيقاً لهذا الأصل في الفقرة الثانية من المادة 457 من القانون المدني للمشتري ما لم يمنعه شرط في العقد أن يحبس الثمن إذا أخيف على المبيع أن ينزع من يده، وذلك ما لم يكن قد نزل عن هذا الحق بعد ثبوته له أو كان في العقد شرط يمنعه من استعماله، وقضاء هذه المحكمة قد جرى على أن تقدير جدية السبب الذي يولد الخشية في نفس المشتري من نزع المبيع من تحت يده يعتبر من الأمور التي يستقل بها قاضي الموضوع ولا رقابة عليه في ذلك من محكمة النقض متى أقام قضاءه على أسباب سائغة.
2 - من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن على محكمة الموضوع إعطاء الدعوى وصفها الحق وإسباغ التكييف الصحيح لها بما يتفق مع حقيقة الطلبات المطروحة فيها والمقصود منها دون اعتداد بالألفاظ التي صيغت بها هذه الطلبات أو تقيد بتكييف الخصوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعنين أقاموا الدعوى رقم 1433 سنة 1976 مدني شمال القاهرة على المطعون ضده عن نفسه وبصفته وقالوا بياناً لها أنه بموجب عقد بيع عرفي مؤرخ 8/ 10/ 1975 باعوا للمطعون ضده العقار الموضح بصحيفة الدعوى والعقد بثمن مقداره 28000 جنيه التزم المشتري بسداده عند التوقيع على العقد النهائي في موعد غايته خمسة وأربعون يوماً من تاريخ العقد المذكور، ونص في البند الثاني منه على أنه في حالة إخلال أحد الطرفين بالتزامه يفسخ العقد بعد خمسة عشر يوماً من تاريخ إنذاره وإذ تخلف المطعون ضده عن الوفاء بالثمن في هذا الميعاد فقد وجهوا إليه بتاريخ 4/ 12/ 1975 إنذاراً على يد محضر بسداد الثمن خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ الإنذار وإلا اعتبر العقد مفسوخاً، ولما لم يحرك المطعون ضده ساكناً فقد أقاموا دعواهم بطلب فسخ العقد على سند من المادتين 157، 158 من القانون المدني - وبتاريخ 31/ 5/ 1976 قضت المحكمة للطاعنين بطلباتهم. استأنف المطعون ضده عن نفسه وبصفته هذا الحكم بالاستئناف رقم 2744 سنة 93 ق استئناف القاهرة - وبتاريخ 23/ 5/ 1977 حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم قبول الدعوى، طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض. وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب ينعى الطاعنون بالسببين الأول والثاني منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتفسيره والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقولون إن الحكم المطعون فيه أثبت للمطعون ضده الحق في حبس الثمن طبقاً للمادة 457/ 2 من القانون المدني على سند من أن الطاعنين سبق لهم بيع العقار موضوع النزاع إلى مشتر آخر أقام الدعوى رقم 6549 سنة 1975 مدني كلي شمال القاهرة بطلب صحة البيع الصادر له وسجل صحيفتها وصدر له حكم فيها بصحة التعاقد عن ثلاثة أرباع العقار، وأن النزاع حول هذا البيع ما زال مطروحاً في الاستئنافين رقمي 3029، 3125 سنة 93 استئناف القاهرة، وأن من شأن هذا النزاع الجدي ما يبرر حبس المطعون ضده للثمن حتى تستقر الأوضاع بانتهاء هذا النزاع أي أن الحكم المطعون فيه اعتبر أن مجرد رفع دعوى بصحة التعاقد عن ذات العقار وتسجيل صحيفتها سبباً كافياً لتحقيق خطر نزع المبيع من تحت المطعون ضده في حين أن هذا الخطر لا يتصور تحققه إلا إذا كانت صحيفة دعوى المشتري الآخر قد سجلت قبل صيرورة عقد المطعون ضده صالحاً للشهر وذلك على خلاف الثابت بالأوراق من أن صحيفة دعوى المشتري الآخر قد سجلت في 29/ 11/ 1975 في حين أن عقد المطعون ضده كان قد تأشر عليه بصلاحيته للشهر في 23/ 11/ 1975 ومن ثم فإنه لما كان هنالك مانعاً لدى المطعون ضده يمنعه من تسجيل عقده ونقل الملكية إليه، وبالتالي لم يكن هناك محل للخشية من نزع العقار المبيع من يده التي تخول له الحق في حبس الثمن، ومع ذلك فإنه على فرض التسليم جدلاً بتوفير سبب الخشية بتسجيل صحيفة دعوى المشتري الآخر فقد تمسك الطاعنون أمام محكمة الموضوع بأن المطعون ضده هو الذي تسبب بتقصيره في إيجاد سبب الخشية بتراخيه في تسجيل عقده، قبل أن يسجل المشتري الآخر صحيفة دعواه رغم علمه بالبيع السابق ففوت على نفسه فرصة السبق في التسجيل مما يترتب عليه حرمانه من الحق في حبس الثمن، وقد خلا الحكم المطعون فيه من رد على هذا الدفاع ومن ثم يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وشابه قصور في التسبيب بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أنه لما كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه في العقود الملزمة للجانبين إذا كانت الالتزامات المتقابلة مستحقة الوفاء جاز لكل من المتعاقدين أن يمتنع عن تنفيذ التزامه إذا لم يقم المتعاقد الآخر بتنفيذ ما التزم به وأن المشرع أجاز تطبيقاً لهذا الأصل في الفقرة الثانية من المادة 457 من القانون المدني للمشتري ما لم يمنعه شرط في العقد أن يحبس الثمن إذا خيف على المبيع أن ينزع من يده، وذلك ما لم يكن قد نزل عن هذا الحق بعد ثبوته أو كان في العقد شرط يمنعه من استعماله، وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن تقدير جدية السبب الذي يولد الخشية في نفس المشتري من نزع المبيع من تحت يده يعتبر من الأمور التي يستقل بها قاضي الموضوع ولا رقابة عليه في ذلك من محكمة النقض متى أقام قضاءه على أسباب سائغة - وكان الحكم المطعون فيه قد أورد في مدوناته قوله: "وحيث إنه ثبت للمحكمة من الصورة الرسمية لصحيفة الدعوى رقم 5649 سنة 75 مدني كلي شمال القاهرة المقدمة بحافظة المستأنف عليهما (الطاعنين) أنهما باعا ذات القطعة المبيعة إلى المستأنف إلى مشتر آخر هو...... بصفته ولياً طبيعياً على أولاده القصر وكان هذا المشتري الأخير أقام الدعوى المذكورة وتبين أنه حصل على الحكم بصحة التعاقد على ثلاثة أرباع العقار، وتبين من الصورتين الرسميتين بصحيفتي الاستئنافين رقمي 3029، 3125 سنة 93 ق المقدمين من المستأنف في هذا الاستئناف (المطعون ضده) ومحضري جلستيهما أنه ما زال النزاع قائماً ومطروحاً بشأن العقد الصادر عن ذات القطعة المباعة إلى......... الذي سجل صحيفة دعواه - كما ثبت أن ثمة تعارض ظهر عند اتخاذ إجراءات شهر المستأنف (المطعون ضده) لعقده طبقاً للتأشيرة الثابتة على مشروع محضره النهائي والتي تقدم بيانها ومن ثم يحق للمستأنف (المطعون ضده) أن يحبس الثمن بسبب قيام النزاع الجدي الذي نشأ بتصرف المستأنف عليهما (الطاعنين) في ذات القطعة المباعة إلى مشتر آخر، وأن من شأن هذا النزاع أن يبرر حبسه للثمن حتى ينتهي هذا النزاع ويطمئن المستأنف (المطعون ضده) إلى استقرار الأوضاع بالنسبة لتنفيذ التزامات عقده دون خوف "وكان هذا الذي أورده الحكم المطعون فيه سائغاً ومن شأنه أن يؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها دون اعتبار لدفاع الطاعنين بشأن تراخي المطعون ضده في إتمام تسجيل عقده، فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في تقدير الدليل لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض، ومن ثم يكون النعي على الحكم المطعون فيه بهذين السببين على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون ومخالفة الثابت في الأوراق والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقولون أن الحكم المطعون فيه أهدر حق الطاعنة الثالثة واعتبرها مسئولة عن البيع السابق صدوره عن نفس العقار موضوع النزاع إلى مشتر آخر، في حين أن ذلك البيع لم يصدر عنها على نحو ما هو ثابت من الحكم الصادر في الدعوى رقم 6549 سنة 1975 مدني كلي شمال القاهرة المطروح على المحكمة الذي قضى برفض دعوى صحة ونفاذ العقد بالنسبة لها لعدم تصرفها بالبيع في نصيبها وبالرغم من ذلك اعتبر الحكم المطعون فيه الطاعنة الثالثة من بين البائعين وقد تمسكت الطاعنة الثالثة بهذا الدفاع إلا أن الحكم المطعون فيه أغفله وخول للمطعون ضده حق حبس ثمن العقار كله مع أنه لا يجوز حبس الثمن بالنسبة لنصيبها، لأن الخشية من التعرض الجزئي لا تبيح حق حبس الثمن إلا بما يتناسب مع الجزء الحاصل فيه التعرض، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد خالف الثابت في الأوراق وشابه قصور في التسبيب فضلاً عن خطئه في تطبيق القانون بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن الحكم المطعون فيه أورد في مدوناته اطلاعه على صحيفة الدعوى رقم 6549 سنة 1975 مدني كلي شمال القاهرة التي تبين منها أن المشتري الثاني للعقار موضوع النزاع قد رفع تلك الدعوى على الطاعنين جميعاً (البائعين له) بما فيها الطاعنة الثالثة بطلب الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع الصادر إليه، وقضى برفض دعوى المشتري الثاني بالنسبة لنصيب الطاعنة الثالثة (أحد البائعين) إلا أن ذلك المشتري طعن في هذا الحكم بالاستئناف رقم 3125 سنة 93 ق بما لازمه تمسكه بصحة ونفاذ عقد البيع الصادر عن المبيع جميعه بما فيه نصيب الطاعنة الثالثة، ومن ثم فلا على الحكم المطعون فيه إن اعتد بمنازعة ذلك المشتري في صحة ونفاذ عقده بالنسبة للمبيع جميعه، واعتبر ذلك من أسباب الخشية التي تبيح للمطعون ضده حبس الثمن كله، ويكون الحكم المطعون فيه قد التزم صحيح القانون ولم يخالف الثابت في الأوراق أو يشوبه قصور، ويكون النعي عليه بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون من وجهين، حصل أولهما أن الحكم المطعون فيه قضى بعدم قبول دعوى الفسخ من تلقاء نفسه رغم أن المطعون ضده لم يدفع بذلك، رغم أن الدفع بعدم قبول الدعوى ليس متعلقاً بالنظام العام فلا يجوز للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها، وحاصل الوجه الثاني أن المطعون ضده وقد تمسك بأن العقار موضوع النزاع قد بيع إلى غيره الذي أقام دعوى بصحة ونفاذ عقده وسجل صحيفتها وصدر فيها حكم بطلباته ومن ثم فلا يحق له أن يتمسك بحقه في حبس الثمن لأن ذلك ينطوي على الاعتداد بعقد البيع الصادر له والتمسك بتنفيذه في حين أن تنفيذه أصبح على هذا النحو مستحيلاً، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد خالف القانون بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في وجهه الأول غير سديد، ذلك أنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن على محكمة الموضوع إعطاء الدعوى وصفها الحق وإسباغ التكييف الصحيح لها بما يتفق مع حقيقة الطلبات المطروحة فيها والمقصود منها دون اعتداد بالألفاظ التي صيغت بها هذه الطلبات أو تقيد بتكييف الخصوم - لما كان ذلك وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن المطعون ضده بعد أن قضت له محكمة أول درجة بفسخ العقد موضوع النزاع أقام استئنافاً عنه أسسه على أن ثمن المبيع لا يستحق إلا بعد التوقيع على عقد البيع النهائي وفقاً لنصوص العقد المبرم بينهما وهو ما لم يتم تنفيذه من جانب البائعين (الطاعنين) بعد أن تكشف وجود نزاع من الغير عن ذات العقار وأن خصومة ما زالت مطروحة على القضاء بشأنه وبالتالي لم يتحقق الشرط الفاسخ الضمني وطلب إلغاء الحكم المستأنف - وكان مؤدى طلبات المطعون ضده هو انتفاء وجود مصلحة للطاعنين في طلب نفسخ العقد البيع وأن طلباته في حقيقتها هي عدم قبول دعوى الفسخ، ومن ثم فإن قضاء الحكم المطعون فيه بعدم قبول دعوى الفسخ بعد أن ثبت له حق المطعون ضده في حبس الثمن يكون قد صادف صحيح القانون وملتزماً بطلباته ويكون النعي عليه بهذا الوجه على غير أساس، والنعي في وجه الثاني غير مقبول، ذلك أنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه متى كان وجه النعي يقوم على واقع لم يسبق طرحه على محكمة الموضوع فلا يجوز التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض - لما كان ذلك وكان البين من أوراق الدعوى أن الطاعنين لم يسبق لهم التمسك أمام محكمة الموضوع بانتفاء مصلحة المطعون ضده في حبس الثمن لاستحالة تنفيذ التزامهم بنقل الملكية إليه بسبب أسبقية المشتري الآخر عليه في التسجيل فإنه بذلك لا يكون لهم التحدي به والنعي لأول مرة أمام محكمة النقض، ويكون النعي على الحكم المطعون فيه بهذا الوجه غير مقبول.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.