أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 36 - صـ 1057

جلسة 28 من نوفمبر سنة 1985

برياسة السيد المستشار/ أحمد كمال سالم نائب رئيس المحكمة؛ وعضوية السادة المستشارين: محمد رأفت خفاجي، الحسيني الكناني، محمد فؤاد شرباش ود. محمد فتحي نجيب.

(218)
الطعن رقم 678 لسنة 50 القضائية

(1) تزوير. دعوى "المصلحة في الدعوى".
قاعدة عدم جواز الحكم بصحة المحرر أو رده أو بسقوط الحق في إثبات صحته وفي الموضوع معاً. م 44 إثبات. مجال إعمالها. انتفاء المصلحة في التمسك بهذه القاعدة. أثره.
(2 - 5) إيجار الأماكن "إيجار الأماكن: التأجير من الباطن". إثبات "عبء الإثبات". محكمة الموضوع "مسائل الواقع" "تقدير الأدلة".
(2) الإيجار من الباطن. ماهيته. عبء إثباته على مدعيه. علة ذلك.
(3) تقدير أقوال الشهود. مرهون بما يطمئن إليه قاضي الموضوع. شرطه. ألا يخرج بها عما يؤدي إليه مدلولها.
(4) تحصيل فهم الواقع في الدعوى وموازنة الأدلة وترجيح ما يطمئن إليه منها. من سلطة قاضي الموضوع. حسبه أن يبين الحقيقة التي اقتنع بها وأن يقيم قضاءه على أسباب كافية لحمله. عدم التزامه بتتبع الخصوم في مختلف أقوالهم وحججهم وطلباتهم والرد عليها استقلالاً. اقتناعه بالحقيقة التي أورد دليلها فيه الرد الضمني المسقط لكل حجة تخالفها.
(5) ترك المستأجر للعين المؤجرة أو تنازله عنها لآخر من مسائل الواقع. استقلال محكمة الموضوع بتقديره متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة.
(6، 7) إعلان "أوراق المحضرين". حكم "تسبيب الحكم".
(6) أوراق المحضرين. حجيتها قاصرة على البيانات التي تتعلق بما قام به محررها عند إجراء الإعلان أو التنفيذ. ما عدا ذلك من بيانات لا حجية لها. علة ذلك.
(7) التناقض في الحكم. ماهيته.
1 - لئن كان المقرر وفقاً لنص المادة 44 من قانون الإثبات أنه لا يجوز للمحكمة أن تقضي بصحة المحرر أو رده أو بسقوط الحق في إثبات صحته وفي الموضوع معاً، بل يجب أن يكون قضاؤها بذلك سابقاً على الحكم في موضوع الدعوى، اعتباراً بأنه يجمع بين هذه الحالات الثلاث استهدف ألا يحرم الخصم المحكوم عليه في الادعاء بالتزوير من أن يقدم ما قد يكون لديه من أدلة قانونية أخرى أو يسوق دفاعاً متاحاً جديداً، إلا أنه إذا ما انتفت هذه الحكمة التي ابتغاها المشرع من عدم جواز الجمع بين القضاء في الادعاء بالتزوير وفي الموضوع بحكم واحد، فلا يكون هناك من مسوغ لتطبيق هذه القاعدة، وإذ كان المقرر عملاً بنص الفقرة الأولى من المادة الثالثة من قانون المرافعات أن لا يقبل أي طلب أو دفع لا تكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة يقرها القانون، وكان الواقع في الدعوى أن المطعون ضده الأول هو الذي سلك سبيل الادعاء بتزوير أوراق إعلانه أمام محكمة الدرجة الأولى، فإنه يكون وحده صاحب المصلحة في النعي على قضاء الحكم المطعون فيه في الادعاء بالتزوير وفي الموضوع معاً باعتباره الخصم المحكوم عليه في هذا الادعاء، والذي استهدف النص إتاحة الفرصة أمامه ليقدم ما عسى أن تكون لديه من أدلة قانونية أخرى لإثبات ما أراده من الادعاء بالتزوير أو الإنكار، أما الطاعنون وهم المدعى عليهم في هذا الادعاء، والمقضى لصالحهم فيه، فلا مصلحة لهم في النعي على الحكم بهذا السبب، ومن ثم فهو غير مقبول.
2 - الإيجار من الباطن - أو التنازل عن الإيجار - إنما يتم بالاتفاق بين المستأجر الأصلي وبين أهله في الانتفاع بالعين المؤجرة، فإذا انعدم الدليل على وجود مثل هذا الاتفاق، أو قامت إثارة من شك في حصوله انتفى هذا التخلي من جانب المستأجر الأصلي، إقامة الدليل يقع على عاتق من يدعيه، وذلك لما هو مقرر من أن الأصل براءة الذمة، وانشغالها عارض، ويقع عبء الإثبات على عاتق من يدعي ما يخالف الثابت أصلاً.
3 - تقدير أقوال الشهود - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو بما يطمئن إليه وجدان قاضي الموضوع، ولا سلطان عليه في ذلك إلا أن يخرج بها عما يؤدي إليه مدلولها.
4 - لقاضي الموضوع السلطة التامة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى وبحث الأدلة والمستندات المقدمة فيها، وموازنة بعضها بالبعض الآخر، وترجيح ما تطمئن نفسه إلى ترجيحه، وهو غير ملزم بالرد على كل ما يقدمه الخصوم من مستندات، لا بالتحدث عن كل قرينة غير قانونية يدلون بها، ولا بأن يتتبعهم في مختلف أقوالهم وحججهم وطلباتهم، ويرد استقلالاً على كل منها ما دام أن قيام الحقيقة التي اقتنع بها وأورد دليلها فيه الرد الضمني المسقط لتلك الأقوال والحجج والطلبات.
5 - إثبات أو نفي ترك المستأجر للعين المؤجرة أو تنازله عنها لآخر من مسائل الواقع التي تستقل محكمة الموضوع بتقديرها، دون معقب عليها في ذلك متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله.
6 - مهمة المحضر وفقاً لنص المادة السادسة من قانون المرافعات هي إجراء الإعلان أو التنفيذ، وليست - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة التحقق من إقامة المعلن إليه بالفعل بمكان إعلانه أو تركه إلى غيره، أو التحقق من شخصية المخاطب معه، فإن ما يقرره المحضر على لسان المخاطب معه في شأن هذه الإقامة لا تكون له حجة إلا في شأن واقعة انتقال المحضر إلى محل الإعلان وسؤال المعلن إليه وتلقيه الإجابة التي أثبتها بمحضره من المخاطب معه، وذلك دون التطرق إلى مدى صحة هذه الأماكن، ومن ثم فإن فصل محكمة الموضوع في الادعاء بالتزوير الذي تناول أوراق إعلان المطعون ضدهما أمام محكمة الدرجة الأولى لم يكن ليستطيل إلى بحث حقيقة إقامة المطعون ضدهما بمكان إعلانهما وإنما يقتصر على بيان حقيقة انتقال المحضر إلى مكان الإعلان وسؤاله عن المعلن إليهما وتلقيه الإجابة من المخاطب معه دون التحقق من مدى صحة هذه الإجابة.
7 - التناقض الذي يعيب الحكم هو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة ما تتعارض به الأسباب وتتهاتر ويسقط بعضها بعضاً بحيث لا يبقى منها ما يقيم الحكم ويحمله.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن الطاعنين أقاموا على المطعون ضدهما الدعوى رقم 8496 لسنة 1972 مدني كلي شمال القاهرة بطلب الحكم بإخلاء الشقة المبينة بالصحيفة وتسليمها لهم، وقالوا في بيان دعواهم إن المطعون ضده الأول استأجر هذه الشقة بموجب عقد مؤرخ 6/ 2/ 1959 محول إليهم من المالكة السابقة، إلا أنه تنازل عن الإجارة لشقيقه المطعون ضده الثاني بالمخالفة لشروط العقد. طعن المطعون ضده الأول بتزوير أوراق إعلانه بالدعوى، والذي تم بمحل غير شقة النزاع، وبعد سماع شهود الطرفين حكمت محكمة الدرجة الأولى بتاريخ 23/ 3/ 1974 برفض الادعاء بالتزوير وبصحة الإعلانات فيها، ثم قضت بتاريخ 26/ 4/ 1975 بالإخلاء، استأنف المطعون ضدهما هذا الحكم بالاستئناف رقم 2408 سنة 92 ق القاهرة، وبتاريخ 21/ 6/ 1976 أحالت محكمة الاستئناف الدعوى إلى التحقيق ليثبت الطاعنون أن المطعون ضده الأول ترك الشقة موضوع التداعي للمطعون ضده الثاني متنازلاً له عن إجارتها، وبعد سماع الشهود قضت بتاريخ 21/ 1/ 1980 في موضوع دعوى التزوير الفرعية برفض الاستئناف وبتأييد الحكم المستأنف بشأنها، وفي موضوع الدعوى بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض دعوى الطاعنين، طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين، ينعى الطاعنون بأولهما على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، وفي بيان ذلك يقولون إن الحكم قضى برفض الاستئناف المرفوع عن الحكم الصادر في دعوى التزوير الفرعية وبتأييد الحكم المستأنف في شأنها، كما قضى في ذات الوقت في موضوع الدعوى الأصلية بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض دعوى الطاعنين، وذلك بالمخالفة لنص المادة 44 من قانون الإثبات الذي يوجب أن يكون الحكم برفض الادعاء بالتزوير سابقاً على الحكم في موضوع الدعوى الأصلية.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك أنه ولئن كان المقرر وفقاً لنص المادة 44 من قانون الإثبات أنه لا يجوز للمحكمة أن تقضي بصحة المحرر أو رده، أو بسقوط الحق في إثبات صحته وفي الموضوع معاً، بل يجب أن يكون قضاؤها بذلك سابقاً على الحكم في موضوع الدعوى، اعتباراً بأنه يجمع بين هذه الحالات الثلاث استهداف ألا يحرم الخصم المحكوم عليه في الادعاء بالتزوير من أن يقدم ما قد تكون لديه من أدلة قانونية أخرى أو يسوق دفاعاً متاحاً جديداً، إلا أنه إذا ما انتفت هذه الحكمة التي ابتغاها المشرع من عدم جواز الجمع بين القضاء في الادعاء بالتزوير وفي الموضوع بحكم واحد، فلا يكون هناك من مسوغ لتطبيق هذه القاعدة، وإذ كان المقرر - عملاً بنص الفقرة الأولى من المادة الثالثة من قانون المرافعات لا يقبل أي طلب أو دفع لا تكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة يقرها القانون، وكان الواقع في الدعوى أن المطعون ضده الأول هو الذي سلك سبيل الادعاء بتزوير أوراق إعلانه أمام محكمة الدرجة الأولى، فإنه يكون وحده صاحب المصلحة في النعي على قضاء الحكم فيه في الادعاء بالتزوير وفي الموضوع معاً باعتباره الخصم المحكوم عليه في هذا الادعاء، والذي استهدف النص إتاحة الفرصة أمامه ليقدم ما عسى أن تكون لديه من أدلة قانونية أخرى لإثبات ما أراده من الادعاء بالتزوير - أو الإنكار، أما الطاعنون وهم المدعى عليهم في هذا الادعاء، والمقضي لصالحهم فيه، فلا مصلحة لهم في النعي على الحكم بهذا السبب، ومن ثم فهو غير مقبول.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالوجهين الثاني والثالث من السبب الثاني من سببي الطعن على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقولون إن الثابت من محضر الحجز التحفظي الموقع بشقة النزاع في 17/ 11/ 1975 وجود زوجة المطعون ضده الثاني بها، ومخاطبتها المحضر في شأن سداد زوجها للأجرة، مما يؤكد واقعة تنازل المطعون ضده الأول عن الإجارة للمطعون ضده الثاني، إلا أن الحكم أهدر دلالة هذه الواقعة وعلل وجود الزوجة بشقة النزاع وقتئذ باحتمال المصادفة، وهو تعليل غير مقبول لم تقل هي به، كما استند الحكم أيضاً في نفي ترك المطعون ضده الأول هذه الشقة إلى سكن والده الموجود بشارع الرشيد إلى إقامة والدته وشقيق آخر له وأولاده به، بينما هذا السكن هو "فيلا" من ثلاث طوابق تتسع لكل هؤلاء خاصة بعد طلاق المطعون ضده الأول لزوجته، الأمر الذي يشوب الحكم بالفساد في الاستدلال، هذا إلى أن الطاعنين قدموا لمحكمة الاستئناف مذكرة بدفاعهم أوردا بها أدلة دعواهم المستفادة مما تضمنه الشكوى رقم 5883 سنة 1972 إداري مصر الجديدة من شهادة لبواب العمارة الكائنة بها شقة النزاع بأن المطعون ضده الأول أجر هذه الشقة من باطنه لزوجة شقيقه المطعون ضده الثاني، وأقوال شهودهم كذلك أمام محكمة الموضوع، وإشهاد طلاق المطعون ضده الأول لزوجته المؤيد لأقوال شهودهم بأنها نقلت أثاث منزلها من شقة النزاع والكشف الرسمي الخاص بالمسكن الكائن بشارع الرشيد والدال على أنه مكلف باسم والد المطعون ضدهما، إلا أن الحكم لم يرد على هذه الأدلة مما يشوبه بالقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن الإيجار من الباطن - أو التنازل عن الإيجار - إنما يتم بالاتفاق بين المستأجر الأصلي ومن أحله محله في الانتفاع بالعين المؤجرة، فإذا انعدم الدليل على وجود مثل هذا الاتفاق، أو قامت إثارة من شك في حصوله انتفى هذا التخلي من جانب المستأجر الأصلي، وإقامة الدليل تقع على عاتق من يدعيه، وذلك لما هو مقرر من أن الأصل براءة الذمة، وانشغالها عارض، ويقع عبء الإثبات على عاتق من يدعي ما يخالف الثابت أصلاً. لما كان ذلك، وكان تقدير أقوال الشهود وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو بما يطمئن إليه وجدان قاضي الموضوع ولا سلطان عليه في ذلك إلا أن يخرج عما يؤدي إليه مدلولها، وكان لقاضي الموضوع كذلك السلطة التامة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى وبحث الأدلة والمستندات المقدمة فيها، وموازنة بعضها بالبعض الآخر، وترجيح ما تطمئن نفسه إلى ترجيحه، وهو غير ملزم بالرد على كل ما يقدمه الخصوم من مستندات، ولا بالتحدث عن كل قرينة غير قانونية يدلون بها، ولا بأن يتتبعهم في مختلف أقوالهم وحججهم وطلباتهم، ويرد استقلالاً على كل منها ما دام أن قيام الحقيقة التي اقتنع بها وأورد دليلها فيه الرد الضمني المسقط لتلك الأقوال والحجج والطلبات، وكان إثبات أو نفي ترك المستأجر للعين المؤجرة أو تنازله عنها لآخر من مسائل الواقع التي تستقل محكمة الموضوع بتقديرها دون معقب عليها في ذلك متى أقامت قضاؤها على أسباب سائغة تكفي لحمله، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بنفي ترك المطعون ضده الأول الشقة مثار النزاع للمطعون ضده الثاني على ما أورده بمدوناته من أن "المحكمة تطمئن إلى شهادة شاهدي المستأنفين (المطعون ضدهما) وترجحها على شهادة شاهدي المستأنف عليهما، إذ أن شهادة أولهما سماعية واستنتاجيه لم يجزم فيها بيقين عن أمر من الأمور التي شهد بها وأن ثانيهما حارس العقار وتابع المستأنف عليهما وأن الاثنين لا يعرفان المحل الذي انتقل إليه المستأنف الأول حينما زعما أنه ترك شقته للمستأنف الثاني. أما شاهدا المستأنفين فقد جزما بوقائع ثابتة أيدتها مستندات الدعوى وتستخلص المحكمة منها أن المستأنف الأول ظل بعد طلاق زوجته بتاريخ 19/ 10/ 1971 مقيماً مع أولاده بالعين موضوع النزاع ولم يتركها إلى أي مكان آخر ولم يتنازل عنها إلى أخيه المستأنف الثاني المقيم بشارع....، كما دلت على ذلك شهادة هيئة المواصلات السلكية واللاسلكية المقدمة من المستأنفين... أما محضر الحجز المقدمة صورته الرسمية بحافظة المستأنف عليهما رقم 11 دوسيه والذي وقعه المستأنف عليهما ضد المستأنفين وتخاطب فيه المحضر مع زوجته المستأنف الثاني، فلا يقطع بسكنى هذا الأخير وزوجته وأولاده بالعين موضوع النزاع أو بترك المستأنف الأول الإقامة بها وتنازله عنها إلى أخيه المستأنف الثاني، إذ قد يتصادف وجود زوجة المستأنف الثاني بهذه العين للزيارة أو لأي سبب آخر وانتهز المستأنف عليهما فرصة تواجدها وقاما بتوقيع هذا الحجز على منقولات لم تذكر بالمحضر أنها مملوكة لها... وكذلك الحال بالنسبة "للفيلا" رقم 28 شارع...... التي ادعى المستأنف عليهما انتقال المستأنف الأول إليها، فقد ثبت بالدليل القاطع من شهادة شاهدي المستأنفين أن أولاداً ثلاثة للشقيق الثالث للمستأنفين ولدوا بهذه الشقة في الفترة من يناير سنة 1971 حتى مارس سنة 1973 - كما ثبت من جواز سفر والدة المستأنفين المؤرخ 14/ 12/ 1972 أن محل إقامتها بهذه الفيلا، ولا يعقل أن المستأنف الأول وأولاده يشاركون أخاه وأسرته ووالدته بهذا المسكن تاركين شقتهم موضوع النزاع للأخ الثالث الذي يقيم فعلاً بمسكن مستقل"، وكان هذا الذي أورده الحكم سائغاً ومقبولاً وله أصله الثابت بالأوراق وفيه الرد الضمني المسقط لما يثيره الطاعنون على خلافه والذي لا يعدو أن يكون مجادلة موضوعية في تقدير الأدلة بغية الوصول إلى نتيجة مغايرة لما انتهى إليه الحكم وأورد دليله، فإن النعي على الحكم بهذين الوجهين يضحى في غير محله.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالوجه الأول من السبب الثاني من سببي الطعن على الحكم المطعون فيه التناقض، إذ استند في قضائه.... برفض دعواهم إلى أن المطعون ضده الأول لا يزال يقيم بشقة النزاع ولم يتركها لشقيقة المطعون ضده الثاني الذي يقيم بالمسكن الكائن بشارع...، بينما يستفاد من قضائه برفض الادعاء بالتزوير صحة الإعلانات الموجهة إلى المطعون ضده الأول بالمسكن الأخير وإلى المطعون ضده الثاني بشقة النزاع مما يشوبه بالتناقض.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه لما كانت مهمة المحضر وفقاً لنص المادة السادسة من قانون المرافعات هي إجراء الإعلان أو التنفيذ، وليست - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - التحقق من إقامة المعلن إليه بالفعل بمكان إعلانه أو تركه إلى غيره، أو التحقق من شخصية المخاطب معه، فإن ما يقرره المحضر على لسان المخاطب معه في شأن هذه الإقامة لا تكون له حجية إلا في شأن واقعة انتقال المحضر إلى محل الإعلان وسؤاله عن المعلن إليه وتلقيه الإجابة التي أثبتها بمحضره من المخاطب معه، وذلك دون التطرق إلى مدى صحة هذه الإجابة، ومن ثم فإن فصل محكمة الموضوع في الادعاء بالتزوير الذي تناول أوراق إعلان المطعون ضدهما أمام محكمة الدرجة الأولى لم يكن ليستطيل إلى بحث حقيقة إقامة المطعون ضدهما بمكان إعلانهما وإنما يقتصر على تبيان حقيقة انتقال المحضر إلى مكان الإعلان وسؤاله عن المعلن إليهما وتلقيه الإجابة من المخاطب معه دون التحقق من مدى صحة هذه الإجابة، لما كان ذلك وكان الحكم الابتدائي المؤيد - في شأن الادعاء بالتزوير - بالحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه في هذا الشأن على ما أورده بمدوناته من أن "مناط ذلك الادعاء هو ثبوت أن المحضر الذي تولى الإعلان قد أثبت على خلاف الحقيقة أنه انتقل إلى محل إقامة الطاعن (بالتزوير) المثبت بالإعلانات المطعون عليها وأنه خاطب تابعاً له يصح مخاطبته عملاً بنص المادة 10 مرافعات، وحيث إنه اقتصرت شهادة شاهد الطاعن "بالتزوير" على أن الطاعن المذكور يقيم بالعقار 98 شارع...... منذ عشر سنوات سابقة بينما المدعى عليه الثاني يقيم بالعقار 28 شارع...، ولم تتضمن شهادة هذا الشاهد ثمة طعن على ما أثبته المحضر الذي تولى الإعلان ولم يرد بأقواله أن المحضر المذكور لم ينتقل إلى المحل المبين بالإعلانات المطعون عليها أو أنه لم يخاطب من خاطبهم في تلك الإعلانات فإن الطاعن يكون قد أخفق في إثبات ما ادعاه".. كما أضاف الحكم المطعون فيه إلى ذلك "أن المحضر الذي باشر الإعلانات المطعون عليها بالتزوير قد قام بواجبه في حدود السلطات المخولة له قانوناً، وأن ما ينسبه له المستأنفان من أخطاء لا يرقى إلى مرتبة تعمد إخفاء الحقيقة"، وكان التناقض الذي يعيب الحكم هو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ما تتعارض به الأسباب وتتهاتر ويسقط بعضها بعضاً بحيث لا يبقى منها ما يقيم الحكم ويحمله. وهو ما لم يقم بحال بين قضاء الحكم في الادعاء بالتزوير وما قضى به في موضوع النزاع الأمر الذي يضحى معه هذا النعي ولا سند له. ولما تقدم يتعين رفض الطعن.