مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة - العدد الثالث (من أول يونيه سنة 1959 إلى آخر سبتمبر سنة 1959) - صـ 1491

(128)
جلسة 13 من يونيه سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة سيد علي الدمراوي والسيد إبراهيم الديواني ومحيي الدين حسن وعلي إبراهيم بغدادي المستشارين.

القضية رقم 234 لسنة 4 القضائية

( أ ) جنسية.قوة الأمر المقضي في مسائل الجنسية - الأحكام التي تكتسب هذه القوة.
(ب) جنسية - المنازعات الخاصة بالجنسية - صورتها، والجهة التي تختصم فيها، والمحكمة التي تنظرها، وحجية الحكم الذي يصدر فيها - اشتمال المادة 20 من القانون رقم 160 لسنة 1950 على ما يفيد اختصاص القضاء الإداري بنظرها - حجية أحكام القضاء الإداري في مسائل الجنسية قبل الكافة.
(ج) جنسية - المنازعات الخاصة بالجنسية - اشتراك القضاء العادي في نظرها - الاختلاف في تفسير النصوص التي بني عليها - زوال هذا الاشتراك على أي حال بصدور القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة في الجمهورية العربية المتحدة.
(د) جنسية - قوة الأمر المقضي في مسائل الجنسية - حكم صادر من المحكمة الجنائية في جريمة دخول الأراضي المصرية بدون ترخيص - لا يكتسب - قوة الأمر المقضي في خصوص ثبوت الجنسية المصرية للمتهم - عدم تقيد القضاء الإداري بهذا الحكم.
1 - إن الأحكام القضائية التي تحوز قوة الأمر المقضي في الجنسية بصفة مطلقة يجب أن تصدر من الجهة القضائية التي أسند إليها القانون الفصل في هذا الخصوص في دعوى تكون في مواجهة من يعتبره القانون ممثلاً للدولة في هذا الشأن.
2 - إن الجنسية هي رابطة تقوم بين شخص ما ودولة باعتباره منتمياً إليها سياسياً، والطبعي أن يصدر الحكم في الجنسية في مواجهة الجهة الإدارية المختصة، وهي في الإقليم المصري وزارة الداخلية؛ ولذا فإن المادة 20 من القانون رقم 160 لسنة 1950 الخاص بالجنسية المصرية والقوانين المعدلة له تنص على أن "يعطي وزير الداخلية كل ذي شأن شهادة بالجنسية المصرية مقابل دفع الرسوم التي تفرض بقرار منه، وذلك بعد التحقق من ثبوت الجنسية إذ يكون لهذه الشهادة حجيتها القانونية ما لم تلغ بقرار مسبب من وزير الداخلية، ويجب أن تعطى هذه الشهادة لطالبها خلال سنة على الأكثر من تاريخ تقديم الطلب، ويعتبر امتناع وزير الداخلية عن إعطائها في الميعاد المذكور رفضاً للطلب، ولمن يرفض طلبه حق التظلم والطعن أمام الجهات المختصة"؛ مما يستفاد منه أن القضاء الإداري مختص بمنازعات الجنسية عن طريق الطعن بالإلغاء في قرار وزير الداخلية الصريح أو الضمني حسب الأحوال، على النحو السالف البيان، برفض إعطاء الشهادة بالجنسية.وغني عن القول أن الحكم الصادر من القضاء الإداري في هذا الخصوص يحوز حجية مطلقة؛ إذ يعتبر حجة على الكافة طبقاً لقانون مجلس الدولة.
3 - إن اختصاص القضاء الوطني بمنازعات الجنسية قد استفاده القضاء المذكور من نص المادة 99 من قانون المرافعات التي تقضي بأنه على النيابة أن تتدخل في كل قضية تتعلق بالأحوال الشخصية أو بالجنسية وإلا كان الحكم باطلاً؛ وذلك لأن تدخل النيابة كطرف في المنازعة قد شرع رعاية لصالح الدولة.ومهما يكن من أمر في اختصاص القضاء الوطني في مسائل الجنسية على ما ثار حوله من جدل باعتبار أن مشروع قانون الجنسية رقم 160 لسنة 1950 كان يتضمن النص على ذلك، ثم أسقط منه وجعل الاختصاص للقضاء الإداري في المادة 24 منه - مهما يكن من أمر في ذلك فقد زال هذا الاشتراك في الاختصاص بعد أن صدر القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة في الجمهورية العربية المتحدة، ناصاً في الفقرة التاسعة من المادة الثامنة منه على أن يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيره بالفصل في دعاوى الجنسية، فأصبح وحده هو الجهة المختصة بالفصل في تلك المسائل، ويحوز قضاؤه فيها حجية مطلقة على الكافة في هذا الشأن بالتطبيق للمادة 20 منه.
4 - إن التحدي في مقام إثبات الجنسية المصرية بالحكم الجنائي بالبراءة الصادر من محكمة جنح الإسكندرية في جريمة دخول الأراضي المصرية بدون ترخيص لا يجدي في هذا الشأن؛ ذلك أن المادة 406 من القانون المدني وقد نصت على أنه "لا يرتبط القاضي المدني بالحكم الجنائي إلا في الوقائع التي فصل فيها هذا الحكم وكان فصله فيها ضرورياً"، فإن مفاد ذلك أن المحكمة المدنية تتقيد بما أثبتته المحكمة الجنائية في حكمها من وقائع، دون أن تتقيد بالتكييف القانوني لهذه الوقائع؛ فقد يختلف التكييف من الناحية المدنية عنه من الناحية الجنائية؛ وينبني على ذلك أنه إذا حكم القاضي الجنائي بالبراءة أو الإدانة لأسباب ترجع إلى الوقائع؛ بأن أثبت في حكمه أن الفعل المسند إلى المتهم لم يحصل أو أثبت حصوله، تقيد القاضي المدني بثبوت الوقائع أو عدم ثبوتها على هذا النحو، أما إذا قام الحكم الجنائي بالبراءة على أسباب ترجع إلى التكييف القانوني لم يتقيد القاضي المدني بذلك، كما لو قام الحكم الجنائي على ثبوت رابطة البنوة المانعة من توقيع العقاب في جريمة السرقة لوجود نص يمنع من ذلك، فلا يحوز الحكم الجنائي قوة الأمر المقضي في ثبوت هذه الرابطة الشرعية بصفة مطلقة، كما في دعوى بنوة أو نفقة أو إرث مثلاً؛ إذ ولاية القضاء في ذلك معقودة أصلاً لجهة اختصاص معينة، ولتلك الروابط أوضاعها وإجراءاتها وأكيافها الخاصة بها أمام تلك الجهات.هذا ما ذهب إليه الفقه والقضاء في المجال المدني، مع مراعاة أن القضاء المدني والقضاء الجنائي فرعان يتبعان نظاماً قضائياً واحداً يستقل عنه القضاء الإداري؛ فمن بأب أولى لا يتقيد القضاء الإداري بالحكم الجنائي الذي مس في أسبابه مسائل الجنسية، إذا كان هذا الحكم قد قام على تكييف أو تأويل قانوني، فمثلاً إذا انبنى حكم البراءة في جريمة دخول الأراضي المصرية بدون ترخيص على ما فهمته المحكمة الجنائية من أن المتهم مصري الجنسية بحسب تأويلها للنصوص القانونية في هذا الشأن ولم يقم على ثبوت أو نفي واقعة معينة من الوقائع، فإن هذا الحكم وإن حاز قوة الأمر المقضي في تلك الجريمة المعينة، إلا أنه لا يحوز هذه القوة في ثبوت الجنسية المصرية بصفة مطلقة؛ لأن الجنسية - كما سبق القول - وهي رابطة سياسية بين الدولة وبين من يدعي الانتماء إليها؛ وبهذه المثابة تقتضي تأويلاً وتكييفاً قانونياً على مقتضى القوانين التي تحكم هذه المسألة بالذات.


إجراءات الطعن

في يوم 26 من فبراير سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 31 من ديسمبر سنة 1957 في القضية رقم 1637 لسنة 10 القضائية المرفوعة من السيد/ محمد أحمد عثمان ضد وزارة الداخلية، والقاضي "بعدم قبول الدعوى، وإلزام المدعي بالمصروفات".وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب الواردة في عريضة طعنه - "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، القاضي بعدم قبول الدعوى، وبقبولها، والقضاء بإلغاء قرار إبعاد المدعي الصادر في 2 من نوفمبر سنة 1952.مع إلزام الحكومة بالمصروفات".وقد أعلن الطعن للحكومة في 5 من مارس سنة 1958، وللمدعي في 9 منه، وعين لنظره جلسة 21 من مارس سنة 1959، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات على الوجه المبين بالمحضر، وأرجئ الحكم لجلسة 30 من مايو سنة 1959، ثم تأجل لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المدعي أقام هذه الدعوى بعريضة أودعها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 4 من فبراير سنة 1956 طالباً الحكم بإلغاء قرار إبعاده الصادر في 2 من نوفمبر سنة 1952، مع إلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.وقال - شرحاً لدعواه - إنه مصري الجنسية، وأن جنسيته مستمدة من الفقرة الرابعة من المادة السادسة من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929؛ إذ أنه مولود بمصر في 23 من مارس سنة 1923 من أب جزائري ولد هو الآخر بمصر، وينتمي بجنسيته إلى غالبية السكان في بلد لغته العربية ودينه الإسلام؛ ومن ثم فلا يجوز إبعاده وفقاً لأحكام الدستور التي تنهي عن إبعاد المصريين؛ ولذلك يكون القرار الصادر بإبعاده بعد استيفائه مدة العقوبة المحكوم عليه بها في قضية جنحة باطلاً وواجباً إلغاؤه، وقد عاد إلى مصر مستنداً إلى حقه الدستوري، ولكن بوليس الإسكندرية قبض عليه بتهمة دخوله الأراضي المصرية بدون جواز سفر، وقد ظل مقبوضاً عليه حتى قضت محكمة الجنح ببراءته وبإخلاء سبيله فوراً، وذلك في القضية رقم 2949 لسنة 1954، إلا أن بوليس الإسكندرية قبض عليه ثانية عقب الإفراج عنه وأودعه سجن الأجانب وأبعده عن مصر بالقوة، ولكنه عاد ثانية، وبمجرد عودته قبض عليه البوليس وقدمه للمحاكمة بتهمة دخوله الأراضي المصرية بغير جواز سفر، وذلك في الجنحة رقم 3969 سنة 1955 جنح كرموز، فصدر فيها الحكم بالبراءة بعد أن ثبت للمحكمة أنه مصري، ولكن بوليس الإسكندرية قبض عليه وأبعده مرة أخرى خارج مصر، فعاد مرة أخرى مستنداً إلى حقه الدستوري، فقبض عليه البوليس وأودعه سجن الأجانب تمهيداً لترحيله، وقد علم أن البوليس يستند في إبعاده إلى ما يزعمه من صدور قرار في 2 من نوفمبر سنة 1952 من وزير الداخلية بإبعاده عن مصر باعتباره أجنبياً، ولما كان المدعي لم يعلن أبداً بهذا القرار، ولا علم له به، وقد ورد عرضاً في دفاع النيابة العمومية في القضية رقم 2949 لسنة 1954 جنح الإسكندرية المستأنفة، ولا يجوز إبعاده عن مصر باعتباره مصرياً؛ ولذلك يكون هذا القرار باطلاً متعيناً إلغاؤه.وقد ردت الوزارة على ذلك بأن المدعي مولود بالإسكندرية ومقيد بدفاتر القنصلية الفرنسية بالإسكندرية باعتباره جزائرياً ومن رعايا فرنسا، وفي 21 من يوليه سنة 1952 طلبت إدارة الأمن العام (إدارة الجنايات) اتخاذ الإجراءات اللازمة لإبعاده من الأراضي المصرية لصدور حكم عليه في القضية رقم 4 جنح مخدرات قسم العطارين سنة 1952 بالحبس مدة سنة وغرامة قدرها 200 ج لضبطه محرزاً كمية من الحشيش؛ وقد تأيد هذا الحكم استئنافياً بجلسة 14 من يوليه سنة 1952، فعرض أمره على اللجنة الاستشارية للإبعاد التي وافقت على إبعاده، وصدر بذلك قرار في 2 من نوفمبر سنة 1952؛ وذلك تطبيقاً لنص المادة 15 من المرسوم بقانون رقم 74 لسنة 1952، وتم إبعاده بالفعل في يوم 19 من مايو سنة 1953، ووضع اسمه في قائمة الممنوعين من دخول الأراضي المصرية، ولكنه دخل البلاد خلسة، وضبط وقدم لمحكمة جنح كرموز في القضية رقم 1811 جنح كرموز سنة 1954، وحكم عليه بجلسة 6 من إبريل سنة 1954 بالحبس ثلاثة أشهر، وأعيد ترحيله خارج البلاد، ولكنه عاد مرة أخرى فضبط وقدم للمحاكمة.وفي 9 من يناير سنة 1956 تقدم محامي المدعي بصورة من حكم صادر من محكمة الجنح المستأنفة بالإسكندرية يقضي بإلغاء الحكم الصادر بحبسه لدخوله البلاد خلسة، واستندت المحكمة المذكورة في حكمها إلى أنه يعتبر مصرياً بالتطبيق لنص الفقرة الرابعة من المادة السادسة من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 التي تنص على أنه "يعتبر مصرياً من ولد في القطر المصري لأب أجنبي ولد هو أيضاً فيه إذا كان هذا الأجنبي ينتمي بجنسيته لغالبية السكان في بلد لغته العربية أو دينه الإسلام"، ثم قالت الوزارة إن هذه المادة التي استندت إليها المحكمة لا تسري في الواقع إلا على الأحداث التي تقع بعد صدور المرسوم بقانون المذكور، وبالتالي لا تسري هذه المادة على المدعي؛ ولذلك لا يمكن اعتباره مصرياً، وأن حكم محكمة الجنح المستأنفة - وقد أصبح انتهائياً وقضى ببراءة المدعي مما نسب إليه - فإنه يكتسب الحجية فيما ورد في منطوقه فحسب، بغض النظر عن الأسباب التي استند إليها، أي أن حجيته مقصورة على حكم البراءة، ولا شك في أن دعوى الجنسية الأصلية لم ينظمها القانون المصري، اللهم إلا أن تكون في صورة طعن في قرار صدر من وزير الداخلية برفض الاعتراف لصاحب الشأن بالجنسية المصرية، وأن حكم المادة 24 من المرسوم بقانون السالف الذكر - التي تنص على أن "جميع الأحكام التي تصدر في مسائل الجنسية تعتبر حجة على الكافة وينشر منطوقها في الجريدة الرسمية" - لا ينصرف إلا إلى الدعاوى التي ترفع بصفة أصلية، سواء كانت في صورة طلب الاعتراف الإداري في دعاوى ثبوت الجنسية أو الطعن في القرار الإداري نتيجة لعدم الاعتراف بالجنسية.وانتهت الوزارة إلى أن المدعي لا يفيد من نص المادة المشار إليها، وبالتالي يعتبر أجنبياً، ويكون قرار الإبعاد سليماً شكلاً وموضوعاً، ويتعين رفض دعواه لسببين: (الأول) أن قرار الإبعاد صدر في سنة 1952؛ وبذلك فات ميعاد الطعن فيه أمام مجلس الدولة، ولا يحتج بأنه لم يعلن بالقرار؛ إذ كيف يتم تنفيذه دون أن يعلم به.(ثانياً) أن المدعي خطر على أمن الدولة وسلامتها، وهذا ظاهر من سوابقه الثابتة في ملفه.وبجلسة 31 من ديسمبر سنة 1957 حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.وأقامت قضاءها على أن المدعي غير مصري، وأن قرار الإبعاد المطعون فيه في هذه الدعوى قد صدر في 2 من نوفمبر سنة 1952، والدعوى لم ترفع إلا في 4 من فبراير سنة 1956، أي بعد فوات ما يزيد على الستين يوماً من تاريخ صدوره، مع توافر علمه اليقيني بالقرار؛ إذ أبعد عن الأراضي المصرية تنفيذاً له أكثر من مرة.وقد بحثت المحكمة في حكمها حالة المدعي، وانتهت إلى أنه لا يفيد من حكم الفقرة الرابعة من المادة السادسة من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 الخاص بالجنسية المصرية؛ ذلك لأن الإفادة منه مشروطة بأن يولد الشخص بعد صدور القانون، أما من ولد قبل ذلك - والمدعي مولود في سنة 1923 - فلا يفيد من حكمه مطلقاً لسبق اكتسابه جنسية والده الأجنبية، ولا سبيل إلى كسبه الجنسية المصرية إلا عن طريق التجنس حسبما استقر عليه رأي الفقه والقضاء؛ ومن ثم لا يكون القرار المطعون فيه قد صدر بإبعاد مصري كما يزعم، وبالتالي يكون القول ببطلانه بطلاناً أصلياً على غير أساس؛ ومن ثم كان واجباً عليه طلب إلغائه في الميعاد القانوني، ولا يوثر في هذه النتيجة ما ذهب إليه المدعي من أن الحكم الصادر من محكمة الجنح المستأنفة بالإسكندرية في الدعوى رقم 2949 لسنة 1954 بإثبات جنسيته المصرية ذو حجية مطلقة، وأن الأحكام المقررة؛ ومن ثم تكون جنسيته المصرية ثابتة له قانوناً؛ ذلك لأنه وإن كانت المادة 24 من المرسوم بقانون المشار إليه قد نصت على أن جميع الأحكام الصادرة في مسائل الجنسية تعتبر حجة على الكافة وينشر منطوقها في الجريدة الرسمية، - إلا أن المحكمة ترى أن حكم هذه المادة لا ينصرف إلا إلى الأحكام التي تصدر في الدعاوى التي تقام بصفة أصلية على السلطة الإدارية المختصة، سواء أكانت في صورة مطالبة بالاعتراف بالجنسية المصرية، أو بالطعن في القرار الإداري الصادر فيها بعدم الاعتراف بها، أما الأحكام التي تصدر في الدعاوى التي بين الأفراد ولم تكن الجهات الإدارية المختصة ممثلة فيها فإنها تكون ذات حجية نسبية لا تتعدى طرفي الخصومة في تلك الدعاوى؛ ذلك أن الجنسية لا تثار في الدعاوى المذكورة إلا باعتبارها مسالة أولية يلزم الفصل فيها إما لتحديد الاختصاص أو القانون الواجب التطبيق على واقعة النزاع، ثم يأتي بعد ذلك الحكم في موضوع النزاع الأصلي، وهو الذي يكون له قوة الشيء المحكوم به، وهو دائماً ذو حجية نسبية في الدعاوى المدنية؛ ومن ثم فلا يجوز أن يكون للحكم في المسألة الأولية قوة تفوق الحكم في موضوع النزاع ذاته.أما الأحكام الجنائية فإنها وإن كانت ذات حجية مطلقة، إلا أن هذه الحجية لا تتعدى منطوق الحكم الجنائي، سواء أكان بالبراءة أو الإدانة، دون أسبابه، ولا تلحق المسائل الأولية التي يكون الحكم قد تعرض لها وفصل فيها، كالجنسية مثلاً، ولأن المحكمة لم تفصل فيها إلا بالنسبة إلى الدعوى المعينة التي كانت مطروحة أمامها وفي حدودها، فلا يتعدى أثر حكمها فيها إلى دعوى أخرى.ثم استطردت المحكمة، وناقشت ما ذهب إليه حكم محكمة جنح كرموز في قضية الجنحة رقم 3969 لسنة 1955 الصادر في 3 من يناير سنة 1956 ببراءة المدعي من تهمة دخول البلاد بدون جواز سفر استناداً إلى أن حكم محكمة الجنح المستأنفة بالإسكندرية السالف الذكر قد حاز قوة الشيء المقضى به فيما يتعلق باعتبار المدعي مصرياً، فقالت إن ما ذهبت إليه محكمة كرموز لا يرتكز على أساس قانوني؛ لأنه إذا كان من المسلم به أن الحكم في جريمة معينة لا يكون له قوة الشيء المحكوم فيه إذا عاد المتهم وارتكب جريمة جديدة من نوع الأولى، فإنه لم يكن جائزاً اعتبار ما ورد بحكم محكمة الجنح المستأنفة بشأن جنسية المدعي حائزاً لقوة الشيء المقضى به، ومانعاً من إعادة بحث جنسيته، ما دام أن الجنسية قد أثيرت بصدد جريمة جديدة، ارتكبها المدعي، وإن كانت من نوع الجريمة الأولى؛ إذ الحكم الصادر بالبراءة من محكمة الجنح المستأنفة لا يمنع من محاكمة المدعي عن الجريمة الجديدة التي هي من نوع الجريمة الأولى، وأنه من باب أولى لا يكون ما ورد بأسباب الحكم المذكور بشأن جنسية المدعي مانعاً من إعادة بحث هذه الجنسية مرة أخرى إذا ما أثيرت عند نظر الجريمة الجديدة، هذا فضلاً عن أنه من المسلم أن أسباب الحكم لا تكون لها قوة الشيء المقضى به إلا إذا ارتبطت بالمنطوق ارتباطاً لا تقوم للحكم بدونه قائمة، والحال في واقعة هذه الدعوى أن الجريمة التي ارتكبها المدعي - وهي دخوله البلاد بدون جواز سفر أو تصريح من الجهات المختصة - تقوم أيضاً حتى ولو كان المدعي مصرياً متى كان غير حامل لجواز السفر؛ ومن ثم لم يكن من اللازم التعرض لجنسية المدعي، وبالتالي لا يكون هناك ارتباط وثيق ولا تلازم بين الحكم ببراءة المدعي وثبوت جنسيته المصرية.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه استند في عدم قبول الدعوى إلى أن قرار الإبعاد صدر في سنة 1952، وعلم به المدعي عند تنفيذه في سنة 1953، ولكنه لم يقم دعواه إلا في 4 من يوليه سنة 1956، ولم يقم هذا الحكم وزناً للحكم الصادر من محكمة الجنح المستأنفة بالإسكندرية الذي قضى بثبوت الجنسية المصرية للمدعي بالرغم مما لهذا الحكم الأخير من حجية مطلقة، وراحت محكمة القضاء الإداري تعالج حالته وانتهت إلى أنه أجنبي، ومن ثم كان يتعين عليه الطعن في قرار إبعاده في مدى الستين يوماً التالية لعلمه به، في حين أن لهذا الحكم حجية على الكافة تلتزم جميع جهات القضاء باحترامها، ومن مقتضى هذه الحجية أن يعتبر المدعي مصرياً تحرم القواعد الدستورية إبعاده، مما يجعل قرار الإبعاد منعدماً، ويحق له طلب إلغائه، أو على الأصح تقرير انعدامه في أي وقت دون التقيد بالميعاد المقرر لدعوى الإلغاء، وهذه الحجية المطلقة مستمدة من قانون الجنسية المصرية رقم 160 لسنة 1950؛ إذ تنص المادة 24 منه على أن جميع الأحكام التي تصدر في مسائل الجنسية تعتبر حجة على الكافة وينشر منطوقها في الجريدة الرسمية، وقد ورد هذا النص حرفياً في المادة 28 من قانون الجنسية المصرية رقم 391 لسنة 1956.وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 160 لسنة 1950 أن مشروع القانون قد جعل الاختصاص للمحاكم المدنية في جميع المسائل المتعلقة بالجنسية، سواء أكانت في صورة دعوى أصلية أم في صورة طعن في قرار من قرارات وزير الداخلية، وقد روعي في ذلك أن مسائل الجنسية هي في الواقع من مسائل الأحوال المدنية، وقد جعل التشريع الفرنسي الاختصاص في مسائل الجنسية للمحاكم المدنية، كما روعي من جهة أخرى - للآثار التي تترتب على اكتساب الجنسية أو فقدها - أن يكون مجال الدفاع عن حقوق ذوي الشأن واسعاً ومحوطاً بجميع الضمانات الممكنة، ونص الشارع على وجوب تمثيل النيابة العامة في القضايا الخاصة بالجنسية التي ترفع في مواجهة وزير الداخلية؛ وذلك لاعتبار الأحكام الصادرة في هذه المسائل حجة على الكافة؛ فيتعين - والحالة هذه - أن تكون النيابة العامة المعهود إليها الدفاع عن مصالح المجتمع طرفاً في الدعوى.وقد استقر الرأي على أن الأحكام التي تفصل في مسائل الجنسية تتمتع بحجية مطلقة طبقاً لنص المادتين المشار إليهما الذي هو من الشمول والوضوح والعموم بحيث يصدق على جميع الأحكام التي تصدر عن أي جهة من جهات القضاء في مسائل الجنسية، ويستوي في ذلك أن تكون المنازعة في الجنسية قد عرضت في صورة دعوى مبتدأة أو في صورة مسألة فرعية، كما يستوي أن يكون النزاع قد طرح أمام القضاء الإداري أو القضاء العادي، فالدولة تكون دائماً خصماً أمام القضاء الإداري، كما تمثلها النيابة العامة أمام القضاء العادي؛ إذ يوجب القانون تدخلها في كل قضية تتعلق بالجنسية بوصفها طرفاً منضماً، وقد ذهب المشرع المصري إلى أبعد مما ذهب إليه المشرع الفرنسي الذي قصر الحجية المطلقة على الأحكام المدنية دون الجنائية، بينما عموم النص المصري يتسع لجميع الأحكام الصادرة من القضاء الإداري أو العادي، بشرط أن تكون النيابة العامة ممثلة في النزاع أمام القضاء العادي، فالحكم الجنائي الصادر بثبوت الجنسية المصرية للمدعي له حجية مطلقة، والتهمة التي وجهتها النيابة العامة للمدعي هي دخوله البلاد المصرية بدون جواز سفر، مخالفاً بذلك حكم المادة الأولى من القانون رقم 74 لسنة 1952 في شأن جوازات السفر وإقامة الأجانب، وهذه التهمة لا توجه إلا لأجنبي؛ والمحكمة - إذ بحثت جنسية المتهم (المدعي) وانتهت إلى ثبوت الجنسية المصرية له بالتطبيق لنص الفقرة الرابعة من المادة السادسة السالفة الذكر - فإن حكمها في صدد الجنسية يحوز حجية مطلقة؛ لأنه لم يكن متناولاً الجنسية كمسألة فرعية، وإنما لأنها لب التهمة، وكانت النيابة، وهي التي أقامت دعوى الجنحة، ممثلة في النزاع على صورة أقوى مما لو كانت جهة الإدارة مدعى عليها؛ لأنها هي التي طلبت من القضاء اعتبار المدعي أجنبياً وإنزال العقاب به، فإذا قضت المحكمة بأنه مصري فمن الخطأ القول بأن الحجية مقصورة على البراءة؛ ذلك لأن المدعي قدم للمحاكمة على أساس أنه أجنبي؛ الأمر الذي يجعل الفصل في أمر الجنسية هو جوهر الحكم، وهو ما قضت فيه في هذه الدعوى التي مثلت فيها الدولة خير تمثيل وعلى صورة أقوى مما لو كانت مدعى عليها؛ ومن ثم فإن هذا الحكم يحوز حجية مطلقة طبقاً لنص المادة 24 من القانون رقم 160 لسنة 1950 التي حلت محلها المادة 28 من القانون رقم 391 لسنة 1956، وبالتالي فإن المدعي، كمصري، لا يبعد عن الأراضي المصرية، ويكون القرار المطعون فيه قراراً باطلاً بل معدوماً، ويجوز تقرير انعدامه في أي وقت دون تقيد بالمواعيد المقررة للطعن بالإلغاء.وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير ذلك فقضى بعدم قبول الدعوى فقد خالف القانون؛ لأنه أهدر حجية الشيء المقضى به.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه في محله للأسباب التي قام عليها وتأخذ بها هذه المحكمة، وتضيف إليها أن الأحكام القضائية التي تحوز قوة الأمر المقضي في الجنسية بصفة مطلقة يجب أن تصدر من الجهة القضائية التي أسند إليها القانون الفصل في هذا الخصوص في دعوى تكون في مواجهة من يعتبره القانون ممثلاً للدولة في هذا الشأن.
ومن حيث إن الجنسية هي رابطة تقوم بين شخص ما ودولة باعتباره منتمياً إليها سياسياً، والطبعي أن يصدر الحكم في الجنسية في مواجهة الجهة الإدارية المختصة، وهي في الإقليم المصري وزارة الداخلية؛ ولذا فإن المادة 20 من القانون رقم 160 لسنة 1950 الخاص بالجنسية المصرية والقوانين المعدلة له تنص على أن "يعطي وزير الداخلية كل ذي شأن شهادة بالجنسية المصرية مقابل دفع الرسوم التي تفرض بقرار منه، وذلك بعد التحقق من ثبوت الجنسية، ويكون لهذه الشهادة حجيتها القانونية، ما لم تلغ بقرار مسبب من وزير الداخلية، ويجب أن تعطى هذه الشهادة لطالبها خلال سنة على الأكثر من تاريخ تقديم الطلب ويعتبر امتناع وزير الداخلية عن إعطائها في الميعاد المذكور رفضاً للطلب، ولمن يرفض طلبه حق التظلم والطعن أمام الجهات المختصة"؛ مما يستفاد منه أن القضاء الإداري مختص بمنازعات الجنسية عن طريق الطعن بالإلغاء في قرار وزير الداخلية الصريح أو الضمني بحسب الأحوال، على النحو السالف البيان، برفض إعطاء الشهادة بالجنسية.وغني عن القول أن الحكم الصادر من القضاء الإداري في هذا الخصوص يحوز حجية مطلقة؛ إذ يعتبر حجة على الكافة طبقاً للمادة 9 من قانون مجلس الدولة رقم 9 لسنة 1949، هذا وقد رددت قوانين الجنسية اللاحقة النص المشار إليه.أما اختصاص القضاء الوطني بمنازعات الجنسية فقد استفاده القضاء المذكور من نص المادة 99 من قانون المرافعات التي تقضي بأنه على النيابة أن تتدخل في كل قضية تتعلق بالأحوال الشخصية أو بالجنسية وإلا كان الحكم باطلاً؛ وذلك لأن تدخل النيابة - كطرف في المنازعة - قد شرع رعاية لصالح الدولة.ومهما يكن من أمر في اختصاص القضاء الوطني في مسائل الجنسية على ما ثار حوله من جدل باعتبار أن مشروع قانون الجنسية رقم 160 لسنة 1950 كان يتضمن النص على ذلك ثم أسقط منه وجعل الاختصاص للقضاء الإداري في المادة 24 منه على النحو المشار إليه - مهما يكن من أمر في ذلك، فقد زال هذا الاشتراك في الاختصاص، بعد إذ صدر القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة في الجمهورية العربية المتحدة، ناصاً في الفقرة التاسعة من المادة الثامنة منه على أن يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيره بالفصل في دعاوى الجنسية، فأصبح وحده هو الجهة المختصة بالفصل في تلك المسائل، ويحوز قضاؤه فيها حجية مطلقة على الكافة في هذا الشأن بالتطبيق للمادة 20 منه، ولم يصدر حكم حاز قوة الأمر المقضي في إسناد الجنسية المصرية إلى المدعي من الجهة القضائية المختصة يصح الاستناد إليه في خصوصية الدعوى الحالية، أما التحدي بالحكم الجنائي الصادر من محكمة جنح الإسكندرية فلا يجدي في هذا الشأن؛ ذلك أن المادة 406 من القانون المدني - وقد نصت على أنه "لا يرتبط القاضي المدني بالحكم الجنائي إلا في الوقائع التي فصل فيها هذا الحكم وكان فصله فيها ضرورياً" - فإن مفاد ذلك أن المحكمة المدنية تتقيد بما أثبتته المحكمة الجنائية في حكمها من وقائع دون أن تتقيد بالتكييف القانوني لهذه الوقائع؛ فقد يختلف التكييف من الناحية المدنية عنه من الناحية الجنائية؛ وينبني على ذلك أنه إذا حكم القاضي الجنائي بالبراءة أو الإدانة لأسباب ترجع إلى الوقائع؛ بأن أثبت في حكمه أن الفعل المسند إلى المتهم لم يحصل، أو أثبت حصوله، تقيد القاضي المدني بثبوت الوقائع أو عدم ثبوتها على هذا النحو، أما إذا قام الحكم الجنائي بالبراءة على أسباب ترجع إلى التكييف القانوني لم يتقيد القاضي المدني بذلك، كما لو قام الحكم الجنائي على ثبوت رابطة البنوة المانعة من توقيع العقاب في جريمة السرقة لوجود نص يمنع من ذلك، فلا يحوز الحكم الجنائي قوة الأمر المقضي في ثبوت هذه الرابطة الشرعية بصفة مطلقة، كما في دعوى بنوة أو نفقة أو إرث مثلاً؛ إذ ولاية القضاء في ذلك معقودة أصلاً لجهة اختصاص معينة، ولتلك الروابط أوضاعها وإجراءاتها وأكيافها الخاصة بها أمام تلك الجهات.هذا ما ذهب إليه الفقه والقضاء في المجال المدني مع مراعاة أن القضاء المدني والقضاء الجنائي فرعان يتبعان نظاماً قضائياً واحداً يستقل عنه القضاء الإداري؛ فمن باب أولى لا يتقيد القضاء الإداري بالحكم الجنائي الذي مس في أسبابه مسائل الجنسية، إذا كان هذا الحكم قد قام على تكييف أو تأويل قانوني، فمثلاً إذا انبنى حكم البراءة في جريمة دخول الأراضي المصرية بدون ترخيص على ما فهمته المحكمة الجنائية من أن المتهم مصري الجنسية بحسب تأويلها للنصوص القانونية في هذا الشأن، ولم يقم على ثبوت أو نفي واقعة معينة من الوقائع؛ فإن هذا - الحكم وإن حاز قوة الأمر المقضي في تلك الجريمة المعينة إلا أنه لا يحوز هذه القوة في ثبوت الجنسية المصرية بصفة مطلقة؛ لأن الجنسية - كما سبق القول - وهي رابطة سياسية بين الدولة وبين من يدعي الانتماء إليها، وبهذه المثابة تقتضى تأويلاً وتكييفاً قانونياً على مقتضى القوانين التي تحكم هذه المسألة بالذات؛ ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق في قضائه، فيتعين رفض الطعن.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.