مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1960 إلى آخر ديسمبر سنة 1960) - صـ 72

(11)
جلسة 5 من نوفمبر سنة 1960

برياسة السيد/ سيد علي الدمراوي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة الإمام الإمام الخريبي، وعبد المنعم سالم مشهور ومحمد عبد العزيز البرادعي، ومحمد عزت عبد المحسن المستشارين.

القضية رقم 643 لسنة 5 القضائية

( أ ) وظيفة - تعيين - ترخص الجهة الإدارية في التعيين في الوظائف العامة - سلطتها في هذا الشأن تقديرية - القيود التي ترد عليها.
(ب) وظيفة - تعيين - حق الجهة الإدارية في التحري بكافة الطرق عن صلاحية المرشح لشغل الوظيفة - لا تثريب عليها، في سبيل التأكد من سلوك المرشح وبعده عن المبادئ الهدامة والنشاط الضار بسلامة الدولة وأمنها، إن هي استطلعت رأي إدارة المباحث العامة باعتبارها أقدر الجهات الرسمية المختصة بذلك - امتناعها عن تعيينه اعتماداً على رأي الإدارة المذكورة - سلامة قرارها في هذا الشأن - النعي على ذلك بوجوب الاكتفاء بشهادة حسن السير والسلوك - لا يجدي - أساس ذلك - مثال بالنسبة لتعيين عمال إدارة النقل العام لمدينة الإسكندرية.
1 - إن الجهة الإدارية تترخص في التعيين في الوظائف العامة بسلطتها التقديرية بما لا تعقيب عليه إلا في أحوال إساءة استعمال السلطة، ما لم يقيدها القانون بنص خاص أو ما لم تقيد نفسها بقواعد تنظيمية معينة، فالتعيين أمر متروك للجهة الإدارية باعتبارها المسئولة عن حسن سير المرافق العامة.
2 - إن من حق الجهة الإدارية أن تتأكد من ملاءمة المرشح للوظيفة بكافة الطرق التي تراها مؤدية للوصول إلى اختيار الأصلح للتعيين فيها.
فإذا كان الثابت من الأوراق أن إدارة النقل العام لمدينة الإسكندرية بعد أن أجرت امتحاناً بين الحاصلين على أعلى الدرجات فيه ممن لا تشوب سمعتهم شائبة للتعيين في مرفق النقل العام، وهو من المرافق ذات الأهمية والخطورة مما يقتضي التحري عن سلوك العمال فيه والتأكد من أنه ليس لهم نشاط هدام حتى تطمئن بذلك إلى سلامة المرفق وحسن سيره، وهي إذ تعرفت رأي إدارة المباحث العامة عن سلوك المرشحين للتعيين ومدى بعدهم عن المبادئ الهدامة باعتبار هذه الإدارة أقدر الجهات الرسمية المختصة بذلك، فإن إدارة النقل تكون قد سلكت الطريق القويم، وما دامت إدارة المباحث العامة لم توافق على تعيينه فإنه من حق القائمين على إدارة المرفق أن يمتنعوا عن تعيينه اطمئناناً منهم على سلامة المرفق ومنعاً لأن يندس بين عماله بعض المشاغبين وذوو النشاط الهدام، ولا يقدح في ذلك ما قيل من وجوب الاكتفاء بشهادة حسن السير والسلوك المقدمة من المدعي وإلى أن الاشتغال بالسياسة أمر غير محرم قانوناً، إذ أنه فضلاً عن أن شهادة حسن السلوك لا تقطع في ذاتها بعدم وجود نشاط هدام - إذ أن ذوي الميول السياسية المنحرفة إنما يباشرون نشاطهم سراً وفي تحرز واستخفاء بعيداً عن أعين الناس مما قد يخفي عادة على محرري شهادة حسن السلوك - فإن تقديم هذه الشهادة لا يمنع الجهة الإدارية من التزيد في البحث والتدقيق والاستعانة بالجهات الرسمية المختصة في التأكد من صلاحية المرشحين وعدم وجود نشاط هدام لهم، كما أن تأشيرة إدارة المباحث بعبارة "لا مانع من تعيينهم سياسياً" لا تعني أن إدارة المباحث تحرم الاشتغال بالمبادئ السياسية العامة للدولة وإنما تعني في الواقع أنه ليس للمطلوب التحري عنه أي نشاط سياسي هدام أو ضار بسلامة الدولة وأمنها.
وعلى ذلك يكون من حق إدارة النقل بل من واجبها حرصاً على سلامة المرفق أن تمتنع عن تعيين المدعي ويكون قرارها المطعون فيه سليماً ومتفقاً مع القانون وفي حدود السلطة المخولة لها ولا مخالفة فيه أو انحراف مما يجعله حصيناً من الإلغاء وبمنأى عن أي طعن.


إجراءات الطعن

بتاريخ 12 من إبريل سنة 1959 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لجميع الوزارات والمصالح بالإسكندرية بجلسة 12 من فبراير سنة 1959 في الدعوى رقم 289 لسنة 4 القضائية المقدمة من محمد إبراهيم بسيوني ضد إدارة النقل العام لمنطقة الإسكندرية وهو الحكم الذي قضى بإلغاء القرار الصادر في سبتمبر سنة 1956 بالتعيين في وظائف كمسارية فيما تضمنه من تخطي المدعي وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الإدارة بالمصروفات. وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن "القضاء بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات". وقد أعلن كل من المطعون ضده والجهة الإدارية بعريضة الطعن في 21 و22 من يونيه سنة 1959 على التوالي ولم يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظات في الميعاد القانوني. وقد تحدد لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 12 من يونيه سنة 1960 وأخطر الطرفان بميعاد هذه الجلسة ثم تأجلت لجلسة 15 من أكتوبر سنة 1960 وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات على الوجه المبين بمحضر الجلسة وقررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة الإدارية تتحصل في أنه بموجب صحيفة مودعة في 12 من مارس 1957 أقام المطعون عليه ضد إدارة النقل العام بالإسكندرية دعوى أمام المحكمة الإدارية لجميع الوزارات والمصالح بالإسكندرية قيدت بجدولها العمومي تحت رقم 298 لسنة 4 القضائية طالباً الحكم "بإلغاء القرار الصادر من إدارة النقل العام بتعيين زملاء المدعي اللاحقين له في ترتيب النجاح في وظائف كمسارية فيما تضمنه من تخطيه في التعيين وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام إدارة النقل بتعويض مؤقت قدره قرش صاغ نظير الأضرار المادية والأدبية التي لحقته والمصروفات". وقد استند في دعواه إلى أنه في سبتمبر سنة 1956 أصدرت إدارة النقل العام للإسكندرية قراراً بتعيين زملائه في وظائف كمسارية عقب نجاحهم في الامتحان الذي عقد لهم جميعاً في 13 من أغسطس سنة 1956 في التعيين رغم أنه كان من أوائل الناجحين في الامتحان وثبوت لياقته الطبية وأنه وإن كان الأصل أن للإدارة سلطة تقديرية في إجراء التعيينات إلا أن القرار الصادر بناء على هذه السلطة يكون معيباً إذا قام على التعسف في استعمالها وهو ما ابتغته معه إذ أنه مما لا شك فيه أن قرار تخطيه وتعيين اللاحقين له في الترتيب يكون مخالفاً للقانون ومنطوياً على التعسف في استعمال السلطة مما يجعله باطلاً ويحق له المطالبة بإلغائه.
وقد دفعت إدارة النقل الدعوى بأنه ليس ثمة أي نص يقيد من حريتها في اختيار العمال الجدد وهي تترخص في ذلك بكامل سلطتها التقديرية ما دام قرارها خلا من عيب الإساءة وأن الامتحان لم يكن هو الوسيلة النهائية لاختيار الكمسارية الجدد من بين المتقدمين بل كان مجرد إجراء لتحديد أكثرهم إلماماً بالقراءة والكتابة حتى يعتبر الاختيار من بين هؤلاء. وإنه لما كان مرفق النقل حيوياً بالنسبة لمدينة الإسكندرية فقد درجت الإدارة على عدم تعيين أي شخص تشوب سلوكه شائبة واعتادت سؤال المباحث العامة عن رأيها في المرشحين للتعيين وأنه بسؤال إدارة المباحث العامة عن المدعي أبدت أنها لا ترى تعيينه وبذلك يكون القرار المطعون فيه سليماً وفي حدود سلطتها وتكون الدعوى واجبة الرفض.
وبتاريخ 12 من مارس سنة 1959 قضت المحكمة الإدارية بإلغاء القرار الصادر في سبتمبر سنة 1956 بالتعيين في وظائف الكمسارية فيما تضمنه من تخطي المدعي وما يترتب على ذلك من آثار.
وقد أسست المحكمة الإدارية قضاءها على أنه وإن كانت إدارة النقل تشير إلى أن من حقها أن تختار الصالح ذا السمعة الطيبة إلا أن طلبها من المباحث العامة رأيها في تعيين المرشحين لا يقوم على هذا السبب لأن من بين الشهادات الواجب تقديمها شهادة حسن السير والسلوك وعدم السوابق وأن إدارة المباحث لم تقدم دليلاً تصم به المدعي بانحراف معين يخرج به عما يؤمن به مجموع الموظفين من مبادئ سياسية، وأن رأي إدارة المباحث يقوم على بحث حالة المرشحين من الناحية السياسية فتقيم قبولها أو عدم قبولها مراعية أن اشتغال المواطنين بالسياسة بمفهومها العام وهو تضامنهم في رسم سياسة الدولة لا يعد في ذاته إثماً أو جريمة تحول بينهم وبين ولايتهم لأعمال الدولة بل إن نظام الدولة الحالي يدعوهم جميعاً إلى الاشتراك فيها طالما أنه يدور في حدود النظام الأساسي للدولة غير خارجين ولا منحرفين عن المبادئ التي يقوم عليها هذا النظام ولم يرتكبوا من الجرائم ما يدخلهم تحت طائلة القانون الذي تكفل بعقاب بعض الجرائم السياسية، وما دام لم يثبت على المدعي ارتكابه إحدى الجرائم السياسية أو انحرافه عن المبادئ الأساسية للدولة كان الأصل فيه أنه لا غبار عليه من الناحية السياسية ويستوي مع باقي الوطنيين العاديين في حقه في تولي الوظائف العامة ما دامت قد توافرت فيه شروطها القانونية، واعتماد إدارة النقل على رأي المباحث ينحرف بسلطتها التقديرية في التعيين عن طريقه السليم.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن التعيين في الوظائف العامة أمر متروك لملاءمة الإدارة، فإذا ما رأت قبل تعيين الموظف أن تأخذ رأي الأجهزة الرسمية فلا تثريب عليها في هذا الاتجاه ولا يدل اعتمادها على رأي هذه الجهة أنها انحرفت بقرارها كما ذهب الحكم المطعون فيه ويكون الحكم إذ قضى بإلغاء قرار التعيين فيما تضمنه من تخطي المدعي قد خالف القانون.
ومن حيث إن مناط البحث في هذه المنازعة هو تبيان مدى حق الجهة الإدارية عند التعيين ابتداء في الوظائف العامة.
ومن حيث إن الجهة الإدارية تترخص في التعيين في الوظائف العامة بسلطتها التقديرية بما لا تعقيب عليه إلا في أحوال إساءة استعمال السلطة، ما لم يقيدها القانون بنص خاص أو ما لم تقيد نفسها بقواعد تنظيمية معينة، فالتعيين أمر متروك للجهة الإدارية باعتبارها المسئولة عن حسن سير المرافق العامة، وبهذه المثابة فإنه من حق الجهة الإدارية أن تتأكد من ملاءمة المرشح للوظيفة بكافة الطرق التي تراها مؤدية للوصول إلى اختيار الأصلح للتعيين فيها.
ومن حيث إنه في خصوص هذه المنازعة فإن إدارة النقل بعد أن أجرت امتحاناً بين الحاصلين على أعلى الدرجات فيه ممن لا تشوب سمعتهم شائبة للتعيين في مرفق النقل العام، وهو من المرافق ذات الأهمية والخطورة مما يقتضي التحري عن سلوك العمال فيه والتأكد من أنه ليس لهم نشاط هدام حتى تطمئن بذلك إلى سلامة المرفق وحسن سيره، وهي إن تعرفت رأي إدارة المباحث العامة عن سلوك المرشحين للتعيين ومدى بعدهم عن المبادئ الهدامة باعتبار هذه الإدارة أقدر الجهات الرسمية المختصة بذلك، فإن إدارة النقل تكون قد سلكت الطريق القويم، وما دامت إدارة المباحث العامة لم توافق على تعيينه، فإنه من حق القائمين على إدارة المرفق أن يمتنعوا عن تعيينه اطمئناناً منهم على سلامة المرفق ومنعاً لأن يندس بين عماله بعض المشاغبين وذوو النشاط الهدام. ولا يقدح في ذلك ما قيل من وجوب الاكتفاء بشهادة حسن السير والسلوك المقدمة من المدعي وإلى أن الاشتغال بالسياسة أمر غير محرم قانوناً، إذ أنه فضلاً عن أن شهادة حسن السلوك لا تقطع في ذاتها بعدم وجود نشاط هدام - إذ أن ذوي الميول السياسية المنحرفة إنما يباشرون نشاطهم سراً وفي تحرز واستخفاء بعيداً عن أعين الناس مما قد يخفى عادة على محرر شهادة حسن السلوك - فإن تقديم هذه الشهادة لا يمنع الجهة الإدارية من التزيد في البحث والتدقيق والاستعانة بالجهات الرسمية المختصة في التأكد من صلاحية المرشحين وعدم وجود نشاط هدام لهم، كما أن تأشيرة إدارة المباحث بعبارة "لا مانع من تعيينهم سياسياً" لا تعني أن إدارة المباحث تحرم الاشتغال بالمبادئ السياسية العامة للدولة، وإنما تعني في الواقع أنه ليس للمطلوب التحري عنه أي نشاط سياسي هدام أو ضار بسلامة الدولة وأمنها.
ومن حيث إنه لذلك يكون من حق إدارة النقل بل من واجبها حرصاً على سلامة المرفق أن تمتنع عن تعيين المدعي ويكون قرارها المطعون فيه سليماً ومتفقاً مع القانون وفي حدود السلطة المخولة لها ولا مخالفة فيه أو انحراف مما يجعله حصيناً من الإلغاء وبمنأى من أي طعن.
ومن حيث إنه يخلص من كل ما تقدم أن المدعي غير محق في دعواه وأنها لا تقوم على أساس وتكون واجبة الرفض ويكون الحكم المطعون فيه - إذ قضى بقبولها - قد خالف القانون ويتعين إلغاؤه والقضاء برفض الدعوى مع إلزام رافعها بالمصاريف.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصاريف.