أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 24 - صـ 144

جلسة 6 من فبراير سنة 1973

برئاسة السيد المستشار/ عباس حلمي عبد الجواد، وعضوية السادة المستشارين: عدلي بغدادي ومحمود المصري، ومحمد طايل راشد، ومصطفى الفقي.

(27)
الطعن رقم 490 لسنة 37 القضائية

(1) دعوى. "الرسم المستحق على الدعوى. بطلان. رسوم. "رسوم قضائية".
عدم ترتيب البطلان على عدم دفع الرسم على الدعوى. علة ذلك. تحصيل الرسوم المستحقة من شأن قلم الكتاب.
(2) إثبات. "البينة. القرائن القضائية" محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
استقلال قاضي الموضوع بتقدير أقوال الشهود واستنباط القرائن القضائية. لا رقابة عليه في ذلك من محكمة النقض متى كان استخلاصه سائغاً.
(3) تسجيل. "الأسبقية في التسجيل". عقد. صورية. "الصورية المطلقة".
إعمال الأسبقية في التسجيل. شرطه. ألا يكون أحد العقدين صورياً صورية مطلقة.
(4) حكم. "تسبيب الحكم" محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل" إثبات. صورية.
استناد الخصم إلى قرائن غير قاطعة في تجريح أقوال الشهود التي أخذت بها المحكمة. إغفال الحكم التحدث عن هذه القرائن. لا عيب. مثال في صورية.
(5) استئناف. نطاقه. "دفاع. نقض. أسباب الطعن". "السبب الجديد".
تنازل المستأنف ضمناً عن دفاع أثاره أمام محكمة أول درجة. عودته إليه أمام محكمة النقض. سبب جديد. عدم جواز إبدائه أمامها لأول مرة.
1 - عدم دفع الرسم المستحق على الدعوى - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يترتب عليه البطلان لما هو مقرر من أن المخالفة المالية في القيام بعمل لا ينبئ عليه بطلان هذا العمل ما لم ينص القانون على البطلان عن هذه المخالفة. وإذ تقضي المادة 13/ 2 من القانون رقم 90 لسنة 1944 المعدل بالقانون رقم 66 لسنة 1964 بشأن الرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية بأن تستبعد المحكمة القضية من جدول الجلسة إذا تبين لها عدم أداء الرسم ودون أن يرد بالنص البطلان جزاء على عدم أداء الرسم. فإن الحكم المطعون فيه وقد انتهى إلى أن تحصيل الرسوم المستحقة هو من شأن قلم الكتاب لا يكون معيباً بالبطلان.
3 - لا مجال لإعمال الأسبقية في التسجيل إذا كان أحد العقدين صورياً صورية مطلقة. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد انتهى بأسباب سائغة إلى أن عقد الطاعنة صوري صورية مطلقة
فإنه لا يكون ثمة محل للمفاضلة بينه وبين عقد المطعون عليه استناداً إلى أسبقية تسجيل صحيفة دعواها.
4 - متى كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بصورية عقد الطاعنة على أقوال الشهود وقرائن الأحوال التي استخلصها من وقائع الدعوى وعناصرها وهي أدلة وقرائن تكفي لمحل النتيجة التي انتهت إليها، فلا على الحكم إن هو لم يتحدث عن الشهادة الصادرة من الجمعية الزراعية - التي قدمتها الطاعنة للتدليل على عدم صحة شهادة الشهود لأنه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يعيب الحكم أنه لم يتحدث عن بعض القرائن التي ساقها الخصم لتجريح شهادة الشهود التي أخذت بها المحكمة بعد أن اطمأنت إليها، ما دامت هذه القرائن غير قاطعة فيما أريد الاستدلال بها عليه، وما دام تقديرها خاضعاً لسلطة محكمة الموضوع.
5 - إذا كان الثابت من أوراق الدعوى أن الطاعنة قد تنازلت ضمناً في الاستئناف المرفوع منها عن الحكم الابتدائي عن دفاعها الذي سبق أن أثارته أمام محكمة أول درجة بأن عقدها يفضل عقد المطعون عليه لأسبقية تسجيل صحيفة دعواها، فإن هذا الدفاع منها أمام محكمة النقض يعتبر سبباً جديداً لا يجوز إبداؤه لأول مرة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعنة أقامت الدعوى رقم 336 سنة 1965 مدني كلي الجيزة ضد المطعون عليه الأول، وطلبت الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع المؤرخ 5/ 1/ 1963 والمتضمن بيعه لها 20 ط أطياناً زراعية شيوعاً في الأطيان المبينة بالصحيفة وأثناء سير الدعوى تدخل المطعون عليه الثاني فيها طالباً رفضها استناداً إلى أنه اشترى القدر المبيع من البائع نفسه بعقد تاريخه 1/ 2/ 1962، ودفع بصورية عقد الطاعنة، وبتاريخ 5/ 1/ 1966 قضت المحكمة الابتدائية بقبول تدخل المطعون عليه الثاني وبإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ونفي الصورية المدعي بها - وبعد أن سمعت الشهود وقضت بتاريخ 26/ 10/ 1966 برفض الدعوى - استأنفت الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم 1463 لسنة 83 ق القاهرة. وبتاريخ 17/ 6/ 1967 قضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة برأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب تنعى الطاعنة بالثالث منها على الحكم المطعون فيه البطلان، ذلك أن محكمة أول درجة قضت بقبول تدخل المطعون عليه الثاني في الدعوى على الرغم من عدم سداده الرسوم المستحقة وفقاً للقانون رقم 90 لسنة 1944 المعدل بالقانون رقم 66 لسنة 1964 مما يترتب عليه بطلان الحكم الابتدائي، وأن هذا البطلان يسري أيضاً على الحكم المطعون فيه إذ أيد الحكم الابتدائي.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن عدم دفع الرسم المستحق على الدعوى وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يترتب عليه البطلان لما هو مقرر من أن المخالفة المالية في القيام بعمل لا ينبني عليها بطلان هذا العمل ما لم ينص القانون على البطلان عن هذه المخالفة. وإذ تقضي المادة 13/ 2 من القانون رقم 90 لسنة 1944 المعدل بالقانون رقم 66 لسنة 1964 بشأن الرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية بأن تستبعد المحكمة القضية من جدول الجلسة إذا تبين لها عدم أداء الرسم، ودون أن يرد بالنص البطلان جزاء على عدم أداء الرسم، ولما كان الحكم المطعون فيه وقد انتهى إلى أن تحصيل الرسوم المستحقة هو من شأن قلم الكتاب فإنه لا يكون معيباً بالبطلان، ويكون النعي عليه بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون والقصور في التسبيب ومخالفة الثابت في الأوراق والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك تقول إن الحكم أقام قضاءه بصورية عقد الطاعنة على ما استخلصه من أقوال شاهدي المطعون عليه الثاني وعلى القرائن التي ساقها، هذا في حين أن أقوال هذين الشاهدين لا تؤدي إلى الصورية إذ أنهما شهدا بأنهما لا يعرفان شيئاً عن موقع وحدود القدر المبيع، وعلاوة على ذلك فإن أولهما قد تضارب في أقواله بما لا يمكن معه الاطمئنان إليها إذ أنه بعد أن قرر بأنه كان حاضراً وقت تحرير عقد المطعون عليه الثاني وأنه وقع عليه كشاهد عاد وناقض نفسه في ذلك مقرراً أنه علم بالمبيع من المطعون عليه الأول، كما أن القرائن التي استدل بها الحكم على الصورية هي قرائن فاسدة، لأن قرابة الطاعنة للمطعون عليه الأول وتراخيها في رفع دعواها وتصالحها معه فيها، كل ذلك ليس من شأنه أن يؤدي إلى صورية عقدها، وكذلك افترض الحكم أن المبيع واحد في العقدين مع أنه ليس كذلك وأن ما نسبه الحكم إلى شاهدي المطعون عليه الثاني في هذا الصدد يخالف الثابت في أقوالهما، وتضيف الطاعنة أن محكمة الاستئناف لم تجيبها إلى طلبها التصريح لها باستخراج صورة من حكم محكمة القضاء الإداري الصادر لها بشأن أسبقيتها في التسجيل، قولاً من المحكمة بأنه على فرض صحة صدور هذا الحكم فإن لها أن تقضي بالصورية ولو كان العقد مسجلاً، وترى الطاعنة أن هذا القول مخالف للقانون، ذلك أن مناط المفاضلة بين المشترين في حالة تزاحمهم هو السبق في التسجيل، وأن الأسبق تسجيلاً يفضل على سائر المشترين ولو كان متواطئاً مع البائع على الإضرار بحقوق الغير، وهذا كله من شأنه أن يعيب الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون والقصور في التسبيب ومخالفة الثابت بالأوراق والفساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي برمته مردود، ذلك أن الحكم المطعون فيه قد أورد في أسبابه قوله "إن شاهدي المطعون عليه الثاني قد شهدا في صراحة أن عقد المستأنفة (الطاعنة) صوري لم يدفع فيه ثمن وقد حرر بين الأخ وأخته كيداً للمستأنف عليه الثاني (المطعون عليه الثاني) بقصد حرمانه من الأطيان التي اشتراها ووضع اليد عليها، وفي هذه الأقوال الصريحة ما يكفي لاطمئنان المحكمة وتكوين عقيدتها من صورية عقد المستأنفة (الطاعنة) فإذا أضيف إلى هذه الأقوال القرينة المستفادة من علاقة المستأنفة بالمستأنف عليه الأول (المطعون عليه الأول) وتلك المستفادة من تراخيها في رفع دعواها أكثر من عامين رغم علمها بوضع يد المستأنف عليه الثاني (المطعون عليه الثاني) على الأطيان المبيعة وكذلك تقديمها عقد صلح في الدعوى وسحبه منها، فإذا أضيف كل ذلك لكانت النتيجة التي خلصت إليها محكمة أول درجة نتيجة سليمة وسائغة ولها ما يساندها من أقوال الشهود والقرائن، كما أن شاهدي الإثبات قد شهدا بأن الأطيان المبيعة إلى المستأنف عليه الثاني هي بذاتها التي بيعت صورياً للمستأنفة كما شهدا بموقعها، وأضاف الشاهد الثاني أنه جاء لهذه الأطيان وأن المستأنف عليه الثاني يضع اليد عليها، وأما ما ذهبت إليه المستأنفة من صدور حكم لمصلحتها من محكمة القضاء الإداري بشأن أسبقية تسجيل عريضة دعواها فضلاً عن أن المستأنف عليه الثاني قد أنكره فإنها قد قعدت عن تقديم الدليل على ذلك بالإضافة إلى أنه بفرض صحة ما ذهبت إليه فإن ذلك لا يمنع من القضاء بصورية عقدها ولو كان مسجلاً" ولما كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن تقدير أقوال الشهود في الدعوى واستنباط القرائن القضائية فيها من المسائل الموضوعية التي يستقل بها قاضي الموضوع ويعتمد عليها في تكوين عقيدته ولا رقابة عليه في ذلك من محكمة النقض متى كان ما استخلصه منها من شأنه أن يؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها، وكان الحكم المطعون فيه وعلى ما سلف البيان قد استند في استظهار الصورية المدعي بها وتفنيد ما أثارته الطاعنة من مطاعن في هذا الشأن إلى اعتبارات سائغة اعتمد فيها على ما استخلصه من أقوال الشهود الذين سمعتهم محكمة أول درجة بما لا يخرج عن أقوالهم التي أوردها الحكم ومن القرائن القضائية التي ساقها والتي من شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها، فغن المجادلة في ذلك لا تخرج عن كونها مجادلة في تقدير الدليل وهو ما لا رقابة لمحكمة النقض على محكمة الموضوع فيه. لما كان ذلك، وكان لا مجال لإعمال الأسبقية في التسجيل إذا كان أحد العقدين صورياً صورية مطلقة، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد انتهى بأسباب سائغة وعلى ما سلف القول إلى أن عقد الطاعنة صوري صورية مطلقة فإنه لا يكون ثمة محل للمفاضلة بينه وبين عقد المطعون عليه الثاني استناداً إلى أسبقية تسجيل صحيفة دعواها. لما كان ما تقدم فإن الحكم المطعون فيه إذ أخذ بهذا النظر لا يكون قد خالف القانون، ومن ثم فإن النعي عليه بهذا السبب بجميع ما تضمنه يكون غير سديد.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الأول على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب، وفي بيان ذلك تقول إنها قدمت إلى محكمة الموضوع شهادة من الجمعية الزراعية التعاونية ببلدة الكنيسة مركز الجيزة بمقدار ما يحوزه المطعون عليه الثاني من أطيان زراعية في تلك البلدة، وذلك للتدليل بها على كذب شاهديه فيما قرراه بشأن وضع يده على أطيان النزاع، غير أن الحكم المطعون فيه أغفل التحدث عن هذا المستند، كما أنه لم يرد على ما دفعت به الطاعنة من عدم الاعتداد بعقد المطعون عليه الثاني لصوريته وهو ما يعيب الحكم بقصور يبطله.
وحيث إن هذا النعي مردود في شقه الأول، ذلك أنه لما كان يبين من الحكم المطعون فيه وعلى ما سلف بيانه في الرد على البيان السابق أنه أقام قضاءه بصورية عقد الطاعنة على أقوال الشهود وقرائن الأحوال التي استخلصها من وقائع الدعوى وعناصرها، وهي أدلة وقرائن تكفي لحمل النتيجة التي انتهى إليها فلا على الحكم إن هو لم يتحدث عن الشهادة الصادرة من الجمعية الزراعية لأنه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يعيب الحكم أنه لم يتحدث عن بعض القرائن التي ساقها الخصم لتجريح شهادة الشهود التي أخذت بها المحكمة بعد أن اطمأنت إليها ما دامت هذه القرائن غير قاطعة فيما أريد الاستدلال بها عليه وما دام تقديرها خاضعاً لسلطة محكمة الموضوع. والنعي في شقه الثاني غير مقبول ذلك أن الثابت من أوراق الدعوى أن الطاعنة قد تنازلت ضمناً في الاستئناف المرفوع منها عن الحكم الابتدائي عن دفاعها الذي سبق أن أثارته أمام محكمة أول درجة من عدم الاعتداد بعقد المطعون عليه الثاني لصوريته، وذلك لتمسكها أمام محكمة الاستئناف بأن عقدها يفضل ذلك العقد لأسبقية تسجيل صحيفة دعواها. ومن ثم فإن هذا الدفاع منها أمام محكمة النقض يعتبر سبباً جديداً لا يجوز إبداؤه لأول مرة.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.