أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 19 - صـ 914

جلسة 9 من مايو سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، وسليم راشد أبو زيد، ومحمد صدقي البشبيشي، ومحمد سيد أحمد حماد.

(136)
الطعن رقم 403 لسنة 34 القضائية

( أ ) ارتفاق "حقوق الارتفاق التبادلية".
قيود البناء الاتفاقية. اعتبارها حقوق ارتفاق. لأصحاب العقارات المقررة لفائدتها هذه الحقوق المطالبة بها من صاحب العقار المرتفق به دون حاجة للالتجاء إلى أحكام الاشتراط لمصلحة الغير أو لنظرية الاستخلاف. تعهد كل من البائع والمشتري بترك مساحة ملاصقة وبعدم البناء عليها لتكون المساحتان طريقاً خاصاً. حق ارتفاق بالمرور مقرر لهذه العقارات جميعاً.
(ب) دعوى. "دعاوى الحيازة ودعاوى الملكية".
دعوى الحيازة يقصد بها حماية وضع اليد ممن يعتدي عليه بالغصب أو التعرض بصرف النظر عن أساسه ومشروعيته. دعوى الملكية ترمي إلى حماية حق الملكية وما يتفرع عنه من الحقوق العينية الأخرى كحق الارتفاق والبحث فيها يتناول حتماً أساس هذا الحق ومشروعيته. طلب إزالة مباني استناداً إلى حق الارتفاق من دعاوى الحق.
(ج) اختصاص "الاختصاص القيمي". نقض "أسباب الطعن". "الأسباب المتعلقة بالنظام العام".
تعلق الاختصاص القيمي بالنظام العام قبل العمل بالقانون رقم 100 لسنة 1962 عدم جواز الدفع به لأول مرة أمام محكمة النقض لما يخالطه من واقع.
(د) نقض "أسباب الطعن". "السبب الجديد". دعوى "الدفع بانعدام الصفة أو المصلحة".
عدم تمسك الطاعن أمام محكمة الموضوع بانعدام صفة المطعون ضده في رفع الدعوى أو بانعدام مصلحته فيها. سبب جديد. لا تجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
1 - تنص المادة 1018 من القانون المدني على أنه "إذا فرضت قيود معينة تحد من حق مالك العقار في البناء عليه كيف شاء كأن يمنع من تجاوز حد معين في الارتفاع بالبناء أو في مساحة رقعته فإن هذه القيود تكون حقوق ارتفاق على هذا العقار لفائدة العقارات التي فرضت لمصلحتها هذه القيود. وبهذا جعل المشرع لأصحاب العقارات المقررة لفائدتها حقوق الارتفاق التي من هذا النوع أن يطالبوا بها صاحب العقار المرتفق به دون حاجة للالتجاء إلى أحكام الاشتراط لمصلحة الغير أو النظرية الاستخلاف. فإذا كان الثابت بعقد البيع المسجل الصادر من المالك الأصلي أنه قد نص فيه على أن يترك المشتري على نهاية الحد البحري للمبيع مساحة قضاءه يتعهد بعدم البناء عليها كما تعهد البائع بأن يترك مساحة أخرى ملاصقة لها بغير بناء لتكون المساحتان طريقاً خاصاً لهما ولأي مشتر آخر للأرض المبيعة أو لجزء من باقي العقار ملك البائع، فإن هذا النص صريح في إنشاء حق ارتفاق على هذه المساحة لمصلحة العقار المبيع ولمصلحة العقار الآخر المملوك للبائع ويكون لهذه العقارات جميعاً ارتفاق بالمرور على الطريق محل النزاع كما يكون لكل مشتر لقطعة فيها ولمن يخلفه ومهما تعاقد هؤلاء الخلفاء أن يطالب أي مشتر آخر وخلفاءه بتنفيذ ذلك الارتفاق ومنع ما يحول دون الانتفاع به إذ أن كل قطعة تنتقل من مشتر إلى آخر محملة بحق الارتفاق لفائدة أية قطعة أخرى وفي الوقت نفسه بما لها من هذا الحق بمعنى أن كل عقار منها يعتبر مرتفقاً ومرتفقاً به في الوقت ذاته.
2 - دعوى الحيازة هي الدعوى التي يقصد منها حماية وضع اليد ممن يعتدي عليه بالغصب أو التعرض بصرف النظر عن أساسه ومشروعيته أما دعوى الملكية فهي الدعوى التي ترمي إلى حماية حق الملكية وما يتفرع عنه من الحقوق العينية الأخرى كحق الارتفاق والبحث فيها يتناول حتماً أساس هذا الحق ومشروعيته.
فإذا كان المطعون ضد قد طلب في دعواه إزالة المباني التي أقامها الطاعن على الممر محل النزاع تأسيساً على أن هذا الممر محمل بحق ارتفاق لمصلحة العقار المملوك له وقد ثار النزاع في هذه الدعوى بين الطرفين على هذا الارتفاق فإنها على هذه الصورة لا تكون من دعاوى الحيازة وإنما من دعاوى الحق.
3 - وإن كان الاختصاص القيمي من النظام العام - قبل العمل بالقانون رقم 100 لسنة 1962 - إلا أنه لا يجوز الدفع به لأول مرة أمام محكمة النقض لما يخالطه من واقع كان يجب طرحه على محكمة الموضوع هو التحقق من قيمة العقار المقرر عليه حق الارتفاق محل النزاع.
4 - متى كان الطاعن لم يتمسك أمام محكمة الموضوع بانعدام صفة المطعون ضده في رفع الدعوى لكونه غير مالك أو بانعدام مصلحته فيها لزوال حق الارتفاق الذي يطالب به فإن هذا الدفاع يكون سبباً جديداً لا تجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 2086 سنة 1960 مدني كلي القاهرة على الطاعن طالباً الحكم بإلزامه بإزالة المباني "السور والبوابة" التي أقامها بدون وجه حق على الطريق الخصوصي المبين بالصحيفة والمملوك على الشيوع للطاعن والمطعون ضده وآخرين والتصريح له بإزالتها بمصاريف يرجع بها على الطاعن إذا تراخى في إزالتها - وقال المطعون ضده شرحاً لدعواه إنه بمقتضى عقد بيع مسجل في 21 يوليه سنة 1931 اشترى الحاخام صمويل بيزنطي من السيدة عائشة علي حيدر يكن أرضاً مساحتها 2550.25 متراً مربعاً بشارع حسين باشا كامل وقام بتقسيمها ثم باع قطعة منها مساحتها 506.10 متراً مربعاً إلى تادرس حنا وزوجته وردة حبشي بعقد مسجل في 16 ديسمبر سنة 1931 نص فيه على أن يترك المشتريان عند نهاية حدهما البحري وبطول 24.10 متراً مساحة فضاء عرضها ثلاثة أمتار ويتعهدان بعدم البناء عليها كما تعهد البائع المذكور بأن يترك من ملكه بحري هذه المساحة مساحة أخرى مجاورة طولها 24.10 متراً وعرضها ثلاثة أمتار لتكون المساحتان المذكورتان طريقاً خاصاً للبائع والمشترين ولأي مشتر آخر للأرض المبيعة أو لجزء أو كل باقي العقار المملوك للبائع. وبمقتضى عقد مؤرخ 6 سبتمبر سنة 1933 باع هذان المشتريان القطعة المبيعة لهما إلى عطيات داود وبمقتضى عقد مؤرخ 13 إبريل سنة 1932 ومسجل في 28 مايو سنة 1932 باع الحاخام صمويل بيزنطي قطعة أخرى من أرضه مساحتها 631.20 متراً مربعاً إلى عبد المقصود حسني الحويمي الذي باعها بدوره إلى الطاعن بعقد مؤرخ في 26 إبريل سنة 1947 ومسجل في 8 يونيه سنة 1947 ونص في هذين العقدين على أن الحد الغربي بعضه تاردس حنا وزوجته وتمامه طريق خصوصي بعرض ثلاثة أمتار - كما أنه بعقد مسجل في 16 إبريل سنة 1951 باع يوسف صمويل بيزنطي بصفته وارثاً ومشترياً لنصيب باقي ورثة صمويل بيزنطي 15 ط و18 س على الشيوع في أرض وبناء المنزل رقم 28 ب بشارع حسين باشا كامل رقم 33 شارع حيدر باشا - إلى إبراهيم وهبه الذي باعها إلى المطعون ضده. وقد أقامت عطيات داود على الطاعن الدعوى رقم 2539 سنة 1948 كلي القاهرة بطلب إزالة السور والبوابة اللذين أقامهما على الطريق الخصوصي المتروك من المالك الأصلي وقضى برفض دعواها هذه في الاستئناف رقم 580 سنة 69 ق تأسيساً على أن الارتفاق المقرر لعقارها على هذا الطريق بمقتضى العقد المؤرخ 16 ديسمبر سنة 1931 قد زال طبقاً للمادة 1028 مدني بسبب مخالفتها ما التزمت به في هذا العقد وذلك لإقامتها مبان على كل الأرض المبيعة لها دون أن تترك الثلاثة أمتار المتفق على تركها - فأقام المطعون ضده على الطاعن الدعوى الحالية بطلباته سالفة الذكر تأسيساً على أن الممر المتفق عليه في العقد المؤرخ 12 ديسمبر سنة 1931 لا يخص الطاعن وحده وإنما هو معد لخدمة جميع العقارات المجاورة المشتراة من المالك الأصلي وفي 30 ديسمبر سنة 1961 قضت المحكمة بإلزام الطاعن بإزالة الحائط الملاصق تماماً لعقار المطعون ضده من الجهة القبلية وكذلك البوابة التي أقامها بالطريق الخصوصي المبينة بصحيفة الدعوى وإلا قام المطعون ضده بإزالتها بمصاريف يرجع بها عليه - فاستأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 305 سنة 79 ق ودفع بعدم اختصاص المحكمة الابتدائية بنظر الدعوى على أساس أنها من دعاوى الحيازة التي تختص بها المحكمة الجزئية - وبسقوط حق المطعون ضده في رفع الدعوى لرفعها بعد الميعاد المنصوص عليه في المادة 958 من القانون المدني. وبانقضاء حق المرور لعدم استعماله أكثر من خمس عشرة سنة وبعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها في الدعوى رقم 580 سنة 69 ق - كما تمسك بتملك هذا الطريق بالتقادم الطويل - وفي 31 مايو سنة 1964 قضت محكمة استئناف القاهرة برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة الابتدائية بنظر الدعوى وباختصاصها بنظرها وبرفض الدفوع الأخرى وبرفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف. وبتقرير تاريخه 24 يونيه سنة 1964 طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت بهذا الرأي.
وحيث إن الطعن أقيم على ستة أسباب حاصل أولها أن الحكم المطعون فيه أخطأ في القانون إذ اعتبر العقد المؤرخ 16 ديسمبر سنة 1931 والمبرم بين الحاخام صمويل بيزنطي وبين تادرس حنا وزوجته وردة حبشي منشئاً لحق ارتفاق لصالح المطعون ضده ذلك أن هذا العقد لا ينفع ولا يضر غير عاقديه ولا يعدو أن يكون عقداً بسيطاً ولا يتضمن اشتراطاً لمصلحة الغير وإنما يتمحض عن رابطة شخصية بين طرفيه وهما البائع صمويل بيزنطي والمشتريان تادرس حنا وزوجته وردة حبشي وقد اشترط فيه البائع لمصلحة نفسه على المشترين عدم البناء في مساحة طولها 24.10 متر وعرضها ثلاثة أمتار من القدر المبيع لهما ولم يحترم المشتريان هذا الشرط ولم يطالبهما البائع ولا خلفاؤه باحترامه فسقط بذلك الشرط وسقط بالتالي التزام البائع المقابل له وهو ترك مساحة مماثلة من ملكه بغير بناء لأن كلاً من هذين الالتزامين يعتبر سبباً للآخر وإزاء ذلك فإنه لا يمكن أن يتولد عن هذا العقد حق للمطعون ضده في المساحة التي تركها البائع ميشيل بيزنطي لأن المطعون ضده لم يكن طرفاً فيه ولأن هذا العقد لا يمكن أن يعتبر اشتراطاً لمصلحة الغير بحيث يجيز للمطعون ضده أو سواه من الأغيار المطالبة بحق ناشئ عنه وإذ اعتبر الحكم المطعون فيه ذلك العقد منشئاً لحق للمطعون ضده على الممر محل النزاع فإنه يكون مخطئاً في القانون.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك بأن المادة 1018 مدني تنص على أنه "إذا فرضت قيود معينة تحد من حق مالك العقار في البناء عليه كيف شاء كأن يمنع من تجاوز حد معين في الارتفاع بالبناء أو في مساحة رقعته فإن هذه القيود تكون حقوق ارتفاق على هذا العقار لفائدة العقارات التي فرضت لمصلحتها هذه القيود" وبهذا جعل المشرع لأصحاب العقارات المقررة لفائدتها حقوق الارتفاق التي من هذا النوع أن يطالبوا بها صاحب العقار المرتفق به دون حاجة للالتجاء إلى أحكام الاشتراط لمصلحة الغير أو لنظرية الاستخلاف - ولما كان الثابت من عقد البيع المسجل المؤرخ 16 ديسمبر سنة 1931 والمبرم بين الحاخام صمويل بيزنطي المالك الأصلي وبين تادرس حنا وزوجته ورده حبشي والذي استند إليه الحكم المطعون فيه، أنه نص في البند الأول منه على أن "يترك المشتريان على نهاية حدهما البحري وعلى طول هذا الحد البالغ 24.10 متراً مساحة فضاء عرضها 3 متر ويتعهدان بعدم إجراء أي بناء في هذه المساحة ما عدا السور المحدد لآخر ملكهما - كما وأن البائع من جهته تعهد بأن يترك بحري هذه المساحة وبطول الـ 24.10 متراً مساحة فضاء بغير بناء ملاصقة لها بعرض 3 متر أيضاً وهذه المساحة تبقى طريقاً خصوصياً للبائع والمشتريين ولأي مشتر آخر للأرض المباعة أو لجزء أو كل من باقي العقار ملك البائع" فإن هذا النص صريح في إنشاء حق ارتفاق على هذه المساحة لمصلحة العقار المبيع إلى تادرس حنا وزوجته وردة حبشي ولمصلحة العقار الآخر المملوك للبائع صمويل بيزنطي والذي آلت ملكية بعضه إلى الطاعن وبعضه إلى المطعون ضده ويكون لهذه العقارات جميعها ارتفاق بالمرور على الطريق محل النزاع ولا ينال من ذلك أن المطعون ضده لم يكن طرفاً في العقد المذكور ذلك بأنه طبقاً للمادة 1018 سالفة الذكر يكون لكل مشتر لقطعة من القطع المقسمة ولمن يخلفه ومهما تعاقب هؤلاء الخلفاء أن يطالب أي مشتر آخر وخلفاءه بتنفيذ ذلك الارتفاق ومنع ما يحول دون الانتفاع به إذ أن كل قطعة تنتقل من مشتر إلى آخر محملة بحق الارتفاق لفائدة أية قطعة من القطع الأخرى وفي الوقت نفسه بما لها من هذا الحق بمعنى أن كل عقار منها يعتبر مرتفقاً ومرتفقاً به في الوقت ذاته.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بالسبب الثاني الخطأ في القانون وفي بيان ذلك يقول إن ذلك الحكم أثبت أن المطعون ضده ادعى أن الحصة التي باعها المالك الأصلي صمويل بيزنطي إلى إبراهيم وهي قد آلت إليه بطريق الشراء ولكنه لم يقدم عقد شرائه لها وعلى الرغم من ذلك فقد انتهت المحكمة إلى تقرير حقه باعتباره مالكاً للعقار الذي ادعى ملكيته دون أن يقدم سند هذه الملكية واعتبرت قوله دليلاً على صحة ادعائه فجاء حكمها بذلك مخطئاً في تطبيق قواعد الإثبات.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أنه وإن كان قد ورد في تقريرات الحكم المطعون فيه أن المطعون ضده لم يقدم عقد شرائه للعقار الذي اشتراه إبراهيم وهبه من المالك الأصلي صمويل بيزنطي فإن الحكم الابتدائية الذي أخذ الحكم المطعون فيه بأسبابه قد سجل في تقريراته أن المطعون ضده قدم صورة فوتوغرافية من العقد الصادر إليه من إبراهيم وهبه ولم ينازع الطاعن في مطابقتها للأصل وهذه الصورة مودعة بالملف المضموم كما أنه طوال نظر الدعوى أمام محكمة الموضوع بدرجتيها لم ينازع الطاعن المطعون ضده في ملكيته لهذا العقار المشترى من إبراهيم وهبه الأمر الذي يجعل النعي عديم الجدوى.
وحيث إن السبب الثالث يتحصل في أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وفي بيان ذلك يقول الطاعن إنه دفع أمام محكمة الاستئناف بعدم اختصاص المحكمة الابتدائية نوعياً بنظر الدعوى لأنها دعوى منع تعرض تختص بها المحكمة الجزئية وقد رفضت المحكمة هذا الدفع تأسيساً على ما قالته من أن الدعوى ليست من دعاوى الحيازة دون أن تبين العناصر التي اعتمدت عليها في تكييف الدعوى مما يعد منها قصوراً في التسبيب يعجز محكمة النقض عن مراقبة تطبيق القانون وأضاف الطاعن أنه إذا لم تكن الدعوى من دعاوى الحيازة فهي لا تعدو أن تكون دعوى مطالبة بتقرير حق الاتفاق تقدر قيمتها وفقاً للمادة 32 من قانون المرافعات بربع قيمة العقار المقرر عليه الحق وإذ كانت مساحة الممر المقرر عليه الحق لا تتجاوز اثنين وسبعين متراً مربعاً فإن ربع قيمته لا يمكن أن تتجاوز نصاب اختصاص المحكمة الجزئية وكان لذلك على محكمة الاستئناف أن تقضي بعدم اختصاص المحكمة الابتدائية نوعياً بنظر الدعوى لأن الاختصاص القيمي كان وقت رفع هذه الدعوى معتبراً من النظام العام.
وحيث إن هذا النعي مردود في شقه الأول بأن دعوى الحيازة هي الدعوى التي يقصد منها حماية وضع اليد ممن يعتدي عليه بالغصب أو التعرض بصرف النظر عن أساسه ومشروعيته أما دعوى الملكية فهي الدعوى التي ترمي إلى حماية حق الملكية وما يتفرع عنه من الحقوق العينية الأخرى كحق الارتفاق والبحث فيها يتناول حتماً أساس هذا الحق ومشروعيته ولما كان المطعون ضده قد طلب إزالة المباني التي أقامها الطاعن على الممر موضوع النزاع تأسيساً على أن هذا الممر محمل بحق ارتفاق لمصلحة العقار المملوك له وقد ثار النزاع فيها بين الطرفين على هذا الارتفاق فالمطعون ضده يدعي هذا الحق والطاعن ينكره عليه فالدعوى وعلى هذه الصورة لا تكون من دعاوى الحيازة وإنما من دعاوى الحق وإذ كان الحكم المطعون قد أسس قضاءه برفض الدفع على هذا النظر فإنه لا يكون مخالفاًَ للقانون ولا قصور فيه والنعي في شقه الثاني الخاص بعدم الاختصاص القيمي فمردود بأنه وإن كان هذا الاختصاص من النظام العام قبل العمل بالقانون رقم 100 سنة 1962 إلا أنه لا يجوز الدفع به لأول مرة أمام محكمة النقض لما يخالطه من واقع كان يجب طرحه على محكمة الموضوع هو التحقق من قيمة العقار المقرر عليه حق الارتفاق محل النزاع وإذ كان الطاعن لم يسبق له إبداء هذا الدفع أمام محكمة الموضوع فإنه لا يقبل منه إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه السبب الرابع القصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول إن هذا الحكم استدل على أن هو الذي أقام الحائط والبوابة بعد أن انتقل الملك إليه بما ورد في عقد شرائه من عبد المقصود حسن الحويحي من أن الحد الغربي ملك تادرس حنا وزوجته وتمامه طريق خصوصي عرضه ثلاثة أمتار وطوله 24.10 متراً وقال الحكم إنه لو كان البائع للطاعن هو الذي أقام الحائط والبوابة لأدخل هذا الممر في العقار المبيع وهو من الحكم استدلال فاسد لأن هذا الممر كان باقياً على ملك البائع الأصلي صمويل بيزنطي فلا يمكن أن يشتريه الطاعن من عبد المقصود الحويحي ولكن لا ينفي قيام الأخير ببناء الحائط والبوابة قبل أن يبيع العقار للطاعن ولما كان الطاعن قد طلب تمكينه من إثبات إقامة عبد المقصود الحويحي للحائط والبوابة قبل البيع حتى يرتب على ذلك ضم مدة وضع يد سلفه المذكور إلى مدة وضع يده ليصل إلى تملك الممر بالتقادم الطويل فإن المحكمة تكون قد صادرته في دفاعه حين اعتبرت مجرد عدم إدراج الممر في عقد البيع الصادر من سلفه دليلاً على أن سلفه لم يقم بتشييد الحائط والبوابة.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه جاء به في هذا الصدد قوله "وحيث إنه عن قول المستأنف بأنه تملك ممر النزاع بوضع يده عليه المدة الطويلة فهو مردود بأنه إن صح أنه وضع يده على هذا الممر فإن تاريخ عقده هو 26/ 4/ 1947 ومن ثم فإن مدة التقادم الطويل وهي خمسة عشر سنة لا تكون قد اكتملت من تاريخ العقد المذكور ولا محل للقول بأن البائع له وهو عبد المقصود حسني الحويحي كان قد وضع يده على الممر قبله إذ أنه جاء بهذا العقد أن الحد الغربي للعقار المبيع تادرس حنا وحرمه وتمامه طريق خصوصي بعرض 3 متر وطوله 24.10 م أي أن الممر لم يكن داخلاً ضمن العقار المبيع فدل بذلك على عدم وضع يد عبد المقصود حسني على هذا الممر ومن ثم فلا محل للقول بضم مدة وضع يد عبد المقصود إلى المدة سالفة الذكر ويكون قول المستأنف (الطاعن) أنه تملك الممر بالتقادم الطويل قولاً عارياً عن الصحة" وهذا الذي قرره الحكم المطعون فيه سائغ ومن شأنه أن يؤدي إلى ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه ومن ثم فإن النعي بهذا السبب لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً فيما تستقل محكمة الموضوع بتقديره.
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بالسبب الخامس أنه خالف الحكم السابق صدوره في الاستئناف رقم 580 سنة 69 ق في تفسيره لعقد 16 ديسمبر سنة 1931 من أنه قصد به إلى إيجاد ممر للعقار الداخلي وهو عقار الطاعن.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أن الأحكام لا تحوز الحجية إلا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم وتعلق بذات الحق محلاً وسبباً ولما كان الواقع الذي سجله الحكم المطعون فيه أن الحكم رقم 580 سنة 69 ق المدعي بمخالفته كان مردداً بين الطاعن والسيدة عطيات داود ولم يكن المطعون ضده طرفاً فيه فإنه لا تكون لهذا الحكم حجية عليه وإذ كان الحكم المطعون فيه قد جرى على هذا النظر فإن النعي عليه بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بالسبب السادس الخطأ في القانون وفي بيان ذلك يقول الطاعن إنه لا صفة للمطعون ضده في رفع هذه الدعوى ذلك أنه أقر في صحيفتها بأنه اشترى العقار بصفته ولياً طبيعياً على أولاده ليلى وهدى ومحمد ومصطفى وإبراهيم ومع ذلك طلب الحكم لنفسه وكان على محكمة الموضوع أن تقضي بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة وإذ كان الحكم المطعون فيه قد قضى للمطعون ضده فإن يكون قد أسند الحق إلى غير صاحبه وأضاف الطاعن إلى ذلك أنه لا مصلحة للمطعون ضده في الدعوى لأنه على فرض أنه كان له حق ارتفاق على الممر موضوع النزاع فإن هذا الحق قد انقضى وفقاً للمادة 1028 من القانون المدني بسبب تغير الأوضاع بعد أن أصبح لهذا العقار منفذان أحدهما على شارع المراغي والآخر على شارع حيدر باشا مما يعدم كل مصلحة للمطعون ضده في استعمال ذلك الممر ولما كانت المصلحة هي مناط الدعوى وعلى المحكمة أن تتحراها وتقضي بعدم قبول الدعوى إذا بان لها انعدام مصلحة المدعي منها فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ إذ قضى للمطعون ضده بأمر لا مصلحة له فيه.
وحيث إنه لما كانت أوراق الطعن قد خلت مما يفيد أن الطاعن قد تمسك أمام محكمة الموضوع بانعدام صفة المطعون ضده في رفع الدعوى أو بانعدام مصلحته فيها للسبب الوارد في سبب الطعن كما لم يقدم الطاعن ما يدل على تمسكه أمامها بهذا الدفاع فإنه يكون سبباً جديداً لا تجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض ومن ثم يكون هذا السبب غير مقبول.
وحيث إنه لكل ما تقدم يكون النعي برمته غير سديد ويتعين رفضه.