مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1960 إلى آخر ديسمبر سنة 1960) - صـ 258

(37)
جلسة 10 من ديسمبر سنة 1960

برياسة السيد/ سيد علي الدمراوي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة مصطفى كامل إسماعيل والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبي وأبو الوفا زهدي المستشارين.

القضية رقم 597 لسنة 5 القضائية

( أ ) موظف - تأديب - مخالفة مالية - تعريفها - المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 بإنشاء مجلس تأديبي للمخالفات المالية والمادة 82 مكرراً من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة.
(ب) موظف - تأديب - مخالفة مالية - سلطة التأديب - المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 بإنشاء مجلس تأديبي للمخالفات المالية الملغى بالقانون رقم 73 لسنة 1957 - وجوب إجراء تحقيق بشأن هذه المخالفات ورفعه إلى رئيس ديوان المحاسبة بواسطة من أناطهم القانون بذلك - إجراؤه بالمخالفة لذلك يجعله باطلاً ولا يعول عليه - انفراد رئيس ديوان المحاسبة في ظلهما بسلطة إقامة الدعوى التأديبية عن المخالفات المالية - عدم اختصاص الرئيس الإداري بالمعاقبة عليها ابتداء سواء في ظل المرسوم بقانون أو القانون الذي ألغاه - انعقاد اختصاصه بإحالة الأوراق إليه من رئيس ديوان المحاسبة عندما يرى الأخير الاكتفاء بتوقيع أي جزاء إداري وإلا وجبت الإحالة إلى مجلس التأديب - بيان ذلك.
(جـ) قرار تأديبي - مخالفة مالية - إصدار الرئيس الإداري ابتداء قراراً بالمعاقبة على مخالفة مالية دون اتباع الطريق المرسوم للمعاقبة عليها - يجعله مشوباً بعيب إجرائي جوهري - اعتبار القرار من قبيل الفعل المادي واغتصاب السلطة - انعدامه - بيان ذلك - مثال.
1 - إن المحكمة تبادر بادئ ذي بدء إلى القول بأنه ليس هناك من خلاف حول كنه المخالفة المنسوبة إلى المدعي وأقرانه وأنها من المخالفات المالية كما بينتها المادة 4 من المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 والمادة 82 مكرراً من القانون رقم 210 لسنة 1951 إذ منها كل إهمال أو تقصير يترتب عليه ضياع حق من الحقوق المالية للدولة أو أحد الأشخاص العامة الأخرى أو الهيئات الخاضعة لرقابة ديوان المحاسبة أو المساس بمصلحة من مصالحها المالية أو يكون من شأنه أن يؤدي إلى ذلك.
2 - إن المادة 8 من المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 بإنشاء مجلس تأديبي للمخالفات المالية الملغى بالقانون رقم 73 لسنة 1957، كان يجري نصها على النحو الآتي "يتولى تحقيق ما ينسب إلى الموظفين من المخالفات المنصوص عليها في المادة الرابعة واحد أو أكثر من الموظفين الفنيين بديوان المحاسبة أو بمجلس الدولة..." وكان نص المادة التاسعة هكذا "بعد انتهاء التحقيق يرفع المحقق تقريراً برأيه إلى رئيس ديوان المحاسبة. ولرئيس الديوان أن يقيم الدعوى التأديبية أو يقرر حفظ الموضوع بقرار مسبب". ثم جاء نص المادة 89 من القانون رقم 73 لسنة 1957 كما يلي "تقام الدعوى التأديبية عن المخالفات المالية من رئيس ديوان المحاسبة وله حفظ الدعوى، كما له إذا رأى أن المخالفة لا تستأهل إحالة المسئول عنها إلى المجلس، إحالة الأوراق إلى الجهة الإدارية المختصة لتقوم بمجازاته وفقاً للمادة 85 ويكون ذلك في جميع الأحوال بالاتفاق مع الوزير المختص أو الأشخاص المعنوية العامة الأخرى طبقاً لنظامها بالنسبة إلى موظفيها. فإذا لم يتم الاتفاق وجب رفع الدعوى التأديبية حتماً إلى المجلس". ويبين من مساق النصوص السابقة أنه سواء تحت ظل المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 أو القانون رقم 73 لسنة 1957، الذي ألغاه، تنعقد سلطة التأديب لرئيس ديوان المحاسبة في جميع الأحوال ولا تكون للرئيس الإداري مهما علا قدره على مرءوسيه إلا إذا ارتأى رئيس ديوان المحاسبة أن المخالفة لا تستأهل الإحالة إلى مجلس تأديب وأحال إليه الأوراق فعلاً وبعد هذه الإحالة لا قبلها ينعقد للأخير سلطة التأديب. وقد كان المرسوم بقانون السالف ذكره يحتم أن يكون تحقيق المخالفات المالية بمعرفة أشخاص معينين بالذات؛ ومن ثم تكون التحقيقات التي يجريها غيرهم باطلة ولا يعول عليها. هذا وقد استلزم القانون رقم 73 لسنة 1957 الاتفاق مع الوزير المختص كما سلف البيان، فإن لم يحصل الاتفاق وجبت الإحالة إلى مجلس التأديب.
3 - إن قرار السيد وزير الأشغال في 14 من فبراير سنة 1957 وتأشيرته في 7 من إبريل سنة 1957 قد صدرا منه بتوقيع جزاء في مخالفة مالية وقعت من مرؤوسيه قبل أن يعرض الأمر على السيد رئيس ديوان المحاسبة ويبدي الرأي في التصرف فيها وهو الذي أناطه القانون بالتصرف في هذه المخالفات؛ ومن ثم يكونان قد صدرا من غير مختص كما عارهما عيب إجرائي جوهري ومن شأن هذين العيبين أن يجعلاهما من قبيل الفعل المادي واغتصاب السلطة اللذين يهويان بهما إلى درجة العدم ويضحيان خليقين بالإلغاء ولا عاصم لهما منه مهما طال عليهما الزمن؛ إذ العدم لا يولد إلا عدماً مثله.


إجراءات الطعن

في أول إبريل سنة 1959 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة قلم كتاب هذه المحكمة طعناً في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارتي الحربية والأشغال بجلسة 2 من فبراير سنة 1959 في الدعوى رقم 40 لسنة 5 القضائية المرفوعة من خليل سليمان عبد الله ضد وزارة الأشغال القاضي بعدم قبول الدعوى شكلاً. وطلب الطاعن للأسباب التي أوردها في عريضة الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بإلغاء القرار الصادر من السيد وزير الأشغال بتاريخ 14 من فبراير سنة 1957 بخصم خمسة عشر يوماً من راتب المدعي مع إلزام الحكومة بالمصروفات. وقد أعلن هذا الطعن إلى الحكومة في 11 من يونيه سنة 1959 وإلى المدعي في 20 من يونيه سنة 1959 وتحدد لنظره جلسة 12 من يونيه سنة 1960 أمام دائرة فحص الطعون فنظرته وقررت إحالته إلى هذه المحكمة فنظرته بجلسة 12 من نوفمبر سنة 1960 وسمعت إيضاحات ذوي الشأن ثم أرجأت النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن واقعات هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المدعي أقام دعواه أمام المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال والحربية بعريضة أودعها قلم كتاب تلك المحكمة في 24 من نوفمبر سنة 1957، وقال فيها إن وزارة الأشغال أعلنت عن مناقصة لإنشاء مبنى تفتيش استراحة محطة طلخا الكهربائية فتقدم فيها كل من محمد جمال الدين عبد الرحمن وعبد الوهاب عبد الصمد المقاولين كشريكين، ودفع الثاني منهما مبلغ 130 مائة وثلاثين جنيهاً كتأمين لحسابهما ولكن المناقصة ألغيت للأسباب التي ارتأتها الوزارة؛ ومن ثم تعين رد التأمين المؤقت المدفوع، فتقدم الشريك الأول باسمه لصرف المبلغ وكتب على نفسه إقراراً بأن الإيصال الذي دفع به المبلغ فقد، فأشرت إدارة الحسابات بوجود المبلغ لديها فحررت إدارة المخازن استمارة الصرف له ولما علم الشريك الثاني بذلك اعترض على تحرير الاستمارة باسم الأول ذاكراً أنه صاحب الحق دون غيره في صرف المبلغ فأوقفت إجراءات الصرف ثم أجري تحقيق إداري في الموضوع انتهى بخصم يومين من راتب المدعي. ولما عرض الأمر على السيد الوزير رفع مقدار الجزاء إلى خصم خمسة عشر يوماً من راتبه. وأضاف إلى ما تقدم أن قرار السيد الوزير عاره عيب إساءة استعمال السلطة وعيب عدم الاختصاص؛ ومن ثم طلب القضاء بإلغائه بحكم مشمول بالنفاذ المعجل مع إلزام الوزارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. فردت مصلحة الميكانيكا والكهرباء على هذه الدعوى بأنها أجرت تحقيقاً إدارياً في شأن إجراءات الصرف فظهر لها منه أن المدعي وآخرين مسئولين عن مخالفات مالية؛ ومن ثم عرض الأمر على السيد الوزير في 14 من فبراير سنة 1957 فقرر مجازاة المدعي بخصم ما يقابل أجر خمسة عشر يوماً من راتبه، فتظلم فأحيل تظلمه مع باقي المسئولين معه إلى النيابة الإدارية ففحصت الأمر وتبين لها أن المخالفات المنسوبة إليهم تعتبر من المخالفات المالية التي تندرج تحت أحكام المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952، ثم أعيد عرض الأمر على السيد الوزير بعد ذلك بتاريخ 7 من إبريل سنة 1957 فأشر بتنفيذ قراره السابق؛ وذلك استناداً إلى الفقرة الأخيرة من المادة 3 والمادة 4 من القانون رقم 480 لسنة 1954 الخاص بإنشاء النيابة الإدارية وإلى المادتين (84)، (85) من القانون رقم 73 لسنة 1957 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة. وبجلسة 2 من فبراير سنة 1959 أصدرت المحكمة حكمها بعدم قبول الدعوى شكلاً وألزمت المدعي بمصروفاتها. وأسست قضاءها على أن المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 أنشأ مجلساً تأديبياً خاصاً لمحاكمة الموظفين المسئولين عن المخالفات المالية، ولكن هذا المرسوم ألغي بالقانون رقم 73 لسنة 1957 الذي عمل به من 4 من إبريل سنة 1957 وأصبح حكم المخالفة المالية في نظرها كحكم المخالفة الإدارية في ظل القانون الأخير، ثم ذهبت إلى القول بأن تأشيرة السيد الوزير في 4 من إبريل سنة 1957 - وقد حصلت بعد العمل بالقانون رقم 73 لسنة 1957 - تعني اعتبار قراره الأول كأن لم يكن لأنه صدر في وقت لم يكن يملك فيه أن يصدر مثل هذا القرار، كما تعني تضمين تأشيرته قراراً مبتدأ بتوقيع جزاء على المدعي وأقرانه، وبهذا القرار الجديد يضحى القرار الأول غير ذي موضوع ولا مصلحة لأحد في الطعن فيه، ويكون القرار الثاني هو الواجب اختصامه في الدعوى على أن يتبع في ذلك الإجراءات التي نص عليها القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة من تقديم تظلم عن القرار المطعون إلى الجهة المختصة وانتظار المواعيد المقررة للبت في التظلم ثم رفع الدعوى في خلال ميعاد الستين يوماً التالية لانقضاء مواعيد البت في التظلم، ثم خلصت إلى القول بأن المدعي لم يسلك ما أوجبه عليه هذا القانون الأخير قبل رفع الدعوى؛ ومن ثم تكون دعواه غير مقبولة شكلاً.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن السيد وزير الأشغال لم يقصد من قراره المؤرخ 7 من إبريل سنة 1957 توقيع جزاء جديد على المدعي لأن عباراته واضحة وقاطعة في دلالتها على أنه قصد إقرار الجزاء الأول إذ جرت على النحو الآتي "يسحب القرار الخاص بتوقيع الجزاء على....... ويظل الجزاء قائماً بالنسبة للآخرين". ومن الطائفة الأخيرة المدعي في هذه الدعوى، وأيدت وجهة نظرها هذه بأن القرار الأخير لم يصدره الوزير إلا بمناسبة التظلم المقدم من المدعي وبعد فحصه من النيابة الإدارية، وبأن القانون رقم 73 لسنة 1957 لا يعطي للوزير سلطة توقيع الجزاء عن المخالفات المالية إلا في أحوال محددة ليست حالة الدعوى منها؛ إذ المادة 89 من هذا القانون حصرت السلطة في رئيس ديوان المحاسبة وحده في التصرف في المخالفات المالية سواء أكان ذلك بالحفظ أو بتقديمها إلى مجلس التأديب المختص، وأجازت له، إذا رأى أن المخالفة لا تستأهل الإحالة إلى مجلس تأديب، الاتفاق مع الوزير المختص على أن يوقع الأخير الجزاء وفقاً لأحكام المادة 85. وطالما أن الثابت من الأوراق أن المخالفة لم يعرض أمرها على رئيس ديوان المحاسبة صاحب السلطة التأديبية؛ ومن ثم لا يمكن اعتبار قرار الوزير في 7 من إبريل سنة 1957 قراراً جديداً بتوقيع جزاء وإنما هو قرار برفض التظلم عن قرار الجزاء الصادر منه في 14 من فبراير سنة 1957 ويكون الحكم الذي اعتبره قراراً مبدئياً بجزاء يتعين التظلم منه أولاً، وانتظار فوات مواعيد البت في التظلم قبل رفع الدعوى، قد خالف القانون. ومن حيث إن المدعي قدم مذكرة ردد فيها الأسباب الواردة في الطعن وأضاف إليها أن التحقيق الذي أجري معه لم يجر وفقاً لما تقضي به المادة 8 من المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952؛ ومن ثم يكون تحقيقاً باطلاً لعدم مراعاة الضمانات التي استلزمتها هذه المادة وبالتالي يكون كذلك القرار الذي قام عليه - ثم انتهى فيها إلى طلب قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بإلغاء القرار الصادر من السيد وزير الأشغال بتاريخ 14 من فبراير سنة 1957 مع إلزام الحكومة بالمصروفات.
ومن حيث إن المحكمة تبادر بادئ ذي بدء إلى القول بأنه ليس هناك من خلاف حول كنه المخالفة المنسوبة إلى المدعي وأقرانه وأنها من المخالفات المالية كما بينتها المادة 4 من المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 والمادة 82 مكرراً من القانون رقم 210 لسنة 1951 إذ منها كل إهمال أو تقصير يترتب عليه ضياع حق من الحقوق المالية للدولة أو أحد الأشخاص العامة الأخرى أو الهيئات الخاضعة لرقابة ديوان المحاسبة أو المساس بمصلحة من مصالحها المالية أو يكون من شأنه أن يؤدي إلى ذلك (يراجع حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر في القضية رقم 1386 لسنة 5 القضائية المنشور في مجموعة المبادئ السنة الخامسة العدد الأول ص 135).
ومن حيث إن مناط الفصل في هذه الدعوى يتحدد في معرفة من له سلطة التحقيق والتأديب في المخالفات المالية في ظل المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 والقانون رقم 73 لسنة 1957 الذي ألغاه وحل محله.
ومن حيث إن المادة 8 من المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 بإنشاء مجلس تأديبي للمخالفات المالية الملغى بالقانون رقم 73 لسنة 1957، كان يجري نصها على النحو الآتي "يتولى تحقيق ما ينسب إلى الموظفين من المخالفات المنصوص عليها في المادة الرابعة واحد أو أكثر من الموظفين الفنيين بديوان المحاسبة أو بمجلس الدولة....." وكان نص المادة التاسعة هكذا "بعد انتهاء التحقيق يرفع المحقق تقريراً برأيه إلى رئيس ديوان المحاسبة. ولرئيس الديوان أن يقيم الدعوى التأديبية أو يقرر حفظ الموضوع بقرار مسبب". ثم جاء نص المادة 89 من القانون رقم 73 لسنة 1957 كما يلي "تقام الدعوى التأديبية عن المخالفات المالية من رئيس ديوان المحاسبة وله حفظ الدعوى، كما له إذا رأى أن المخالفة لا تستأهل إحالة المسئول عنها إلى المجلس، إحالة الأوراق إلى الجهة الإدارية المختصة لتقوم بمجازاته وفقاً للمادة 85 ويكون ذلك في جميع الأحوال بالاتفاق مع الوزير المختص أو الأشخاص المعنوية العامة الأخرى طبقاً لنظامها بالنسبة إلى موظفيها. فإذا لم يتم الاتفاق وجب رفع الدعوى التأديبية حتماً إلى المجلس".
ومن حيث إنه يبين من مساق النصوص السابقة أنه سواء تحت ظل المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 أو القانون رقم 73 لسنة 1957 الذي ألغاه تنعقد سلطة التأديب لرئيس ديوان المحاسبة في جميع الأحوال ولا تكون للرئيس الإداري مهما علا قدره على مرءوسيه إلا إذا ارتأى رئيس ديوان المحاسبة أن المخالفة لا تستأهل الإحالة إلى مجلس تأديب وأحال إليه الأوراق فعلاً وبعد هذه الإحالة لا قبلها ينعقد للأخير سلطة التأديب. وقد كان المرسوم بقانون السالف ذكره يحتم أن يكون تحقيق المخالفات المالية بمعرفة أشخاص معينين بالذات؛ ومن ثم تكون التحقيقات التي يجريها غيرهم باطلة ولا يعول عليها.
ومن حيث إنه يتضح في خصوصية هذه الدعوى أن التحقيق لم يجر بمعرفة الأشخاص الذين عينهم المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 على سبيل الحصر ولم تعرض أوراقه على السيد رئيس ديوان المحاسبة.
ومن حيث إن قرار السيد وزير الأشغال في 14 من فبراير سنة 1957 وتأشيرته في 7 من إبريل سنة 1957 قد صدرا منه بتوقيع جزاء في مخالفة مالية وقعت من مرءوسيه قبل أن يعرض الأمر على السيد رئيس ديوان المحاسبة ويبدي الرأي في التصرف فيها وهو الذي أناطه القانون بالتصرف في هذه المخالفات؛ ومن ثم يكونان قد صدرا من غير مختص كما عارهما عيب إجرائي جوهري، ومن شأن هذين العيبين أن يجعلاهما من قبيل الفعل المادي واغتصاب السلطة اللذين يهويان بهما إلى درجة العدم ويضحيان خليقين بالإلغاء ولا عاصم لهما منه مهما طال عليهما الزمن؛ إذ العدم لا يولد إلا عدماً مثله وإن إلغاء هذا القرار لا يمنع الجهة الإدارية من أن تتخذ الإجراءات التي فرضها القانون لمجازاة المتهم وأمثاله فيما نسب إليهم.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه وقد اعتد بالقرار الثاني الصادر في 7 من إبريل سنة 1957 بمقولة إن للسيد وزير الأشغال سلطة الفصل في المخالفات المالية بعد صدور القانون رقم 73 لسنة 1957 أسوة بسلطته في المخالفات الإدارية، وأن هذا القرار منبت الصلة بالقرار الأول ويتعين التظلم منه أولاً طبقاً للإجراءات المرسومة للتظلم قبل رفع دعوى الإلغاء وأنه في حالة عدم مراعاة ذلك تكون الدعوى غير مقبولة شكلاً قد أخطأ مفهوم صحيح القانون؛ إذ لا تزال المخالفة المالية متميزة الطبيعة عن المخالفة الإدارية سواء في ظل المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 أو في ظل القانون رقم 73 لسنة 1957، وأن سلطة التصرف فيها معقودة للسيد رئيس ديوان المحاسبة وله إن قدر أن بعض المخالفات لا تستأهل الإحالة إلى مجلس تأديب أن يحيل الأمر على الرئيس الإداري الذي له سلطة التصرف في المخالفات الإدارية. واستلزم القانون رقم 73 لسنة 1957 الاتفاق مع الوزير المختص كما سلف البيان، فإن لم يحصل الاتفاق وجبت الإحالة إلى مجلس التأديب وقبل أن يبدي رئيس ديوان المحاسبة رأيه في المخالفة المالية لا يكون للرئيس الإداري سلطة التأديب ابتداء على مرءوسيه؛ وبذا يبدو واضحاً التمييز بين المخالفتين المالية والإدارية حتى في حالة ما إذا نظرتهما سلطة واحدة على التفصيل السابق ذكره، وإذ ذهب الحكم المطعون إلى غير هذا المذهب يكون حكماً مخالفاً للقانون وبالتالي قميناً بالإلغاء.
ومن حيث إن مصروفات الدعوى يتحمل بها من خسرها إعمالاً لنص المادة 357 مرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبقبول الدعوى شكلاً، وفي موضوعها بإلغاء القرار الصادر من السيد وزير الأشغال في 14 من فبراير سنة 1957 وذلك على الوجه المبين بالأسباب، وألزمت الحكومة بالمصروفات.