مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1960 إلى آخر ديسمبر سنة 1960) - صـ 268

(39)
جلسة 10 من ديسمبر سنة 1960

برياسة السيد/ سيد علي الدمراوي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة سيد إبراهيم الديواني ومصطفى كامل إسماعيل ومحمود محمد إبراهيم والدكتور ضياء الدين صالح المستشارين.

القضية رقم 712 لسنة 5 القضائية

كادر العمال - عامل - مبيض نحاس - قرار مجلس الوزراء الصادر في 8 من سبتمبر سنة 1953 برفع درجة هذه الحرفة من عامل عادي إلى صانع غير دقيق - الحكمة من إصدار هذا القرار - استحداثه مركزاً جديداً لأصحاب هذه الحرفة - خلوه من أي نص صريح أو ضمني يوحي بسريانه بأثر رجعي - سريانه من تاريخ نفاذه.
يبين من الاطلاع على مذكرة اللجنة المالية رقم (1/ 16 متنوعة جزء 3) المؤرخة 29 من أغسطس سنة 1953 والمرفوعة إلى مجلس الوزراء أنه على أثر الشكاوى المقدمة إلى وزارة الحربية من طائفة مبيضي النحاس وغيرهم من المكوجية والدقاقين والعتالين، رأت وزارة الحربية في ديسمبر سنة 1952 تشكيل لجنة فنية لدراسة هذه الشكاوى، وانتهت هذه اللجنة في شأن طائفة (مبيضي النحاس) إلى ما يأتي "رأت اللجنة وضعهم في درجة (صانع دقيق) المقرر لها أجر يومي (240/ 500) أسوة بالمهن الواردة في الكشف رقم (5) من الكشوف حرف "ب" الملحقة بكادر العمال مبررة اقتراحها باتصال هذه المهنة بالصناعة، وبما تتطلبه من فن ودراية وتعليم، وبما تتطلبه من مجهود جسماني إذ يظل العامل أمام النار مدداً طويلة متكررة فضلاً عن استعماله مواد خطرة وضارة بالصحة كالأحماض وغيرها. أما وضع هذه الطائفة الحالي. في درجة عامل عادي - فترى اللجنة أنه لا يتلاءم مع ما يؤدونه من عمل؛ إذ أن شاغل هذه الدرجة لا يؤدي امتحاناً قبل التحاقه بعملها الذي يتصل بالصناعة بسبب ما".
وقد درس ديوان الموظفين واللجنة المالية هذا الموضوع وانتهت دراستهما إلى ما يلي: "تعديل درجة مبيضي النحاس والمكوجية من درجة عامل عادي (140/ 300) طبقاً لكادر عمال الحكومة إلى درجة "صانع غير دقيق" (200/ 360) أسوة بما تقرر لهاتين المهنتين بالكشوف الملحقة بتقرير لجنة توزيع عمال القنال. وقد وافق مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في 8 من سبتمبر سنة 1953 على رأي اللجنة المالية وديوان الموظفين في هذه المذكرة وقد أبلغت وزارة الحربية هذا القرار.
ويتضح من ذلك أن قرار مجلس الوزراء المذكور، لم يكن الباعث على إصداره تصحيح وضع قديم خاطئ بأثر رجعي منعطف على الماضي وإنما هو، كما يبدو جلياً من عباراته، وليد اقتراح من اللجنة الفنية المختصة فقد أوصت بوضع (مبيض النحاس) في درجة (صانع دقيق) ولكن اللجنة المالية التي تملك تعديل مثل هذه المقترحات قبل عرضها على مجلس الوزراء عدلت الدرجة المطلوبة ونزلت بها بعض الشيء إلى درجة "صانع غير دقيق"، فوافق مجلس الوزراء على ذلك. وهذا القرار يفيد استحداث مركز جديد لأصحاب هذه الحرفة يبدأ من تاريخ نفاذ هذه الأداة التشريعية دون أن يحمل في طياته معنى الانسحاب على الماضي. والمركز الجديد يرتب مزية جديدة لم يكن لها وجود من قبل صدور القرار الذي خلا من أي نص صريح أو ضمني يوحي بإفادة هذه الطائفة من العمال بأثر رجعي مرتد إلى الماضي.


إجراءات الطعن

في 15 من إبريل سنة 1959 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم (712) لسنة 5 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال والحربية بجلسة 16 من فبراير سنة 1959 في الدعوى رقم 144 لسنة 4 القضائية المقامة من أحمد علي حسن ضد وزارة الحربية، والذي يقضي "برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بأحقية المدعي في إعادة تسوية حالته وفقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 8 من سبتمبر سنة 1953 منذ أن دخل الخدمة، مع عدم صرف الفروق المترتبة على إعادة التسوية إلا من تاريخ صدور هذا القرار ومع إلزام الحكومة بالمصروفات" وقد أعلن هذا الطعن إلى الحكومة في 30 من يونيه سنة 1959 وإلى الخصم في 9 من أغسطس سنة 1959 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 19 من يونيه سنة 1960 وفيها أحيل الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا للمرافعة بجلسة 5 من نوفمبر سنة 1960 حيث سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة. ثم قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون لصالحه أقام الدعوى رقم 144 لسنة 4 القضائية ضد وزارة الحربية بصحيفة أودعها سكرتيرية المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال والحربية في 31 من مارس سنة 1957 طالباً الحكم بتسوية حالته طبقاً لما قرره مجلس الوزراء في 8 من سبتمبر سنة 1953 اعتباراً من تاريخ تعيينه الحاصل في 29 من إبريل سنة 1939 مع ما يترتب على ذلك من آثار وفروق. وقال بياناً لذلك إنه عين اعتباراً من 29 من إبريل 1939 بمصلحة الأسلحة والمهمات عاملاً بمهنة (مبيض نحاس) بأجر يومي قدره مائة مليم. وعقب صدور كادر العمال سويت حالته على اعتبار أجره 140 مليماً يومياً من بدء تعيينه. ولما كانت المهنة المذكورة تتطلب من القائمين بها بذل جهد كبير، فقد تقدم المدعي وزملاؤه بتظلم ملتمسين فيه تسوية حالتهم على أساس أن مهنتهم هي من المهن الفنية التي تحتاج إلى دقة. لذلك شكلت لجنة وضعت تقريراً أوصت فيه باعتبار أرباب هذه المهنة من الصناع الدقاق فئة (240/ 400) واستندت في ذلك إلى اتصال هذه المهنة بالصناعة وما تتطلبه من مجهود جسماني إذ يظل العامل المكلف بها أمام النار مدداً طويلة متكررة فضلاً عن استعماله مواد خطرة وضارة بالصحة كالأحماض وغيرها. وقد عرض التقرير المشار إليه على ديوان الموظفين واللجنة المالية فانتهيا من دراستهما له إلى اقتراح تعديل الدرجة من (عامل عادي) فئة (140/ 300) إلى (صانع غير دقيق) فئة (200/ 360) ورفعا ذلك إلى مجلس الوزراء الذي أقره بجلسته المنعقدة في 8 من سبتمبر سنة 1953. ولما سويت حالة المدعي بموجب القرار المذكور جرت تسويتها خطأ من تاريخ صدوره. وحيث إن التعديل الذي أجراه مجلس الوزراء لا يخرج عن كونه تقرير الحق وليس منشئاً له، فمن ثم يكون من المتعين الانسحاب بتسوية حالته على أساس (صانع غير دقيق) إلى تاريخ تعيين المدعي، أما القول بغير ذلك فإنه يتنافى مع حكمة التشريع إذ سيترتب عليه تساوي أجر العامل الحديث مع أجر العامل القديم الذي التحق بالخدمة منذ أمد بعيد.
وقد ردت الجهة الإدارية على الدعوى بمذكرة محصلها أن المدعي عين في وظيفة (مبيض نحاس) في 29 من إبريل سنة 1939 بأجر يومي قدره 140 مليماً في درجة (عامل عادي) من (140/ 240) كشوف حرف ( أ ) ثم صار تعديل كادر العمال بكشوف حرف (ب) واعتبرت هذه المهنة ضمن درجة العمال العاديين بأجر يومي 140 مليماً بارتفاع فئة هذه الدرجة إلى (140/ 300) كشوف حرف (ب). وقد طبقت هذه القواعد على حالة المدعي فهو قد عين عاملاً عادياً (140/ 240) وبلغ أجره في أول مايو سنة 1945 (185) مليماً. وبعد تعديل فئة هذه المهنة إلى (140/ 300) تقاضى المدعي أجراً قدره 260 مليماً من أول مايو سنة 1953 ثم صدر قرار مجلس الوزراء الجديد في 8 من سبتمبر سنة 1953 فرفع درجة هذه المهنة من (عامل عادي 140/ 300) إلى درجة (صانع غير دقيق 200/ 360) وعلى هذا الأساس عومل المدعي وأصبح يتقاضى 275 مليماً من أول مايو سنة 1955 ثم تقاضى 280 من أول يوليه سنة 1955 بدون أثر رجعي. وقد صرفت له جهة الإدارة ما ترتب على قرار مجلس الوزراء من آثار ترجع فقط إلى تاريخ صدور قرار مجلس الوزراء.
وبجلسة 16 من فبراير سنة 1959 حكمت المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال والحربية "برفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات". وأسست قضاءها على أن قرار مجلس الوزراء المشار إليه قد استحدث بالنسبة إلى العمال القائمين بمهنة مبيض النحاس مركزاً جديداً يرتب أعباء مالية على الخزانة العامة وهو تغيير الدرجة المخصصة لمهنتهم من (عامل عادي) إلى (صانع غير دقيق)، وجاء القرار خلواً من أي نص يدل على أنه قصد إلى أن يفيد أبناء هذه الطوائف بتلك المزايا من تاريخ سابق على صدوره؛ ومن ثم يكون تاريخ صدور هذا القرار هو مبدأ إفادتهم من المزايا الجديدة التي أتى بها قرار مجلس الوزراء.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن التعديل الذي لحق مهنة (مبيض النحاس) إنما قد انصب على الدرجة التي كانت مقررة لهذه الطائفة بكادر العمال؛ ومن ثم يكون مقتضى التنظيم الجديد أن تعاد تسوية حالة هؤلاء العمال على أساس الدرجة المعدلة من تاريخ دخول كل منهم الخدمة مع عدم صرف الفروق إلا من تاريخ صدور قرار مجلس الوزراء الذي استحدث هذا التنظيم وقد صدر القرار المذكور في 8 من سبتمبر سنة 1953.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على مذكرة اللجنة المالية رقم (1/ 16 متنوعة جزء 3) المؤرخة 29 من أغسطس سنة 1953 والمرفوعة إلى مجلس الوزراء أنه على إثر الشكاوى المقدمة إلى وزارة الحربية من طائفة مبيضي النحاس وغيرهم من المكوجية والدقاقين والعتالين، رأت وزارة الحربية في ديسمبر سنة 1952 تشكيل لجنة فنية لدراسة هذه الشكاوى، وانتهت هذه اللجنة في شأن طائفة (مبيضي النحاس) إلى ما يأتي: رأت اللجنة وضعهم في درجة (صانع دقيق) المقرر لها أجر يومي (240/ 500) أسوة بالمهن الواردة في الكشف رقم (5) من الكشوف حرف (ب) الملحقة بكادر العمال مبررة اقتراحها باتصال هذه المهنة بالصناعة، وبما تتطلبه من فن ودراية وتعليم، وبما تتطلبه من مجهود جسماني إذ يظل العامل أمام النار مدداً طويلة متكررة فضلاً عن استعماله مواد خطرة وضارة بالصحة كالأحماض وغيرها. أما وضع هذه الطائفة الحالي في درجة عامل عادي - فترى اللجنة أنه لا يتلاءم مع ما يؤدونه من عمل. إذ أن شاغل هذه الدرجة لا يؤدي امتحاناً قبل التحاقه بعملها الذي يتصل بالصناعة بسبب ما.
وقد درس ديوان الموظفين واللجنة المالية هذا الموضوع وانتهت دراستهما إلى ما يلي: "تعديل درجة مبيضي النحاس والمكوجية من درجة عامل عادي (140/ 300) طبقاً لكادر عمال الحكومة إلى درجة (صانع غير دقيق) (200/ 360) أسوة بما تقرر لهاتين المهنتين بالكشوف الملحقة بتقرير لجنة توزيع عمال القناة) وقد وافق مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في 8 من سبتمبر سنة 1953 على رأي اللجنة المالية وديوان الموظفين في هذه المذكرة وقد أبلغت وزارة الحربية هذا القرار.
ومن حيث إن قرار مجلس الوزراء المذكور، لم يكن الباعث على إصداره تصحيح وضع قديم خاطئ بأثر رجعي منعطف على الماضي وإنما هو، كما يبدو جلياً من عباراته، وليد اقتراح من اللجنة الفنية المختصة فقد أوصت بوضع (مبيض النحاس) في درجة (صانع دقيق) ولكن اللجنة المالية التي تملك تعديل مثل هذه المقترحات قبل عرضها على مجلس الوزراء عدلت الدرجة المطلوبة ونزلت بها بعض الشيء إلى درجة (صانع غير دقيق)، فوافق مجلس الوزراء على ذلك. وهذا القرار يفيد استحداث مركز جديد لأصحاب هذه الحرفة يبدأ من تاريخ نفاذ هذه الأداة التشريعية دون أن يحمل في طياته معنى الانسحاب على الماضي. والمركز الجديد يرتب مزية جديدة لم يكن لها وجود من قبل صدور القرار الذي خلا من أي نص صريح أو ضمني يوحي بإفادة هذه الطائفة من العمال بأثر رجعي مرتد إلى الماضي.
ومن حيث إن الثابت من ملف خدمة المدعي أنه عين في مهنة (مبيض نحاس) في 29 من إبريل سنة 1939 بأجر يومي قدره 140 مليماً في درجة عامل عادي (140/ 240) كشوف حرف ( أ ) ثم جرى تعديل كادر العمال بكشوف حرف (ب) على حالة المدعي فأصبح في الدرجة (140/ 300) من 12 من أغسطس سنة 1951. ولما صدر قرار مجلس الوزراء في 8 من سبتمبر سنة 1953 رفعت درجته إلى صانع غير دقيق (200/ 360) بدلاً من عامل عادي وطبقت الإدارة عليه هذا القرار من يوم صدوره ثم درجت أجره بالعلاوات الدورية على هذا الأساس فوصل إلى 280 مليماً في أول يوليه سنة 1955. وتلك تسوية صحيحة تتفق وأحكام كادر عمال اليومية بما لحقه من تعديل. ومن ثم تكون دعوى المدعي غير قائمة على سند من القانون، ويكون الحكم الصادر برفضها قد صادف وجه الحق وأصاب في تطبيق القانون.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.