مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1960 إلى آخر ديسمبر سنة 1960) - صـ 319

(46)
جلسة 17 من ديسمبر سنة 1960

برياسة السيد/ سيد علي الدمراوي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة الإمام الإمام الخريبي ومصطفى كامل إسماعيل ومحمد عزت عبد المحسن، وأبو الوفا زهدي المستشارين.

القضية رقم 768 لسنة 5 القضائية

( أ ) وزارة - مصلحة - مصلحة الصحة الوقائية - استقلالها بوظائفها ودرجاتها عن المصالح التابعة للديوان العام بوزارة الصحة منذ ميزانية السنة المالية 1949/ 1950 - استقلال الوظائف الكتابية بها تبعاً لذلك من 1/ 7/ 1952 تاريخ نفاذ القانون رقم 210 لسنة 1951.
(ب) موظف - ندب - نقل - مجلس مراقبة الأمراض العقلية - إنشاؤه بالقانون رقم 141 لسنة 1944 بشأن حجز المصابين بأمراض عقلية - عدم اعتباره وحدة إدارية لها كيان ذاتي بوزارة الصحة العمومية - هو هيئة استشارية فنية تتبع ديوان عام هذه الوزارة - عدم تخصيص وظائف أو درجات له بالميزانية - ندب موظف من مصلحة الصحة الوقائية للعمل بسكرتيريته - لا يعتبر نقلاً مهما طالت مدته - أساس ذلك.
1 - إن مصلحة الصحة الوقائية فصلت في ميزانية السنة المالية 1949/ 1950 واستقلت بوظائفها ودرجاتها منذ ذلك التاريخ عن المصالح التابعة للديوان العام بوزارة الصحة، وأن الوظائف الكتابية بمصالح الوزارة كانت موزعة تبعاً لتقسيم الوزارة إلى مصالح مستقلة منفصلة بميزانيتها ووظائفها ودرجاتها وذلك اعتباراً من أول يوليه سنة 1952 تاريخ نفاذ قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951، وأن الوزارة كانت في السنة المالية 1953/ 1954 مقسمة إلى:
(1) فرع "1" الديوان العام "2" مصلحة الطب العلاجي "3" مصلحة الصحة الوقائية.... بما يجعل هذه الأخيرة وحدة مستقلة بذاتها عن الديوان العام.
2 - لئن كان مجلس مراقبة الأمراض العقلية قد ورد ذكره تحت الفرع (1) الديوان العام بالوزارة في ميزانية السنة المالية 1953/ 1954، إلا أنه لم تدرج له أية وظائف أو درجات خاصة به، بل كل ما خصص له بالميزانية هو مبلغ 750 جنيهاً في السنة مكافآت للأعضاء وغيرهم من الخبراء كأتعاب عن حضور الجلسات ومصاريف انتقال وما إلى ذلك، وهذا المبلغ وارد تحت بند (هـ) مكافآت لأطباء أخصائيين ولأعضاء مجلس مراقبة الأمراض العقلية وليس تحت البند "أ" ماهيات ومرتبات وأجور.
ويبين من ذلك أن مجلس مراقبة الأمراض العقلية المنشأ بالقانون رقم 141 لسنة 1944 بشأن حجز المصابين بأمراض عقلية، ليس مصلحة أو إدارة أو فرعاً من أيهما، بل هو هيئة استشارية فنية، إذ نصت المادة الأولى من هذا القانون على أنه "يختص بالنظر في حجز المصابين بأمراض عقلية والإفراج عنهم، وفي الترخيص بالمستشفيات المعدة لهم والتفتيش عليها..." كما نصت المادة الثانية منه على أن المجلس يشكل من رئيس هو وكيل وزارة الصحة العمومية للشئون الطبية أو من يقوم مقامه، ومن أعضاء بحكم وظائفهم تابعين لمختلف الوزارات والمصالح كالمحامي العام أو رئيس نيابة الاستئناف، وكبير الأطباء الشرعيين أو من يقوم مقامه، وموظف كبير يندبه وزير الداخلية وموظف كبير يندبه وزير الشئون الاجتماعية، وأستاذ الأمراض العصبية بجامعة القاهرة، ومندوب من قسم قضايا وزارة الصحة العمومية في درجة نائب على الأقل وكبير أطباء مصلحة السجون أو من يقوم مقامه ويتولى سكرتيرية المجلس من يعينه وزير الصحة العمومية من الموظفين لهذا الغرض". وأن هذا المجلس بحكم تشكيله على الوجه المتقدم لا يكون وحدة إدارية لها كيان ذاتي من وحدات وزارة الصحة العمومية، وآية ذلك أنه لم تقرر له وظائف أو درجات لموظفين فنيين أو كتابيين بميزانية الوزارة، وإنما اعتمد له مبلغ سنوي إجمالي خصص لمكافآت الأعضاء والأطباء الأخصائيين وما إلى ذلك. ومن ثم فإن ندب المدعي للعمل بسكرتيريته إنما تم استصحاباً لوظيفته التي كان يشغلها بمصلحة الصحة الوقائية بحكم الضرورة لا إلى وظيفة بالمجلس ليس لها وجود بقانون ربط الميزانية، وما كان ندبه بهذا الوضع - مهما استطال - ليستحيل نقلاً، إن جاز ذلك، لوقوعه على غير محل أو لينتج أثراً في هذا الخصوص لكون هذا الأثر غير ممكن ولا جائز قانوناً لافتقاد الاعتماد المالي اللازم لترتيبه.


إجراءات الطعن

في 23 من إبريل سنة 1959 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 768 لسنة 5 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارات الصحة والأوقاف والشئون البلدية والقروية بجلسة 23 من فبراير سنة 1959 في الدعوى رقم 87 لسنة 4 القضائية "محاكم" المقامة من: عبد الحميد صبحي ضد وزارتي الصحة العمومية القاضي "بإلغاء القرار المطعون فيه بما يخول إرجاع أقدمية المدعي في الدرجة الرابعة الكتابية إلى 29 من إبريل سنة 1954، وألزمت الوزارة المصروفات ومبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة" وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والحكم برفض الدعوى وإلزام المدعي المصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى المطعون عليه في 31 من مايو سنة 1959، وإلى وزارة الصحة في 7 من يونيه سنة 1959 وقد عقب المطعون عليه على هذا الطعن بمذكرتين مؤرختين 16 من يونيه سنة 1960، 30 من نوفمبر سنة 1960 ولم تقدم وزارة الصحة مذكرة ما بملاحظاتها. وبعد انقضاء المواعيد القانونية المقررة عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 26 من يونيه سنة 1960 وفي 14 من يونيه سنة 1960 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة العليا لنظره بجلسة 19 من نوفمبر سنة 1960. وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم مع الترخيص في تقديم مذكرات في أسبوعين. وقد قدم المطعون عليه بعد حجز الطعن للحكم مذكرته الثانية الختامية المؤرخة 30 من نوفمبر سنة 1960، مصححاً فيها على ما طلبه في سابقتها من "الحكم برفض الطعن وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الوزارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة مع حفظ كافة الحقوق".


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 87 لسنة 4 القضائية "محاكم" ضد وزارة الصحة العمومية أمام المحكمة الإدارية لوزارات الصحة والأوقاف والشئون البلدية والقروية بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 26 من يناير سنة 1957 ذكر فيها أن السيد وكيل الوزارة ندبه من مصلحة الصحة الوقائية اعتباراً من 17 من ديسمبر سنة 1944 للعمل بسكرتيرية مجلس مراقبة الأمراض العقلية المنشأ تنفيذاً للقانون رقم 141 لسنة 1944 وهو عمل يختلف عن عمله بالمصلحة المذكورة. وقد استمر هذا الندب لمدة تزيد على عشر سنوات بما يجعله في حقيقته نقلاً طبقاً لنص المادة السابعة من لائحة بدل السفر ومصاريف الانتقال التي توجب نقل الموظف إذا طالت مدة ندبه عن ثلاثة أشهر. وقد طالبت مصلحة الصحة الوقائية مراراً بإلغاء ندبه وإعادته إليها فرفض طلبها.
وفي 31 من أغسطس سنة 1953 صدر القرار الوزاري رقم 344 بوجوب إلغاء جميع الانتدابات وإعادة الموظفين المنتدبين إلى مصالحهم خلال شهر ومع ذلك لم ينفذ هذا القرار بالنسبة إليه. وفي 7 من يناير سنة 1954 صدر القرار الوزاري رقم 1371 بتعيينه سكرتيراً لمجلس المراقبة بعد أن كان سكرتيراً مساعداً له، وهذا نتيجة للنقل لا للندب المؤقت. وقد تداركت الوزارة الأمر أخيراً فنقلته ودرجته من مصلحة الصحة الوقائية إلى مصلحة التفتيش الفني، وهي أحد فروع الديوان العام في ميزانية السنة المالية 1955/ 1956 فأقرت بدليل لاحق الوضع المنفذ فعلاً منذ أكثر من عشر سنوات، وهو تبعيته للديوان العام. وقد نصت المادة 48 من قانون التوظف على أن الندب لا يكون إلا لعمل مؤقت، وأيدت أحكام مجلس الدولة اعتبار الندب الطويل نقلاً. وقد صدر في مايو سنة 1954 قرار بترقية كل من غالي سعيد وزكي بقطر وأخنوخ يعقوب إلى الدرجة الرابعة بالأقدمية اعتباراً من 29 من إبريل سنة 1954 متخطياً بذلك المدعي بهذين الأخيرين، مع أن عمله تابع للديوان العام نظراً لأن الرئيس المباشر لهذا العمل هو وكيل الوزارة ورئيس مجلس المراقبة، ومع أن أقدمية جميع موظفي فروع الديوان العام موحدة، والمدعي أسبق ممن تخطياه في الترقية، إذ أنهما رقيا معه إلى الدرجة الخامسة في تاريخ واحد ولكنه أسبق منهما في الدرجتين السادسة والسابعة ولم يكن يعلم بأمر ترقيتهما حتى تاريخ رفع تظلمه من هذه الترقية في 30 من سبتمبر سنة 1956 ولما كان قد رقي أخيراً إلى الدرجة الرابعة اعتباراً من 2 من سبتمبر سنة 1956 بالتطبيق للقواعد الخاصة بقدامى الموظفين فإنه يطلب "أولاً - الحكم بإلغاء أمر الترقية المطعون فيه والمتظلم منه.. فيما تضمنه من حيث تخطي السيدين المشار إليهما له في الترقية إلى الدرجة الرابعة بالأقدمية. ثانياً - الحكم بأحقية الطالب للدرجة الرابعة من 29 من إبريل سنة 1954 وذلك بإرجاع أقدميته فيها إلى هذا التاريخ وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الوزارة بالمصاريف وحفظ كافة الحقوق". وقد ردت وزارة الصحة على هذه الدعوى بأن المدعي التحق بالخدمة بوظيفة مدرس بمجلس مديرية الغربية اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1924 ثم نقل لوظيفة كاتب بوزارة الصحة بمصلحة الصحة الوقائية بالماهية التي كان بها بمجلس المديرية في الدرجة الثامنة اعتباراً من 10 من أكتوبر سنة 1936، وسويت حالته فاعتبر في الدرجة السابعة الشخصية من أول أكتوبر سنة 1944، ورقي إلى الدرجة السادسة بصفة شخصية اعتباراً من أول يوليه سنة 1943، وفي 17 من ديسمبر سنة 1944 ندب للعمل بمجلس مراقبة الأمراض العقلية، ورقي إلى الدرجة الخامسة بصفة شخصية اعتباراً من 7 من مارس سنة 1953 وإلى الدرجة الرابعة بصفة شخصية اعتباراً من 2 من سبتمبر سنة 1956 وقد فصلت مصلحة الصحة الوقائية في ميزانية السنة المالية 1949/ 1950 واستقلت بوظائفها عن وظائف مصالح الديوان العام. وفي أول يوليه سنة 1955 نقلت درجة المدعي من مصلحة الصحة الوقائية إلى فرع 1 - الديوان العام (مصلحة التفتيش الفني) وأصبح تابعاً لهذه المصلحة من ذلك التاريخ تبعاً لنقل درجته إليها. ولما كان المطعون في ترقيتهما تابعين لمصالح الديوان العام ذات الميزانية المستقلة عن ميزانية مصلحة الصحة الوقائية وقت صدور القرار المطعون فيه، فلا وجه لمقارنة المدعي بهما. أما القول بأن الندب الطويل لعمل مستمر هو في حقيقته نقل فمردود في خصوص هذه الدعوى بأن ندب المدعي للعمل بسكرتارية مجلس مراقبة الأمراض العقلية إنما كان لوظيفة ليس لها وجود بقانون ربط الميزانية، إذ لم تدرج لهذا المجلس وظائف إطلاقاً بالميزانية. والعبرة في تحديد الوحدة التابع لها الموظف هي بدرجة الوظيفة التي يشغلها بها في الميزانية، ولا يمكن القول بأن مجرد ندبه لأداء أعمال وظيفة ليس لها وجود بالميزانية يعتبر نقلاً نهائياً لهذه الوظيفة يكسبه حق درج أقدميته ضمن موظفي مصلحة غير مصلحته. وقد ظل المدعي حتى 30 من يونيه سنة 1955 موظفاً بمصلحة الصحة الوقائية وشاغلاً لدرجة بميزانيتها، ومن ثم فلا يحق له أن يطعن في ترقيات تمت بين موظفي الديوان العام في 29 من إبريل سنة 1954، ولا سيما أن الوظائف الكتابية بمصلحة الصحة الوقائية تعتبر وحدة مستقلة بذاتها، وأن المصرف المالي لماهيته قبل أول يوليه سنة 1955 كان على ميزانية هذه المصلحة، وإن كان قد تعمد، بحكم قيامه بتحرير الماهيات عدم التأشير أمام اسمه بالخصم على حساب المصلحة المذكورة حتى يصرف من الديوان العام، إذ أن هذه العملية المادية، سواء كان سببها فعل المدعي أو إهمال الموظف المختص، لا تغير من مركز المدعي ولا تعتبر قراراً إدارياً بنقله من مصلحة الصحة الوقائية إلى الديوان العام، ذلك أن الغش يفسد التصرفات والخطأ لا يرتب حقاً. على أن مجلس مراقبة الأمراض العقلية ليس وحدة إدارية. فلا هو مصلحة أو إدارة، ولا هو فرع من مصلحة أو إدارة كما أنه ليست له وظائف أو درجات أو اعتماد مالي بميزانية الوزارة أو بميزانية الدولة إطلاقاً إنما هو هيئة استشارية ليس لها كيان ذاتي، تتكون من أعضاء ينتمون إلى عدة وزارات ومصالح مختلفة لكل منهم درجته في وزارته أو مصلحته وكذلك الحال بالنسبة إلى المدعي الذي يعمل منتدباً بسكرتيرية هذا المجلس إذ أن له درجته باعتباره موظفاً بمصلحة الصحة الوقائية لا بوصفه سكرتيراً للمجلس. كما أنه منح جميع علاواته وترقياته وإجازاته على هذا الأساس، وآخر علاوة حصل عليها قبل نقله إلى إدارة التفتيش الفني كانت في أول مايو سنة 1955 بوصفه موظفاً بمصلحة الصحة الوقائية كما أن إجازاته كانت تقيد بسجلات هذه المصلحة التي كان يرسل إليها إقرارات قيامه بالإجازة وعودته منها. وخلصت الوزارة من هذا إلى أن دعوى المدعي لا سند لها من القانون، وأنها لذلك تطلب الحكم برفضها مع إلزامه بمصروفاتها. وقد أودع السيد مفوض الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهى فيه لما أبداه به من أسباب إلى أنه يرى "الحكم برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات والأتعاب". وقد عقب المدعي على كل من دفاع الوزارة وتقرير السيد مفوض الدولة بمذكرات رد فيها عليهما وشرح أسانيد دعواه منتهياً إلى التصميم على طلباته. وبجلسة 23 من فبراير سنة 1959 قضت المحكمة الإدارية "بإلغاء القرار المطعون فيه بما يخول إرجاع أقدمية المدعي في الدرجة الرابعة الكتابية إلى 29 من إبريل سنة 1954، وألزمت الوزارة المصروفات ومبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة" وأقامت قضاءها على أن الندب بطبيعته لا يكون إلا لغرض موقوت، فإذا استطال فإنه يستحيل إلى نقل نهائي متى ظهر من ظروف الحال أن نية الإدارة اتجهت إلى أن يقوم الموظف بعمله الجديد بصفة مستديمة وبشكل نهائي وهذا ما تؤيده المادة 48 من قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951. ويؤخذ من ملابسات ندب المدعي من مصلحة الصحة الوقائية للعمل بسكرتارية مجلس مراقبة الأمراض العقلية أن نية الإدارة قد اتجهت إلى نقله نهائياً إلى هذا المجلس الذي يعتبر وحدة من وحدات الديوان العام لكون وكيل الوزارة للشئون الطبية هو الذي يرأسه وفقاً للمادة الثانية من القانون رقم 141 لسنة 1944 الخاص بحجز المصابين بأمراض عقلية، وينبني على هذا أن يكون للمدعي حق الترقية مع زملائه في الديوان العام، ولا سيما أنه يستنتج من الوقائع أن درجة المدعي لم تكن مدرجة ضمن درجات موظفي مصلحة الصحة الوقائية مما يجعله تابعاً للمصلحة المذكورة عند إصدار القرار المطعون فيه. وقد ورد ذكر مجلس مراقبة الأمراض العقلية في ميزانية السنة المالية 1953/ 1954 تحت الفرع ( أ ) الديوان العام وخصصت له مكافآت، مما يقطع بأنه تابع للديوان العام وإذا كانت لم تخصص له درجات في الميزانية فإن هذا لا يترتب عليه عدم اعتبار المدعي تابعاً للديوان العام ما دامت هناك درجات مدرجة للوظائف الكتابية بصفة عامة تحت الفرع "أ" بند (1) ماهيات وأجر ومرتبات. ولا يغير من هذا النظر صدور قرار وكيل الوزارة الدائم بنقل المدعي بدرجته من ميزانية مصلحة الصحة الوقائية إلى مصلحة التفتيش الفني بالديوان العام اعتباراً من أول يوليه سنة 1955، إذ أن هذا القرار لا يغير من الواقع شيئاً. ولما كانت حركة الترقية إلى الدرجة الرابعة المطعون فيها والتي اعتمدها السيد وزير الصحة في 29 من إبريل سنة 1954 قد تمت بين موظفي الديوان العام بالأقدمية المطلقة، وكان الثابت أن المدعي من موظفي هذا الديوان، وأنه أقدم في ترتيب أقدمية الدرجة الخامسة من المطعون في ترقيتهما الأخيرين، فإن الوزارة تكون قد تخطته في الترقية إلى الدرجة الرابعة الكتابية بالأقدمية المطلقة، مما يتعين معه إلغاء هذا القرار لمخالفته للقانون وما يترتب على ذلك من آثار، وإذ كان المدعي قد رقي فعلاً إلى الدرجة الرابعة الكتابية اعتباراً من 2 من سبتمبر سنة 1956، فإنه يتعين الحكم برد أقدميته في هذه الدرجة إلى تاريخ القرار المطعون فيه، وهو 29 من إبريل سنة 1954 وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 23 من إبريل سنة 1959 طلب فيها "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والحكم برفض الدعوى وإلزام المدعي المصروفات". واستند في أسباب طعنه إلى أن هيئة المفوضين ترى عدم الأخذ بالرأي القائل بأن الندب إذا استطال اعتبر نقلاً على إطلاقه إذ الأمر لا يتوقف على مجرد مدة الندب، فقد يطول الوقت بندب موظف لعمل لا استقرار فيه فلا يستحيل نقلاً. والحال أن مجلس مراقبة الأمراض العقلية هو أحد المجالس التي أنشئت للرقابة وإبداء الرأي دون أن يكون لها كيان في الميزانية أو تخصص لها وظائف أو درجات، إذ يندب لها موظفون للقيام بالعمل فيها ولم ينص القانون رقم 141 لسنة 1944 على أي مورد أو مصرف مالي للمجلس كما أنه بالاطلاع على قوانين ربط ميزانية الدولة في السنين المتعاقبة منذ إنشاء المجلس المذكور في سنة 1944 حتى الآن يبين أنه لم تدرج له وظائف أو درجات من أي نوع كانت، وأن كل ما أدرج هو مبلغ 750 جنيهاً بميزانية الديوان العام تحت بند "هـ" مكافآت لأطباء أخصائيين ولأعضاء المجلس دون إدراج شيء تحت بند "أ" ماهيات ومرتبات وأجور أو تحت بند "هـ" مكافآت للسكرتير أو نظير أعمال السكرتيرية. ولما كان المجلس ليس وحدة إدارية من وحدات وزارة الصحة ولا فرعاً من فروع الديوان العام، فلا محل للقول بأن ندب المدعي إليه يعتبر نقلاً باستطالته. ولا يغير من هذا كون المدعي وهو الذي يحرر بنفسه استمارات الماهيات بما فيها استماراته الخاصة قد تعمد ألا يؤشر عليها بالخصم على ميزانية مصلحة الصحة الوقائية أو وضعه في ملف خدمته تارة بأنه منتدب وأخرى بأنه من موظفي مجلس مراقبة الأمراض العقلية، إذ لا عبرة بما ورد من هذا القبيل في الأوراق غير المعدة لإثبات صفة الموظف، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد خالف القانون فيما انتهى إليه. وقد عقب المدعي على هذا الطعن بمذكرتين ردد فيهما دفاعه السابق وأضاف إليه أنه قد صدرت عدة قرارات إدارية بتحديد عدد موظفي سكرتيرية مجلس مراقبة الأمراض العقلية باعتبارها وحدة من وحدات الديوان العام وذلك بمناسبة التنظيم الأخير، وأن جميع وحدات الوزارة تستمد كيانها من مثل هذه القرارات، وأن الرئيس المباشر لموظفي المجلس هو السيد وكيل الوزارة، وهم متفرغون لعمل المجلس فقط ويؤدونه بصفة مستمرة لأن جلسات المجلس تعقد كل أسبوعين. وإذا كان القانون رقم 141 لسنة 1944 لم ينص على أي مورد مالي للمجلس أو لسكرتيريته، فإنما ذلك لأن الاختصاص في هذا الشأن هو لقانون الميزانية. ولا حجة في القول بأن قوانين ربط الميزانية منذ إنشاء المجلس إلى الآن لم تدرج أية وظائف للمجلس، ذلك أن الوظائف الكتابية لم تخصص في الميزانية لأي عمل حتى تاريخ صدور القرار المطعون فيه وكل ما ذكر هو عدد من الدرجات فقط دون النص على أي عمل كتابي ومن ثم فإن مجلس المراقبة يكون وحدة إدارية رئيسية لها كيان قانوني وإداري ومالي وليس لجنة كما جاء في الطعن، ومهما كان صفته فإن عمله جزء من عمل الديوان العام، وعمل الديوان مستقر. وقد كان المدعي يصرف مرتبه من ميزانية الديوان العام لا من ميزانية المصلحة السابق ندبه منها، أي أن الوزارة طبقت فعلاً مبدأ النقل من بادئ الأمر فأصبح لا مبرر للمنازعة. أما القرار الصادر في سنة 1955 بنقل المدعي ودرجته من مصلحة الصحة الوقائية إلى الديوان العام فقد جاء كاشفاً للحالة السابقة للمذكور ولم يغير شيئاً من الوضع القائم الذي استمر كما هو وخلص المدعي من هذا في مذكرتيه إلى طلب الحكم برفض الطعن وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الوزارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على الأوراق أن المدعي نقل من مجلس مديرية الغربية إلى وظيفة كاتب من الدرجة الثامنة بوزارة الصحة العمومية بمصلحة الصحة الوقائية اعتباراً من 10 من أكتوبر سنة 1936 وظل يتدرج في هذه المصلحة حتى رقي إلى الدرجة السادسة بصفة شخصية اعتباراً من أول يوليه سنة 1943 وفي 17 من ديسمبر سنة 1944 ندب للعمل بسكرتيرية مجلس مراقبة الأمراض العقلية، ثم رقي إلى الدرجة الخامسة بصفة شخصية اعتباراً من 7 من مارس سنة 1953 قيداً على الدرجة الثامنة الكتابية. وفي 7 من يناير سنة 1954 عين سكرتيراً للمجلس بالقرار الوزاري رقم 1371. وفي 22 من ديسمبر سنة 1955 صدر قرار وكيل الوزارة الدائم رقم 1905 بنقله بدرجته من ميزانية مصلحة الصحة الوقائية إلى فرع 1 - الديوان العام (مصلحة التفتيش الفني) بالوزارة اعتباراً من أول يوليه سنة 1955، ورقي إلى الدرجة الرابعة بصفة شخصية اعتباراً من 2 من سبتمبر سنة 1956.
ومن حيث إنه ظاهر من الأوراق كذلك أن مصلحة الصحة الوقائية فصلت في ميزانية السنة المالية 1949/ 1950 واستقلت بوظائفها ودرجاتها منذ ذلك التاريخ عن المصالح التابعة للديوان العام بوزارة الصحة، وأن الوظائف الكتابية بمصالح الوزارة كانت موزعة تبعاً لتقسيم الوزارة إلى مصالح مستقلة منفصلة بميزانيتها ووظائفها ودرجاتها وذلك اعتباراً من أول يوليه سنة 1952 تاريخ نفاذ قانون موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951، وأن الوزارة كانت في السنة المالية 1953/ 1954، وهي التي أجريت في غضونها حركة الترقية المطعون فيها التي تمت بالأمر رقم 158 الصادر من السيد وكيل الوزارة في 16 من مايو سنة 1954 اعتباراً من 29 من إبريل سنة 1954، مقسمة إلى:
1 - فرع (1) الديوان العام 2 - مصلحة الطب العلاجي 3 - مصلحة الصحة الوقائية.... بما يجعل هذه الأخيرة وحدة مستقلة بذاتها عن الديوان العام. وأنه ولئن كان مجلس مراقبة الأمراض العقلية قد ورد ذكره تحت الفرع "1" الديوان العام بالوزارة في ميزانية السنة المالية 1953/ 1954، إلا أنه لم تدرج له أية وظائف أو درجات خاصة به، بل كل ما خصص له بالميزانية هو مبلغ 750 جنيهاً في السنة مكافآت للأعضاء وغيرهم من الخبراء كأتعاب عن حضور الجلسات ومصاريف انتقال وما إلى ذلك، وهذا المبلغ وارد تحت بند (هـ) مكافآت لأطباء أخصائيين ولأعضاء مجلس مراقبة الأمراض العقلية وليس تحت البند ( أ ) ماهيات ومرتبات وأجور، وأن ترقيات المدعي وعلاواته وإجازاته كانت تمنح له حتى تاريخ نقله إلى مصلحة التفتيش الفني في أول يوليه سنة 1955 باعتباره من موظفي مصلحة الصحة الوقائية، وآخر علاوة منحها بهذه الصفة كانت في أول مايو سنة 1955، كما أن آخر إجازة له في المصلحة المذكورة كانت في نوفمبر سنة 1954.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن مصلحة الصحة الوقائية التي كان المدعي تابعاً لها وقت ندبه للعمل بسكرتيرية مجلس مراقبة الأمراض العقلية كانت مصلحة مستقلة بوظائفها ودرجاتها عن الديوان العام لوزارة الصحة منذ ميزانية السنة المالية 1949/ 1950 (أي قبل حصول هذا الندب)، وأن الوظائف الكتابية بالمصلحة المذكورة كانت وحدة مستقلة بذاتها في ميزانية السنة المالية 1953/ 1954 التي تمت خلالها حركة الترقيات المطعون فيها، حيث كانت هذه الوظائف مقسمة في ميزانية الوزارة بين فرع الديوان العام، ومصلحة الطب العلاجي، ومصلحة الصحة الوقائية ومصالح أخرى، وأن مجلس مراقبة الأمراض العقلية المنشأ بالقانون رقم 141 لسنة 1944 بشأن حجز المصابين بأمراض عقلية، ليس مصلحة أو إدارة أو فرعاً من أيهما، بل هو هيئة استشارية فنية، إذ نصت المادة الأولى من هذا القانون على أنه "يختص بالنظر في حجز المصابين بأمراض عقلية والإفراج عنهم، وفي الترخيص بالمستشفيات المعدة لهم والتفتيش عليها....." كما نصت المادة الثانية منه على أن "يشكل المجلس من رئيس هو وكيل وزارة الصحة العمومية للشئون الطبية أو من يقوم مقامه، ومن أعضاء بحكم وظائفهم تابعين لمختلف الوزارات والمصالح كالمحامي العام أو رئيس نيابة الاستئناف، وكبير الأطباء الشرعيين أو من يقوم مقامه، وموظف كبير يندبه وزير الداخلية، وموظف كبير يندبه وزير الشئون الاجتماعية، وأستاذ الأمراض العصبية بجامعة القاهرة، ومندوب من قسم قضايا وزارة الصحة العمومية في درجة نائب على الأقل، وكبير أطباء مصلحة السجون أو من يقوم مقامه، ويتولى سكرتيرية المجلس من يعينه وزير الصحة العمومية من الموظفين لهذا الغرض". وأن هذا المجلس بحكم تشكيله على الوجه المتقدم لا يكون وحدة إدارية لها كيان ذاتي من وحدات وزارة الصحة العمومية، وآية ذلك أنه لم تقرر له وظائف أو درجات لموظفين فنيين أو كتابيين بميزانية الوزارة، وإنما اعتمد له مبلغ سنوي إجمالي خصص لمكافآت الأعضاء والأطباء الأخصائيين وما إلى ذلك. ومن ثم فإن ندب المدعي للعمل بسكرتيريته إنما تم استصحابا لوظيفته التي كان يشغلها بمصلحة الصحة الوقائية بحكم الضرورة لا إلى وظيفة بالمجلس ليس لها وجود بقانون ربط الميزانية، وما كان ندبه بهذا الوضع - مهما استطال - ليستحيل نقلاً، إن جاز ذلك، لوقوعه على غير محل أو لينتج أثراً في هذا الخصوص لكون هذا الأثر غير ممكن ولا جائز قانوناً لافتقاد الاعتماد المالي اللازم لترتيبه. ولما كان المدعي قد ظل موظفاً بمصلحة الصحة الوقائية التي منح فيها ترقياته وعلاواته وإجازاته إلى أن نقل منها بقرار وكيل الوزارة الدائم رقم 1905 الصادر في 22 من ديسمبر سنة 1955 إلى فرع 1 - الديوان العام (مصلحة التفتيش الفني) بالوزارة اعتباراً من أول يوليه سنة 1955، وكانت الترقيات المطعون فيها قد تمت بين موظفي الديوان العام اعتباراً من 29 من إبريل سنة 1954 أي في تاريخ لم يكن فيه داخلاً في عداد موظفي هذا الديوان بل كان موظفاً بمصلحة الصحة الوقائية منتدباً للعمل بسكرتيرية مجلس مراقبة الأمراض العقلية، فإن نعيه على القرار الصادر في 16 من مايو سنة 1954 بهذه الترقيات بوقوعه مخالفاً لأحكام القانون وطلبه إلغاءه فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الرابعة الكتابية بالأقدمية وأحقيته في الترقية إلى هذه الدرجة تأسيساً على أن ندبه الذي طال لمجلس مراقبة الأمراض العقلية قد استحال نقلاً إلى الديوان العام يخوله التزاحم في الترقية مع موظفي هذا الديوان، هذا الطلب يكون على غير أساس سليم من القانون وإذ أخذ الحكم المطعون فيه بغير هذا النظر فإنه يكون قد جانب الصواب ويتعين القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى مع إلزام المدعي بمصروفاتها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.