أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 19 - صـ 995

جلسة 23 من مايو سنة 1968

برياسة السيد المستشار الدكتور/ محمد حافظ هريدي، وبحضور السادة المستشارين: السيد عبد المنعم الصراف، وسليم راشد أبو زيد، ومحمد صدقي البشبيشي، ومحمد سيد أحمد حماد.

(148)
الطعن رقم 410 لسنة 34 القضائية

( أ ) نيابة عامة. "التدخل في دعاوى الوقف". بطلان. نظام عام.
البطلان المترتب على عدم تدخل النيابة العامة في دعوى متعلقة بالوقف من النظام العام. لمحكمة النقض أن تقضي به على الرغم من عدم التمسك به في تقرير الطعن.
(ب) نيابة عامة "وجوب تدخل النيابة في دعاوى الوقف".
كل نزاع متعلق بأصل الوقف أو بإنشائه أو بالشخص المستحق فيه مما كانت تختص به المحاكم الشرعية وأصبح الاختصاص بنظره للمحاكم. وجوب تدخل النيابة العامة وإلا كان الحكم الصادر فيه باطلاً. يستوي في ذلك أن تكون الدعوى أصلاً من دعاوى الوقف أو تكون قد رفعت باعتبارها دعوى مدنية وأثيرت فيها مسألة متعلقة بالوقف. تدخل النيابة أمام محكمة أول درجة لا يغني عن وجوب تدخلها أمام محكمة الدرجة الثانية.
1 - البطلان المترتب على عدم تدخل النيابة العامة في دعوى متعلقة بالوقف، من النظام العام ومن ثم فإن لمحكمة النقض أن تقضي به على الرغم من عدم تمسك الطاعن به في تقرير الطعن.
2 - جرى قضاء محكمة النقض [(1)] على أنه كلما كان النزاع متعلقا بأصل الوقف أو بإنشائه أو بشخص المستحق فيه مما كانت تختص به المحاكم الشرعية وأصبح الاختصاص بنظره للمحاكم عملاً بالقانون رقم 462 لسنة 1955 الصادر بإلغاء المحاكم الشرعية، فإن تدخل النيابة يكون واجباً عند نظر هذا النزاع وإلا كان الحكم الصادر فيه باطلاً يستوي في ذلك أن تكون الدعوى أصلاً من دعاوى الوقف أو تكون قد رفعت باعتبارها دعوى مدنية وأثيرت فيها مسألة متعلقة بالوقف فإذا كان النزاع في الدعوى يدور حول ما إذا كان العقار محملاً بحكر أم لا وانتهت محكمة الدرجة الأولى إلى أن أرض النزاع وقف خيري محمل بحكر وأيدها في ذلك الحكم الصادر فيه فإن الدعوى وقد دار النزاع فيها على هذه الصورة تكون من الدعاوى المتعلقة بالوقف بالمعنى المقصود في المادة الأولى من القانون رقم 628 لسنة 1955 ومن ثم يكون تدخل النيابة واجباً عند طرح هذا النزاع أمام محكمة الاستئناف وإلا كان الحكم الصادر فيها باطلاً. ولا يغير من ذلك كون النيابة العامة قد تدخلت في الدعوى وأبدت رأيها فيها أمام محكمة الدرجة الأولى لأن هذا التدخل لا يغني عن وجوب تدخلها أمام محكمة الدرجة الثانية.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدهم الثلاثة الأول أقاموا في 5 مايو سنة 1948 الدعوى رقم 187 سنة 73 قضائية مختلط القاهرة على الطاعن (بنك مصر) ووزارة الأوقاف المطعون ضدها الرابعة وعلى المطعون ضدهما الثامنة والتاسعة وطلبوا فيها الحكم (أولاً) بأن قطعة الأرض المبيعة منهم بما عليها من مبان إلى بنك مصر بالعقد المؤرخ 14/ 8/ 1936 والمسجل بقلم الرهون بمحكمة القاهرة المختلطة في 16/ 5/ 1936 برقم 3561 خالية من أي حكر (ثانياً) إلزام بنك مصر بأن يدفع لهم مبلغ 15000 ج والفوائد بواقع 4.5% من 14 مايو سنة 1936 وإلزامه ووزارة الأوقاف بالمصروفات وقالوا شرحاً لدعواهم إنهم باعوا لبنك مصر بموجب العقد المذكور 3950 متراً مربعاً بما عليها من مبان موضحة بالصحيفة وبالعقد وأنهم إذ ضمنوا للبنك المشتري عدم وجود أية قيود أو حقوق ارتفاق أو وقف أو حكر أو أية حقوق عينية على العين المبيعة فقد استبقى البنك من الثمن مبلغ 15000 ج تعهد بسداده لهم مضافاً إليه فوائد بواقع 4.5% سنوياً إذا ما قدموا الدليل على أن الأرض المبيعة خالية من أي حق يرد عليها أو يقيد من الملكية - غير أن وزارة الأوقاف ادعت بوجود حكر على العقار المبيع لصالح وقف مجهول زال واختفى كلية وأسست ادعاءها على نص غامض ورد بالمستندات الأصلية الدالة على الملكية وهذا الزعم منها على غير أساس طالما أنها لم تقدم الدليل على ما تدعيه، وإنه بفرض وجود هذا الحكر على العقار المبيع فإنه ينبغي أن يكون مترتباً على وقف معلوم وقائم قانوناً الأمر الغير متوفر في هذه الحالة هذا إلى أن الحكر المدعى به يكون قد زال عن طريق استبدال أرض الوقف ذاتها وفوق ذلك فإن الحكر إن كان قد نشأ فقد وجد في الأصل على عقار مستقل تماماً عن العقار المبيع واستطرد رفعوا الدعوى قائلين إن الحكر لا ينشأ بمجرد إقرار أحد الحائزين إذ يشترط لتقريره عقد شكلي يجريه الوقف المالك بعد موافقة صاحب البناء المقام على الأرض وهو ما لم يقم الدليل عليه، وإذا كان قد نشأ الحكر فعلاً فإنه يكون قد زال نفاذاً لما تقضي به المادة الثانية من الأمر العالي الصادر في 15/ 11/ 1879 التي تقضي بأن الأعيان المرهونة للسيد/ ردتشيلد ومنها العقار موضوع النزاع خالية من أي حق عيني. هذا فضلاً عن أن الحكر يسقط بمضي 33 سنة إذا ظل مسكوتاً عنه لم ترفع عنه دعوى.
واسترسل رافعوا الدعوى (المطعون ضدهم الثلاثة الأول) في سرد الأدلة على أن الأرض المبيعة منهم إلى البنك الطاعن لم تعد وقفاً وإنما استبدلت وتحررت من كل حكر وبعد إلغاء المحاكم المختلطة أحيلت الدعوى إلى محكمة القاهرة الابتدائية حيث قيدت بجدولها برقم 2707 سنة 1949 كلي مصر.
وبجلسة 29 من إبريل سنة 1950 دفعت وزارة الأوقاف الدعوى بعدة دفوع أولها الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى لأنها متصلة بأصل الوقف وبحث ما إذا كان العقار المبيع موقوفاً أم غير موقوف مما تختص بنظره المحاكم الشرعية ومحكمة الدرجة الأولى قضت في 24/ 12/ 1950 (أولاً) بعدم اختصاصها بنظر الدعوى فيما يتعلق بالطلبات المتنازع عليها بين رافعي الدعوى ووزارة الأوقاف وهي الخاصة باعتبار الأرض المبيعة منهم لبنك مصر خالية من أي حكر (ثانياً) برفض الدعوى بالنسبة للطلبات الموجهة لبنك مصر والمتعلقة بإلزامه بأن يدفع لرافعي الدعوى 15000 ج - استأنف المطعون ضدهم الثلاثة الأول هذا الحكم وقيد الاستئناف برقم 241 سنة 65 ق القاهرة و241 سنة 68 ق القاهرة ومحكمة الاستئناف قضت في 28 مارس سنة 1955 (أولاً) فيما يتعلق بالطلب الخاص بخلو العين المبيعة لبنك مصر من حق الحكر بإلغاء الحكم المستأنف وباختصاص المحاكم المدنية بنظره وبإعادة القضية لمحكمة أول درجة للفصل في هذا الطلب على الوجه المبين بأسباب الحكم الاستئنافي (ثانياً) بإيقاف الفصل في الطلب الخاص بمبلغ الـ 15000 ج حتى يفصل من محكمة أول درجة في الطلب الأول. وإذ أعيدت القضية لمحكمة الدرجة الأولى فقد أدخل رافعوا الدعوى وزارة المالية بصفتها ممثلة لمصلحة الأملاك البائعة لهم والضامنة لصحة البيع الصادر منها وطلبوا إلزامها بمبلغ 15000 ج وفوائده بواقع 4.5% من 14/ 5/ 1936 حتى السداد وفي 4/ 6/ 1956 قررت المحكمة قبول اختصامها وإخطار النيابة لتتدخل في الدعوى لأن رافعيها عادوا من جديد وبعد إلغاء المحاكم الشرعية إلى التعرض في دفاعهم إلى أصل الوقف وأبدت النيابة العامة رأيها بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل في النزاع من المحكمة الشرعية وبتاريخ 9/ 12/ 1957 قضت المحكمة برفض الدعوى فاستأنف بنك مصر (الطاعن) الحكم المذكور وقيد استئنافه برقم 693 سنة 75 ق كما استأنفه المطعون ضدهم الثلاثة الأول وقيد استئنافهم برقم 743 سنة 75 ق وطلب في الاستئنافين إلغاء الحكم المستأنف واعتبار العقار موضوع النزاع ملكاً حراً خالياً من الوقف والحكر كما طلب المطعون ضدهم الثلاثة الأول احتياطياً ندب خبير لتطبيق الحجج والعقود المقدمة على الأرض موضوع النزاع لمعرفة ما إذا كانت الأرض المذكورة يجرى عليها الحكر المقرر أصلاً على جزء من المساحة الأصلية أو أنه يجرى على الجزء الذي سلخ منها وبيع إلى الغير أو أخذ في المنافع. ومحكمة الاستئناف قضت في 26/ 4/ 1964 برفض الاستئنافين وتأييد الحكم المستأنف - طعن بنك مصر في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرتين أبدت فيهما الرأي ببطلان الحكم المطعون فيه لعدم تمثيل النيابة أمام محكمة الاستئناف وطلبت لذلك نقض الحكم المطعون فيه وبالجلسة المحددة لنظر الطعن صممت النيابة على رأيها.
وحيث إن النيابة تؤسس رأيها ببطلان الحكم المطعون فيه على صدوره من محكمة الاستئناف في قضية تتعلق بالوقف دون أن تتدخل النيابة فيها أمامها مما يعتبر مخالفة للمادة الأولى من القانون رقم 628 لسنة 1955 التي توجب هذا التدخل وترتب على عدم حصوله بطلان الحكم.
وحيث إن هذا السبب الذي أثارته النيابة باعتباره متعلقاً بالنظام العام في محله، ذلك أن الثابت من الحكم الابتدائي الذي أيدته محكمة الاستئناف وأقرت أسبابه أن النزاع دار بين رافعي الدعوى (المطعون ضدهم الثلاثة الأول) ووزارة الأوقاف المطعون ضدها الرابعة على ما إذا كانت العين المبيعة من المطعون ضدهم المذكورين إلى الطاعن وقفاً محملاً بحكر أم لا وقد أورد الحكم الابتدائي في أسبابه "أنه لما كان المدعون (المطعون ضدهم الثلاثة الأول) يتمسكون بالنزاع في أمور تتعلق بماهية أصل الوقف بمعنى المنازعة في مؤدى العقود المتعلقة بالوقف والمنشئة له وتفسيرها وبيان ما إذا كان الوقف بناء على هذه العقود قد ظل قائماً أم أنه انتهى بالاستبدال وكان هذا متعلق بالمنازعة في التقارير المشتملة عليها حجج الوقف المقدمة في هذه الدعوى لأن المدعين يريدون التوصل عن طريق تفسير عبارات حجج الوقف والاستبدال المقدمة منهم لدى هذه المحكمة إلى تقرير حق لهم بمقتضى هذه الحجج. ولما كان ذلك كله يعتبر من أصل الوقف وكانت العقود والحجج المقدمة في هذا الشأن مشوبة بالغموض التي يحتاج الكشف عنه إلى تفسيرها فإن هذه المسائل كانت بحسب الأصل خارجة عن وظيفة المحاكم الوطنية إبان قيام المحاكم الشرعية خاصة وأن المدعين يسلمون بأن بعض الأرض موضوع النزاع كانت وقفاً ثم انتهى الوقف عليها بطريق الاستبدال مما يقتضي التحقق منه تفسير وتأويل شروط عقود الوقف لأن وزارة الأوقاف تتحدى بأن الحكر إنما نشأ على الأرض الموقوفة في حين أن المدعين ينازعون في وقف الأرض ومن ثم في الحكر كما وأنهم يسلمون بوجود الحكر أصلاً وإنما يقولون بأن العقار المباع لهم ينتقل على ما يثبت من الإشهادات الشرعية مثقلاً بحق الحكر أو الوقف فإن الفصل في الدعوى يستتبع التعرض لأصل الوقف ثم أصل الحكر". وأورد الحكم الابتدائي في موضع آخر: "أنه لما كان طلب المدعين الأول هو نفي الحكر عن العقار موضوع الدعوى وكانت وزارة الأوقاف تتمسك بوجود حكر على الأرض الموقوفة وكان دفاع المدعين بتملك البناء والأرض أي العقار جميعه بمضي المدة مختلط ومرتبط بما إذا كانت الأرض موقوفة أم غير موقوفة فإنه يتعين بحث حقيقة وجود هذا الوقف أو عدم وجوده فضلاً عن أنهم يتمسكون بأن الأرض لم تنتقل إلى مورثهم مثقلة بحق الحكر الذي تدعي وزارة الأوقاف بأنه مقرر لمصلحة وقف تتنظر عليه" وبعد أن أسهب الحكم الابتدائي في بحث أوجه المنازعة بين الطرفين قرر بأن أرض النزاع أضحت وقفاً خيرياً - ولما كان القانون رقم 628 سنة 1955 ينص في مادته الأولى على أنه "يجوز للنيابة العامة أن تتدخل في قضايا الأحوال الشخصية التي تختص بها المحاكم الجزئية بمقتضى القانون رقم 462 سنة 1955 وعليها أن تتدخل في كل قضية أخرى تتعلق بالأحوال الشخصية أو بالوقف وإلا كان الحكم باطلا". فإن مفاد ذلك - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه كلما كان النزاع متعلقاً بأصل الوقف أو بإنشائه أو شخص المستحق فيه مما كانت تختص به المحاكم الشرعية وأصبح الاختصاص بنظره للمحاكم عملاً بالقانون 462 لسنة 1955 الصادر بإلغاء المحاكم الشرعي، فإن تدخل النيابة يكون واجباً عند نظر هذا النزاع وإلا كان الحكم الصادر فيه باطلاً يستوي في ذلك أن تكون الدعوى أصلاً من دعاوى الوقف أو أن تكون قد رفعت باعتبارها دعوى مدنية وأثيرت فيها مسألة متعلقة بالوقف. وإذ كانت الدعوى أقيمت بطلب الحكم باعتبار العقار المبيع من المطعون ضدهم الثلاثة الأول للطاعن خالياً من أي حكر واستحقاقهم تبعاً لذلك لباقي الثمن الذي احتجزه المشتري تحت يده حتى يثبت ذلك وكان النزاع بين رافعي الدعوى (المطعون ضدهم الثلاثة الأول) ووزارة الأوقاف (المطعون ضدها الرابعة) على ما سلف بيانه من أسباب الحكم الابتدائي قد دار حول ما إذا كان العقار المذكور وقفاً محملاً بحكر أم لا وقد بحثت محكمة الدرجة الأولى ذلك على ضوء ما قدمه الطرفان من مستندات وحجج وقف وانتهت إلى القضاء برفض الدعوى تأسيساً على أن أرض النزاع وقف خيري محمل بحكر وأيد الحكم المطعون فيه ذلك، لما كان هذا فإن الدعوى وقد دار فيها النزاع على هذه الصورة تكون من الدعاوى المتعلقة بالوقف بالمعنى المقصود في المادة الأولى من القانون رقم 628 لسنة 1955 ومن ثم يكون تدخل النيابة واجباً عند طرح هذا النزاع أمام محكمة الاستئناف وإلا كان الحكم الصاد منها باطلاً ولا يغير من ذلك كون النيابة العامة قد تدخلت في الدعوى وأبدت رأيها فيها أمام محكمة الدرجة الأولى لأن هذا التدخل لا يغني عن وجوب تدخلها أمام محكمة الدرجة الثانية. وإذ كان هذا البطلان من النظام العام فإن لمحكمة النقض أن تقضي به على الرغم من عدم تمسك الطاعن به في تقرير الطعن. لما كان ما تقدم وكانت محكمة الاستئناف قد أصدرت الحكم المطعون فيه دون تدخل النيابة لإبداء رأيها في النزاع فإن الحكم المطعون فيه يكون باطلاً مما يستوجب نقضه ولا محل بعد ذلك لبحث الأسباب التي بني عليها الطعن.


[(1)] راجع نقض 17 مايو سنة 1966 بمجموعة المكتب الفني س 17 ص 1146.