مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1960 إلى آخر ديسمبر سنة 1960) - صـ 357

(51)
جلسة 24 من ديسمبر سنة 1960

برياسة السيد/ سيد علي الدمراوي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة الإمام الإمام الخريبي ومصطفى كامل إسماعيل ومحمد مختار العزبي وأبو الوفا زهدي المستشارين.

القضية رقم 767 لسنة 5 القضائية

( أ ) طعن - الحكم في طلب وقف التنفيذ - الطعن فيه والأمر بوقف تنفيذه بإجماع دائرة فحص الطعون - صدور حكم محكمة الموضوع بإلغاء القرار المحكوم بوقف تنفيذه أثناء نظر الطعن - لا يحول دون استمرار المحكمة العليا في الفصل فيه ما دام لم ينقض ميعاد الطعن في الحكم الموضوعي ولم يقم دليل على تقديمه - أساس ذلك - مثال.
(ب) أجنبي - إبعاد - إقامة عارضة - إقامة خاصة - سقوط حق الأجنبي فيها بالقرار الصادر بإبعاده - موافقة الإدارة على عودته لغرض خاص معين يعتبر من قبيل الترخيص في إقامة عارضة مبتدأة - وجوب مغادرة البلاد إذا رفضت الإدارة تجديدها لأسباب تتعلق بأمن الدولة والصالح العام - لا يحول دون ذلك تحقق مصلحة شخصية للأجنبي في التجديد - أساس ذلك - مثال.
1 - إذا كانت محكمة القضاء الإداري قد قضت في الموضوع بجلسة 8 من نوفمبر سنة 1960، بإلغاء القرار الصادر بتكليف المدعي مغادرة البلاد هو وعائلته خلال مدة تنتهي في 24 من فبراير سنة 1959، وكان هذا الحكم غير جائز تنفيذه قبل فوات ميعاد الطعن فيه وفقاً لحكم المادة 15 من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة للجمهورية العربية المتحدة، إلا أنه نظراً إلى عدم انقضاء هذا الميعاد حتى الآن وعدم قيام دليل على رفع طعن من جانب الحكومة في هذا الحكم الموضوعي يمكن أن يترتب عليه وقف تنفيذه ولما كان الحكم الصادر في طلب وقف التنفيذ بالتطبيق للمادة 21 من القانون المشار إليه هو حكم واجب التنفيذ بنص المادة 15 منه إلا إذا أمرت دائرة فحص الطعون بإجماع الآراء بغير ذلك - وقد أمرت بوقف تنفيذه فعلاً بجلسة 26 من يونيه سنة 1960 وأحالت الطعن إلى المحكمة العليا للفصل في موضوع طلب وقف التنفيذ، فإنه تكون ثمة - والحالة هذه - مصلحة قائمة في الفصل في موضوع هذا الطلب وموجب قانوني لذلك.
2 - أن المدعي وإن كان في الماضي من الأجانب ذوي الإقامة الخاصة بالبلاد، إلا أن حقه في هذه الإقامة قد سقط وزالت آثارها القانونية بعد إذ صدر القرار رقم 17 من السيد وزير الداخلية في 25 من نوفمبر سنة 1956 بناء على تحريات إدارة المباحث العامة وموافقة اللجنة المختصة بإبعاده لخطورته على أمن الدولة وسلامتها ونشاطه المعادي إبان العدوان الثلاثي على مصر في سنة 1956، وبعد إذ نفذ هذا القرار بمغادرته هو وزوجته البلاد إلى فرنسا في 17 من فبراير سنة 1957 بعد سحب بطاقتي إقامتهما الخاصة رقمي 26358 و26359 وإدراج اسميهما في 17 من مايو سنة 1957 في قائمة الممنوعين من دخول البلاد، وعدم طعنه قضائياً في هذا القرار في الميعاد القانوني، ومن ثم فإن موافقة وزارة الداخلية بعد ذلك على عودته إلى البلاد ومنحه تأشيرة بالإذن بدخول مصر عاد بمقتضاها في 23 من إبريل سنة 1958 لغرض خاص معين هو زيارة والدته المسنة بعد وفاة والده، ولمدة محددة موقوتة عدتها شهران على سبيل التسامح المحض لدواعي الإنسانية، إنما يكونان بمثابة السماح له بوصفه أجنبياً بدخول البلاد لإقامة عارضة مبتدأة مما تترخص فيه الإدارة بسلطتها التقديرية في حدود ما تراه متفقاً والمصلحة العامة فلها أن ترخص ابتداء في الإقامة أولاً ترخص كما لها تحديد مدة هذه الإقامة، وكذا تجديدها إذا انتهت أو عدم تجديدها، ومتى انتهت الإقامة العارضة المرخص فيها ورفضت الإدارة تجديدها لما قام لديها من أسباب مبررة تتصل بالأمن وبالصالح العام ويرجع إليها تقدير خطورتها، وجب على الأجنبي مغادرة البلاد فوراً ولا يحول دون إيثار الصالح العام وتغليب جانب الأمن وضروراته وسلامة الدولة في هذا الشأن وجود مصلحة شخصية للأجنبي بالبلاد تتحقق ببقائه فيها فترة من الزمن.


إجراءات الطعن

في 22 من إبريل سنة 1959 أودعت إدارة قضايا الحكومة بصفتها نائبة عن السيد وزير الداخلية والسيد مدير إدارة الهجرة والجنسية سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 767 لسنة 5 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (هيئة منازعات الأفراد) بجلسة 31 من مارس سنة 1959 في الدعوى رقم 502 لسنة 13 القضائية، المقامة من نينو دي بوتون ضد كل من 1 - وزارة الداخلية و2 - إدارة الهجرة والجنسية القاضي "بوقف تنفيذ القرار المطعون"، وطلب الطاعنان للأسباب التي استندا إليها في صحيفة طعنهما الحكم "بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون والقضاء برفض طلب وقف التنفيذ في الدعوى رقم 502 لسنة 13 القضائية، مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة" وقد أعلن هذا الطعن إلى محامي المطعون عليه في 4 من يوليه سنة 1959. وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 26 من يونيه سنة 1960، وفي 14 من يوليه سنة 1960 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة. وفيها حكمت المحكمة بإجماع الآراء بقبول الطعن شكلاً، وبوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وبإحالة الطعن إلى المحكمة العليا لجلسة أول أكتوبر سنة 1960 للفصل في موضوع طلب وقف التنفيذ. وقد أجل نظر الطعن لجلسة 3 من ديسمبر سنة 1960 لضم ملف الدعوى الموضوعية، وفي هذه الجلسة سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم مع الترخيص في تقديم مذكرات في عشرة أيام. وقد أودعت إدارة قضايا الحكومة مذكرة مؤرخة 8 من ديسمبر سنة 1960 بدفاع الطاعنين انتهت فيها إلى التصميم على طلباتها الواردة بتقرير الطعن.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 502 لسنة 13 القضائية ضد كل من 1 - وزارة الداخلية 2 - إدارة الهجرة والجنسية بوزارة الداخلية أمام محكمة القضاء الإداري (هيئة منازعات الأفراد والهيئات بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 9 من فبراير سنة 1959 طلب فيها "الحكم - أولاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الإداري الصادر بتكليف الطالب بمغادرة الديار المصرية في خلال مدة تنتهي يوم 24 من فبراير سنة 1959 مع إلزام المعلن إليهما بمصروفات هذا الطلب. ثانياً - وبصفة عادية "أولاً" بإلغاء القرار المذكور بتكليفه بالسفر هو وزوجته السيدة رينيه دي بوتون واعتباره كأن لم يكن مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها رد بطاقتي إقامتهما رقمي 26358 و26359 لمدة عشر سنوات تنتهي في 30 من نوفمبر سنة 1965. و"ثانياً" بإلغاء القرار الصادر بتكليفه بالسفر بتاريخ 17 من فبراير سنة 1957. و"ثالثاً" إلزام المعلن إليهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وذكر بياناً لدعواه إنه ولد عام 1920 بمدينة الإسكندرية وأقام منذ ولادته بالديار المصرية لم يغادرها قط، وحين أتم دراسته عمل مع والده يوسف دي بوتون التاجر بالإسكندرية، ثم استقل بتأسيس منشأة خاصة للاتجار في المانيفاتورة درت عليه أرباحاً مكنته من اقتناء أملاك مبنية بتلك المدينة وبذلك تكاملت له شخصية المواطن والممول الذي يؤدي الضرائب والعوائد إلى خزانة الدولة، ونظراً إلى هذه الحقائق وإلى أنه ولد في مصر ولم يغادرها قط كما ولد فيها أبوه من قبل وكذا جده، فقد أضحى من ذوي الإقامة الخاصة بالتطبيق للفقرة "أ" من المادة العاشرة من المرسوم بقانون رقم 74 لسنة 1952. وعلى ذلك صرفت له ولزوجته بطاقتا الإقامة الخاصة رقما 26358 و26359 لمدة عشر سنوات تنتهي في 30 من نوفمبر سنة 1965، ولما كان هو تونسي الجنسية، وكانت تونس قبل أن تستقل في سنة 1956 تحت الحماية الفرنسية فقد قيد ولادته بصفته فرنسياً بسجل التونسيين بالقنصلية الفرنسية وهو الذي نقل إلى السفارة التونسية بالقاهرة عقب استقلال تونس وانضمامها لمنظمة الأمم المتحدة، وقد كان محتوماً على كل تونسي بحكم هذا الوضع وحتى أواخر سنة 1956 أن يحمل جواز سفر فرنسي مذكور فيه أنه تونسي الجنسية وحين وقع الاعتداء على مصر خلال شهر أكتوبر سنة 1956 كلف هو وزوجته وأطفاله الصغار مغادرة البلاد على اعتبار أنهم فرنسيون، فغادروها تنفيذاً لهذا الأمر، ووضعت أمواله وأملاكه ومنشآته التجارية تحت الحراسة المفروضة على أموال الفرنسيين مع أنه تونسي الجنسية وليس فرنسياً، وبذا وقع هذا الإجراء باطلاً ومعدوم الأثر، فلما طالب بعودته إلى مصر تصحيحاً لهذه المخالفة القانونية سمح له بالعودة بمقتضى تأشيرة دخول صادرة في 24 من إبريل سنة 1958، ورفعت الحراسة عن أمواله وممتلكاته ومؤسسته التجارية بالإسكندرية، وقد طالب برد بطاقتي الإقامة الخاصة السابق سحبهما منه وهما اللتان تنتهيان في 30 من نوفمبر سنة 1965، فإذا به يفاجأ في 14 من ديسمبر سنة 1958 بطلبه إلى مكتب جوازات الإسكندرية حيث كلف السفر من جديد. فلما تظلم من هذا القرار إلى الجهات المختصة منح شهراً واحداً اعتباراً من 24 من يناير سنة 1959 يتحتم عليه بمجرد انتهائه مغادرة البلاد. وقد انطوى هذا القرار على مخالفة قانونية فوق أنه مشوب بإساءة استعمال السلطة، ذلك أن المدعي من ذوي الإقامة الخاصة، وقد نصت المادة 15 من القانون رقم 74 لسنة 1952 على عدم جواز إبعاد الأجنبي من ذوي الإقامة الخاصة إلا إذا كان في وجوده ما يهدد أمن الدولة أو سلامتها في الداخل أو في الخارج أو اقتصادها القومي أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو السكينة العامة أو كان عالة على الدولة، بشرط أخذ رأي اللجنة المختصة بذلك، والحال أنه لم يقم به أي سبب من الأسباب المنصوص عليها على سبيل الحصر في هذه المادة، بل إن قرار تكليفه السفر قد بني على واقعة غير صحيحة وهي أنه فرنسي الجنسية، والحقيقة أنه تونسي وبذلك يكون القرار المتقدم قد وقع باطلاً بطلاناً جوهرياً لانعدام السبب القانوني الذي قام عليه. هذا إلى أن سلطة وزير الداخلية في شأن إبعاد الأجانب ليست سلطة تقديرية بل سلطة مقيدة بما هو وارد في المادة 15 من المرسوم بقانون رقم 74 لسنة 1952 آنفة الذكر على سبيل الحصر. ولما كان قرار التكليف بالسفر في موعد لا يجاوز يوم 24 من فبراير سنة 1959 ينطوي على خطر جسيم يهدد المدعي في ماله وعياله ويترتب على تنفيذه نتائج خطيرة يتعذر تداركها؛ إذ أن سفره قبل تمام تسلمه أمواله وممتلكاته من الحراسة العامة على أموال الفرنسيين وتسوية حساب الضرائب المستحقة على نشاطه ينطوي على إهدار لمصالحه المالية والتجارية بما يعرضها للضياع؛ فإن ثمة ما يبرر وقف تنفيذه ولا سيما أن والد المدعي قد توفي ولما تتم إجراءات حصر تركته ومعرفة زماماته وديونه توطئة لمحاسبة مصلحة الضرائب عن ضريبة التركات ورسم الأيلولة، وأن المذكور هو الابن الذكر الوحيد للمورث المطلع على أصول التركة وخصومها، وفي سفره ما يعرض حق خزانة الدولة للخطر ويعوق قسمة أعيان التركة وأموالها بين الورثة وهو حق لكل وارث شرعه القانون، فضلاً عن أن ابنة المدعي الطفلة شارلوت البالغة من العمر ثماني سنوات قد أصيبت بمرض شلل الأطفال وانتقلت عدوى هذا المرض إلى ابنه الطفل يوسف البالغ من العمر ست سنوات نتيجة للظروف السيئة التي مرت بهما من إقامتهما مع والديهما في الخارج، وهما موضوعان الآن تحت الإشراف الطبي الدقيق بالقاهرة، وفي رحيلهما في هذه الحالة ما يعرض حياتهما لخطر جسيم لا يمكن تداركه. وقد ردت وزارة الداخلية على هذه الدعوى في خصوص طلب وقف التنفيذ بأنه في تاريخ 25 من نوفمبر سنة 1956 أصدر السيد وزير الداخلية القرار رقم 17 بإبعاد المدعي وآخرين لخطورتهم على أمن الدولة وسلامتها أثناء العدوان الثلاثي على البلاد في سنة 1956. وقد غادر المذكور وزوجته البلاد إلى فرنسا في 17 من فبراير سنة 1957 بعد سحب بطاقة إقامتهما الخاصة، ووضع أسمائهما على قائمة الممنوعين من دخول البلاد في 17 من مايو سنة 1957، وفي 11 من فبراير سنة 1958 طلبت السفارة الهندية إعطاءه تأشيرة دخول لمصر لزيارة والدته المسنة بعد وفاة والده في 5 من فبراير سنة 1958، فوافقت الوزارة على منحه هو وأوديت بوتون تأشيرة دخول للإقليم المصري بصفة مؤقتة لمدة شهرين فقط. وقد عاد إلى مصر في 23 من إبريل سنة 1958، وقدم طلباً لاسترداد بطاقة إقامته الخاصة به وبزوجته. وباستطلاع رأي مجلس الدولة في هذا الخصوص أفتى بأنه طالما أن قرار الإبعاد قد اقتضته دواعي الأمن العام فإن حق المدعي في الإقامة الخاصة يكون قد سقط ويكون قرار وزير الداخلية بالموافقة على عودته للبلاد بمثابة السماح للأجنبي بالدخول لأول مرة ويجوز منحه إقامة مؤقتة. وفي 20 من أغسطس سنة 1958 طلبت إدارة المباحث العامة عدم تجديد إقامة المذكور هو وشقيقته أوديت. ونظراً إلى انتهاء مدة إقامتهما المؤقتة فقد صدر قرار بتكليفهما السفر، ثم منحا مهلة أخيرة تنتهي في 24 من فبراير سنة 1958. ومن المسلم أنه يشترط لقبول طلب وقف التنفيذ توافر ركنيه وهما الاستعجال وجدية المطاعن الموجهة إلى القرار الإداري المطلوب وقف تنفيذه. ودفاع المدعي بأنه من ذوي الإقامة الخاصة الذين لا يجوز إبعادهم إلا بشروط معينة مردود بأنه سواء كان فرنسياً أو تونسياً فهو أجنبي رأت الدولة في وجوده على إقليمها خطراً عليها فأصدرت قراراً بإبعاده. ومما يؤكد صحة تخوف الإدارة منه أنه غادر البلاد هو وزوجته وشقيقته إلى فرنسا إحدى دول العدوان الثلاثي على مصر؛ ومن ثم فإن استتاره وراء الجنسية التونسية لا يجديه فتيلاً، ويكون قرار إبعاده الذي اقتضته دواعي الأمن العام بعد أن تكشفت للإدارة خطورة إقامته على سلامة البلاد قراراً صحيحاً. كما يكون السماح له بالعودة بعد ذلك سماحاً مؤقتاً، وبذا يصبح من الأجانب ذوي الإقامة العارضة، وتكون صلته وقتية عابرة لا تقوم إلا على مجرد التسامح الودي من جانب الدولة، وأمر ذلك متروك تقديره لترخصها بسلطتها المطلقة، استناداً إلى سيادتها على إقليمها وحقها في اتخاذ ما تراه لازماً من الوسائل للمحافظة على كيانها في حدود الصالح العام بلا معقب عليها ما دام تصرفها قد خلا من شائبة إساءة استعمال السلطة. ولما كانت إدارة المباحث العامة قد طلبت عدم تجديد إقامة المدعي المؤقتة لأسباب تتعلق بأمن البلاد، فإنه يكون حتماً عليه مغادرة البلاد، ويكون القرار المطعون فيه قد صدر صحيحاً مطابقاً للقانون، وبذا يتخلف أحد الشرطين اللازمين لقبول طلب وقف تنفيذ هذا القرار ويتعين رفض الطلب المذكور. وقد عقب المدعي على دفاع الوزارة بمذكرتين ردد فيهما أسانيده السابقة وأنه تونسي لا فرنسي الجنسية، وأن اسمه أقحم على الكشف المتضمن أسماء رعايا دولة فرنسا المعتدية الذين في وجودهم خطر يهدد أمن الدولة وسلامتها أخذاً بظاهر الأمر لكونه يحمل جواز سفر فرنسي، وأن السماح له بالعودة إنما هو بمثابة سحب للقرار السابق صدوره بإبعاده تصحيحاً لوضعه القانوني، وأن له بمصر مصالح مالية وتجارية تتصل بالسلطات الرسمية وأبناء مرضى، وفي إنكار ذلك والإصرار على إنهاء إقامته دون مبرر مقبول مع أنه إنسان نافع مسالم ما ينطوي على التعسف والبعد عن الرأفة والعدالة، الأمر الذي يتعين معه "الحكم بوقف تنفيذ قرار التكليف بالسفر مؤقتاً حتى يفصل في الموضوع". وبجلسة 31 من مارس سنة 1959 قضت محكمة القضاء الإداري "بوقف تنفيذ القرار المطعون". وأقامت قضاءها على أنه وإن كان للجهة الإدارية سلطة مطلقة في إجابة طلب مد مدة الإقامة المؤقتة أو رفضه، غير أن ذلك مشروط باستعمال الجهة الإدارية لسلطتها هذه بغير تعسف، وإلا كان تصرفها مشوباً بإساءة استعمال السلطة ومخالفاً للقانون. والثابت من الأوراق أن للمدعي مصالح جوهرية بالبلاد تقتضي بقاءه فيها فترة من الزمن، وأنه من ذوي اليسار والسيرة الطيبة، وليس لدى الجهة الإدارية أي سبب يبرر رفض مد إقامته بالبلاد. ولما كان القانون يجيز للجهة الإدارية تجديد مدة الإقامة المؤقتة للأجنبي متى طلب ذلك، فإن رفض الجهة الإدارية المد في هذه الحالة يكون رفضاً تعسفياً ومخالفاً للقانون، وبالتالي يكون طعن المدعي على القرار الذي يطالب بوقف تنفيذه قائماً بحسب الظاهر. على أسباب جدية تبرر إجابته إلى طلب وقف تنفيذه نظراً لما قد يترتب على التنفيذ من نتائج قد يتعذر تداركها، ذلك أن تكليفه السفر مع ما فيه من مساس بحريته الشخصية، فإنه قد يعرض مصالحه وصحة أولاده لخطر جسيم، ومن ثم يكون طلب وقف التنفيذ في محله قانوناً ويتعين إجابة المدعي إليه. وقد طعنت إدارة قضايا الحكومة في هذا الحكم بصفتها نائبة عن السيد وزير الداخلية والسيد مدير إدارة الهجرة والجنسية بعريضة أودعتها سكرتيرية هذه المحكمة في 22 من إبريل سنة 1959 طلبت فيها "طرح هذا الطعن أمام دائرة فحص الطعون كي تأمر بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه طبقاً لنص المادة 14 من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة، وتحديد أقرب جلسة أمام المحكمة الإدارية العليا كي تقضي بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض طلب وقف التنفيذ في الدعوى رقم 502 لسنة 13 القضائية، مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". واستندت في أسباب طعنها إلى أن الحكم المطعون فيه قد بني على مخالفة لحكم المادة التاسعة من المرسوم بقانون رقم 74 لسنة 1952 في شأن جوازات السفر وإقامة الأجانب، ذلك أن الترخيص أو عدم الترخيص للأجنبي بالإقامة ومد أو عدم مد هذه الإقامة بعد ذلك هو على مقتضى المادة المذكورة من المسائل التي تترخص الإدارة في تقديرها بسلطة مطلقة في حدود ما تراه متفقاً والصالح العام بأوسع معانيه. كما لا وجه لما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن الإدارة قد أساءت استعمال سلطتها لما هو ثابت في الأوراق من أن المدعي إسرائيلي من رعايا الجمهورية الفرنسية، وأنه إنما سمح له بالعودة إلى البلاد في إبريل سنة 1958 بصفة مؤقتة لمدة شهرين فقط، وأن الإدارة وافقت على مد إقامته لغاية 24 من فبراير سنة 1959 على أن يغادر البلاد فوراً بعد ذلك. ولا يمكن أن يستمد من أن للمدعي مصالح بالبلاد دليل على أن رفضها إعادة مد إقامته المؤقتة ينطوي على إساءة لاستعمال سلطتها في هذا الشأن. ومهما يكن من أمر مصالح المدعي فإن القانون لا يفرض على سلطة الإدارة في مجال السماح للأجنبي بالإقامة المؤقتة أية قيود، بل يجب عليه في مثل هذه الحالة أن يغادر البلاد مهما تكن الأعذار أو الذرائع التي ينتحلها أو يتعلل بها، ولو لم يقم به سبب يدل على خطورته على أمن البلاد أو سلامتها. وبجلسة 26 من يونيه سنة 1960 حكمت دائرة فحص الطعون "بإجماع الآراء بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وبإحالة الطعن إلى المحكمة العليا لجلسة أول أكتوبر سنة 1960 للفصل في موضوع طلب وقف التنفيذ". وبعد حجز الطعن للحكم قدمت الحكومة مذكرة بملاحظاتها أكدت فيها أن عدم تجديد إقامة للمدعي كان لأسباب تتعلق بأمن البلاد التي تنفرد هي بتقديرها، وأنها استندت في ذلك إلى حكم المادة التاسعة من المرسوم بقانون رقم 74 لسنة 1952 في شأن جوازات السفر وإقامة الأجانب، وأضافت أن المدعي قد غادر البلاد فعلاً مع زوجته وأولاده في يوم 7 من أغسطس سنة 1960 عن طريق مطار القاهرة الدولي. وخلصت من هذا إلى التصميم على طلباتها الواردة بتقرير الطعن. وبجلسة 8 من نوفمبر سنة 1960 قضت محكمة القضاء الإداري (هيئة منازعات الأفراد والهيئات) في الموضوع "بإلغاء القرار الصادر بتكليف المدعي بمغادرة البلاد هو وعائلته في خلال مدة تنتهي في 24 من فبراير سنة 1959 - وألزمت الحكومة بالمصروفات المناسبة ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة، ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات".
ومن حيث إنه وإن كانت محكمة القضاء الإداري قد قضت في الموضوع بجلسة 8 من نوفمبر سنة 1960، بإلغاء القرار الصادر بتكليف المدعي مغادرة البلاد هو وعائلته خلال مدة تنتهي في 24 من فبراير سنة 1959 وكان هذا الحكم غير جائز تنفيذه قبل فوات ميعاد الطعن فيه، وفقاً لحكم المادة 15 من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة للجمهورية العربية المتحدة؛ إلا أنه نظراً إلى عدم انقضاء هذا الميعاد حتى الآن وعدم قيام دليل على رفع طعن من جانب الحكومة في هذا الحكم الموضوعي يمكن أن يترتب عليه وقف تنفيذه، ولما كان الحكم الصادر في طلب وقف التنفيذ بالتطبيق للمادة 21 من القانون المشار إليه هو حكم واجب التنفيذ بنص المادة 15 منه؛ إلا إذا أمرت دائرة فحص الطعون بإجماع الآراء بغير ذلك - وقد أمرت بوقف تنفيذه فعلاً بجلسة 26 من يونيه سنة 1960 وأحالت الطعن إلى المحكمة العليا للفصل في موضوع طلب وقف التنفيذ - فإنه تكون ثمة - والحالة هذه - مصلحة قائمة في الفصل في موضوع هذا الطلب وموجب قانوني لذلك.
ومن حيث إن المدعي وإن كان في الماضي من الأجانب ذوي الإقامة الخاصة بالبلاد، إلا أن حقه في هذه الإقامة قد سقط، وزالت آثارها القانونية بعد إذ صدر القرار رقم 17 من السيد وزير الداخلية في 25 من نوفمبر سنة 1956 بناء على تحريات إدارة المباحث العامة وموافقة اللجنة المختصة بإبعاده لخطورته على أمن الدولة وسلامتها ونشاطه المعادي إبان العدوان الثلاثي على مصر في سنة 1956، وبعد إذ نفذ هذا القرار بمغادرته هو وزوجته البلاد إلى فرنسا في 17 من فبراير سنة 1957 بعد سحب بطاقتي إقامتهما الخاصة رقمي 26358 و26359 وإدراج اسميهما في 17 من مايو سنة 1957 في قائمة الممنوعين من دخول البلاد، وعدم طعنه قضائياً في هذا القرار في الميعاد القانوني، ومن ثم فإن موافقة وزارة الداخلية بعد ذلك على عودته إلى البلاد ومنحه تأشيرة بالإذن بدخول مصر عاد بمقتضاها في 23 من إبريل سنة 1958 لغرض معين هو زيارة والدته المسنة بعد وفاة والده، ولمدة محددة موقوتة عدتها شهران على سبيل التسامح المحض لدواعي الإنسانية، إنما يكونان بمثابة السماح له بوصفه أجنبياً بدخول البلاد لإقامة عارضة مبتدأة مما تترخص فيه الإدارة بسلطتها التقديرية في حدود ما تراه متفقاً والمصلحة العامة فلها أن ترخص ابتداء في الإقامة أو لا ترخص كما لها تحديد مدة هذه الإقامة، وكذا تجديدها إذا انتهت أو عدم تجديدها، ومتى انتهت الإقامة العارضة المرخص فيها ورفضت الإدارة تجديدها لما قام لديها من أسباب مبررة تتصل بالأمن وبالصالح العام ويرجع إليها تقدير خطورتها، وجب على الأجنبي مغادرة البلاد فوراً، ولا يحول دون إيثار الصالح العام وتغليب جانب الأمن وضروراته وسلامة الدولة في هذا الشأن وجود مصلحة شخصية للأجنبي بالبلاد تتحقق ببقائه فيها فترة من الزمن. ولما كان الثابت من الأوراق أن الإدارة كانت تملك بعد إبعاد المدعي في أعقاب العدوان الثلاثي على مصر عدم التصريح له بالعودة إلى البلاد، وأنها مع ذلك سمحت له في إبريل سنة 1958 بالدخول بتأشيرة مؤقتة تلبية لعوامل إنسانية، ثم مدت إقامته هذه حتى 24 من فبراير سنة 1959، وكلا الترخيص في الإقامة وتجديدها بحسب ظروف الحال جوازي لها، وأن إدارة المباحث العامة طلبت بكتابها رقم 7650/ 58 المؤرخ 20 من أغسطس سنة 1958 عدم مد مدة إقامته المؤقتة لأسباب تتعلق بأمن البلاد. فإن هذا التسامح من جانب الإدارة من جهة، وقيام السبب المتصل بالصالح العام من جهة أخرى والوضع القانوني للمدعي من حيث طبيعة حقه في الإقامة والإجراء الذي اتخذ حياله من جهة ثالثة، كل أولئك يبعد - بحسب الظاهر من الأوراق - شبهة إساءة استعمال السلطة وينفي مخالفة القانون. هذا إلى أن المدعي قد غادر البلاد فعلاً مع زوجته وأولاده في يوم 7 من أغسطس سنة 1960، مما يفقد طلب وقف التنفيذ الحجة التي أقيم عليها من وجود حالة استعجال ومن أن التنفيذ تترتب عليه نتائج يتعذر تداركها.
ومن حيث إنه لما تقدم، ومع عدم المساس بأصل الحق موضوع الدعوى، يكون الحكم المطعون فيه قد جانب الصواب، ويتعين القضاء بإلغائه وبرفض طلب وقف التنفيذ مع إلزام المدعي بمصروفات هذا الطلب.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة في موضوع الطعن بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض طلب وقف التنفيذ وبإلزام المدعي بمصروفات هذا الطلب.