أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 19 - صـ 1104

جلسة 5 من يونيه سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ حسين صفوت السركي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد ممتاز نصار، وإبراهيم عمر هندي، وصبري أحمد فرحات، ومحمد شبل عبد المقصود.

(165)
الطعن رقم 18 لسنة 34 القضائية

( أ ) دفوع. "الدفع بعدم جواز نظر الدعوى". دعوى.
الدفع بعدم جواز نظر الدعوى. ماهيته. أثره.
(ب) دفاع. حكم. محكمة الموضوع.
أوجه الدفاع. الحق في إبدائها. قصر الدفاع على الدفع بعدم جواز نظر الدعوى. عدم تقييد المحكمة للدفاع. حقها في الحكم في موضوع الدعوى.
(ج) نقض. "نطاق الطعن".
الطعن بالنقض. نطاقه.
(د) وقف. "إنشاء الوقف". "النظر على الوقف".
شراء المتولي على الوقف من غلته مستغلاً. تكييفه.
1 - الدفع بعدم جواز نظر الدعوى في ذاته - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - هو دفع للدعوى برمتها في موضوعها، ومتى قبلته المحكمة الابتدائية فقد انحسمت الخصومة في هذا الموضوع أمامها وأصبح من غير الممكن قانوناً الرجوع إليها فيه.
2 - الخصوم وحدهم هم أصحاب الشأن فيما يرون من أوجه الدفاع، فإذا كان الطاعنون هم الذين آثروا أن يقتصر دفاعهم على الدفع بعدم جواز نظر الدعوى ولم يأخذوا على محكمة الاستئناف أنها قيدتهم في دفاعهم وجعلته قاصراً على هذا الدفع فلا عليها إن هي حكمت في موضوع الدعوى.
3 - نطاق الطعن بالنقض لا يتسع لغير الخصومة التي كانت مطروحة على محكمة الموضوع.
4 - الرأي عند الحنفية أنه إذا اشترى المتولي من غلة الوقف مستغلاً فإنه لا يكون وقفاً في الصحيح حتى جاز بيعه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الدكتور أدوار دباس وعزيز عرقجي وأنطون رزوق أقاموا الدعوى رقم 254 سنة 1953 القاهرة الابتدائية الشرعية ضد مطران دير سيناء بصفته ممثلاً لإدارة المدرسة العبيدية بالقاهرة يطلبون الحكم بعدم تعرضه لهم في صحة الوقف الصادر من نيقولا باسيلي وفي صحة الشراء الصادر من نظار المدرسة العبيدية للأعيان الواردة في الإشهادات الثلاثة المضبوطة لدى محكمة البحيرة والغربية ولا في اعتبار الأعيان المشتراة من المستغلات التابعة لوقف المدرسة العبيدية وأن التحدث عنها إنما هو من حقهم دون سواهم مع إلزام المدعى عليه بصفته بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وقالوا شرحاً لدعواهم إن الأخوين روفائيل وحنانيا عبيد وقفا أرض وبناء المدرسة العبيدية بالقاهرة وقفاً صحيحاً شرعياً لتعليم اللغات العربية والفرنسية وغير ذلك للأولاد التابعين لطائفة الروم الأرثوذكس على أن يقبل فيها أيضاً الأولاد الذكور من كل جنس وملة بلا تمييز كما وقفا عليها أعياناً أخرى مملوكة لهما، وأنه بمقتضى الإشهاد الشرعي المحرر في 24 من صفر سنة 1285 هـ بمحكمة ولاية البحيرة اشترى باسيلي نقولا إبراهيم عن النظار على وقف المدرسة وما وقف عليها من محمد علي الصيرفي أرضاً زراعية مساحتها 251 ف و15 ط و23 س كائنة بزمام ناحية زبيدة بولاية البحيرة ودفع الثمن من مال الوقف واستلمها لتكون مستغلاً من مستغلاته. وبإشهاد آخر محرر في 17 من صفر سنة 1287 هـ ومحرر بمحكمة ولاية البحيرة كذلك اشترى جرجس عرقجي نائب رئيس مجلس إدارة المدرسة بصفته متحدثاً ووكيلاً عن بقية النظار المتحدثين عن وقف المدرسة وما وقف عليها من عبد الحميد عبد الله أرضاً مساحتها 200 ف كائنة بزمام ناحية زبيدة سالفة الذكر ودفع الثمن من مال الوقف واستلمها لتكون هي الأخرى مستغلاً له، وبإشهاد ثالث صادر من محكمة طنطا الابتدائية اشترى نظار وقف المدرسة وما وقف عليها من السيدة ليانيت باسيلي إبراهيم أرضاً مساحتها 400 ف كائنة بناحية نسيل غربية وأرضاً أخرى مساحتها 340 ف كائنة بنواحي عطف أبو جندي وكتامة الغابة وشقرف وجريحة الغربية ودفعوا الثمن من مال هو ريع للوقف واستلموا المبيع لضمه إلى جهة الوقف، وبإشهاد رابع محرر في 21 من شوال سنة 1305 هـ صادر من نفس المحكمة صدق نيقولا باسيلي إبراهيم بصفته شقيق البائعة السابقة - السيدة ليا - ووارثها الوحيد على صحة هذا البيع، ثم بإشهاد خامس محرر في غرة القعدة سنة 1305 هـ صادر من محكمة طنطا أشهد نيقولا باسيلي إبراهيم على نفسه أنه وقف جميع أرض الأبعادية العشورية البالغة مساحتها 160 ف والكائنة بناحيتي شفا وقرون وكتامة الغابة وقفاً صحيحاً على نفسه ثم من بعده تكون الحصة التي قدرها الثلث وقفاً مصروفاً ريعه على مصالح التلاميذ الفقراء الموجودين بالمدرسة العبيدية وتكون الحصة التي قدرها الثلثان وقفاً مصروفاً ريعه في نفقات من يسافر من تلاميذ المدرسة الفقراء لإتمام دراسته في الخارج وجعل النظر فيه لمن يكون ناظراً على وقف المدرسة العبيدية وقد توفى الواقف والوقف باق على حاله لم يتغير فيه شيء وإذ أقيم المدعون في النظر على الأوقاف الموضحة في الإشهادات سالفة الذكر ولم تكن ثمة شبهة في صحة الوقف الصادر من نيقولا باسيلي أو في صحة الشراء الذي صدر عن النظار على وقف المدرسة العبيدية وما وقف عليها أصلاً من منشئيها أو في أن الأعيان المشتراة وقد دفع ثمنها من ريع ما هو موقوف على المدرسة أصبحت من مستغلات هذا الوقف وتابعة له أو في أن الأعيان التي اشتريت أو وقفت كانت مملوكة ملكاً صحيحاً لواقفيها أو بائعيها ولم تخرج من ملكهم إلا لجهة الوقف سالفة الذكر، وكان المدعى عليه بصفته يعارض المدعين في هذه الحقائق الثابتة ويتجاهل الحق والواقع فقد انتهى المدعون إلى طلب الحكم لهم بطلباتهم ودفع المدعى عليه بعدم اختصاص المحاكم الشرعية بنظر الدعوى. وبعد إلغاء المحاكم الشرعية أحيلت الدعوى إلى محكمة القاهرة الابتدائية وقيدت بجدولها برقم 64 سنة 1956 أحوال شخصية ولديها دفع المدعى عليه بعدم سماع الدعوى لسابقة الفصل فيها بالحكم الصادر في 20 يونيو سنة 1939 من محكمة الاستئناف المختلطة في الاستئناف رقم 82 سنة 62 قضائية وبعدم سماعها لعدم تقديم إشهاد رسمي بالوقف عملاً بالمادة 137 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية وطلب في الموضوع رفضها لأن المدرسة العبيدية ليست وقفاً وإنما هي شخص اعتباري له حق التملك وما رصد لهذا الشخص من مال يعد مملوكاً له. وبتاريخ 23/ 5/ 1959 حكمت المحكمة حضورياً (أولاً) برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وباختصاصها (ثانياً) بقبول الدفع المبدى من المدعى عليه وبعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها وألزمت المدعين بالمصروفات وبمبلغ عشرين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة يؤدونها للمدعى عليه. واستأنف المدعون هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئنافين رقمي 115 و117 سنة 76 ق طالبين إلغاءه فيما قضى به من قبول الدفع بعدم جواز سماع الدعوى لسابقة الفصل فيها والحكم من جديد برفض هذا الدفع وبإعادة القضية إلى المحكمة الابتدائية للحكم بطلباتهم المبينة بعريضة افتتاح الدعوى، وأثناء نظرهما توفى عزيز عرقجي وحل محله الدكتور جان عزيز عرقجي. وبتاريخ 8/ 3/ 1964 حكمت المحكمة حضورياً بقبول الاستئنافين شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من عدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها وبجواز نظرها وبرفضها وألزمت المستأنفين بمصاريف الاستئنافين وبمبلغ ثلاثين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة عنهما للمستأنف عليه بصفته. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب الواردة في التقرير وعرض الطعن على هذه الدائرة حيث أصر الطاعنون على طلب نقض الحكم وطلب المطعون عليه رفض الطعن وقدمت النيابة العامة مذكرة أحالت فيها على مذكرتها الأولى وطلبت رفض الطعن.
وحيث إن حاصل السبب الأول أن دفاع الطرفين أمام محكمة الاستئناف كان قاصراً على الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها بالحكم الصادر من المحكمة المختلطة ولم يتعد إلى الموضوع كما قصرت النيابة العامة مذكرتها على إبداء الرأي في هذا الدفع وطلبت إعادة القضية إلى محكمة أول درجة للسير في موضوعها طبقاً للمنهج الشرعي والقانوني، وإذ تجاوز الحكم المطعون فيه هذا النطاق وفصل في موضوع الخصومة فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه من وجوه (أولها) أنه تصدى للموضوع حيث تجب إعادته إلى محكمة أول درجة (ثانيها) أنه تعدى طلبات الخصوم والنيابة العامة و(ثالثها) أنه حرم النيابة العامة من إبداء الرأي في موضوع الدعوى و(رابعها) أنه تصدى للموضوع وهو غير صالح للحكم فيه. ولا عبرة بما هو مقرر قضاء من أنه إذا قبلت المحكمة الابتدائية الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها فإنها تكون قد استنفدت ولايتها بما يخول محكمة الاستئناف عند إلغاء هذا الحكم حق نظر الموضوع والفصل فيه، إذ أن هذا الحق مقيد بشروط منها، ألا يكون سبب الدفع مسألة متعلقة بالاختصاص، وأن تتقيد محكمة الاستئناف بطلبات المستأنف، وأن تتاح للنيابة فرصة إبداء الرأي في الموضوع، وأن يكون الموضوع نفسه صالحاً للفصل فيه وهي شروط متخلفة جميعاً في واقعة النزاع.
وحيث إن هذا النعي مردود في الوجهين "الأول والثاني" منه بأن الدفع بعدم جواز نظر الدعوى في ذاته - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو دفع للدعوى برمتها في موضوعها ومتى قبلته المحكمة الابتدائية فقد انحسمت الخصومة في هذا الموضوع أمامها وأصبح من غير الممكن قانوناً الرجوع إليها فيه، ومردود في الوجه (الثالث) بأنه بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه يبين أن السيد رئيس النيابة الأستاذ إبراهيم النجار قدم مذكرة برأي النيابة العامة انتهت فيها إلى طلب الحكم بقبول الاستئنافين شكلاً وتأييد الحكم المستأنف بالنسبة لاختصاص محكمة أول درجة بنظر الدعوى أو إلغائه بالنسبة لما عدا ذلك وإعادة القضية لمحكمة أول درجة للسير في موضوعها بالطريق الشرعي والقانوني" وهي بذلك تكون قد أبدت رأيها في القضية بما يحقق غرض الشارع من وجوب تدخل النيابة وإبداء الرأي في قضايا الأحوال الشخصية، ومردود في الوجه (الرابع) بأن الخصوم وحدهم هم أصحاب الشأن فيما يرون من أوجه الدفاع، فإذا كان الطاعنون هم الذين آثروا أن يقتصر دفاعهم على الدفع بعدم جواز نظر الدعوى ولم يأخذوا على محكمة الاستئناف أنها قيدتهم في دفاعهم وجعلته قاصراً على هذا الدفع فلا عليها إن هي حكمت في موضوع الدعوى.
وحيث إن حاصل الوجه الأول من السبب الثاني أن الطاعنين تمسكوا أمام محكمة الموضوع بأن روفائيل وحنانيا عبيد - مؤسسي مدرسة العبيدية التي تحمل اسمهما - أوقفا على هذه المدرسة كل ما لهما بموجب مستندات صريحة منها الوصيتان الصادرتان منهما وقانون المدرسة وقرار مجلس نظارها وكلها تنص على الوقف والحبس وهما كلمتان واضحتان في المعنى والدلالة ولا تنصرفان لغير الوقف كما تمسكوا بأن ما ورد بالنص الفرنسي لقانون المدرسة والمترجم من الأصل العربي من استعماله عبارة "Consacrer une partie de notre fortune personnelle" وعبارة"propriété inalienable" إنما كان يعني الوقف لأن القاعدة الشرعية هي صحة إنشاء الوقف باستعمال أي لفظ يدل على معناه، ورد الحكم المطعون فيه على هذا الدفاع بأن ورود لفظ "وقف" ولفظ "ناظر" في المستندات الثلاثة سالفة الذكر لا يعني أن الأطيان الواردة بها وقف وإنما هي ألفاظ ذكرت ليكون بديلاً عن "مؤسسة خيرية" "وكيل أو مدير" وذلك لعدم وجود لفظ عربي صحيح ودقيق في ذلك الوقت يدل عليها الأمر الذي استلزم استعمال لفظ وقف أو حبوس للتعبير عن المؤسسة الخيرية ورصد الأموال ولفظ ناظر للتعبير عن مجلس الوكلاء أو المديرين وأن هذا حدث في وقت لم يكن المشرع قد عالج نظام المؤسسات الخيرية ووضع لها نصوصاً وكان الوقف مثلاً مميزاً للمؤسسات الخيرية في القانون المصري فلم يكن أمام محرر تلك الإشهادات والحال كذاك إلا أن يعبر بلفظي وقف وناظر للدلالة على المؤسسة الخيرية ومجلس الوكلاء، وهذا من الحكم المطعون فيه خطأ ومخالفة للقانون، إذ أنه وفقاً للمادة 150 من القانون المدني إذا كانت عبارة العقد واضحة فلا يجوز الانحراف عنها عن طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين، سيما وأن آل عبيد كانوا على درجة من الثقافة والكفاية بحيث يدركون الفرق بين الموقوف وغير الموقوف وقد أخذت بهذا التفسير محكمة مصر الابتدائية المختلطة في حكمها الصادر بجلسة 26/ 5/ 1932.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أن طلبات الطاعنين أمام محكمة الاستئناف - وعلى ما يبين من الحكم المطعون فيه - قد انحصرت في "عدم تعرض المطعون عليه لهم في صحة الوقف الصادر من نيقولا باسيلي وعدم التعرض لهم في صحة الشراء الصادر من نظار المدرسة العبيدية للأعيان الواردة بالإشهادات الثلاثة الأخرى - إشهادات 24 صفر سنة 1285، 17 صفر سنة 1287، 21 شوال سنة 1305 - ولا في أن الأعيان المشتراة صارت بذلك من مشتملات الوقف المذكور وتابعة له وأن التحدث عنها إنما هو من حقهم دون سواهم" - ومن ثم فإن تصرفات الأخوين روفائيل وحنانيا عبيد في شأن أرض المدرسة وما خصصاه لها من أعيان لم تدخل في نطاق طلباتهم وبالتالي لم تكن محل جدل بين الخصوم أمام محكمة الموضوع. وإذ كان ذلك وكان نطاق الطعن بالنقض لا يتسع لغير الخصومة التي كانت مطروحة على محكمة الموضوع فإن النعي بهذا الوجه يكون غير مقبول، وأما ما أورده الحكم المطعون فيه تفسيراً للفظي "وقف" و"ناظر" فهو منصرف إلى الإشهادات التالية لوفاة الأخوين روفائيل وحنانيا عبيد ولم ينصرف بحال إلى التصرفات الصادرة منهما.
وحيث إن حاصل الوجهين الثاني والثالث أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه على أن الواضح من وصية حنانيا عبيد المؤرخة في 24 سبتمبر سنة 1861 والمحررة باللغة الانجليزية والمترجمة ترجمة صحيحة إلى اللغة العربية وكذلك من وصية روفائيل عبيد أنه لم يرد فيهما أي إشارة إلى وقف الأعيان الموصى بها للمدرسة، وهذا من الحكم مخالف للثابت في الأوراق إذ العبرة في وصية حنانيا عبيد بأصلها المحرر باللغة العربية وما اشتملت عليه من عبارات "الوقف لجهة المدرسة" و"جهة وقف المدرسة" و"أن يكون للمدرسة منفعة الأطيان" لا يعني سوى الوقف المعترف به في الديار المصرية كما أن عبارات وصية روفائيل عبيد صريحة في وقف الأعيان الواردة بها وهو ما لا يتأتى معه القول بأنه لم يرد في الوصيتين أي إشارة إلى وقف الأعيان الموصى بها.
وحيث إن هذا النعي بوجهيه مردود بما سبق الرد به على الوجه السابق من أن تصرفات الأخوين روفائيل وحنانيا عبيد لم تكن محل جدل بين الخصوم أمام محكمة الموضوع فلا يجوز إثارة الجدل فيها الأول مرة أمام هذه المحكمة.
وحيث إن حاصل الوجهين الرابع والخامس أن الحكم المطعون فيه لم يعتبر الأعيان المبينة بالحجج المؤرخة 24 صفر سنة 1285، 17 صفر سنة 1287، 21 شوال سنة 1305 وقفاً، مستنداً في ذلك إلى أن حجتي 24 صفر سنة 1285، 17 صفر سنة 1287 متعلقتان بشراء لا بوقفية وأن المشتري لم يستوف الإجراءات المنصوص عليها في دكريتو 11/ 4/ 1876، وأن حجة 21 شوال سنة 1305 إن هي إلا توكيد وتثبيت لعقد الصلح المبرم في 25/ 6/ 1868 بين القيم على تركة روفائيل عبيد وبين السيدة ليا أرملة أخيه جورج عبيد والمدرسة العبيدية، وأن ورود لفظي "وقف" و"ناظر" فيها لا يعني أن الأعيان الواردة بها موقوفة إذ هما لفظان ذكرا ليكونا بديلين عن "مؤسسة خيرية" و"كيل أو مدير" وهذا من الحكم المطعون فيه خطأ ومخالفة للقانون وانحراف عن عبارة العقد من ناحيتين (أولهما) أن دكريتو 11/ 4/ 1876 خاص بإنشاء الوقف وهي حالة تخالف ما تضمنه الإشهادان المؤرخان 24 صفر سنة 1285 و17 صفر سنة 1287 وهو شراء أطيان بمال الوقف لجهة الوقف السابق إنشاؤه، فضلاً عن أنه ثابت فيهما أنهما حررا بعد التصريح من المديرية وهو ما يدل على أنهما حررا بعد استيفاء الإجراءات المنصوص عليها في دكريتو 11/ 4/ 1876 و(ثانيهما) أنه وقد أقر الحكم المطعون فيه أن حجة 11 من شوال سنة 1305 كانت تأكيداً وتثبيتاً لعقد الصلح المؤرخ 25/ 6/ 1868 - وهو عقد كان المقصود منه تنفيذ وصية المرحومين روفائيل وحنانيا عبيد بوقف أملاكهما لصالح المدرسة العبيدية - فإن مقتضى ذلك هو رد الأعيان الواردة بها إلى جهة الوقف فتكون بدورها موقوفة، كما أنه والثابت في الحجة المذكورة أنها محررة بين الخواجا نيقولا باسيلي - شقيق السيدة ليا ووارثها الوحيد - وبين النظار المتحدثين عن وقفي الخواجا روفائيل عبيد وأخيه حنانيا وعن المدرسة التي أنشأها وأنها خاصة بشراء الأطيان العشورية البالغة مساحتها 740 فداناً لجهة وقفي رفله عبيد وأخيه حنانيا وباستلام هذه الأطيان لجهة الوقفين المذكورين، فإن التعبير فيها من النظار عن الأطيان بأنها "وقف" وعن المدرسة بأنها "المدرسة التي أنشأها" من شأنه أن يدل على أنهم كانوا يدركون الفرق بين الوقف وبين المؤسسة الخيرية على عكس ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من أن لفظي وقف وناظر إنما ذكرا ليكونا بديلين عن مؤسسة خيرية ووكيل أو مدير.
وحيث إن هذا النعي في جملته على غير أساس، ذلك أنه بالرجوع إلى الحجة الشرعية المؤرخة 24 صفر سنة 1285 يبين منها أنها تضمنت أن نظار المدرسة العبيدية وما هو موقوف عليها من منشئها روفائيل عبيد وأخيه حنانيا قد اشتروا من الشيخ محمد الصيرفي الأعيان المبينة فيها بمال وقف المدرسة المذكورة لجهة الوقف المذكور لتكون مستغلاً من مستغلاته، وبالرجوع إلى الحجة الشرعية المؤرخة 17 صفر سنة 1287 يبين منها أنها تضمنت أن نائب رئيس مجلس المدرسة العبيدية عن نفسه وبصفته وكيلاً عن نظار المدرسة وعلى ما هو موقوف عليها من قبل منشئيها الخواجا روفائيل عبيد وأخيه حنانيا قد اشترى من عبد الحميد عبد الله الأعيان المبينة فيها بمال وقف المدرسة المذكورة لتكون مستغلاً من مستغلاتها، كذلك وبالرجوع إلى الحجة الشرعية المؤرخة 21 شوال سنة 1305 يبين منها أن نقولا باسيلي - شقيق السيدة ليا ووارثها الوحيد - قد أشهد على نفسه أنه صدق على البيع الصحيح الشرعي الصادر من شقيقته المذكورة في الثالث عشر من ربيع الأول سنة 1285 إلى جهة وقفي الخواجة رفلة عبيد وأخيه حنانيا عبيد - وعبارات هذه الحجج جميعاً لا تدل - لا صراحة ولا كتابة - على إنشاء وقف على وجه التحديد. وما تردد فيها من أن الشراء كان من مال الوقف لا يفيد إنشاء وقف طالما أنه لم يثبت إن كان وقفاً إذا لا يتصور إلحاق وقف بأصل غير موجود، هذا إلى أن دعوى الطاعنين قامت على أن أعيان النزاع اشتريت من غلة الوقف "لا من ماله" والرأي عند الحنفية أنه إذا اشترى المتولي من غلة الوقف إذا لم يحتج إلى العمارة مستغلاً فإنه لا يكون وقفاً في الصحيح حتى جاز بيعه. وإذ كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد خلص إلى أن الأعيان المبينة بالحجج المذكورة ليست وقفاً مستنداً في ذلك إلى أن الحجتين الأوليين متعلقتان بشراء لا بوقف وأن الحجة الثالثة إن هي إلا تثبيت وتوكيد لعقد صلح فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه أو انحراف عن عبارات الحجج الثلاثة سالفة الذكر.
وحيث إن حاصل الوجه السادس أن الحكم المطعون فيه نفى صفة الوقف عن الأطيان التي وقفها المرحوم نقولا باسيلي بموجب الحجة الشرعية المؤرخة أول ذو القعدة سنة 1305 البالغة مساحتها 160 فداناً والكائنة بناحية كتامة الغابة مستنداً في ذلك إلى أنها جزء من المائتي فدان المشار إليها في عقد الصلح المؤرخ 15/ 6/ 1868 والتي لم يكن لواقفها سوى حق الانتفاع بها بعد وفاة أخته السيدة ليا وأنه بذلك يكون الإشهاد لوقفها قد صدر من غير مالك، وهذا من الحكم مخالفة لاتفاق 25/ 6/ 1968 ولوصية السيدة ليا عبيد نفسها إذ أن نظار الوقف كانوا قد اتفقوا معها - ضمن الاتفاق المؤرخ 25/ 6/ 1868 - على أن تقف هذه الأطيان على المدرسة بشرط الاحتفاظ لنفسها بالريع مدة حياتها ومن بعدها لأخيها نقولا باسيلي، فلما توفيت قبل أن تشهد بنفسها بالوقف تولاه عنها شقيقها نقولا باسيلي بموجب الإشهاد المذكور فيكون إشهاده بالوقف صادراً ممن يملكه.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أنه بالرجوع إلى الصورة العرفية لاتفاق 25/ 6/ 1968 المعقود بين السيد كريكوراغيا وكيل شركة روفائيل عبيد ومجلس نظار المدرسة العبيدية والسيدة ليا عبيد - والمقدمة من الطاعنين - يبين أنه قد نص فيها في هذا الخصوص على أنه "والمائتان فدان الباقية من الأبعادية المذكورة فهي باقية إلى الست ليا لأجل تستولي على ريعهم مدة حياتها ومن بعدها يستولى على هذا الريع أخيها نقولا باسيلي مدة حياته وتلتزم من الآن الست ليا المذكورة أن توقف الأطيان التي قدرها مائتين فدان من الأبعادية المذكورة على المدرسة العبيدية يآولو إليها من بعد حياتها وحياة نقولا باسيلي أخوها" وإذ لم يكن بين الخصوم نزاع على أن الأطيان المبينة بالحجة المؤرخة أول القعدة سنة 1305 هو جزء من المائتي فدان التي تضمنها اتفاق 25/ 6/ 1868 واستخلص الحكم من الاتفاق المذكور أنه لم يكن لنقولا باسيلي على تلك الأطيان سوى حق الانتفاع بها ثم نفى بذلك حقه في وقف رقبتها، وهو استخلاص سائغ وتحتمله عبارة الاتفاق، فإنه لا يكون قد خالف الاتفاق المذكور أو وصية السيدة ليا أو انحرف في تفسيرها.
وحيث إن حاصل الأوجه من السابع للأخير أن الحكم المطعون فيه قضى بأن المدرسة العبيدية وأملاكها إنما هي مال حر وليست وقفاً مستنداً في ذلك إلى أنه لو كان الأمر متعلقاً بوقف لما قبل المؤسسان وضع المدرسة وأموالها تحت الحماية الروسية وتركا أمر الوقف للجهة الشرعية المختصة، وأن الحكومة المصرية قد اعترفت في الاتفاق المعقود بتاريخ 27/ 9/ 1875 بينها وبين الحكومة الروسية بأن المدرسة ليست وقفاً، كما اعترفت في الكتاب المؤرخ 8/ 5/ 1937 المرسل من رئيس وفدها في مؤتمر مونترو إلى رئيس الوفد اليوناني بأن المدرسة العبيدية مؤسسة أجنبية خاضعة لاختصاص المحاكم المختلطة، وأنه ورد في المذكرة الإيضاحية لمشرع القانون المدني الجديد ما يفيد أن تلك المدرسة إنما هي مؤسسة وأن الأعيان محل النزاع غير موقوفة وأن إدارة الإصلاح الزراعي قد استثنت المدرسة من تطبيق أحكام القانون رقم 152 لسنة 1957 على اعتبار أنها مؤسسة علمية، كما أخضعتها الحكومة لأحكام القانون رقم 19 لسنة 1949 الذي نظم الجمعيات الخيرية والمؤسسات الاجتماعية وأنه لو كان الأمر متعلقاً بوقف لما تراخى تعيين ناظر عليه إلى سنة 1930 أي بعد سبعين سنة من إنشاء المدرسة وتملكها للعقارات التي تديرها، وهذا من الحكم المطعون فيه فساد في الاستدلال وخطأ ومخالفة للقانون وللاتفاقيات الدولية من وجوه (أولها) أن الامتيازات الأجنبية كانت عند وقف المدرسة العبيدية في كامل سلطانها وهو ما حدى بمؤسسيها - وقد كانت لأحدهما الحماية الروسية - إلى إخضاعها لنفس السلطة (وثانيها) أن اتفاق 27/ 9/ 1875 المعقود بين الحكومتين المصرية والروسية لم يعقد للفصل في طبيعة أملاك المدرسة ولكن لمجرد استثنائها من اختصاص المحاكم المختلطة (وثالثها) أن كل ما أثير في معاهدة مونترو بين الحكومتين المصرية واليونانية هو مطالبة هذه الحكومة الأخيرة بحماية المدرسة العبيدية بعد أن زالت عنها الرعوية الروسية بزوال الامتيازات الروسية في سنة 1923 وهو أمر منبت الصلة بشخصية المدرسة (ورابعها) أن المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون المدني إنما أشارت إلى المدرسة العبيدية وحدها دون أن تتعرض لطبيعة الأملاك المرصودة عليها كما أن اعتبار المدرسة في ذاتها مؤسسة أو منشأة لها شخصية مستقلة لا يعني بذاته أن الأموال المرصودة عليها هي أملاك حرة وليست موقوفة (وخامسها) أن استثناء المدرسة من تطبيق أحكام القانون رقم 152 لسنة 1957 على اعتبار أنها مؤسسة علمية إنما تم بعد صدور حكم المحكمة المختلطة باعتبارها مؤسسة علمية وهو حكم ثبت انعدامه لصدوره من محكمة غير ذات ولاية (وسادسها) أن إخضاع المدرسة لقانون الجمعيات الخيرية والمؤسسات العلمية إنما هو أمر طبيعي على اعتبار أنها مؤسسة ولكنه لا يعني حتماً أن الأملاك التابعة لها غير موقوفة (وسابعها) أن خلو الوقف من النظر لا يمنع شرعاً من قيامه ووجوده متى رفعت الدعوى بالنظر عليه صحيحة وقبل انقضاء المدة المانعة قانوناً من سماعها.
وحيث إن هذا النعي بجميع وجوهه غير منتج ولا جدوى فيه لأنه ينصب على أسباب زائدة لم يكن الحكم بحاجة إليها بعد أن استقام قضاؤه على أسباب سليمة كافية لحمله تؤدي إلى أن الأعيان المبينة بالحجج الشرعية المؤرخة 24 صفر سنة 1285 و17 صفر 1287 و21 شوال سنة 1305 وغرة القعدة سنة 1305 ليست وقفاً - ولما تقدم يتعين رفض الطعن.