أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 19 - صـ 1202

جلسة 20 من يونيه سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: السيد عبد المنعم الصراف، وسليم راشد أبو زيد، ومحمد صدقي البشبيشي، ومحمد سيد أحمد حماد.

(180)
الطعن رقم 494 لسنة 34 القضائية

( أ ) دعوى "القضايا الخاصة بالقصر". "تدخل النيابة في الدعوى". بطلان. "البطلان النسبي".
البطلان المترتب على إغفال كاتب المحكمة إخبار النيابة بالقضايا الخاصة بالقصر. بطلان نسبي مقرر لمصلحة القصر. وجوب تمسكهم به أمام محكمة الموضوع. عدم جواز التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض. عدم التمسك أمام محكمة الموضوع يفيد التنازل عن الحق المقرر لهم.
(ب) رهبنة. "أثره على أهلية الراهب". عقد. أهلية.
مقتضى نظام الرهبنة لدى طائفة الأقباط الأرثوذكس أن ما يقتنيه الراهب بعد انخراطه في سلك الرهبنة من غير طريق الإرث والوصية يعتبر ملكاً للبيعة. ذلك لا يرجع إلى انعدام شخصية أو أهلية الراهب. اعتباره نائباً. عن البيعة في تملك هذه الأموال. تعاقده باسمه. انصراف أثر العقد إلى البيعة.
(جـ) حكم. "قصور ما لا يعد كذلك". إثبات. محكمة الموضوع. أخذ محكمة الموضوع بأوراق الدعوى وأقوال الشهود. استغناؤها - لأسباب سائغة - عن إجابة طلب استجواب الخصم وندب خبير في الدعوى. ذلك يحمل الرد الضمني لهذا الطلب.
(د) إثبات. "القرائن". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
أقوال المورث في تحقيقات الكسب غير المشروع. عدم أخذ الحكم بها كإقرار قضائي وإنما كمجرد قرينة أيد بها أقوال الشهود التي جعلها دعامته الأساسية. النعي بعدم حجية هذه الأقوال. جدل موضوعي في تقدير الدليل تستقل به محكمة الموضوع.
1 - هدف الشارع من تدخل النيابة في القضايا الخاصة بالقصر إنما هو رعاية مصلحتهم وعلى ذلك فإن البطلان المترتب على إغفال كاتب المحكمة إخبار النيابة بهذه القضايا يكون بطلاناً نسبياً مقرراً لمصلحة القصر ومن ثم يتعين عليهم التمسك به أمام محكمة الموضوع فإن فاتهم ذلك فلا يجوز لهم التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض لأن عدم تمسكهم به أمام محكمة الموضوع يعتبر تنازلاً منهم عن حقهم فيه.
2 - لئن كان نظام الرهبنة لدى طائفة الأقباط الأرثوذكس - وهو على ما جرى به قضاء هذه المحكمة معترف به في مصر - يقضي بأن كل ما يقتنيه الراهب بعد انخراطه في سلك الرهبنة من غير طريق الميراث أو الوصية يعتبر ملكاً للبيعة التي كرس حياته لخدمتها فإن ذلك لا يرجع إلى انعدام شخصية أو أهلية الراهب وإنما إلى أنه يعتبر طبقاً لقوانين الكنيسة نائباً عن البيعة في تملكه لهذه الأموال وعلى ذلك يكون للراهب الحق في أن يتعاقد باسمه أو باسم البيعة التي ينتمي إليه ويكون للبيعة في الحالة الأولى أن تتمسك بانصراف أثر العقد إليها ولا يكون للمتعاقد مع الراهب شأن في ذلك ما دام العقد قد انعقد صحيحاً مرتباً لكل آثاره [(1)].
3 - إذا كان ما قرره الحكم المطعون فيه - بأسباب سائغة - يفيد أن المحكمة قد وجدت في أوراق الدعوى وأقوال الشهود التي اطمأنت إليها ما يغنيها عن إجابة طلب الطاعنة الخاص باستجواب المطعون ضده وندب خبير فإن في ذلك ما يعتبر رداً ضمنياً على هذا الطلب.
4 - إذا كان الحكم لم يأخذ بأقوال المورث الصادرة في تحقيقات أجريت معه في شأن الكسب غير المشروع على اعتبار أنها إقرار قضائي وإنما اتخذ منها مجرد قرينة أيد بها أقوال الشهود التي جعلها الدعامة الأساسية القضائية فإن النعي بعدم حجية هذه الإقرارات لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير محكمة الموضوع للأدلة وهو ما تستقل به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده الأول أقام على الطاعنة بصفتها والمطعون ضدها الثانية الدعوى رقم 3315 سنة 1959 مدني كلي القاهرة طالباً الحكم بصحة ونفاذ عقدي البيع العرفيين المؤرخ أولهما في 2 سبتمبر سنة 1948 والمؤرخ ثانيهما في 9 سبتمبر سنة 1955 والمتضمنين بيع المرحوم وفيق كامل سلامة له قطعتي الأرض المبينتين بصحيفة الدعوى مقابل ثمن قدره 1500 ج للأرض المبيعة بالعقد الأول و700 ج للأرض المبيعة بالعقد الثاني وقال بياناً للدعوى إن البائع قد قبض الثمن المسمى في العقدين وتوفى في 27 أغسطس سنة 1958 قبل تحرير العقد النهائي وإذ امتنع ورثته وهو زوجته الطاعنة وأولاده القصر المشمولين بوصايتها ووالدته المطعون ضدها الثانية عن التوقيع له على هذا العقد فقد اضطر لإقامة الدعوى بطلباته سالفة الذكر ولدى نظر الدعوى قررت الطاعنة بجهلها توقيع مورثها على العقد الثاني وحلفت اليمين بعدم العلم كما طعنت ببطلان العقدين لانعدام أهلية المشتري للتملك بمقولة إنه كان وقت التعاقد راهباً وأن الراهب بحكم النظام الكنسي يتجرد من كل أمواله ويصبح غير أهل للتملك وطعنت أيضاً بالصورية في العقد الأول. وبتاريخ أول فبراير سنة 1960 قضت محكمة القاهرة الابتدائية برفض الدفع بالبطلان والدفع بالصورية وأحالت الدعوى إلى التحقيق ليثبت المشتري صدور العقد المؤرخ 9 سبتمبر سنة 1955 من مورث الطاعنة وندبت قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي لمضاهاة إمضاء البائع على إمضاءاته الثابتة على ثلاثة عقود مسجلة وبعد أن قدم ذلك القسم تقريره الذي انتهى فيه إلى صحة التوقيع وبعد أن سمعت تلك المحكمة شهود الطرفين حكمت بتاريخ 22 يناير سنة 1962 برفض الطعن بالتجهيل وأحالت الدعوى إلى المرافعة لنظر الموضوع. وبعد أن سمعت دفاع الطرفين قضت بتاريخ 19 فبراير سنة 1962 بصحة ونفاذ عقدي البيع سالفي الذكر. استأنفت الطاعنة هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 911 سنة 79 ق. وبتاريخ 26 مايو سنة 1964 قضت تلك المحكمة بتأييد الحكم المستأنف فطعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض. وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. وبالجلسة المحددة لنظره أمام هذه الدائرة تمسكت النيابة بهذا الرأي.
وحيث إن الطعن بني على أربعة أسباب. تنعى الطاعنة في السبب الأول منها على الحكم المطعون فيه البطلان. وفي بيان ذلك تقول إن المادة 102 من قانون المرافعات فد أوجبت على كاتب المحكمة إخبار النيابة كتابة بمجرد قيد الدعوى في الحالات المنصوص عليها في المادتين 99 و100 من قانون المرافعات ومنها القضايا الخاصة بالقصر. ولما كان كاتب المحكمة الاستئنافية قد أغفل إخبار النيابة وترتب على ذلك عدم تدخلها في الاستئناف لعدم علمها به فإن الحكم المطعون فيه يكون باطلاً وإنه من حقها بصفتها وصية على القصر وهم أصحاب المصلحة التمسك بهذا البطلان.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أن هدف الشارع من تدخل النيابة في القضايا الخاصة بالقصر إنما هو رعاية مصلحتهم وعلى ذلك فإن البطلان المترتب على إغفال كاتب المحكمة إخبار النيابة بهذه القضايا يكون بطلاناً نسبياً مقرر لمصلحة القصر ومن ثم يتعين عليهم التمسك به أمام محكمة الموضوع فإن فاتهم ذلك فلا يجوز لهم التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض. لأن عدم تمسكهم به أمام محكمة الموضوع يعتبر تنازلاً منه عن حقهم فيه. ولما كان الثابت من الملف المضموم أن القصر المشمولين بوصاية الطاعنة لم يثيروا هذا البطلان أمام المحكمة الاستئنافية فإن إبداءهم له أمام محكمة النقض يكون غير مقبول.
وحيث إن حاصل السبب الثاني أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وفي بيان ذلك تقول الطاعنة إن المشتري "المطعون ضده الأول" كان وقت التعاقد ولا يزال راهباً وأنه وفقاً لأحكام الرهبنة المعترف بها في مصر لا يجوز للراهب أن يمتلك مالاً وإنما يؤول كل ما يملكه للكنيسة التي انخرط في زمرتها. ولما كان الثابت من العقدين أن المشتري تعاقد بصفته الشخصية كما أقام الدعوى بهذه الصفة فإن البطلان يلحق البيع لأنه ممنوع من الشراء لنفسه بحكم كونه راهباً ولا يرفع هذا البطلان أن الراهب لا يفقد أهلية التعاقد لأن تلك الأهلية تصبح قاصرة على التعامل باسم الكنيسة فإن أفصح عن أنه يتعاقد بصفته الشخصية لا نيابة عنها لحق البطلان تعاقده. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد قضى بصحة ونفاذ عقدي البيع فإنه يكون قد خالف القانون.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أنه وإن كان نظام الرهبنة لدى طائفة الأقباط الأرثوذكس - وهو على ما جرى به قضاء هذه المحكمة معترف به في مصر - يقضي بأن كل ما يقتنيه الراهب بعد انخراطه في سلك الرهبنة من غير طريق الميراث أو الوصية يعتبر ملكاً للبيعة التي كرس حياته لخدمتها فإن ذلك لا يرجع إلى انعدام شخصية الراهب وإنما إلى أن الراهب يعتبر طبقاً لقوانين الكنيسة نائباً عن البيعة في تملكه لهذه الأموال وعلى ذلك يكون للراهب الحق في أن يتعاقد باسمه أو باسم البيعة التي ينتمي إليها ويكون للبيعة في الحالة الأولى أن تتمسك بانصراف اثر العقد إليها ولا يكون للمتعاقد مع الراهب شأن في ذلك ما دام العقد قد انعقد صحيحاً مرتباً لكل آثاره. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر فإن النعي عليه بهذا السبب يكون في غير محله.
وحيث إن الطاعنة تنعى في السبب الثالث على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب ومسخ دفاعها والإخلال به وفي بيان ذلك تقول إنها تمسكت لدى محكمة الموضوع بأن مورثها البائع الذي كان يعمل بمصلحة المساحة واستطاع من عمله الخارجي تكوين ثروة له، كان قد خشي مغبة اكتشاف ما اقتضاه من ثروة غير مشروعة فاتفق مع المطعون ضده الأول على تحرير العقدين لا بقصد البيع وإنما لإثباتهما في إقرار الذمة. وظل يحتفظ بهما إلى يوم وفاته ولكن المطعون ضده الأول انتهز فرصة وفاته في منزله واستولى على العقدين واستغل توقيع المورث عليهما كبائع فوقع هو عليهما كمشتري وطلبت الطاعنة في سبيل تحقيق دفاعها هذا ندب مكتب التزييف والتزوير. بمصلحة الطب الشرعي واستجواب المطعون ضده الأول في هذا الشأن وإذ لم تجبها محكمة أول درجة إلى ما طلبته تمسكت به في أسباب استئنافها وقد رد الحكم المطعون فيه على دفاعها بما ذكره من أن البائع قد أقر في العقدين بقبض كامل الثمن من المشتري بعد الاتفاق على البيع والشراء والمبيع وثمنه ووقع على ذلك بإمضائه وسلم العقدين إلى المشتري الذي قبلهما واحتفظ بهما فكان ذلك منه تعبيراً صريحاً عن إرادة المشتري بقبول الشراء وإنه حتى لو فرض جدلاً وكان العقدان لم يحملا أصلاً سوى توقيع البائع فإن ذلك التصرف ينطوي في دلالته على اتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته على حقيقة المقصود منه وهو القبول الصريح من المشتري المطابق لإيجاب البائع - وتقول الطاعنة إن هذا الذي ذكره الحكم مصادرة على المطلوب لأنه بني على افتراض صحة واقعة تسليم العقدين للمشتري مع أن هذه الواقعة كانت محل نزاع في الدعوى. ولما كان الحكم قد رتب على ذلك عدم إجابتها لطلبي إحالة العقدين إلى الطبيب الشرعي لتقدير تاريخ توقيع كل من البائع والمشتري ورفض استجواب المطعون ضده الأول فإنه يكون قد مسخ دفاعها وأخل به وجاء قاصر التسبيب.
وحيث إن هذا النعي مردود بما ذكره الحكم المطعون فيه بقوله "وبما أنه عن السبب الثاني من أسباب الاستئناف وتقول به المستأنفة إن محكمة أول درجة أخطأت لعدم تحقيقها عمر الحبر في العقدين المطعون عليهما لإثبات أن توقيع كل عقد من المشتري وشهوده لم يحصل إلا عقب وفاة المورث الذي بوفاته يكون إيجابه قد سقط في كل عقد ومن ثم يكون التعاقد لم يتم في كل من العقدين لعدم تلاقي إيجاب البائع بقبول المشتري وأنه حتى لو ثبت أن القبول تم قبل وفاة المورث فإنه سوف يطعن على العقدين بحصولهما في مرض الموت وتكون المحكمة المذكورة قد حرمت المستأنفة من الطعن على العقدين بالتوقيع عليهما في مرض الموت كما حرمتها من استجواب الخصم دون وجه حق. وبما أن الحكم الصادر بتاريخ 22/ 1/ 1962 قد تولى الرد على هذه الطلبات بأنه متى كان الثابت من واقع الدعوى أن البائع قد أقر في كل من عقدي البيع بقبض كامل الثمن من المشتري بعد الاتفاق على البيع والشراء والمبيع وثمنه وأقر بحصول البيع ووقع على ذلك بإمضائه وتم كله بتسليم العقدين إلى المشتري الذي قبلهما واحتفظ بهما فإن ذلك يعد تعبيراً صريحاً عن إرادة المشتري بقبول الشراء حتى لو فرض جدلاً وكان العقدان لم يحملا أصلاً سوى توقيع البائع لأن ذلك التصرف بصورته المذكورة ينطوي في دلالته على اتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته على حقيقته المقصود منه وهو القبول الصريح من المشتري المطابق لإيجاب البائع..... وبما أنه بالإضافة إلى هذه الأسباب التي تأخذ بها هذه المحكمة الاستئنافية وتأكيداً لعدم جدوى تحقيق واقعة عمر الحبر فإن الثابت من أقوال شاهدي المشتري وهما في ذات الوقت شاهدا العقدين وقد وقعاً عليهما بهذه الصفة وعلما بأن أحدهما - سامي كامل سلامة - وهو شقيق البائع - فإن الثابت من أقوالهما أنها جاءت قاطعة في بيان إتمام العقدين وصدورهما من البائع المرحوم رفيق كامل سلامة وتوقيع كل من البائع والمشتري عليهما وبأقلام مختلفة" - وهذا الذي أورده الحكم المطعون فيه يدل على أن محكمة الموضوع حصلت دفاع الطاعنة تحصيلاً صحيحاً له سنده في الأوراق وأنها استدلت - في حدود سلطتها التقديرية - على أن توقيع المشتري كان معاصراً لتوقيع البائع بأقوال شاهدي المشتري التي اطمأنت إليها وهو استدلال سائغ ومن شأنه أن يؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها من إطراح دفاع الطاعنة القائم على اختلاس العقدين بعد وفاة البائع خاليين من توقيع المشتري وتوقيع هذا الأخير عليهما بعد ذلك وإذ كان ذلك وكان ما قرره الحكم المطعون فيه يفيد أن المحكمة قد وجدت في أوراق الدعوى وفي أقوال الشهود التي اطمأنت إليها ما يغنيها عن إجابة طلب الطاعنة الخاص باستجواب المطعون ضده وبإحالة العقدين على الخبير فإن في ذلك الرد الضمني على هذا الطلب ومن ثم يكون النعي بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الرابع أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وشابه الفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك تقول الطاعنة إنها قدمت صورة رسمية من إقرار الذمة المحرر من مورثها وصورة رسمية من المذكرة التي قدمها إلى لجنة فحص إقرارات الكسب غير المشروع وصورة رسمية من حافظة المستندات التي أرفقها بتلك المذكرة وصورة رسمية من محضر تحقيق الشكوى رقم 146 سنة 1955 وشرحت لمحكمة الاستئناف دلالة هذه المستندات فذكرت أن الإقرار يدل على أن مورثها يملك العقار موضوع العقد الأول مما يؤكد دفاعها بأنه لم يتصرف فيه بالبيع وإلا أسقط العقار من ملكه غير أن الحكم المطعون فيه رد على ذلك بقوله إنه لما كان العقد غير مسجل فقد كان طبيعياً أن يذكر المورث أن ذلك العقار لا يزال على ملكه وهو استدلال فاسد لأنه من غير المستساغ أن يضيف المقر لذمته مالاً كان قد باعه وبض ثمنه بحجة أن العقد لم يسجل. كذلك أخطأ الحكم في استخلاص أن مورث الطاعنة قد اعترف في المذكرة المقدمة منه للجنة الكسب غير المشروع بأنه باع للمطعون ضده الأول بموجب عقد عرفي مؤرخ 2/ 9/ 1948 قطعة أرض لأنها طعنت على هذا العقد بالصورية كما أخطأ الحكم في اعتماده على إقرار آخر صدر من المورث في التحقيقات التي أجريت معه لمناسبة اتهامه بالثراء غير المشروع لأنه لا حجية لهذا الإقرار إذ أن المورث لم يدل به في دعوى متعلقة بالواقعة المتنازع عليها.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أن الحكم المطعون فيه بعد أن أقام قضاءه بصحة ونفاذ العقدين على ما استخلصه من نصوصهما وما شهد به الشهود في التحقيق عرض لمستندات الطاعنة فقال عنها "وبما أن المستأنفة - بعد حجز القضية للحكم لجلسة 28/ 4/ 1964 - قدمت طلباً بإعادة القضية للمرافعة لتقديم مذكرة ومستندات جديدة لم تعرض على محكمة أول درجة. فتصرح لها بذلك مع مد أجل الحكم فقدمت حافظتين انطوت الأولى على صورة رسمية من إقرار الذمة المالية تقدم بها زوجها للمصلحة التي كان يعمل بها وتقول المستأنفة إن المورث قد أثبت بهذا الإقرار عام 1952 أن قطعة الأرض - موضوع العقد المؤرخ 2/ 9/ 1948 - كانت وما تزال ضمن ملكه حتى سنة 1952 وبما أن هذه المحكمة ترى أن عقد البيع المؤرخ 2/ 9/ 1948 هو عقد بيع ابتدائي غير مسجل ولم يسجل حتى الآن ومن ثم كان طبيعياً أن يذكر المورث في إقرار الذمة العقار موضوع هذا العقد وهو ما زال باقياً في تكليفه. وبما أن المستأنفة قدمت حافظة ثابتة طوتها على ثلاثة مستندات عبارة عن (1) صورة رسمية من مذكرة مقدمة من المورث إلى لجنة فحص الإقرارات (2) صورة رسمية من حافظة مستندات تقدم بها المورث إلى تلك اللجنة (3) صورة رسمية من محضر تحقيق في الشكوى 146 من إقرار الذمة المالية المقدم من المورث. وبما أنه عن المستند الأول فهو عبارة عن مذكرة يروي فيها تاريخ ذمته المالية وترى المحكمة أن هذا التاريخ لا علاقة له بالدعوى الحالية سوى ما ورد به من اعتراف المورث الصريح الوارد ضمن بيانه بأنه باع بموجب عقد عرفي تاريخه 2/ 9/ 1948 للقمص مينا البراموس الأرض المبينة مساحتها بثمن قدره 1500 جنيهاً وهو نفس العقد الذي طعنت عليه المستأنفة بالصورية وقد قدمت هذا المستند للتدليل على ما ورد بالمذكرة على لسان المورث من أن هناك صورة من عقد البيع موقع عليها منه تحت مسئوليته لأن الأصل مع المشترى للتدليل على أن هذه الصورة هي التي استولى عليها المستأنف عليه الأول عقب وفاة المورث سنة 1958 ووقع عليها مع شهود العقد. وبما أن هذه المحكمة ترى أن هذا الدليل لا سند له من الواقع وعلى النقيض فإنه يؤخذ من عبارة المورث أنها اعتراف منه بأن الموجود تحت يد المدعي هو أصل العقد وليس صورته. كما جاء بذات المذكرة أن ملكيته أصبحت محصورة في قطعتي أرض مساحتهما 214.20 و390.18 متراً مربعاً وتحاول المستأنفة أن تستدل من هذا القول على أن المورث لم يتصرف في هذه الأعيان. وبما أن هذه المحكمة تلاحظ أن قطعتي الأرض المذكورتين هما موضوع العقد الثاني المؤرخ 9/ 9/ 1955 وأن قول المورث في هذا الصدد يتضمن اعترافاً صريحاً بأن قطعة الأرض موضوع العقد الأول قد خرجت من ملكيته بموجب عقد 2/ 9/ 1948 وأن هذا القول لا أثر له على العقد الثاني لأنه لم يكن قد صدر بعد وبما أنه عن المستند الثاني وهو مجرد صورة رسمية من حافظة مستندات فإنه لا طائل من بحثها طالما أن تلك المستندات غير مقدمة وبما أنه عن المستند الثالث فإن هذه المحكمة تلاحظ على هذا المستند وتاريخه 26/ 6/ 1955 أنه يتضمن اعترافاً آخر لمورث المستأنفة بالبيع الذي تم بموجب العقد المؤرخ 2/ 9/ 1948" - وهذا الذي أورده الحكم المطعون فيه عن المستندات التي قدمتها الطاعنة هو استخلاص موضوعي سائغ تؤدي إليه عباراتها ولا عيب فيه ومن شأن الأسباب التي ذكرها الحكم أن تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها في هذا الخصوص وإذ كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد نفى في أسبابه صورية عقد 2 سبتمبر سنة 1948 التي ادعتها الطاعنة وكان هذا الحكم لم يأخذ بأقوال مورث الطاعنة الصادرة في التحقيقات التي أجريت معه في شأن الكسب غير المشروع على اعتبار أنها إقرار قضائي وإنما اتخذ منها مجرد قرينة أيد بها أقوال شاهدي العقد التي جعلها الدعامة الأساسية لقضائه إذ هو لم يتعرض إلى ما ورد في هذه التحقيقات إلا بعد أن فرغ من تأسيس قضائه ولمجرد الرد على المستندات التي قدمتها الطاعنة بعد حجز القضية للحكم. لما كان ذلك فإن النعي بهذا السبب لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير محكمة الموضوع للأدلة والمستندات وهو ما تستقل به.
وحيث إنه لذلك يكون الطعن على غير أساس متعيناً رفضه.


[(1)] نقض 31/ 5/ 1966 بمجموعة المكتب الفني س 17 ص 1291 ونقض 4/ 5/ 1942 بمجموعة القواعد القانونية التي أصدرتها محكمة النقض في ربع قرن ص 342 ج 1.