أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 19 - صـ 1223

جلسة 27 من يونيه سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، والسيد عبد المنعم الصراف، وسليم راشد أبو زيد، ومحمد صدقي البشبيشي.

(183)
الطعن رقم 299 لسنة 34 القضائية

( أ ) نقض. "الخصوم في الطعن".
استئناف الحكم من أحد الطاعنين. عدم قضاء الحكم الاستئنافي بالنسبة للباقين لأكثر مما قضى به عليهم الحكم الابتدائي الذي قبلوه ولم يستأنفوه فإن الطعن منهم على الحكم الاستئنافي بطريق النقض يكون غير مقبول بالنسبة لهم.
(ب) عقد. "شرط المنع من التصرف". محكمة الموضوع.
شرط المنع من التصرف صحيح متى بني على باعث مشروع واقتصر على مدة معقولة. اعتبار الباعث مشروعاً إذا كان المراد بالمنع من التصرف حماية مصلحة مشروعة للمتصرف أو المنصرف إليه أو للغير. تقدير مشروعية المصلحة ومدى معقولية المدة المحددة مما يدخل في سلطة قاضي الموضوع ولا رقابة عليه في ذلك من محكمة النقض متى بني على أسباب سائغة.
(جـ) عقد. "فسخ العقد". بطلان. "بطلان التصرف المخالف للشرط المانع من التصرف".
بطلان التصرف المخالف للشرط المانع من التصرف - المادة 824 مدني. التعاقد الذي اشترط هذا الشرط طلب فسخ العقد الأصلي الوارد فيه الشرط المانع من التصرف متى كان هذا الشرط من الشروط الأساسية للتعاقد والتي بدونها ما كان يتم.
1 - متى كان الحكم المطعون فيه الصادر في استئناف الطاعن الأول، لم يقض بالنسبة لباقي الطاعنين بأكثر مما قضى به عليهم الحكم الابتدائي الذي قبلوه ولم يستأنفوه، فإن الطعن منهم على الحكم المطعون فيه بطريق النقض يكون غير مقبول بالنسبة لهم.
2 - شرط المنع من التصرف يصح إذا بني على باعث مشروع واقتصر على مدة معقولة. ويكون الباعث مشروعاً متى كان المراد بالمنع من التصرف حماية مصلحة مشروعة للمتصرف أو المتصرف إليه أو للغير. وتقدير مشروعية المصلحة المراد بالشرط حمايتها ومدى معقولية المدة المحددة لسريانه مما يدخل في سلطة قاضي الموضوع ولا رقابة عليه في ذلك من محكمة النقض متى بني رأيه على أسباب سائغة.
3 - إن المادة 824 من القانون المدني وإن نصت على بطلان التصرف المخالف للشرط المانع من التصرف ولم تتعرض للعقد الأصلي الوارد فيه هذا الشرط، إلا أن ذلك لا يمنع المتعاقد الذي اشترط هذا الشرط من طلب فسخ هذا العقد استناداً إلى الأحكام العامة المقررة للفسخ في العقود الملزمة للجانبين متى كان شرط المنع من التصرف من الشروط الأساسية للتعاقد والتي بدونها ما كان يتم إذ تكون مخالفة المتعاقد الآخر له في هذه الحالة إخلالاً منه بأحد التزاماته الجوهرية مما يجيز للمتعاقد معه طلب فسخ العقد طبقاً للمادة 157/ 1 من القانون المدني.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده بصفته (وزير الإصلاح الزراعي) أقام الدعوى رقم 315 سنة 1960 كلي المنصورة على الطاعنين وباقي المطعون ضدهم عدا الثاني وانتهى فيها إلى طلب الحكم (أولاً) بفسخ التعاقد الخاص بانتفاع المدعى عليه الأول (الطاعن الأول) بالإقطاعية المبينة الحدود والمعالم بالعريضة وكف منازعته له فيها وتسليمها بما عليها من مبان وأشجار أو زراعة فور صدور الحكم (ثانياً) بإلزام المدعى عليه الأول بأن يدفع له مبلغ 7403 ج و157 م قيمة الريع المتأخر في ذمته حتى سنة 1960 بما فيه الديون والسلف المقيدة عليه بحساب العهد بخلاف ما يستجد من فوائد عن هذا المبلغ بواقع 4% من تاريخ المطالبة الرسمية حتى السداد. وذلك في مواجهة باقي المدعى عليهم (الطاعنون الثلاثة الآخرون والمطعون ضدهما الأخيرين) وقال شرحاً للدعوى إنه بمقتضى قرارات مجلس الوزراء الصادرة في شأن الإقطاعيات الزراعية التي تمنح لخريجي المعاهد الزراعية تسلم الطاعن الأول بتاريخ 15 يوليو سنة 1939 الإقطاعية رقم 8 بجهة كفر الوكالة ببلقاس البالغ مساحتها 28 ف و22 ط و14 س بمحضر تعهد فيه بقبول كافة القيود والشروط التي قررتها الحكومة في هذا الخصوص وأهمها الإقامة بالإقطاعية بصفة دائمة وعدم قبول التوظف وعدم التصرف فيها لغير خريجي المعاهد الزراعية قبل مضي 30 عاماً من استلامها وإلا كان للحكومة الحق في استرداد الإقطاعية والحصول على كافة مستحقاتها - وإذ ثبت لمصلحة الأملاك أن الطاعن الأول قد تصرف بالبيع في 19 فداناً لباقي الطاعنين وللمطعون ضدهما الأخيرين وهم ليسوا من خريجي المعاهد الزراعية وأنه غادر الإقطاعية بسبب التحاقه بوظيفة حكومية بالإصلاح الزراعي، وجهت إليه المصلحة إنذاراً بتاريخ 11 مارس سنة 1959 نبهت عليه فيه رسمياً بترك الوظيفة والعودة للإقطاعية والتفرغ للعمل بها وتنفيذ كافة الشروط التي أقر بقبولها وإلا كان من حقها فسخ العقد واسترداد الإقطاعية وإخلائه منها ولما لم يستجب لهذا الإنذار أقامت المصلحة هذه الدعوى بطلباتها سالفة البيان وفي 25/ 10/ 1962 حكمت المحكمة حضورياً (أولاً) بفسخ التعاقد الخاص بانتفاع المدعى عليه الأول (الطاعن الأول) بالإقطاعية المبينة الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى ومحضر التسليم المؤرخ 15 يوليو سنة 1939 الموقع عليه منه مع إلزامه بتسليمها للمدعي بصفته بالحالة التي كانت عليها قبل العقد (ثانياً) وقبل الفصل في باقي الطلبات بندب مكتب الخبراء الحكوميين للاطلاع على مستندات الطرفين لبيان المبالغ التي يستحقها كل طرف قبل الآخر نتيجة لفسخ عقد الانتفاع بالإقطاعية وأسست المحكمة قضاءها على أن مخالفة الطاعن الأول شرط المنع من التصرف المتفق عليه يعتبر إخلالاً بأحد الالتزامات الجوهرية التي يوجبها عقد الانتفاع بالإقطاعية ويخول المشترط حق المطالبة بفسخ العقد - استأنف الطاعن الأول وحده هذا الحكم لدى محكمة استئناف المنصورة بالاستئناف رقم 364 سنة 14 ق طالباً إلغاءه ورفض دعوى المطعون ضده الأول استناداً إلى أنه لم يتصرف بالبيع في أي جزء من الإقطاعية وإلى أنه لم يلتحق بخدمة الحكومة إلا بعد مضي المدة المتفق عليها في التعاقد وهي خمسة عشر عاماً من تاريخ استلام الإقطاعية وفي 5 مارس سنة 1964 حكمت المحكمة برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف، فطعن الطاعنون في قضائها بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة بهذا الرأي.
وحيث إنه لما كان الثابت من الأوراق ومن الوقائع المتقدم ذكرها أن الطاعنين الثلاثة الأخيرين قبلوا الحكم الابتدائي ولم يستأنفوه وإنما استأنفه الطاعن الأول وحده طالباً إلغاءه والقضاء برفض الدعوى وقضى الحكم المطعون فيه بتأييد الحكم المستأنف بالنسبة إلى الطاعن الأول ولم يقض على الطاعنين الأخيرين بشيء أكثر مما قضى به عليهم الحكم الابتدائي الذي قبلوه فإن الطعن منهم على الحكم المطعون فيه بطريق النقض يكون غير مقبول ومن ثم يتعين القضاء بعدم قبول الطعن بالنسبة لهم.
وحيث إن الطعن بالنسبة للطاعن الأول استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن بني على سبب واحد حاصله أن الحكم المطعون فيه إذ قضى بفسخ العقد الأصلي الخاص بانتفاع الطاعن بالإقطاعية المسلمة إليه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه من وجهين (الأول) أنه أقام قضاءه بالفسخ على أن الطاعن أخل بأحد التزاماته الجوهرية في العقد وذلك بتصرفه في بعض الأطيان قبل المدة المقررة وقدرها ثلاثون عاماً في حين أن القانون لم يشترط فوات المدة المذكورة وإنما يكتفي بأية مدة معقولة كما أن القانون لم يطلق المنع لأن المادة 823 من القانون المدني تبيح المنع المبني على باعث مشروع والعبرة في ذلك تكون بظروف كل حالة على حدة هذا إلى أن المادة 824 تبطل التصرف الممنوع دون التصرف الأصلي (والثاني) أن الحكم أقام قضاءه بالفسخ على أن الطاعن أخل بشرط التوظف والإقامة في الأرض في حين أن القرار الجمهوري رقم 889 لسنة 1960 قد أعفى المنتفعين من هذا الشرط وقضى بالتجاوز عن المخالفات الخاصة به مع الاحتفاظ بالإقطاعية.
وحيث إن هذا النعي غير صحيح ذلك أن الحكم الابتدائي والحكم المطعون فيه الذي أخذ بأسبابه قررا في خصوص ما يثيره الطاعن في الشق الأول من هذا السبب "أن الحكومة إذ اشترطت في عقود تمليك أرض الإقطاعيات الزراعية التي تمنح لخريجي المدارس الزراعية عد تصرفهم فيها بالبيع وإقامتهم فيها ثلاثين عاماً إنما ابتغت بذلك مصلحة عامة هي تمكينهم من العيش الشريف أطول مدة ممكنة وتمكنهم من إصلاح هذه الأراضي المحتاجة لخبرتهم فإذا خالف المشترون هذا الشرط واتخذوا من هذه الأطيان وسيلة للتجارة وتصرفوا فيها بالبيع قبل الأجل المحدد في عقد تمليكهم يكونون قد أخلوا بشرط جوهري يقره القانون ويبيح للحكومة طلب فسخ عقد التمليك وإعادة هذه الأطيان إليها" وقرر الحكم الابتدائي في بيان مشروعية الباعث على شرط منع التصرف "أنه قصد به تحقيق مصلحة عامة هي إيجاد عمل لخريجي المعاهد الزراعية على أساس تعاوني ويتفق وطبيعة دراستهم ويهيئ أحسن السبل لرفع مستوى الزراعة" - ومفاد هذا الذي قرره الحكمان أن محكمة الموضوع استندت في قضائها بفسخ العقد إلى ما استخلصته في حدود سلطتها الموضوعية من أن الشرط المانع من التصرف والمقرر لمصلحة عامة يعتبر من الالتزامات الجوهرية في مقصود المتعاقدين وأن مخالفة الطاعن لهذا الشرط الذي انتهت المحكمة إلى صحته لما رأته بما لها من سلطة التقرير وللأسباب السائغة التي ذكرتها من مشروعية الباعث عليه ومعقولية المدة المحددة لسريانه. هذه المخالفة تسوغ للحكومة المطالبة بفسخ العقد طبقاً للمادة 157/ 1 من القانون المدني التي يجيز للمتعاقد في العقود الملزمة للجانبين طلب فسخ العقد إذا لم يوف المتعاقد الآخر بالتزامه وهذا الذي انتهى إليه الحكم المطعون فيه لا خطأ فيه ذلك بأن شرط المنع من التصرف يصح إذا بني على باعث مشروع واقتصر على مدة معقولة ويكون الباعث مشروعاً متى كان المراد بالمنع من التصرف حماية مصلحة مشروعة للمتصرف أو المتصرف إليه أو للغير وتقدير مشروعية المصلحة المراد بالشرط حمايتها ومدى معقولية المدة المحددة لسريانه مما يدخل في سلطة قاضي الموضوع ولا رقابة عليه في ذلك من محكمة النقض متى بني على رأيه على أسباب سائغة كما أن المادة 824 من القانون المدني وإن نصت على بطلان التصرف المخالف للشرط المانع من التصرف ولم تتعرض للعقد الأصلي الوارد فيه هذا الشرط إلا أن ذلك لا يمنع المتعاقد الذي اشترط هذا الشرط من طلب فسخ هذا العقد استناداً إلى الأحكام العامة المقررة للفسخ في العقود الملزمة للجانبين متى كان شرط المنع شرط المنع من التصرف من الشروط الأساسية للتعاقد والتي بدونها ما كان ليتم إذ تكون مخالفة المتعاقد الآخر له في هذه الحالة إخلالاً منه بأحد التزاماته الجوهرية مما يجيز للمتعاقد معه طلب فسخ العقد طبقاً للمادة 157/ 1 من القانون المدني. والنعي مردود في وجهه الثاني بأن الحكم الابتدائي الذي أخذ بأسبابه الحكم المطعون فيه أقام قضاءه بالفسخ على ما أسنده إلى الطاعن من مخالفة شرط المنع من التصرف دون شرط المنع من التوظف وأن ما أورده الحكم المطعون فيه في خصوص هذا الشرط الأخير إنما كان رداً على ما أثاره الطاعن بصحيفة الاستئناف من أنه يحق له التوظف بعد مضي خمسة عشر عاماً من استلامه الأرض. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على دعامة أخرى هي الإخلال بشرط منع التصرف في الإقطاعية فإن التحدي بالقرار الجمهوري المتضمن إعفاء المنتفعين من شرط عدم التوظف يكون غير منتج ما دام أن الدعامة الأخرى تكفي وحدها لحمل قضاء الحكم المطعون فيه وبذلك يكون النعي برمته على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.