أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 24 - صـ 490

جلسة 27 من مارس سنة 1973

برياسة السيد المستشار/ عباس حلمي عبد الجواد، وعضوية السادة المستشارين: عدلي بغدادي، ومحمد طايل راشد، وعثمان حسين عبد الله، ومصطفى الفقي.

(87)
الطعن رقم 265 لسنة 41 القضائية

(1) اختصاص. "اختصاص قيمي". استئناف. "نصاب الاستئناف". دعوى. "قيمة الدعوى".
اختصاص المحاكم الابتدائية بالحكم في الدعاوى التي لا تجاوز قيمتها مائتين وخمسين جنيهاً. اختصاص استثنائي. أحكام تلك المحاكم في الدعاوى التي لا تزيد قيمتها على هذا النصاب. عدم قابليتها للاستئناف إلا بنص خاص.
(2) إيجار. "إيجار الأماكن". حكم. "الأحكام الجائز الطعن فيها". استئناف. اختصاص. "اختصاص نوعي".
اختصاص المحاكم الابتدائية بالفصل في المنازعات الناشئة عن تطبيق القانون رقم 52 لسنة 1969. الطعن في الأحكام الصادرة في تلك المنازعات. خضوعه للقواعد العامة في قانون المرافعات.
(3) إيجار. "إيجار الأماكن". "انتهاء مدة الإيجار".
التشريعات الخاصة بإيجار الأماكن. تقييدها لنصوص القانون المدني المتعلقة بانتهاء مدة الإيجار. امتداد العقود الخاضعة لتلك التشريعات تلقائياً وبحكم القانون لمدة غير محدودة. خضوعها لأحكام تلك التشريعات وأحكام القانون المدني التي لا تتعارض معها. المدة ركن فيه وإن غدت غير محدودة بامتدادها.
(4) إيجار. "إيجار الأماكن". "امتداد الإيجار".
امتداد عقود إيجار الأماكن الخاضعة للتشريعات الاستثنائية لمدة غير محدودة وفقاً لأحكام هذه التشريعات. عدم توقف هذا الامتداد على توافق إرادة المتعاقدين صراحة أو ضمناً. لا محل في هذا الصدد لإعمال حكم المادتين 563، 599 مدني.
(5) إيجار. "إيجار الأماكن". دعوى. "تقدير قيمة الدعوى". استئناف. الأحكام الجائز استئنافها". حكم. "الأحكام الجائز الطعن فيها".
دعوى تحديد أجرة الأماكن الخاضعة للتشريعات الاستثنائية. غير قابلة لتقدير قيمتها. علة ذلك. جواز استئناف الحكم الصادر فيها.
1- مؤدى نصوص المواد 47، 42، 219/ 1، 223 من قانون المرافعات - أن الأصل أن المحاكم الابتدائية إنما تختص بالحكم في الدعاوى المدنية والتجارية التي تزيد قيمتها على مائتين وخمسين جنيهاً، إلا أن المشرع استثنى من هذا الأصل بعض الدعاوى التي لا تجاوز قيمتها هذا النصاب وخص المحاكم الابتدائية بالحكم فيها وجعل مناط استئناف الأحكام الصادرة من تلك المحاكم هو تجاوز قيمة الدعوى للنصاب الانتهائي فيكون الحكم الذي يصدر من المحكمة الابتدائية في دعوى لا تزيد قيمتها على مائتين وخمسين جنيهاً، غير قابل للاستئناف سواء كان اختصاصها بها بناء على قاعدة الاختصاص الواردة في قانون المرافعات أو بمقتضى قوانين أخرى ما لم ير المشرع الخروج على ذلك بنص خاص.
2 - إذ كانت المادة 40 من القانون رقم 52 لسنة 1969 بشأن إيجار الأماكن تقضي بأن تختص المحكمة الابتدائية بالفصل في المنازعات التي تنشأ عن تطبيقه، ولم يرد به نص يجيز الطعن في الأحكام الصادرة في تلك المنازعات مهما كانت قيمتها، فإن مفاد ذلك أن المشرع جعل الطعن في هذه الأحكام خاضعاً للقواعد العامة المنصوص عليها في قانون المرافعات. ولا يغير من ذلك ما ورد في تقرير اللجنة المشتركة من لجنتي الشئون التشريعية والخدمات بمجلس الأمة من أنها عدلت المادة 40 من مشروع القانون آنف الذكر على نحو يفتح باب الطعن في الأحكام الصادرة من المحاكم الابتدائية في المنازعات الناشئة عن تطبيقه تجنباً لكثير من المتناقضات التي حفلت بها الأحكام بسبب حظر الطعن فيها مع أن فتح باب الطعن من شأنه أن تستقر الأحكام على مبادئ موحدة، ذلك أنه ليس فيما ورد بتقرير اللجنة المذكورة ما يفيد جواز الطعن في الأحكام على إطلاقه أياً كانت قيمة الدعوى، إذ أن تلك اللجنة قد اقتصرت على حذف ما كان ينص عليه مشروع القانون من نهائية الأحكام المذكورة وعدم قابليتها للطعن وقد جاء القانون رقم 52 لسنة 1969 خالياً من نص يبيح الطعن في الأحكام الصادرة في المنازعات الخاضعة لأحكامه أياً كانت قيمتها مما يؤكد أن المشرع قد قصد إلى إخضاع الطعن فيها للقواعد العامة في قانون المرافعات.
3 - إذ كانت التشريعات الخاصة بإيجار الأماكن قد منعت المؤجر من إخراج المستأجر من المكان المؤجر ولو بعد انتهاء مدة الإيجار وسمحت للمستأجر بالبقاء شاغلاً له ما دام موفياً بالتزاماته على النحو الذي فرضه عقد الإيجار وأحكام القانون، فإن هذه التشريعات تكون قد قيدت في شأن إيجار الأماكن الخاضعة لأحكامها نصوص القانون المدني المتعلقة بانتهاء مدة الإيجار وجعلت عقود الإيجار ممتدة تلقائياً وبحكم القانون إلى مدة غير محدودة بالنسبة للمؤجر وللمستأجر على السواء طالما بقيت سارية تلك التشريعات الخاصة التي أملتها اعتبارات النظام العام حماية للمستأجرين وحلاً لأزمة الإسكان إلا إذا رغب المستأجر في ترك المكان المؤجر مراعياً في ذلك مواعيد التنبيه بإخلائه أو أخل بالتزاماته القانونية مما يحق معه للمؤجر أن يتخذ الإجراءات التي رسمها القانون لإنهاء العقد ووضع حد لامتداده لأحد الأسباب التي حددتها تلك التشريعات، على أنه فيما عدا ذلك يبقى العقد مصدر التزامات الطرفين تهيمن عليه أحكام قوانين إيجار الأماكن وما لا يتعارض معها من أحكام القانون المدني، وتظل للعقد طبيعته من حيث كونه من العقود المستمرة المدة ركن من أركانه وإن غدت غير محدودة لامتدادها بحكم القانون بعد انتهاء مدة العقد.
4 - لا محل للقول بأن عقد إيجار الأماكن إذا انتهت مدته يعتبر منعقداً للفترة المعينة لدفع الأجرة استناداً إلى حكم المادة 563 من القانون المدني أو بأنه قد تجدد بشروطه الأولى تجديداً ضمنياً لهذه الفترة إعمالاً لأحكام المادتين 563، 599 من هذا القانون، ذلك لأن المادة 563 المشار إليها خاصة بالحالات التي يكون الإيجار فيها قد عقد دون اتفاق طرفيه عند إبرامه على مدة أو عقد لمدة غير معينة أو تعذر إثبات المدة المدعاة، وهي حالات يكون المتعاقدان قد أغفلا فيها تحديد مدة للعقد أو عرضا للمدة ولكنهما لم يعيناها أو اتفقا على مدة معينة وتعذر على أيهما إثباتها، فتدخل المشرع وفسر إرادتهما بأن حملها على أنهما قد قصدا إلى انعقاد العقد للفترة المعينة لدفع الأجرة، أما حالة انتهاء المدة في العقود الخاضعة لأحكام قوانين إيجار الأماكن، فقد وضع المشرع لها حكماً مغايراً، بأن فرض بنصوصه الآمرة في تلك القوانين امتداد هذه العقود إلى مدة غير محدودة دون حاجة إلى توافق إرادة المتعاقدين على ذلك، مما لا محل معه للاستناد في هذا الخصوص إلى حكم المادة 563 الآنف ذكرها والتي جاءت مفسرة لإرادة المتعاقدين، كما أن المادة 599 من القانون المدني إذ نصت على أنه، إذا انتهى عقد الإيجار وبقى المستأجر منتفعاً بالعين بعلم المؤجر ودون اعتراض منه اعتبر الإيجار قد تجدد بشروطه الأولى ولكن لمدة غير معينة وتسري على الإيجار إذا تجدد على هذا الوجه أحكام المادة 563، ومن ثم يعتبر إيجاراً جديداً منعقداً للفترة المعينة لدفع الأجرة، فإنها تكون قد أفادت أن تجديد العقد إنما يتم في هذه الحالة بتوافق الإرادة الضمنية للطرفين وبذلك لا يسري حكم هذه المادة على عقود الإيجار الخاضعة لأحكام قوانين إيجار الأماكن التي لا يتوقف امتداد مدتها على توافق إرادة الطرفين الصريحة أو الضمنية على النحو السالف بيانه، لما كان ذلك، فإن عقود إيجار الأماكن المشار إليها لا تنتهي بانتهاء مدتها المتفق عليها، بل تمتد تلقائياً إلى مدة غير محدودة امتداداً تنظمه أحكام قوانين إيجار الأماكن وتضع ضوابطه وتحكم آثاره على نحو يغاير أحكام القانون المدني المتعلقة بالإيجار المنعقد لمدة غير معينة "م 563 مدني" أو الإيجار الذي يتجدد بإرادة المتعاقدين الضمنية بعد انتهاء مدته "م 599 مدني".
5 - إذا كانت الدعوى يدور النزاع فيها حول تجديد الأجرة القانونية للعين المؤجرة، وكان الاتفاق على أجرة تجاوز الحد الأقصى المقرر قانوناً يعتبر باطلاً، وكانت المادة 37/ 8 من قانون المرافعات تقضي بأنه إذا كانت الدعوى بطلب صحة أو إبطال عقد مستمر فإن قيمتها تقدر باعتبار مجموع المقابل النقدي عن مدة العقد كلها وكان عقد الإيجار موضوع النزاع - بعد انتهاء مدته - قد امتد تلقائياً إلى مدة غير محدودة طبقاً لأحكام قوانين إيجار الأماكن، فمن ثم يكون المقابل النقدي لهذه المدة غير محدد، وتكون الدعوى غير قابلة لتقدير قيمتها، وبالتالي تعتبر قيمتها زائدة عن مائتين وخمسين جنيهاً طبقاً للمادة 41 من قانون المرافعات ويكون الحكم الصادر فيها جائزاً استئنافه [(1)].


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضدها أقامت على الطاعنين الدعوى رقم 2107 لسنة 1968 مدني كلي القاهرة، وطلبت فيها الحكم بزيادة القيمة الإيجارية للشقتين المبينتين بصحيفة الدعوى وجعلها 27 ج و557 م شهرياً اعتباراً من 1/ 4/ 1963، وقالت بياناً للدعوى إنها أجرت إلى الطاعن الأول الشقتين آنفتى الذكر بموجب عقدي إيجار مؤرخين 30/ 5/ 1961 لمدة سنة لقاء أجرة شهرية قدرها 16 ج و210 م، وأن الطاعن المذكور قام بتأجيرهما من الباطن إلى الطاعن الثاني اعتباراً من 1/ 4/ 1963 فاستحقت بذلك الزيادة المنصوص عليها في المادة 4/ 4 من القانون رقم 121 لسنة 1947 وقدرها 70% من الأجرة المتعاقد عليها، وإذ امتنع الطاعنان عن الوفاء بها، فقد أقامت دعواها بطلباتها المشار إليها. دفع الطاعنان تلك الدعوى بأن الأجرة المتعاقد عليها ليست الأجرة القانونية للعين المؤجرة، بل روعي في تحديدها إضافة مقابل الترخيص للطاعن الأول بتأجيرها من الباطن مفروشة، وبتاريخ 26/ 1/ 1970 قضت المحكمة الابتدائية للمطعون ضدها بطلباتها سالفة الذكر، استأنف الطاعنان هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة وقيد استئنافها برقم 708 سنة 87 ق، وبتاريخ 16/ 1/ 1971 قضت تلك المحكمة بعدم جواز الاستئناف. طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم، وفي الجلسة المحددة لنظر الطعن أصرت النيابة على رأيها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، ويقولان في بيان ذلك إن القانون رقم 121 لسنة 1947 بشأن إيجار الأماكن كان يقضي في المادة 15/ 4 منه بنهائية الأحكام الصادرة من المحاكم الابتدائية بالتطبيق لأحكامه وبعدم جواز الطعن فيها، وقد ألغي هذا القانون بالقانون رقم 52 لسنة 1969 الذي لم يرد به نص مماثل لحكم المادة 15/ 4 المشار إليها، وذلك بهدف فتح باب الطعن في الأحكام الصادرة في المنازعات الناشئة عن تطبيق هذا القانون تحقيقاً لاستقرارها على مبادئ موحدة، مما يفيد إباحة الطعن فيها أياً كانت قيمة النزاع، إذ لو كان المشروع يقصد إلى إخضاع تلك المنازعات للقواعد العامة في قانون المرافعات لما نص على اختصاص المحاكم الابتدائية بالحكم فيها دون اعتداد بقيمتها، هذا إلى أن عقود الإيجار الخاضعة لأحكام قوانين إيجار الأماكن قد أصبحت ممتدة إلى مدة غير محدودة مما يتعذر معه تقدير المقابل للمدة الواردة فيها أو المدة الباقية، وبذلك تكون الدعوى بطلب غير قابل للتقدير فتعتبر قيمتها زائدة على مائتين وخمسين جنيهاً طبقاً للمادة 41 من قانون المرافعات، ومن ثم فإن الحكم الصادر فيها يكون جائزاً استئنافه، وإذ جانب الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه.
وحيث إنه لما كانت المادة 47 من قانون المرافعات تنص على أن "تختص المحكمة الابتدائية بالحكم ابتدائياً في جميع الدعاوى المدنية والتجارية التي ليست من اختصاص محكمة المواد الجزئية ويكون حكمها انتهائياً إذا كانت قيمة الدعوى لا تجاوز مائتين وخمسين جنيهاً" وتنص المادة 42 من ذلك القانون على أنه "تختص محكمة المواد الجزئية بالحكم ابتدائياً في الدعاوى المدنية والتجارية التي لا تجاوز قيمتها مائتين وخمسين جنيهاً" كما تنص الفقرة الأولى من المادة 219 منه على أن للخصوم في غير الأحوال المستثناة بنص في القانون أن يستأنفوا أحكام محاكم الدرجة الأولى الصادرة في اختصاصها الابتدائي" وكانت المادة 223 منه تنص على أنه "تقدر قيمة الدعوى فيما يتعلق بنصاب الاستئناف وفقاً لأحكام المواد من 36 إلى 41" فإن مؤدى هذه النصوص أن الأصل أن المحاكم الابتدائية إنما تختص بالحكم في الدعوى المدنية والتجارية التي تزيد قيمتها على مائتين وخمسين جنيهاً، إلا أن المشرع استثنى من هذا الأصل بعض الدعاوى التي لا تجاوز قيمتها هذا النصاب وخص المحاكم الابتدائية بالحكم فيها، وجعل مناط استئناف الأحكام الصادرة من تلك المحاكم هو تجاوز قيمة الدعوى للنصاب الانتهائي، فيكون الحكم الذي يصدر من المحكمة الابتدائية في دعوى لا تزيد قيمتها على مائتين وخمسين جنيهاً غير قابل للاستئناف، سواء كان اختصاصها بها بناء على قاعدة الاختصاص الواردة في قانون المرافعات أو بمقتضى قوانين أخرى ما لم ير المشرع الخروج على ذلك بنص خاص، ولما كانت المادة 40 من القانون رقم 52 لسنة 1969 بشأن إيجار الأماكن تقضي بأن "تختص المحكمة الابتدائية بالفصل في المنازعات التي تنشأ عن تطبيقه" ولم يرد به نص يجيز الطعن في الأحكام الصادرة في تلك المنازعات مهما كانت قيمتها، فإن مفاد ذلك أن المشرع جعل الطعن في هذه الأحكام خاضعاً للقواعد العامة المنصوص عليها في قانون المرافعات، ولا يغير من ذلك ما ورد في تقرير اللجنة المشتركة من لجنتي الشئون التشريعية والخدمات بمجلس الأمة من أنها عدلت المادة 40 من مشروع القانون آنف الذكر على نحو يفتح باب الطعن في الأحكام الصادرة من المحاكم الابتدائية في المنازعات الإيجارية الناشئة عن تطبيقه تجنباً لكثير من المتناقضات التي حفلت بها الأحكام بسبب حظر الطعن فيها، مع أن فتح باب الطعن من شأنه أن تستقر الأحكام على مبادئ موحدة، ذلك أنه ليس فيما ورد بتقرير اللجنة المذكورة ما يفيد جواز الطعن في الأحكام على إطلاقه أياً كانت قيمة الدعوى، إذ أن تلك اللجنة قد اقتصرت على حذف ما كان ينص عليه مشروع القانون من نهائية الأحكام المشار إليها وعدم قابليتها للطعن، وقد جاء القانون رقم 52 لسنة 1969 خالياً من نص يبيح الطعن في الأحكام الصادرة في المنازعات الخاضعة لأحكامه أياً كانت قيمتها، مما يؤكد أن المشرع قد قصد إلى إخضاع الطعن فيها للقواعد العامة في قانون المرافعات. لما كان ذلك، وكانت التشريعات الخاصة بإيجار الأماكن إذ منعت المؤجر من إخراج المستأجر من المكان المؤجر ولو بعد انتهاء مدة الإيجار وسمحت للمستأجر بالبقاء شاغلاً له ما دام موفياً بالتزاماته على النحو الذي فرضه عقد الإيجار وأحكام القانون، فإن هذه التشريعات تكون قد قيدت في شأن إيجار الأماكن الخاضعة لأحكامهما نصوص القانون المدني المتعلقة بانتهاء مدة الإيجار، وجعلت عقود إيجار تلك الأماكن ممتدة تلقائياً وبحكم القانون إلى مدة غير محدودة بالنسبة للمؤجر والمستأجر على السواء طالما بقيت سارية تلك التشريعات الخاصة التي أملتها اعتبارات النظام العام حماية للمستأجرين وحلاً لأزمة الإسكان، إلا إذا رغب المستأجر في ترك المكان المؤجر مراعياً في ذلك مواعيد التنبيه بالإخلاء أو أخل بالتزاماته القانونية مما يحق معه للمؤجر أن يتخذ الإجراءات التي رسمها القانون لإنهاء العقد ووضع حد لامتداده لأحد الأسباب التي حددتها تلك التشريعات، على أنه فيما عدا ذلك يبقى العقد مصدر التزامات الطرفين، تهيمن عليه أحكام قوانين إيجار الأماكن وما لا يتعارض معها من أحكام القانون المدني، وتظل للعقد طبيعته من حيث كونه من العقود المستمرة. المدة ركن من أركانه وإن غدت غير محدودة لامتدادها بحكم القانون بعد انتهاء مدة العقد، وكان لا محل للقول بأن العقد إذا انتهت مدته يعتبر منعقداً للفترة المعينة لدفع الأجرة استناداً إلى حكم المادة 563 من القانون المدني أو بأنه قد تجدد بشروطه الأولى تجديداً ضمنياً لهذه الفترة إعمالاً لأحكام المادتين 563، 599 من هذا القانون، ذلك لأن المادة 563 المشار إليها خاصة بالحالات التي يكون الإيجار فيها قد عقد دون اتفاق طرفيه عند إبرامه على مدة أو عقد لمدة غير معينة أو تعذر إثبات المدة المدعاة، وهي حالات يكون المتعاقدان قد أغفلا فيها تحديد مدة للعقد أو عرضا للمدة ولكنهما لم يعيناها أو اتفقا على مدة معينة وتعذر على أيهما إثباتها، فتدخل المشرع وفسر إرادتهما بأن حملها على أنهما قد قصدا إلى انعقاد العقد للفترة المعينة لدفع الأجرة، أما حالة انتهاء المدة في العقود الخاضعة لقوانين إيجار الأماكن فقد وضع المشرع لها حكماً مغايراً بأن فرض بنصوصه الآمرة في تلك القوانين امتداد هذه العقود إلى مدة غير محدودة دون حاجة إلى توافق إرادة المتعاقدين على ذلك، مما لا محل معه للاستناد في هذا الخصوص إلى حكم المادة 563 الآنف ذكرها والتي جاءت مفسرة لإرادة المتعاقدين، كما أن المادة 599 من القانون المدني إذ نصت على أنه "إذا انتهى عقد الإيجار وبقى المستأجر منتفعاً بالعين بعلم المؤجر ودون اعتراض منه اعتبر الإيجار قد تجدد بشروطه الأولى ولكن لمدة غير معينة" وتسري على الإيجار إذا تجدد على هذا الوجه أحكام المادة 563، ومن ثم يعتبر إيجاراً جديداً منعقداً للفترة المعينة لدفع الأجرة فإنها تكون قد أفادت أن تجديد العقد إنما يتم في هذه الحالة بتوافق الإرادة الضمنية للطرفين، وبذلك لا يسري حكم هذه المادة على عقود الإيجار الخاضعة لأحكام قوانين إيجار الأماكن التي لا يتوقف امتداد مدتها على توافق إرادة الطرفين صريحة كانت أو ضمنية على النحو السالف بيانه. لما كان ذلك، فإن عقود إيجار الأماكن المشار إليها لا تنتهي بانتهاء مدتها بل تمتد تلقائياً إلى مدة غير محدودة، امتداداً تنظمه أحكام قوانين إيجار الأماكن وتضع ضوابطه وتحكم آثاره على نحو يغاير أحكام القانون المدني المتعلقة بالإيجار المنعقد لمدة غير معينة (م 563 مدني) أو الإيجار الذي يتحدد بإرادة المتعاقدين الضمنية بعد انتهاء مدته (م 599 مدني). لما كان ما تقدم، وكانت الدعوى الحالية يدور النزاع فيها حول تحديد الأجرة القانونية للعين المؤجرة، وكان الاتفاق على أجرة تجاوز الحد الأقصى المقرر قانوناً يعتبر باطلاً، وكانت المادة 37/ 8 من قانون المرافعات تقضي بأنه إذا كانت الدعوى بطلب صحة أو إبطال عقد مستمر فإن قيمتها تقدر باعتبار مجموع المقابل النقدي عن مدة العقد كلها، وكان عقدا الإيجار موضوع النزاع - بعد انتهاء مدتهما قد امتدا تلقائياً إلى مدة غير محدودة طبقاً لأحكام قوانين إيجار الأماكن، فمن ثم يكون المقابل النقدي لهذه المدة غير محدد، وتكون الدعوى غير قابلة لتقدير قيمتها وبالتالي تعتبر قيمتها زائدة عن مائتين وخمسين جنيهاً طبقاً للمادة 41 من قانون المرافعات، ويكون الحكم الصادر فيها جائزاً استئنافه. لما كان ما سلف جميعه، وكان الحكم المطعون فيه لم يلتزم هذا النظر واعتبر أن هذه الدعوى تقدر قيمتها بمجموع الأجرة الواردة بعقدي الإيجار عن المدة التي اعتبر أن الإيجار تجدد إليها ورتب على ذلك قضاءه بعدم جواز الاستئناف لقلة النصاب، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه مما يستوجب نقضه دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.


[(1)] صدر بذات الجلسة الحكم في الطعن رقم 81 لسنة 41 ق متضمناً ذات القواعد الثلاث الأخيرة بشأن دعوى تخفيض أجرة. وقضت باعتبار الدعوى غير مقدرة القيمة.