أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 19 - صـ 1287

جلسة 29 من أكتوبر سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ بطرس زغلول، وعضوية السادة المستشارين: أحمد حسن هيكل، وأمين فتح الله، وإبراهيم الديواني، وعبد العليم الدهشان.

(194)
الطعن رقم 447 لسنة 34 القضائية

( أ ) بيع. "بيع الأملاك الخاصة للدولة". "البيع بالمزاد". "انعقاده". أموال.
بيع أملاك الحكومة الخاصة بالمزاد - ركن القبول فيه. مناطه. رسو المزاد وإيداع مبلغ التأمين مجرد إيجاب من الراسي عليه المزاد.
(ب) حيازة. "حسن النية المقصود في حيازة الحق".
حسن النية المطلوب في حيازة الحق. شروطه. الفقرة الأولى من المادة 965 من التقنين المدني.
1 - مفاد نصوص المواد 8، 17، 18 من لائحة شروط بيع أملاك الميري الحرة الصادرة في 31 من أغسطس سنة 1902 مرتبطة - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - أن بيع أملاك الحكومة الخاصة المطروحة في المزايدة لا يتم ركن القبول فيها إلا بالتصديق على البيع من وزارة المالية ولا يعتبر رسو المزاد وإيداع مبلغ التأمين إلا إيجاباً صادراً من الراسي عليه المزاد [(1)].
2 - مفاد نص الفقرة الأولى من المادة 965 من القانون المدني أنه يشترط لحسن النية أن يجهل الحائز أنه يعتدي على حق الغير ولا يخالجه أي شك في هذا، كما يجب ألا يرتكب خطأً جسيماً في جهله بأنه يعتدي على حق الغير.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أنه بتاريخ 4/ 1/ 1956 أقامت الطاعنة - وزارة الإسكان والمرافق - الدعوى رقم 165 سنة 1956 مدني جزئي الإسماعيلية ضد مورث المطعون عليهم وطلبت الحكم بطرده من العين المبينة بصحيفة الدعوى وتسليمها خالية من كل ما يشغلها وإزالة ما عليها من مبان مع إلزامه بمبلغ 16 ج و830 م قيمة الريع المستحق عن المدة من 1/ 8/ 1950 حتى 31/ 1/ 1956 وما يستجد من الريع بواقع 255 مليماً شهرياً ابتداء من 1/ 2/ 1956 وقالت بياناً لدعواها إنه بتاريخ 1/ 8/ 1950 اعتدى مورث المطعون عليهم على العين المبينة بصحيفة الدعوى وهي من أملاك الحكومة الخاصة وأقام عليها بناء، فقدمت الطاعنة ضده شكوى لإزالة هذا الاعتداء، إلا أنه رفض إزالة المباني القائمة وظل مغتصباً للعين محل النزاع، ثم أقامت الطاعنة دعواها بالطلبات سالفة البيان. تمسك مورث المطعون عليهم بأنه اشترى الأرض محل النزاع من الحكومة، وقدم إيصالاً للتدليل على ذلك، ثم توفى أثناء سير الدعوى، فقضت المحكمة بانقطاع سير الخصومة، وبعد أن استأنفت الدعوى سيرها، دفع المطعون عليهم بعدم اختصاص محكمة الإسماعيلية الجزئية بنظرها فقضت تلك المحكمة بقبول الدفع وبعدم اختصاصها بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة بور سعيد الابتدائية حيث قيدت برقم 102 سنة 1958 مدني كلي. وبتاريخ 20/ 6/ 1960 قضت المحكمة برفض الدعوى استأنفت الطاعنة هذا الحكم وقيد الاستئناف برقم 47 سنة 3 ق استئناف المنصورة (مأمورية بور سعيد) وبتاريخ 12/ 5/ 1964 قضت المحكمة برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم. وبالجلسة المحددة لنظره التزمت رأيها السابق.
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة في الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك تقول إن الحكم الابتدائي الذي أحال الحكم المطعون فيه إلى أسبابه اعتبر رسو مزاد قطعة الأرض محل النزاع على مورث المطعون عليهم بتاريخ 8/ 11/ 1950 بعد أن كانت الطاعنة قد طرحتها للبيع بالمزايدة، وقعودها عن التصديق على البيع حتى رفع الدعوى في 4/ 1/ 1956 - إن ذلك قد جعل المشتري (مورث المطعون عليهم) يطمئن إلى عدم وجود أي مانع من التصديق على العقد. وأضاف الحكم المطعون فيه أن البيع قد تم إذ حصل الإيجاب بطرح الطاعنة الأرض للبيع بالمزاد وتم القبول برسو المزاد على مورث المطعون عليهم ورتب الحكم على كل ذلك أن مورث المطعون عليهم كان حسن النية عند إقامته البناء المطلوب القضاء بإزالته - وقضى برفض الدعوى - هذا في حين أن لائحة بيع أملاك الحكومة الخاصة الصادرة في سنة 1902 تعتبر أن رسو المزاد لا يعد غير إيجاب للعقد لا يتم إلا بقبول وزارة المالية، وذلك بالتصديق على البيع، وقد رسا مزاد قطعة الأرض محل النزاع على مورث المطعون عليهم بالشروط الواردة بهذه اللائحة فلا تترتب له أية حقوق على العقار محل النزاع. وإذ انتهى الحكم إلى أن إقامته المباني كان بحسن نية، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه فساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي صحيح ذلك أن الحكم الابتدائي الذي أحال إليه الحكم المطعون فيه وأخذ بأسبابه اعتبر أن مورث المطعون عليهم كان حسن النية عند إقامته للبناء، استناداً إلى قوله "إن وضع يد (مورث المطعون عليهم) على أرض النزاع كان بسبب رسو مزادها عليه، ولا شك أن سكوت المصلحة (الطاعنة) كل هذه المدة من شأنه أن يجعل المشتري (مورث المطعون عليهم) يطمئن إلى عدم وجود أي مانع من التصديق على البيع ويعتقد بحسن نية أن له الحق في إقامة المباني على الأرض التي رسا مزادها عليه" وأضاف الحكم المطعون فيه قوله "إن عرض مصلحة الأملاك (الطاعنة) هذه الأرض للبيع بالمزاد يعتبر منها إيجاباً بذلك ومتى لاقى هذا الإيجاب قبولاً من الراسي عليه المزاد انعقد العقد لتلاقي الإيجاب بالقبول أما اعتماد وزارة المالية لهذا البيع أو التصديق عليه فهو إجراء إداري لا صلة له بانعقاد العقد الذي استوفى أركانه القانونية" ولما كانت المادة الثامنة من لائحة شروط بيع أملاك الميري الحرة الصادرة في 31 من أغسطس سنة 1902 تنص على "لا يقبل دخول أحد في المزاد إلا بعد إيداعه التأمين البالغ قدره 20% من الثمن الأساسي" وكانت المادة 17 تنص على "تحفظ الحكومة لنفسها الحق المطلق في قبول أو رفض أي عطاء كان بدون أن يكون لمقدمي العطاءات حق في مطالبة الحكومة بشيء ما ولا تكون ملزمة في حالة الرفض إلا برد التأمين مع الفوائد" تنص المادة 18 على "كل بيع يلتزم أن يتصدق عليه من نظارة المالية سواء كان قد حصل بالمزاد أو بواسطة عطاءات داخل مظاريف..... أو بالممارسة" فقد أفادت هذه النصوص مرتبطة - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن بيع أملاك الحكومة الخاصة المطروحة في المزايدة لا يتم ركن القبول فيها إلا بالتصديق على البيع من وزارة المالية ولا يعتبر رسو المزاد وإيداع مبلغ التأمين إلا إيجاباً صادراً من الراسي عليه المزاد وإذ تنص المادة 965/ 1 من القانون المدني على "يعد حسن النية من يحوز الحق وهو يجهل أنه يعتدي على حق الغير، إلا إذا كان هذا الجهل ناشئاً عن خطأ جسيم" فقد أفادت بذلك أنه يشترط لحسن النية أن يجهل الحائز أنه يعتدي على حق الغير ولا يخالجه أي شك في هذا، كما يجب ألا يرتكب خطأً جسيماً في جهله بأنه يعتدي على حق الغير - ولما كان مورث المطعون عليهم قد قبل دخول المزايدة في بيع أموال الدولة الخاصة طبقاً للقواعد الواردة في لائحة بيعها السالفة البيان، فإنه يكون على بينة من أن العقد لا يتم برسو المزاد ولا تنشأ أية حقوق للراسي عليه المزاد على العين المطروحة للبيع بالمزايدة، ما دامت وزارة المالية لم تصدق على البيع، بما ينفي عن مورث المطعون عليهم جهله بأنه يعتدي على حق الغير حين أقام البناء على الأرض موضوع المزايدة - ولما كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى توافر حسن النية لدى مورث المطعون عليهم استناداً إلى ما قرره الحكم الابتدائي من تراخي الطاعنة في رفع الدعوى من سنة 1950 حتى سنة 1956 وأن هذا قد جعل مورث المطعون عليهم يطمئن إلى عدم وجود مانع لدى الطاعنة من التصديق على البيع، كما استند الحكم المطعون فيه إلى أن العقد قد تم بمجرد رسو المزاد على مورث المطعون عليهم، وإذ رتب الحكم على ذلك رفض الدعوى فإنه يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون وبالفساد في الاستدلال بما يستلزم نقضه لهذا السبب، دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.


[(1)] نقض 24/ 2/ 1966 - الطعن 12 لسنة 32 ق مجموعة المكتب الفني 1 س 17 ع 1 ص 450.