أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 24 - صـ 559

جلسة 3 من إبريل سنة 1973

برياسة السيد المستشار/ عباس حلمي عبد الجواد، وعضوية السادة المستشارين: عبد العليم الدهشان، وعدلي بغدادي، ومحمد طايل راشد، ومصطفى الفقي.

(99)
الطعن رقم 93 لسنة 38 القضائية

(1) نقل بحري.
سند الشحن. اعتبار المرسل إليه طرفاً فيه. تكافؤ مركزه - عندما يطالب بتنفيذ عقد النقل - ومركز الشاحن.
(2) بيع. "البيع فوب". نقل بحري.
البيع "فوب". أثره. التزام البائع بالتسليم على ظهر السفينة في ميناء القيام. تحمل المشتري بمخاطر الطريق. التعاقد على نقل البضاعة عبؤه عليه إلا أن ينيب البائع في ذلك بوصفه وكيلاً عنه.
(3)، (4) محكمة الموضوع. "تقدير الدليل". حكم. نقض.
(3) محكمة الموضوع. حقها في رفض طلب إحالة الدعوى إلى التحقيق متى وجدت في أوراقها ما يكفي لتكوين عقيدتها.
(4) استقلال محكمة الموضوع بتقدير الأدلة دون رقابة من محكمة النقض. حسبها أن تقيم قضاءها على أسباب تسوغه.
(5) نقض. "السبب غير المنتج". حكم.
إقامة الحكم على دعامتين مستقلتين. كفاية إحداهما لحمله. النعي عليه في الأخرى. غير منتج.
(6) التزام. "مصادر الالتزام". إثراء بلا سبب.
دعوى الإثراء بلا سبب لا تقوم حيث تقوم بين طرفي الخصومة رابطة عقدية. العقد عندئذ هو مناط تحديد حقوقهما والتزاماتهما.
1 - مؤدى المواد 99، 100، 101 من قانون التجارة البحري - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة [(1)] - أن المشرع يجعل من المرسل إليه طرفاً ذا شأن في سند الشحن، باعتباره صاحب المصلحة في عملية الشحن يتكافأ مركزه - حينما يطالب بتنفيذ عقد النقل - ومركز الشاحن وأنه يرتبط بسند الشحن كما يرتبط به الشاحن ومنذ ارتباط هذا الأخير به.
2 - مفاد بيع البضاعة طبقاً للنظام المعروف في الاصطلاح البحري باسم "فوب" - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة [(2)] - أن يتم تسليم البضاعة في ميناء القيام منذ شحنها على ظهر السفينة، وأن تبرأ من ذلك الوقت ذمة البائع من الالتزام بالتسليم، وتنقل ملكية البضاعة إلى المشتري الذي يلتزم وحده بمخاطر الطريق ويقع على عاتقه عبء التعاقد على نقل البضاعة من ميناء الشحن إلى ميناء الوصول إلا أن ينيب البائع في إبرام هذا التعاقد لمصلحته بوصفه وكيلاً عنه.
3 - من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن إحالة الدعوى إلى التحقيق ليس حقاً للخصوم في كل حال، وإنما هو حق للمحكمة ولها رفض ما يطلبه الخصوم في شأنه إذا وجدت في أوراق الدعوى ما يكفي لتكوين عقيدتها بما يغني عن إجراء التحقيق.
4 - تقدير الأدلة هو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - من مسائل الواقع التي تستقل بها محكمة الموضوع دون ما رقابة عليها من محكمة النقض ما دام قضاؤها قائماً على أسباب تسوغه.
5 - من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه إذ أبني الحكم على دعامتين كل منهما مستقلة عن الأخرى وكان يصح بناء الحكم على إحداها وحدها فإن النعي عليه في الدعامة الأخرى يكون غير منتج.
6 - من المقرر أنه حيث تقوم بين طرفي الخصومة رابطة عقدية، فلا قيام لدعوى الإثراء بلا سبب والذي من تطبيقاته رد غير المستحق بل يكون العقد وحده هو مناط تحديد حقوق كل منهما والتزاماته قبل الآخر، إذ يلزم لقيام هذه الدعوى ألا يكون للإثراء الحادث أو للافتقار المترتب عليه سبب قانوني يبرره.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعنة أقامت الدعوى رقم 16 سنة 1964 تجاري كلي الإسكندرية ضد شركة إسكندرية للتوكيلات الملاحية ومصلحة الجمارك وطلبت الحكم بإلزام أولاهما بأن تدفع لها مبلغ خمسمائة وستين جنيهاً وبأن تقدم الأخرى ما لديها من أوراق متعلقة بالدعوى، وقالت الطاعنة بياناً لدعواها إنها استوردت من الخارج 49 كتلة من الرخام يبلغ حجمها 69 متراً مكعباً و69 من الألف من المتر بموجب سند شحن مؤرخ 12/ 10/ 1963 قدر فيه وزنها بـ 310 طناً، وقد سددت الطاعنة إلى المطعون عليها الأولى أجرة النقل المستحقة عنها على هذا الأساس وقدرها 1870 ج و144 م، وإذ تبين عند الإفراج عنها بميناء الإسكندرية في 26/ 11/ 1963 أن حقيقة وزنها 219 طناً و990 كيلو جراماً فإن المطعون عليها الأولى تكون قد اقتضت بغير حق قيمة أجرة الشحن المستحقة عن الفرق في الوزن بين ما ورد بسند الشحن وبين ما ثبت بشهادة الإفراج وقدرها 560 ج، ولذلك أقامت الطاعنة دعواها بطلباتها آنفة الذكر، وفي 2/ 5/ 1966 قضت المحكمة الابتدائية برفض الدعوى. استأنفت الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم 372 سنة 22 قضائية الإسكندرية. وفي 26/ 12/ 1967 قضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره التزمت النيابة برأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ستة أسباب تنعى الطاعنة بالأول منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، وتقول في بيان ذلك إن الحكم قد اعتبر الطاعنة طرفاً في سند الشحن ترتبط بما ورد به في حين أنها لم تكن طرفاً فيه، إذ أبرمه شاحن البضاعة مع الشركة الناقلة "المطعون عليها الأولى" بوصفه مالكاً للبضاعة حتى وضعها على ظهر السفينة باعتبار أن البيع تم طبقاً لنظام (فوب) وقد تمسكت الطاعنة أمام محكمة الاستئناف بعدم جواز الاحتجاج عليها بسند الشحن، ولكن المحكمة لم ترد على هذا الدفاع مما يعيب حكمها بالخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه لما كانت المادة 99 من قانون التجارة البحري توجب ذكر اسم المرسل إليه في سند الشحن، كما أن المادة 100 من هذا القانون توجب أن يكتب هذا السند من أربع نسخ أصلية موقع عليها من كل من الشاحن والربان وخصت المرسل إليه بإحدى هذه النسخ، ثم جاءت المادة 101 منه مقررة أن سند الشحن المحرر بالكيفية السالف ذكرها - أي في المادتين 99، 100 المشار إليهما يكون معتمداً من جميع المالكين، وهم من عبر عنهم النص الفرنسي لهذه المادة بما معناه "الأطراف ذوو الشأن في الشحن" وكان الربط بين هذه المادة الأخيرة وبين المادتين السابقتين عليها يفيد - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن قانون التجارة البحري يجعل من المرسل إليه طرفاً ذا شأن في سند الشحن باعتباره صاحب المصلحة في عملية الشحن، يتكافأ مركزه - حينما يطالب بتنفيذ عقد النقل - ومركز الشاحن، وأنه يرتبط بسند الشحن كما يرتبط به الشاحن ومنذ ارتباط هذا الأخير به، ولما كان الحكم المطعون فيه قد التزم في قضائه هذا النظر بأن أعمل الأحكام الواردة في سند شحن البضاعة في حق الطاعنة بوصفها طرفاً فيه، وكان لا يغير من ذلك أن يكون بيع البضاعة إلى الطاعنة قد تم طبقاً للنظام العام المعروف في الاصطلاح البحري باسم "فوب" بل إنه على العكس من ذلك ليؤكد صحة ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من نظر ذلك أن مفاد هذا التعاقد - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يتم تسليم البضاعة في ميناء القيام منذ شحنها على ظهر السفينة، وأن تبرأ من ذلك الوقت ذمة البائع من الالتزام بالتسليم وتنتقل ملكية البضاعة إلى المشتري الذي يلتزم وحده بمخاطر الطريق ويقع على عاتقه عبء التعاقد على نقل البضاعة من ميناء الشحن إلى ميناء الوصول إلا أن ينيب البائع في إبرام هذا التعاقد لمصلحته بوصفه وكيلاً عنه. لما كان ما تقدم، فإن النعي على الحكم المطعون فيه بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى على الحكم المطعون فيه بالسببين الرابع والسادس الخطأ في تطبيق القانون والإخلال بحق، الدفاع وفي بيان ذلك تقول إنه على الرغم مما سلم به الحكم من أن حجية سند الشحن ليست مطلقة بل يجوز إثبات عكس ما جاء به بطرق الإثبات كافة - إلا للطاعنة أنه لم يتح الطاعنة فرصة نفي ما ورد بالسند خاصاً بوزن البضاعة مع تمسكها بإحالة الدعوى إلى التحقيق لهذا الغرض، علاوة على أن الحكم قد أهدر الدليل الرسمي المقدم من الطاعنة في هذا الصدد لإثبات دفاعها، وهو إذن الإفراج عن البضاعة الصادر من مصلحة الجمارك قولاً من الحكم بأن ذلك الإذن لا ينقض الدليل المستمد من سند الشحن، وهو ما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون والإخلال بحق الدفاع.
وحيث إن هذا النعي مردود، بأنه لما كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن إحالة الدعوى إلى التحقيق ليس حقاً للخصوم في كل حال، وإنما هو حق للمحكمة، ولها رفض ما يطلبه الخصوم في شأنه إذا وجدت في أوراق الدعوى ما يكفي لتكوين عقيدتها بما يغني عن إجراء التحقيق، وكان تقدير الأدلة هو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - من مسائل الواقع التي تستقل بها محكمة الموضوع دون ما رقابة عليها من محكمة النقض في ذلك ما دام قضاؤها قائماً على أسباب تسوغه، وكان الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إلى أسبابه قد واجه دفاع الطاعنة في هذا الشأن ورد عليه بقوله "إن الثابت من أوراق مصلحة الجمارك أن الرسالة سلمت تحت نظام تسليم صاحبه.... وإذ كان شرط سند الشحن أن يتم التسليم تحت شبكة الباخرة فإن التسليم يكون قد تم إثر تمام التفريغ الحاصل في 31/ 10/ 1963، ومع ذلك فإن الشحنة لم توزن حتى 28/ 11/ 1963. فإن وزنها يكون لاحقاً لاستلامها الشحنة وقد تم الوزن دون أن تحضره أو تدعى إليه الناقلة فلا تحاج به، ولا يكون الوزن الذي تدعيه الطاعنة "عند الصرف مثبتاً لما يناهض الدليل المستمد من سند الشحن" لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أطرح بأسباب سائغة لها أصلها في أوراق الدعوى ما تمسكت به الطاعنة من دلالة إذن الإفراج في نقض الدليل المستمد من سند الشحن، وأخذ بدلالة هذا السند في إثبات حقيقة وزن البضاعة عند شحنها ولم ير به حاجة بعد ذلك إلى إحالة الدعوى إلى التحقيق، وهو ما يدخل في حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع دون ما رقابة عليها من محكمة النقض فيها، ومن ثم يكون النعي على الحكم بهذين السببين غير سديد.
وحيث إن الطاعنة تنعى على الحكم المطعون فيه بالسببين الثاني والثالث الخطأ في تطبيق القانون والإخلال بحق الدفاع، وتقول في بيان ذلك إن الحكم قد أخطأ في تفسير أحكام البندين الثالث والسادس عشر من سند الشحن واستخلص منهما ما لا تؤدي إليه عبارتهما، كما اتخذ من خلو السند من أي تحفظ في شأن وزن البضاعة قرينة تنقض ما يجري به العرف البحري من قيام الناقل بوزن البضاعة وإثبات الوزن بسند الشحن على مسئوليته وهو ما طلبت الطاعنة إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثباته، ولكن المحكمة الاستئنافية لم تلتفت إلى هذا الدفاع ولم تناقشه، مما يعيب حكمها بالخطأ في تطبيق القانون والإخلال بحق الدفاع.
وحيث إن النعي بهذين السببين غير منتج، ذلك أنه لما كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه إذا بني الحكم على دعامتين كل منهما مستقلة عن الأخرى، وكان يصح بناء الحكم على إحداها وحدها، فإن النعي عليه في الدعامة الأخرى يكون غير منتج، وكان الثابت من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن أوضح في أسبابه أن سند الشحن حجة على الطاعنة بجميع ما ورد فيه فتحاج بالوزن الثابت به، أفصح عن أخذه بالرأي القائل بجواز نفي المدون بالسند بطرق الإثبات جميعاً، ثم ناقش ما استندت إليه الطاعنة في نفي ذلك، وخلص إلى عدم الأخذ به على نحو ما سلفت الإشارة إليه في الرد على السببين الرابع والسادس، وكان هذا من الحكم كافياً لحمل قضائه، فإنه يضحى غير ذي أثر ما وجهته الطاعنة إلى الدعامة الأخرى للحكم من مطاعن ويكون النعي على الحكم بهذين السببين في غير محله.
وحيث إن الطاعنة تنعى على الحكم المطعون فيه بالسبب الخامس الخطأ في تطبيق القانون، وتقول في بيان ذلك إنها استندت في طلب استرداد الفرق في أجرة الشحن إلى قواعد الإثراء بلا سبب ورد غير المستحق لا إلى أحكام عقد النقل البحري، ولكن الحكم أطرح أساس دعواها قولاً منه بارتباطها بأحكام سند الشحن، في حين أن ذلك السند بفرض قيامه لا يسري إلا على البيانات الصحيحة المتعاقد عليها دون تلك المشوبة بالغش أو الخطأ المادي، إذ أنها تخرج عن حدود العقد وتحكمها قواعد الإثراء بلا سبب واسترداد ما دفع دون وجه حق، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وأطرح دفاع الطاعنة آنف الذكر، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأخذ بأسبابه أورد في هذا الخصوص قوله... "إن العلاقة فيما بين الشركة الناقلة وبين المرسل إليها يحكمها سند الشحن وحده... ولا يقال إن أساس دعوى المدعية هي قواعد استرداد ما دفع بدون وجه حق وقواعد الإثراء بلا سبب فلا يرجع إلى عقد النقل، لأن الرجوع إلى عقد النقل وأحكامه واجب لتحديد ما إذا كان ما دفع من أجرة النقل كان حقاً للناقلة أم أنها استولت عليه بغير حق، ومن ثم وجب رده" وأضاف الحكم المطعون فيه إلى ذلك ما يلي "إن الأساس القانوني الصحيح الذي تقوم عليه دعوى المستأنفة ليس هو قواعد استرداد ما دفع دون حق أو الإثراء بلا سبب لأن كلاهما يفترض عدم وجود عقد بين الطرفين، والحال هنا أنه يوجد سند شحن ينظم حقوق والتزامات كل من الشاحن والناقل، وبذلك يكون الأساس الصحيح لمطالبة المستأنفة بفارق العربون هو التزام الشاحن أو المرسل بدفع الأجرة، وكان الثابت من هذا النزاع أن الالتزام بالأجرة قد نظمه سند الشحن، ومن ثم يتعين الرجوع إليه للفصل في تحديد الأجرة التي يتعين على المستأنفة دفعها" وهذا الذي قرره الحكم المطعون فيه لا مخالفة فيه للقانون، ذلك أنه من المقرر أنه حيث تقوم بين طرفي الخصومة رابطة عقدية فلا قيام لدعوى الإثراء بلا سبب، والذي من تطبيقاته رد غير المستحق، بل يكون العقد وحده هو مناط تحديد حقوق كل منهما والتزاماته قبل الآخر، إذ يلزم لقيام هذه الدعوى أن يكون للإثراء الحادث أو للافتقار المترتب عليه سبب قانوني يبرره، ولما كان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر فإنه لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ويكون النعي عليه بهذا السبب غير سديد.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.


[(1)] نقض مدني 14/ 4/ 1970 مجموعة المكتب الفني س 21 ص 598.
[(2)] نقض مدني 27/ 12/ 1966 مجموعة المكتب الفني س 17 ص 1971.