أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 24 - صـ 570

جلسة 10 من إبريل سنة 1973

برياسة السيد المستشار/ عباس حلمي عبد الجواد، وعضوية السادة المستشارين: عبد العليم الدهشان، وعدلي بغدادي، ومحمود المصري، وعثمان حسين عبد الله.

(101)
الطعن رقم 79 لسنة 38 القضائية

(1) التزام. "انقضاء الالتزام". "التجديد". بيع. "التزامات المشتري".
تحرير سندات بباقي الثمن لا يعتبر تجديداً للدين ما لم يتفق على غير ذلك أو تظهر نية التجديد بوضوح من الظروف.
(2) إثبات. "القرائن". التزام. "انقضاء الالتزام. الوفاء". بيع. حكم. "التسبيب الكافي".
استخلاص الحكم من عدم وجود السندات بأقساط باقي الثمن بيد البائع وعجزه عن إثبات ضياعها بسبب العدوان الثلاثي قرينة على الوفاء بها. سائغ ولا خطأ فيه.
(3)، (4) أوراق تجارية. "السند الإذني". التزام. "الالتزام الصرفي". بيع.
(3) نشوء التزام جديد. "صرفي" عن السندات الإذنية المحررة بباقي الثمن إلى جانب الالتزام الأصلي. مناطه. أن تكون تلك السندات أوراقاً تجارية.
(4) الأصل في السند أن يكون مدنياً ولو أدرج فيه شرط الإذن. اعتبار السند الإذني ورقة تجارية. مناطه.
(5) إثبات. محكمة الموضوع.
تقدير أقوال الشهود من سلطة محكمة الموضوع.
1 - تحرير سندات بباقي الثمن لا يعتبر طبقاً للمادة 354 من القانون المدني تجديداً للدين ينقضي به الدين الأصلي ويحل محله دين جديد، ما لم يتفق على غير ذلك أو تظهر نية التجديد بوضوح من الظروف.
2 - لما كان الحكم الابتدائي - الذي أيده الحكم المطعون فيه، وأحال إلى أسبابه - قد استخلص من عدم وجود سندات الدين الخاصة بأقساط السنوات 1954 إلى 1956 بيد الدائن وعجزه عن إثبات ضياعها بسبب العدوان الثلاثي قرينة على حصول الوفاء بالدين المذكور ومن ثم انقضائه وبراءة ذمة المطعون عليه منه، وذلك على تقدير من الحكم بأن المتعاقدين إذ حررا السندات قد قصدا بها إنشاء وسيلة لإثبات الباقي من الثمن تحل في ذلك محل عقد البيع، فبعد أن كانت المديونية به ثابتة بالعقد أضحت ثابتة بالسندات، فإن هذا من الحكم سائغ ولا خطأ فيه، ذلك أنه لا يقبل القول بأن عقد البيع يبقى سنداً لإثبات المديونية بالثمن على الرغم من تحرير سندات به، وإلا لأصبح البائع وقد اجتمع له دليلان كتابيان بشأن دين الثمن يصلح كلاهما سنداً للمطالبة به، مما يمكن معه للدائن استيفاء الدين ذاته مرتين وهو أمر غير مقبول، ولا يسوغ عقلاً صرف إرادة المتعاقدين إليه بدون قيام دليل على ذلك من العقد أو من ظروف الحال.
3 - لا محل للقول بأن السندات المحررة بباقي الثمن ينشأ عنها التزام جديد إلى جانب الالتزام الأصلي، ويبقى لكل من الالتزامين كيانه الذاتي بحيث يحق للدائن الرجوع على المدين بدعوى الدين الأصلي مستنداً إلى عقد البيع أو بدعوى الالتزام الجديد "الصرفي" مستنداً إلى السند الإذني، ذلك أن مناط ما تقدم أن يكون السند الإذني ورقة من الأوراق التجارية.
4 - الأصل في السند أن يكون مدنياً ولو كان قد أدرج فيه شرط الإذن، وإنه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - [(1)] لا يعتبر ورقة تجارية إلا إذا كان موقعاً من تاجر أو مترتباً على معاملة تجارية.
5 - تقدير أقوال الشهود مرهون بما يطمئن إليه وجدان قاضي الموضوع ولا سلطان لأحد عليه في ذلك إلا أن يخرج بتلك الأقوال إلى ما لا يؤدي إليه مدلولها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع تتحصل - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أن الطاعن أقام ضد المطعون عليه الدعوى رقم 27 سنة 1960 مدني كلي بور سعيد، وطلب فيها الحكم بإلزامه بأن يؤدي له مبلغ 216 ج و263 م وفوائده وذلك عدا طلبات أخرى، وقال بياناً لدعواه إنه بمقتضى العقد المؤرخ في 15/ 6/ 1946 والمسجل برقم 570 سنة 1946 باعت مصلحة الأموال المشتركة بين الحكومة المصرية وشركة قناة السويس المؤممة إلى المطعون عليه قطعة أرض فضاء بمدينة بور فؤاد بثمن قدره 611 ج و580 م، عجل منه مبلغ 121 ج و580 م، واتفق على أن يسدد الباقي على أقساط سنوية، حررت بها أربعة عشر سنداً لإذن الطاعن يستحق أخرها في 15/ 6/ 1960، وإذ فقدت بعض هذه السندات أثناء العدوان الثلاثي وتخلف المطعون عليه عن سداد مبلغ 216 ج و263 م، فقد أقام عليه الطاعن بصفته دعواه بهذا المبلغ. دفع المطعون عليه الدعوى بأنه وفى بالأقساط المستحقة حتى سنة 1958، وبتاريخ 24/ 12/ 1961 قضت المحكمة بإلزام المطعون عليه بأن يدفع للطاعن مبلغ 86 ج و826 م قيمة قسطي سنة 1959 وسنة 1960 وبإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت كل من الطرفين أن المستندات المثبتة لدفاعه عن السنوات من 1954 إلى 1956 قد فقدت أثناء العدوان الثلاثي ولينفي كل منهما ما كلف الآخر بإثباته، وبتاريخ 4/ 12/ 1966 حكمت المحكمة برفض الدعوى فيما يختص بالمطالبة بأقساط السنوات من 1954 إلى 1958. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 1 سنة 8 ق، وبتاريخ 20/ 12/ 1967 حكمت محكمة استئناف المنصورة بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وبالجلسة المحددة لنظره التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب ينعى الطاعن بالأول منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله، ويقول في بيان ذلك إن المطعون عليه المشتري ملزم بمقتضى عقد البيع بالوفاء بباقي الثمن، وعليه هو إثبات براءة ذمته منه طبقاً لحكم المادة 389 من القانون المدني، ولا يغير من ذلك أن يكون باقي الثمن قد حررت به سندات، إذ أنه لم يقصد بهذه السندات استبدال دين جديد بدين قديم وإنما حررت لتسهيل تحصيل الأقساط، وذلك وفقاً لما نص عليه في عقد البيع، ولأن التجديد - على ما تقضي به المادة 354 من القانون المدني - لا يفترض وبوجه خاص لا يستفاد من كتابة سند بدين موجود من قبل، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر واعتبر أن مصدر التزام المطعون عليه بالدين هو السندات المذكورة ورتب على عجز الطاعن عن إثبات فقدها رفض دعواه دون أن يكلف المطعون عليه بإثبات تخالصه من الدين، فإن الحكم يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أنه وإن كان تحرير سندات بباقي الثمن لا يعتبر طبقاً للمادة 354 من القانون المدني تجديداً للدين ينقضي به الدين الأصلي ويحل محله دين جديد، ما لم يتفق على غير ذلك أو تظهر نية التجديد بوضوح من الظروف، إلا أنه لما كان الحكم الابتدائي - الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إلى أسبابه - قد استخلص من عدم وجود سندات الدين الخاصة بأقساط السنوات 1954 إلى 1956 بيد الدائن وعجزه عن إثبات ضياعها بسبب العدوان الثلاثي قرينة على حصول الوفاء بالدين المذكور، ومن ثم انقضائه وبراءة ذمة المطعون عليه منه، وذلك على تقدير من الحكم بأن المتعاقدين إذ حررا السندات قد قصدا بها إنشاء وسيلة لإثبات الباقي من الثمن تحل في ذلك محل عقد البيع، فبعد أن كانت المديونية به ثابتة بالعقد أضحت ثابتة بالسندات، وهذا من الحكم سائغ ولا خطأ فيه، ذلك أنه لا يقبل القول بأن عقد البيع يبقى سنداً لإثبات المديونية بالثمن على الرغم من تحرير السندات به، وإلا لأصبح البائع وقد اجتمع له دليلان كتابيان بشأن دين الثمن يصلح كلاهما سنداً للمطالبة به، مما يمكن معه للدائن استيفاء الدين ذاته مرتين وهو أمر غير مقبول، ولا يسوغ عقلاً صرف إرادة المتعاقدين إليه بدون قيام دليل على ذلك من العقد أو من ظروف الحال، هذا ولا محل للقول بأن السندات المحررة بباقي الثمن ينشأ عنها التزام جديد إلى جانب الالتزام الأصلي ويبقى لكل من الالتزامين كيانه الذاتي بحيث يحق للدائن الرجوع على المدين بدعوى الدين الأصلي مستنداً إلى عقد البيع، أو بدعوى الالتزام الجديد "الصرفي" مستنداً إلى السند الإذني، ذلك أن مناط ما تقدم أن يكون السند الإذني ورقة من الأوراق التجارية، في حين أن الأصل في السند أن يكون مدنياً ولو كان قد أدرج فيه شرط الإذن، وأنه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يعتبر ورقة تجارية، إلا إذا كان موقعاً من تاجر أو مترتباً على معاملة تجارية، وإذ كان الحكم المطعون فيه لم يثبت أن السندات موضوع الدعوى تعتبر أوراقاً تجارية فإنه لا ينشأ عنها التزام صرفي إلى جانب الالتزام الأصلي، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه لم يخالف النظر المتقدم، فإن النعي عليه بمخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسببين الثاني والثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة الثابت بالأوراق والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقول إن هذا الحكم أسند إلى الحكم الصادر في 24/ 12/ 1961 والذي قضى بالإحالة إلى التحقيق أنه ألقى عبء إثبات فقد السندات المثبتة لأقساط السنوات من 1954 إلى 1956 على عاتق الطاعن، ورتب الحكم الابتدائي على عجز الطاعن عن إثبات فقدها قضاءه برفض الدعوى بشأنها، هذا في حين أن الثابت من حكم الإحالة إلى التحقيق أنه لم يقتصر على إلقاء عبء الإثبات على الطاعن وحده، بل كلف المطعون عليه أيضاً بإثبات فقد المستندات المثبتة لتخالصه من الدين ولو تنبه الحكم المطعون فيه إلى ذلك لجاز أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى، مما يعيب ذلك الحكم بمخالفة الثابت في الأوراق، هذا إلى أن محكمة أول درجة لم تأخذ بأقوال شاهدي الطاعن بشأن فقد السندات المتعلقة بالسنوات المذكورة لعدم اطمئنانها إلى هذه الأقوال، واستندت في ذلك إلى القول بأنه لو صح ادعاء الطاعن لفقدت هذه السندات مع غيرها من السندات الخاصة بباقي الأقساط فقد حررت جميعها في وقت واحد وأودعت خزانة واحدة في حين أن الطاعن قد قرر أمام محكمة أول درجة أن السندات التي استحقت في السنوات من 1954 إلى سنة 1956 أرسلت إلى فرع هيئة قناة السويس ببور سعيد للتحصيل حيث تعرضت لأثر العدوان على هذه المدينة بينما بقيت السندات الأخرى في مقر الهيئة بالإسماعيلية فلم تتعرض للضياع، وبذلك تكون المحكمة المذكورة قد أخطأت في الاستدلال، وقصرت في تحقيق دفاع الطاعن، وإذ جارتها في ذلك محكمة الاستئناف فإن حكمها يكون مشوباً بالفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب ومخالفة الثابت في الأوراق.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن الحكم الصادر في 24/ 12/ 1961 بإحالة الدعوى إلى التحقيق قد أتاح لكل من الطرفين أن يثبت أن المستندات المثبتة لدفاعه قد فقدت أثناء العدوان ولكل منهما نفي ما كلف الآخر بإثباته فأشهد الطاعن شاهدين لم يأخذ الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إلى أسبابه بأقوالهما وأورد في هذا الخصوص ما يأتي: "أنه عن الشق الخاص بفقد سندات 1954، 1955، 1956 فإن الثابت من شهادة الشهود أنهم ذكروا أنها وحدها هي التي فقدت وأن باقي السندات من سنة 1957 موجودة، مما لا يمكن معه الاطمئنان إلى هذه الشهادة إذ لو أن هذه السندات قد فقدت فعلاً في العدوان لفقدت السندات جميعها ما دام أنها قد حررت في وقت واحد وكانت جميعها في الخزينة" ولما كان تقدير أقوال الشهود مرهوناً بما يطمئن إليه وجدان قاضي الموضوع ولا سلطان لأحد عليه في ذلك إلا أن يخرج بتلك الأقوال إلى ما لا يؤدي إليه مدلولها، وكانت محكمة أول درجة لم تخالف ما ورد بأقوال شاهدي الطاعن وانتهت وبأسباب سائغة إلى عدم الاطمئنان إلى كفاية تلك الأقوال لإثبات واقعة فقد السندات خلال عدوان سنة 1956، وكان الحكم المطعون فيه - وعلى ما سبق الرد به على السبب الأول - قد اتخذ من عدم وجود سندات الدين موضوع النزاع بيد الدائن وعجزه عن إثبات ضياعها بسبب العدوان الثلاثي قرينة على الوفاء بالدين وبراءة ذمة المطعون عليه منه، وبذلك لم يعد ثمة ما يلزم المطعون عليه بإثبات هذا التخالص بدليل آخر، وكان هذا الذي أقام عليه الحكم قضاءه سائغاً ومستمداً من أوراق الدعوى وكافياً لحمل قضائه فإنه يكون قد التزم صحيح القانون ولم يخالف الثابت في الأوراق، ولم يشبه قصور في التسبيب أو فساد في الاستدلال، ويكون النعي عليه بهذين السببين على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.


[(1)] نقض مدني 7/ 4/ 1970 مجموعة المكتب الفني السنة 21 ص 576.