أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 24 - صـ 596

جلسة 12 من إبريل سنة 1973

برياسة السيد المستشار/ الدكتور حافظ هريدي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد سيد أحمد حماد، وعلي عبد الرحمن، وعلي صلاح الدين، وأحمد صفاء الدين.

(105)
الطعن رقم 114 لسنة 38 القضائية

(1) إثبات. "طرق الإثبات. الإقرار". محكمة الموضوع.
الإقرار غير القضائي. عدم اشتراط صدوره للمقر له . جواز استخلاصه من أي دليل أو ورقة مقدمة إلى جهة أخرى. خضوعه لتقدير قاضي الموضوع.
(2) دعوى. "إعادة الدعوى إلى المرافعة". محكمة الموضوع. بطلان. حكم.
إعادة الدعوى إلى المرافعة من إطلاقات محكمة الموضوع.
(3) إثبات. "طرق الإثبات. الإقرار". إرث.
الإقرار ليس سبباً لمدلوله. حكمة ظهور ما أقر به المقر لا ثبوته ابتداء. صحته ولو خلى من ذكر سببه. هو حجة على ورثة المقر.
(4) بيع. "دعوى صحة التعاقد" صورية.
دعوى صحة التعاقد. دعوى موضوعية تستلزم أن يكون من شأن البيع نقل الملكية. اتساع نطاقها لبحث كل ما يتعلق بوجود العقد أو انعدامه وبصحته أو بطلانه أو صوريته.
1 - لا يشترط في الإقرار غير القضائي أن يكون صادراً للمقر له، بل يجوز استخلاصه من أي دليل أو ورقة تكون مقدمة إلى جهة أخرى، ما دامت نية المقر وقصده قد اتجها إلى أن يؤخذ بإقراره، وهو ما تستقل محكمة الموضوع بكشفه واستخلاصه، فإذا ثبت لها قيام الإقرار، فإنه يكون خاضعاً لمطلق تقديرها، ويكون لها أن تعتبره دليلاً كاملاً أو مبدأ ثبوت بالكتابة أو مجرد قرينة أو ألا تأخذ به أصلاً.
2 - إعادة الدعوى إلى المرافعة ليس حقاً للخصوم تتحتم إجابتهم إليه بل هو أمر متروك لتقدير محكمة الموضوع. وإذ كان الحكم المطعون فيه لم يجب طلب إعادة الدعوى إلى المرافعة للرد على مذكرة المطعون عليها هذا إلى أنه لم يعول على ما جاء بتلك المذكرة، بل ولم يشر إليها فإن النعي عليه بالبطلان يكون على غير أساس.
3 - الإقرار - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة [(1)] - لا يكون سبباً لمدلوله، إنما هو دليل تقدم الاستحقاق عليه في زمن سابق، فحكمة ظهور ما أقر به المقر لا ثبوته ابتداء، ويكون الإقرار صحيحاً نافذاً ولو كان خالياً من ذكر سببه السابق عليه، ويقوم حجة على ورثة المقر بما حواه.
4 - الدعوى بصحة ونفاذ العقد - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة [(2)] - هي دعوى موضوعية تمتد سلطة المحكمة فيها إلى بحث موضوع العقد ومداه ونفاذه، وهي تستلزم أن يكون من شأن البيع موضوع التعاقد نقل الملكية، وهو ما يقتضي أن يفصل القاضي في أمر صحة البيع، ويتحقق من استيفائه الشروط اللازمة لانعقاده وصحته، ومن ثم فإن تلك الدعوى تتسع لبحث كل ما يثار من أسباب تتعلق بوجود العقد أو انعدامه وبصحته أو بطلانه، ومنها أنه صوري صورية مطلقة، إذ من شأن هذه الصورية لو صحت أن يعتبر العقد ولا وجود له قانوناً، فتحول دون الحكم بصحته ونفاذه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل في أن الطاعنة أقامت الدعوى رقم 376 سنة 1966 مدني كلي بني سويف عن نفسها وبصفتها ضد المطعون عليها طالبة الحكم بإثبات التعاقد الصادر من هذه الأخيرة إلى مورثها ومورث أولادها ببيع ستة قراريط شائعة في كامل أرض وبناء وأدوات ماكينة الطحين الموضحة الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى والعقد لقاء ثمن قدره أربعمائة جنيه والتسليم. طلبت المطعون عليها رفض الدعوى قائلة إن ابنها المشتري طلب منها أن تخصه بجزء من الماكينة دون باقي إخوته واستوقعها على عقد بيع ترك تحديد تاريخه إلى الوقت الذي يراه مناسباً، ولما رأى الطرفان العدول عن هذا التصرف وزعم المشتري فقد العقد، تقدم إلى مكتب الشهر العقاري ووقع إقراراً مصدقاً عليه بتاريخ 19/ 1/ 1961 بأن والدته تمتلك ستة قراريط وأنه يمتلك اثني عشر قيراطاً ويمتلك ابنه القاصر ستة قراريط في الماكينة المذكورة، وظلت الوالدة تباشر حقها كمالكة لهذه الحصة وتقوم بتأجيرها إلى أن توفى ابنها مورث الطاعنة بتاريخ 3/ 5/ 1966 وعمل محضر بحصر تركته أقرت فيه الطاعنة بأحقية والدة مورثها - المطعون عليها - في ملكية ستة قراريط من الماكينة علاوة على نصيبها في الميراث. وبتاريخ 5 يونيو سنة 1967 حكمت المحكمة بعد تحقيق أجرته بصحة ونفاذ عقد البيع الابتدائي الصادر من المطعون عليها، وبوقف الدعوى في الشق الخاص بطلب التسليم حتى تقدم الطاعنة إشهاد الوفاة والوراثة الخاص بمورثها. استأنفت المطعون عليها هذا الحكم لدى محكمة استئناف بني سويف طالبة إلغاءه ورفض دعوى الطاعنة وقيد هذا الاستئناف برقم 89 سنة 5 ق بني سويف وبتاريخ 5 فبراير سنة 1968 حكمت المحكمة بطلبات المستأنفة. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة برأيها وطلبت رفض الطعن.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب تنعى الطاعنة بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب، وفي بيان ذلك تقول إنها تمسكت لدى محكمة الموضوع بأن الإقرار الصادر من مورثها لم يكن صادراً للمطعون عليها بقصد العدول عن عقد البيع وإنما للجهة الإدارية القائمة على ترخيص الماكينة وأنه بذاته لا يصلح سنداً للملكية سواء كان سابقاً على العقد أم لاحقاً له إلا أن الحكم المطعون فيه قد عول في قضائه على ذلك الإقرار دون مناقشة لهذا الدفاع أو الرد عليه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن الحكم المطعون فيه إذ أقام قضاءه على ما استخلصته المحكمة من شهادة شاهدي المطعون عليها التي اطمأنت إليها من أن الإقرار المصدق عليه بالشهر العقاري قد حرر في وقت لاحق على عقد البيع وبقصد العدول عنه وإهدار أثره وأن المطعون عليها ظلت تحصل على غلة القدر المقول ببيعه، وهو ما تأكد بما ورد في محضر حصر التركة من إقرار الطاعنة باعتبارها وصية بملكية المطعون عليها للحصة محل العقد وهي ستة قراريط بخلاف حصتها من الميراث وإقرارها في ذات الوقت بأن أي عقد يخالف ذلك يعتبر لاغياً وأنه لو صح غير هذا لأشير في عقد البيع إلى الإقرار المصدق عليه، وهو استخلاص سائغ يكفي لحمل قضائه، فإنه لا يجدي الطاعنة بعد ذلك قولها إن لها دفاعاً لم تعرض له المحكمة، إذ لا يشترط في الإقرار غير القضائي أن يكون صادراً للمقر له بل يجوز استخلاصه من أي دليل أو ورقة تكون مقدمة إلى جهة أخرى، ما دامت نية المقر وقصده قد اتجهت إلى أن يؤخذ بإقراره، وهو ما تستقل محكمة الموضوع بكشفه واستخلاصه فإذا ثبت لها قيام الإقرار فإنه يكون خاضعاً لمطلق تقديرها ويكون لها أن تعتبره دليلاً كاملاً أو مبدأ ثبوت بالكتابة أو مجرد قرينة أو ألا تأخذ به أصلاً، كما لا يجدي الطاعنة أيضاً قولها إن الإقرار لا يصلح بذاته سنداً للملك، ما دام الحكم المطعون فيه لم يناقض هذه الحقيقة واعتمد في قضائه على ما استخلصه من الأوراق والقرائن في حدود سلطته الموضوعية من أن الإقرار قصد به العدول نهائياً عن عقد البيع الذي تطلب الطاعنة الحكم بصحته ونفاذه.
وحيث إن حاصل السبب الثاني وقوع بطلان في الإجراءات أثر في الحكم وفي بيان ذلك تقول الطاعنة إنها اطلعت - عقب حجز الدعوى للحكم بجلسة 5/ 2/ 1968 - على مذكرة المطعون عليها وبها ما يستأهل الرد عليه فقدمت طلباً لإعادة الدعوى إلى المرافعة إلا أن المحكمة قضت في الدعوى دون التفات إلى هذا الطلب.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن إعادة الدعوى إلى المرافعة ليس حقاً للخصوم تتحتم إجابتهم إليه بل هو أمر متروك لتقدير محكمة الموضوع، هذا إلى أن الحكم المطعون فيه لم يعول على ما جاء بتلك المذكرة بل ولم يشر إليها، ومن ثم فإن النعي بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثالث أن الحكم المطعون فيه خالف القانون من وجوه (أولها) أنه جرى في قضائه على أن الإقرار الصادر من مورث الطاعنة قد أكسب المطعون عليها ملكية العين محل النزاع مع أن الإقرار ليس تصرفاً منشئاً بطبيعته وإنما هو كاشف للسبب الذي يكون قد أكسب المقر له هذا الملك، وقد فات الحكم المطعون فيه أن يستظهر السبب الذي من أجله أقر المقر بملكية المقر لها والسند السابق الذي أراد كشفه بهذا الإقرار، فإن قيل بأن ذلك الإقرار في حد ذاته يعتبر تبرعاً من الابن لوالدته فإنه يحول دون ذلك أنه لم يصدر لها ولم يثبت أنها قبلته و(ثانيها) أنه أقام قضاءه على أن الإقرار يصلح في ذاته سنداً منشئاً للملكية و(ثالثها) أنه لا يدخل في موضوع دعوى صحة ونفاذ العقد أن تتطرق المحكمة إلى واقعة أخرى منفصلة عن العقد وهي الإقرار، لأنها بذلك تكون قد قلبت الدعوى إلى دعوى إثبات ملكية وهو طلب لم يتقدم به أحد من الخصوم ولم تطلبه المطعون عليها ولا دفعت رسومه وكان يتعين على المحكمة أن تحكم في حدود الطلبات أمامها. (ورابعها) أن إقرار الطاعنة عقب وفاة مورثها ليس له ذلك الأثر الذي أسنده له الحكم المطعون فيه، فالإقرار القضائي ليس حجة مطلقة في ذاته وليس قاطعاً بل يستمد قوته من ظروفه وملابساته، والتسليم بحجية هذا الإقرار بلا أسباب هو إخلال وقصور واضح في الحكم، فضلاً عن أنه ليس منتجاً قانوناً على الأقل في حق القصر من أولاد الطاعنة لأن تنازل الوصية عن ملكية القصر له إجراءاته.
وحيث إن هذا النعي مردود في الوجهين الأول والثاني منه بما سبق ذكره في الرد على السبب الأول وما أورده الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص، وبأن الإقرار - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يكون سبباً لمداولة وإنما هو دليل تقدم الاستحقاق عليه في زمن سابق فحكمة ظهور ما أقر به المقر، لا ثبوته ابتداء ويكون الإقرار صحيحاً نافذاً ولو كان خالياً من ذكر سببه السابق عليه، ويقوم حجة على ورثة المقر بما حواه. ومردود في الوجه الثالث بأنه لما كان الحكم المطعون فيه قد اقتصر على القضاء برفض دعوى الطاعنة بطلب صحة العقد ونفاذه، وكانت الدعوى بصحة ونفاذ العقد - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هي دعوى موضوعية تمتد سلطة المحكمة فيها إلى بحث موضوع العقد ومداه ونفاذه، وهي تستلزم أن يكون من شأن البيع موضوع التعاقد نقل الملكية وهو ما يقتضي أن يفصل القاضي في أمر صحة البيع ويتحقق من استيفائه الشروط اللازمة لانعقاده وصحته ومن ثم فإن تلك الدعوى تتسع لبحث كل ما يثار من أسباب تتعلق بوجود العقد أو انعدامه وبصحته أو بطلانه، ومنها أنه صوري صورية مطلقة، إذ من شأن هذه الصورية لو صحت أن يعتبر العقد ولا وجود له قانوناً فتحول دون الحكم بصحته ونفاذه. والنعي مردود أخيراً بأن الحكم المطعون فيه قد اقتصر على استدلاله بهذا الإقرار بين ما أورده من أدلة وقرائن أخرى على الرجوع في العقد وليس في ذلك مساس بحقوق القصر الذين يحتج عليهم بإقرار مورثهم. ولما تقدم يتعين رفض الطعن.


[(1)] نقض 6/ 2/ 1936 مجموعة القواعد في 25 سنة ص 32. بند/ 53.
[(2)] نقض 29/ 4/ 1972 مجموعة المكتب الفني س 23. ص 781.