أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 24 - صـ 616

جلسة 17 من إبريل سنة 1973

برياسة السيد المستشار/ عباس حلمي عبد الجواد، وعضوية السادة المستشارين: عدلي بغدادي، ومحمود المصري، ومحمد طايل راشد، ومصطفى الفقي.

(109)
الطعن رقم 145 لسنة 38 القضائية

(1، 2) إثبات. "عبء الإثبات". نقل بحري. معاهدات. "معاهدة سندات الشحن".
(1) التحفظ الذي يدونه الناقل في سند الشحن تدليلاً على جهله بصحة البيانات المدونة فيه. عدم الاعتداد به إلا إذا وجدت لدى الناقل أسباب جدية للشك في صحة بيانات الشاحن أو لم تكن لديه الوسائل الكافية للتحقق من صحتها. عبء إثبات مبررات التحفظ على الناقل.
(2) اتخاذ الحكم من المستندات المقدمة من الشاحن طواعية دليلاً على أن الناقل لم تكن لديه الوسائل الكافية للتحقق من صحة بيانات سند الشحن. عدم اعتباره نقلاً لعبء الإثبات.
(3) "محكمة الموضوع". "سلطتها في تقدير الدليل". نقل بحري.
التدليل على عدم توافر الرسائل الكافية لدى الناقل للتحقق من صحة وزن البضاعة المشحونة. واقع يدخل في نطاق سلطة محكمة الموضوع.
(4) حكم. "تسبيبه". نقض. "السبب غير المنتج".
إقامة الحكم على دعامتين. كفاية إحداهما لحمل قضائه. النعي عليه في الأخرى. غير منتج.
(5، 6، 7) تعويض. "عناصر الضرر". مسئولية. "مسئولية عقدية". نقل بحري.
(5) مسئولية الناقل قبل الشاحن عن نقل البضاعة المشحونة بحراً وتوصيلها بحالتها إلى ميناء الوصول. مسئولية عقدية. وجوب الوقوف في تقدير التعويض عند حد الضرر الذي كان يمكن توقعه عادة وقت التعاقد. م 221 مدني.
(6) تقدير التعويض عن فقد البضاعة أثناء الرحلة البحرية يكون على أساس القيمة السوقية للبضاعة الفاقدة في ميناء الوصول إذا كانت تزيد عن سعر شرائها.
القيمة السوقية للبضاعة. ماهيتها. عدم الاعتداد في تقدير التعويض بالسعر الجبري الذي فرضته وزارة التموين. علة ذلك.
(7) اعتبار الضرر متوقعاً. مناطه. قيمة البضاعة الفاقدة في السوق الحرة لميناء الوصول. لا يحول دون معرفتها وجود سعر جبري لها في هذا الميناء. إمكان تحديدها بالاستهداء بقيمة البضاعة في ميناء قريب لميناء الوصول به سوق حرة للبضاعة وتماثل ظروفه ميناء الوصول. على الدائن عبء إثبات زيادة السعر في هذا الميناء على سعر الشراء.
1 - أوجبت الفقرة الثالثة من المادة الثالثة من معاهدة سندات الشحن على الناقل استلام البضائع وأخذها في عهدته، وأن يسلم إلى الشاحن بناء على طلبه سند الشحن متضمناً مع بياناته المعتادة بيانات أوردتها في البنود (أ، ب، ج) من تلك الفقرة، ثم نصت على ما يأتي "ومع ذلك فليس الناقل أو الربان أو وكيل الناقل ملزماً بأن يثبت في سندات الشحن أو يدون فيها علامات أو عدداً أو كماً أو وزناً إذا توافر لديه سبب جدي يحمله على الشك في عدم مطابقتها للبضائع المسلمة إليه فعلاً، أو عندما لا تتوافر لديه الوسائل الكافية للتحقق منها" مما مؤداه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة [(1)] - أن مثل هذا التحفظ الذي يدونه الناقل في سند الشحن تدليلاً على جهله بمحتويات البضاعة المسلمة إليه أو بصحة البيانات المدونة عنها بسند الشحن لا يعتد به، ولا يكون له اعتبار في رفع مسئوليته عن فقد البضاعة المسلمة إليه إلا إذا كانت لديه أسباب جدية للشك في صحة بيانات الشاحن أو لم تكن لديه الوسائل الكافية للتحقق من ذلك، ويقع عبء إثبات جدية أسباب هذا الشك أو عدم كفاية وسائل التحقق من صحة هذه البيانات على عاتق الناقل.
2 - إذ كان الحكم المطعون فيه - بعد أن أورد حكم القانون المنطبق على الواقعة - اتخذ من المستندات التي قدمتها الطاعنة طواعية ومن تلقاء نفسها دليلاً على أن الناقل لم تكن لديه الوسائل الكافية للتحقق من صحة البيانات المثبتة بسند الشحن، فإن ادعاء الطاعنة بخطأ الحكم بنقله عبء الإثبات من عاتق المطعون عليها (الناقل) إلى عاتقها هي يكون على غير أساس، إذ لا يعتبر نقلاً لعبء الإثبات إلا تكليف الحكم خصماً بتقديم دليل لصالح خصمه على خلاف ما يجيزه القانون.
3 - اتخاذ الحكم من تقديم الشاحن البضاعة قبيل إبحار السفينة دليلاً على عدم توافر الوسائل الكافية لدى الناقل للتحقق من صحة وزن البضاعة المشحونة، هو أمر واقعي يدخل في نطاق سلطة محكمة الموضوع.
4 - من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أنه إذا بني الحكم على دعامتين كل منهما مستقلة عن الأخرى، وكان يصح بناء الحكم على إحداهما فقط، فإن النعي عليه في الدعامة الأخرى يكون غير منتج.
5 - إذ كانت مسئولية المطعون عليها (الناقلة) قبل الطاعنة (الشاحنة) عن نقل البضاعة المشحونة بحراً وتوصيلها بحالتها إلى ميناء الوصول هي مسئولية عقدية ينظمها عقد النقل، وكانت الطاعنة لم تنع على الحكم المطعون فيه وقوعه في خطأ إذ لم ينسب إلى المطعون عليها ارتكاب غش أو خطأ جسيم في تنفيذ العقد، فإن الحكم لا يكون قد أخطأ فيما قرره من وجوب الوقوف في تقدير التعويض المستحق للطاعنة عند حد الضرر الذي كان يمكن توقعه عادة وقت التعاقد. على ما تقضي به المادة 221 من القانون المدني.
6 - يلتزم الناقل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة [(2)] - في حالة فقد البضاعة أثناء الرحلة البحرية بتعويض صاحبها عما لحقه من خسارة وما فاته من كسب، إلا أن حساب هذا التعويض إنما يكون على أساس القيمة السوقية للبضاعة الفاقدة في ميناء الوصول إذا كانت القيمة السوقية تزيد على سعر شراء البضاعة والمقصود بالقيمة السوقية هو سعرها في السوق الحرة التي تخضع لقواعد العرض والطلب، ومن ثم لا يعتد في تقدير التعويض بالسعر الذي فرضته وزارة التموين لتبيع به البن للتجار المحليين، ذلك لأن الضرر الذي لحقها نتيجة عدم بيعها البن الذي فقد بهذا السعر ليس مما كان يمكن توقعه عادة وقت التعاقد، لأن هذا السعر الجبري هو سعر تحكمي فرضته الوزارة نفسها، ودخلت في تحديده عوامل غريبة عن التعاقد، وقد راعت الوزارة في تحديده أن تجني من ورائه ربحاً كبيراً تعوض به ما تخسره في سبيل توفير مواد التموين الأخرى الضرورية للشعب، هذا علاوة على أن هذا السعر قابل للتغيير في أي وقت لأن تحديده يخضع للظروف الاستثنائية التي دعت إلى فرضه.
7 - يجب لاعتبار الضرر متوقعاً أن يتوقعه الشخص العادي في مثل الظروف الخارجية التي وجد فيها المدين وقت التعاقد، ولا يكفي توقع سبب الضرر فحسب، بل يجب أيضاً توقع مقداره ومداه، وإذ كان لا يمكن للناقل العادي أن يتوقع مقدار الكسب الذي قد يفوت وزارة التموين (الطاعنة) نتيجة فرضها السعر الجبري في حالة فقد البضاعة، لأنه لا يستطيع الإلمام بالأسعار الجبرية التي تفرض في البلاد التي يرسل إليها سفنه وما يطرأ عليها من تغيير، فإنه لا يكون مسئولاً عن فوات هذا الكسب، وإنما يسأل فقط عما فات الطاعنة من كسب بسبب زيادة سعر البضاعة الفاقدة في السوق الحرة في ميناء الوصول على سعر شرائها، ولا يحول دون معرفة ما تساويه البضاعة الفاقدة فعلاً في السوق الحرة في ميناء الوصول وجود سعر جبري للبن في هذا الميناء، إذ في الإمكان تحديد هذه القيمة بالاستهداء بقيمة البضاعة في ميناء قريب لميناء الوصول به سوق حرة للبن، وتماثل ظروفه ميناء الوصول، مع ملاحظة أن الدائن هو الذي يقع عليه عبء إثبات الضرر الذي يدعيه، ومن ثم يجب للقضاء له بالتعويض عما فاته من كسب أن يثبت أن سعر البن في السوق الحرة في ميناء الوصول كان يزيد على سعر شرائه له، وإذ اقتصر الحكم المطعون فيه في تقدير التعويض على ما لحق الطاعنة من خسارة، وأغفل بحث ما يكون قد فاتها من نسب إذ أثبت أن سعر البن في ميناء الوصول كان يزيد على سعر شرائها له، فإنه يكون مخطئاً في القانون ومشوباً بالقصور.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن وزارة التموين - الطاعنة - أقامت ضد الشركة المطعون عليها الدعوى رقم 92 لسنة 1964 تجاري كلي الإسكندرية، وطلبت فيها الحكم بإلزامها بأن تؤدي إليها مبلغ 1527 ج و549 م، وقالت في بيان ذلك إنها استوردت كمية من البن البرازيلي شحنت على السفينة (اسكرا) التابعة للشركة المطعون عليها، وعند تفريغها بميناء الإسكندرية في 21/ 12/ 1963 ظهر بها عجز قدرت الطاعنة قيمته بالمبلغ المشار إليه، وإذ كانت الشركة المطعون عليها بوصفها وكيلة لملاك السفينة الناقلة مسئولة عما لحق البضاعة من عجز، فقد أقامت عليها الطاعنة دعواها بطلباتها آنفة الذكر. دفعت المطعون عليها بعدم مسئوليتها عما يجاوز قيمة العجز في محتويات 85 جوالاً وجدت ممزقة محسوبة بسعر الشراء، إذ جرى العرف البحري على التجاوز عن نسبة 2% من وزن البن مقابل جفافه، وفي 16/ 5/ 1965 قضت المحكمة الابتدائية بإلزام المطعون عليها بأن تؤدي إلى الطاعنة مبلغ 1161.78 دولاراً أمريكياً مقوماً بالعملة المصرية في يوم 21/ 12/ 1963 مضافاً إليه مبلغ 21 ج مصرياً و705 م. استأنفت الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم 296 سنة 21 قضائية الإسكندرية طالبة تعديله إلى المبلغ المقامة به الدعوى. كما استأنفته المطعون عليها بالاستئناف رقم 271 سنة 21 قضائية، وبعد أن ضمت محكمة الاستئناف الاستئنافين قضت برفض أولهما وبتعديل الحكم المستأنف في ثانيهما إلى إلزام المطعون عليها بأن تدفع للطاعنة مبلغ 206.16 دولاراً أمريكياً مقوماً بالعملة المصرية في 21/ 12/ 1963 مضافاً إليه مبلغ 7 جنيهات مصرية و235 م. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم جزئياً في خصوص السبب الثالث وبالجلسة المحددة لنظر الطعن التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والفساد في الاستدلال، وتقول في بيان ذلك إن الحكم أخذ بالتحفظ الوارد في سند الشحن من أن الناقل غير مسئول عن وزن البضاعة، وذلك استناداً من الحكم إلى القول بأن الظروف التي أحاطت بإحضار البضاعة إلى جانب السفينة يوم تحرير سند الشحن وإبحارها في اليوم ذاته تدل على انعدام الوسائل اللازمة للوزن لدى الناقل "في حين أن هذا التحفظ - طبقاً للفقرة الثالثة من المادة الثالثة من معاهدة سندات الشحن - لا يعتد به إلا في حالتين أولاهما أن يكون لدى الناقل أسباب جدية الشك في عدم مطابقة البيانات الثابتة بالسند للبضائع المسلمة إليه فعلاً، والأخرى عندما لا تتوافر لديه الوسائل الكافية للتحقق من صحة هذه البيانات، ويقع عبء إثبات ذلك على عاتق المطعون عليها، وإذ كانت هذه الأخيرة لم تقم بإثبات ذلك، وكان ما استدل به الحكم المطعون فيه من سرعة إبحار السفينة لا يصلح سنداً لإعفاء الناقل من المسئولية عن العجز في وزن البضاعة، طالما أن تحديد موعد الإبحار منوط بإرادته، فإن الحكم يكون بذلك قد قلب عبء الإثبات بأن نقله من كاهل الناقل إلى عاتق الشاحن، مما يعيبه بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والفساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه وإن كانت الفقرة الثالثة من المادة الثالثة من معاهدة سندات الشحن، بعد أن أوجبت على الناقل استلام البضائع وأخذها في عهدته، وأن يسلم إلى الشاحن بناء على طلبه سند الشحن متضمناً مع بياناته المعتادة بيانات أوردتها في البنود أ وب وج من تلك الفقرة، ثم نصت على ما يأتي "ومع ذلك فليس الناقل أو الربان أو وكيل الناقل ملزماً بأن يثبت في سندات الشحن أو يدون فيها علامات أو عدداً أو كماً أو وزناً إذا توافر لديه سبب جدي يحمله على الشك في عدم مطابقتها للبضائع المسلمة إليه فعلاً، أو عندما لا تتوافر لديه الوسائل الكافية للتحقق منها"، مما مؤداه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن مثل هذا التحفظ الذي يدونه الناقل في سند الشحن تدليلاً على جهله بمحتويات البضاعة المسلمة إليه أو بصحة البيانات المدونة عنها بسند الشحن لا يعتد به، ولا يكون له اعتبار في رفع مسئوليته عن فقد البضاعة المسلمة إليه إلا إذا كانت لديه أسباب جدية للشك في صحة بيانات الشاحن، أو لم تكن لديه الوسائل الكافية للتحقق من ذلك، ويقع عبء إثبات جدية أسباب هذا الشك أو عدم كفاية وسائل التحقق من صحة هذه البيانات على عاتق الناقل، إلا أنه لما كان الحكم المطعون فيه قد أورد في هذا الصدد قوله "إنه يبين من الاطلاع على سند الشحن المقدم ضمن حافظة مستندات المستأنف عليه (الطاعنة)" أنه "وإن جاء به أن الوزن القائم لعدد 8000 جوالاً من البن يبلغ 482560 كيلو إلا أنه ورد بعد ذلك تحفظ فيما يتعلق بهذا الوزن مفاده أن البيانات الخاصة بالوزن والمشمول هي بحسب إقرار الشاحنين، وأنه لم يكن متيسراً للناقل التحقق من صحتها، وذلك لأنه كان عليه الإبحار فوراً، وأن الناقل لا يسأل عن الوزن والمشمول وفقاً لإقرار الشاحنين، فهذا التحفظ وإن كان في حد ذاته لا يعتد به ولا يكون له اعتبار في رفع مسئولية الناقل عن فقد البضاعة المسلمة إليه إلا أنه تبعاً للظروف والملابسات التي أحاطت بوزن الشحنة وإحضارها إلى جانب السفينة في بيروت في ذات اليوم الذي تحرر فيه سند الشحن وهو يوم 20 ديسمبر سنة 1963 وهو المستفاد من المستندات المقدمة من جانب المستأنف عليه بملف الدعوى الابتدائية، ومنها شهادة الوزن وشهادة المراجعة الصادرتين في نفس التاريخ من شركة المراجعة والثابت منهما أن كلاً من وزن ال 8000 جوالاً من البن الأخضر البرازيلي، ومعاينة صنف هذا البن قد أجريا في المنطقة الحرة في بيروت بتاريخ 19 ديسمبر سنة 1963 وإبحار السفينة من ميناء بيروت في تاريخ 20 ديسمبر سنة 1963 بدليل وصولها إلى ميناء الإسكندرية في اليوم التالي، فضلاً عن عدم إمكان وزن 8000 جوالاً في ذات اليوم بدليل أن وزن الشحنة في ميناء الإسكندرية استغرق أربعة أيام حسب علوم الوزن المقدمة من المستأنف عليها ضمن حافظة مستنداتها المشار إليها مما يجعل هذا التحفظ ليس من قبيل التحفظ المعروف بالجهل بالوزن، بل يقوم على سند صحيح هو انعدام الوسائل اللازمة لدى الناقل، لأنه كان عليه الإبحار فوراً، ولأنه يقوم على أسباب جدية تدعو إلى الشك في بيان الوزن في سند الشحن حسب إقرار الشاحنين، وذلك بنوع خاص فيما يتعلق بأل 79500 جوالاً التي لا شبهة في تسليمها إلى مخازن البوند وبحالة سليمة" مما مفاده أن الحكم المطعون فيه - بعد أن أورد حكم القانون المنطبق على الواقعة، اتخذ من المستندات التي قدمتها الطاعنة طواعية ومن تلقاء نفسها دليلاً على أن الناقل لم تكن لديه الوسائل الكافية للتحقق من صحة البيانات المثبتة بسند الشحن، فإن ادعاء الطاعنة بخطأ الحكم بنقله عبء الإثبات من عاتق المطعون عليها إلى عاتقها هي يكون على غير أساس، إذ لا يعتبر نقلاً لعبء الإثبات إلا تكليف الحكم خصماً بتقديم دليل لصالح خصمه على خلاف ما يجيزه القانون، وكان اتخاذ الحكم من تقديم الشاحن البضاعة قبيل إبحار السفينة دليلاً على عدم توافر الوسائل الكافية لدى الناقل للتحقق من صحة وزن البضاعة المشحونة هو أمر واقعي يدخل في نطاق سلطة محكمة الموضوع، وكان ما استخلصه الحكم في ذلك سائغاً ولا فساد فيه، لما كان ما تقدم فإن النعي على الحكم المطعون فيه بهذا السبب يكون في غير محله.
وحيث إن الطاعنة تنعى على الحكم المطعون فيه بالسبب الأول القصور في التسبيب، وتقول في بيان ذلك إن الحكم أقام قضاءه في الدعوى على القول بقيام عرف مستقر على التسامح في عجز الطريق في البن في حدود نسبة 2% من وزنه دون أن يبين مصدر هذا العرف، وقد خلت أوراق الدعوى مما يثبت ذلك وهو ما يعيب الحكم المطعون فيه بالقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه إذا بني الحكم على دعامتين كل منهما مستقلة عن الأخرى، وكان يصح بناء الحكم على إحداهما فقط، فإن النعي عليه في الدعامة الأخرى يكون غير منتج، ولما كان الحكم المطعون فيه قد اعتد بالتحفظ الذي دونته الشركة الناقلة في سند الشحن تدليلاً على جهلها بصحة البيانات المدونة فيه عن وزن البضاعة المسلمة إليها، ورتب على ذلك عدم مسئوليتها عن العجز في وزن الأجولة التي وصلت إلى ميناء الإسكندرية بحالة سليمة، وإذ كانت هذه الدعامة كافية لحمل قضاء الحكم على ما سلف الرد به على السبب السابق، فإن النعي على الدعامة الأخرى التي أوردها الحكم - أياً كان وجه الرأي فيها - يكون غير منتج.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله، ذلك أنه أقام قضاءه بتقدير التعويض عن عجز البضاعة على أساس سعر الشراء وليس على أساس سعر البيع، في حين أنه طبقاً لنص المادة 221 من القانون المدني يجب أن يشمل التعويض ما فات المضرور من كسب وما لحقه من خسارة، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد استبعد من عناصر التعويض ما فات الطاعن من ربح، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله.
وحيث إنه لما كان الحكم المطعون فيه قد رد على ما تمسكت به الطاعنة في هذا الصدد بقوله "إنه بالنسبة للاستئناف رقم 296 سنة 21 المقام من وزارة التموين فإن نعى الوزارة فيه على تقدير التعويض على أساس سعر البيع مردود بما جرى به قضاء هذه المحكمة من أن الناقل غير مسئول إلا عن تعويض الضرر المباشر الذي كان يمكن توقعه وقت التعاقد، ولا مراء في أن الناقلة ما كانت تتوقع أن تجرى مسئوليتها على حساب السعر الذي تفرضه الحكومة لبيع هذه السلعة التموينية التي تحتكر استيرادها وتوزيعها بما يعادل ثلاثة أمثال ثمن شرائها، وأن الفرق بين السعرين لم يكن في استطاعة الناقلة توقعه عند التعاقد وتحرير سند الشحن، بل كل ما كانت تتوقعه هو أن تجرى مسئوليتها في الحدود المرسومة بفاتورة الشراء، أي بقيمة ما يهلك من البضاعة وفي حدود تلك القيمة وهي في سند الشحن الثمن طبقاً لفاتورة الشراء، ومن ثم فإن نعي المستأنفة على الحكم المستأنف جرى بعدم التعويل عليه" وكانت المادة 221 من القانون المدني تقضي بأنه "إذا لم يكن التعويض مقدراً في العقد أو بنص في القانون فالقاضي هو الذي يقدره ويشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب بشرط أن يكون هذا نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بالالتزام أو التأخر في الوفاء به، ويعتبر الضرر نتيجة طبيعية إذا لم يكن في استطاعة الدائن أن يتوقاه ببذل جهد معقول ومع ذلك إذا كان الالتزام مصدره العقد فلا يلتزم المدين الذي لم يرتكب غشاً أو خطأ جسيماً إلا بتعويض الضرر الذي كان يمكن توقعه عادة وقت التعاقد" وكانت مسئولية المطعون عليها قبل الطاعنة عن نقل البضاعة المشحونة بحراً وتوصيلها بحالتها إلى ميناء الوصول هي مسئولية عقدية ينظمها عقد النقل، وكانت الطاعنة لم تنع على الحكم المطعون فيه وقوعه في خطأ إذ لم ينسب إلى المطعون عليها ارتكاب غش أو خطأ جسيم في تنفيذ العقد، فإن الحكم لا يكون قد أخطأ فيما قرره من وجوب الوقوف في تقدير التعويض المستحق للطاعنة عند حد الضرر الذي كان يمكن توقعه عادة وقت التعاقد. لما كان ذلك، وكان الناقل وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يلتزم في حالة فقد البضاعة أثناء الرحلة البحرية بتعويض صاحبها عما لحقه من خسارة وما فاته من كسب، إلا أن حساب هذا التعويض إنما يكون على أساس القيمة السوقية للبضاعة الفاقدة في ميناء الوصول إذا كانت القيمة السوقية تزيد على سعر شراء البضاعة، والمقصود بالقيمة السوقية هو سعرها في السوق الحرة التي تخضع لقواعد العرض والطلب، ولا يعتد في تقدير التعويض بالسعر الذي فرضته وزارة التموين لتبيع به البن للتجار المحليين، ذلك لأن الضرر الذي لحقها نتيجة عدم بيعها البن الذي فقد بهذا السعر ليس مما كان يمكن توقعه عادة وقت التعاقد، لأن هذا السعر الجبري هو سعر تحكمي فرضته الوزارة نفسها، ودخلت في تحديده عوامل غريبة عن التعاقد وقد راعت الوزارة في تحديده أن تجني من ورائه ربحاً كبيراً تعوض به ما تخسره في سبيل توفير مواد التموين الأخرى الضرورية للشعب، هذا علاوة على أن هذا السعر قابل للتغيير في أي وقت لأن تحديده يخضع للظروف الاستثنائية التي دعت إلى فرضه، وكان يجب لاعتبار الضرر متوقعاً أن يتوقعه الشخص العادي في مثل الظروف الخارجية التي وجد فيها المدين وقت التعاقد، ولا يكفي توقع سبب الضرر فحسب، بل يجب أيضاً توقع مقداره ومداه، وإذ كان لا يمكن للناقل العادي أن يتوقع مقدار الكسب الذي قد يفوت وزارة التموين نتيجة فرضها السعر الجبري في حالة فقد البضاعة، لأنه لا يستطيع الإلمام بالأسعار الجبرية التي تفرض في البلاد التي يرسل إليها سفنه وما يطرأ عليها من تغيير، فإن الناقل لا يكون مسئولاً عن فوات هذا الكسب، وإنما يسأل فقط عما فات الطاعنة من كسب بسبب زيادة سعر البضاعة الفاقدة في السوق الحرة في ميناء الوصول على سعر شرائها، ولا يحول دون معرفة ما تساويه البضاعة الفاقدة فعلاً في السوق الحرة في ميناء الوصول وجود سعر جبري للبن في هذا الميناء، إذ في الإمكان تحديد هذه القيمة بالاستهداء بقيمة البضاعة في ميناء قريب لميناء الوصول به سوق حرة للبن وتماثل ظروفه ميناء الوصول، مع ملاحظة أن الدائن - الطاعنة - هو الذي يقع عليه عبء إثبات الضرر الذي يدعيه، ومن ثم يجب للقضاء له بالتعويض عما فاته من كسب أن يثبت أن سعر البن في السوق الحرة في ميناء الوصول كان يزيد على سعر شرائه له، وإذ اقتصر الحكم المطعون فيه في تقدير التعويض على ما لحق الطاعنة من خسارة، وأغفل بحث ما يكون قد فاتها من كسب إذ أثبت أن سعر البن في ميناء الوصول كان يزيد على سعر شرائها له، فإنه الحكم يكون مخطئاً في القانون ومشوباً بالقصور في هذا الخصوص بما يستوجب نقضه.


[(1)] نقض مدني 24/ 1/ 1967 - مجموعة المكتب الفني - السنة 18 ص 176.
[(2)] نقض مدني 12/ 9/ 1969 مجموعة المكتب الفني السنة 20 ص 939، نقض مدني 4/ 2/ 1971 مجموعة المكتب الفني السنة 22 ص 172.