أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 24 - صـ 649

جلسة 21 من إبريل سنة 1973

برياسة السيد المستشار/ محمد صادق الرشيدي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: حامد وصفي، وأديب قصبجي، ومحمد فاضل المرجوشي، وحافظ الوكيل.

(115)
الطعن رقم 11 لسنة 37 القضائية

(1) حكم. نقض. "الأحكام غير الجائز الطعن فيها". "عمل".
الأحكام التي تصدر قبل الفصل في الموضوع ولا تنتهي بها الخصومة كلها أو بعضها. عدم جواز الطعن فيها إلا مع الطعن في الحكم الصادر في الموضوع. م 378 مرافعات سابق. مثال بشأن حكم ندب خبير لبحث استحقاق العامل للعمولة.
(2) عقد. "الوعد بالتعاقد". عمل.
انعقاد الوعد بالتعاقد. شرطه. اتفاق الطرفين على جميع المسائل الجوهرية للعقد المراد إبرامه والمدة التي يجب إبرامه فيها. المسائل الجوهرية. المقصود بها. أركان العقد وشروطه الأساسية. مثال في عمل.
(3) عقد. "انتقاص العقد". بطلان. "بطلان العقد".
إبطال العقد في شق منه. شرطه. عدم تعارض هذا الانتقاص مع قصد العاقدين. انتفاء رضاء المتعاقد بإبرام العقد بغير الشق المعيب. أثره. امتداد البطلان إلى العقد بأكمله.
(4) بطلان. عقد. "بطلان العقد".
العقد الباطل بطلاناً مطلقاً والعقد المعدوم. لا محل للتفرقة بينهما. علة ذلك.
(5) تعويض. "الشرط الجزائي". مسئولية. "المسئولية العقدية". إثبات. "عبء الإثبات". عمل.
تحقق الشرط الجزائي يجعل الضرر واقعاً في تقدير المتعاقدين فلا يكلف المضرور بإثباته. إدعاء المسئول بانتفاء الضرر أو بأن تقدير التعويض مبالغ فيه إلى درجة كبيرة. تحمله عبء إثباته.
(6) نقض. "السبب الجديد".
واقع لم يسبق طرحه على محكمة الموضوع. عدم جواز التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض.
1 - متى كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه لم يقطع - في شقه الصادر بندب خبير لتحديد العمولة المستحقة للمطعون ضده على ما قام ببيعه من بضائع - في استحقاق المطعون ضده لتلك العمولة، ولم يرد في أسبابه أو منطوقه ما يوحي بأي رأي للمحكمة في هذا الخصوص، فإنه يكون قضاء صادراً قبل الفصل في الموضوع، ولا يعتبر منهياً للخصومة كلها أو بعضها، وبالتالي لا يجوز الطعن في هذا الشق من الحكم إلا مع الطعن في الحكم الصادر في الموضوع عملاً بالمادة 378 من قانون المرافعات السابق.
2 - يشترط لانعقاد الوعد بالتعاقد طبقاً للمادة 101 من القانون المدني أن يتفق الطرفان على جميع المسائل الجوهرية للعقد المراد إبرامه فضلاً عن المدة التي يجب إبرامه فيها، وذلك حتى يكون السبيل مهيئاً لإبرام العقد النهائي بمجرد ظهور رغبة الموعود له دون حاجة إلى اتفاق على شيء آخر، والمقصود بالمسائل الجوهرية أركان هذا العقد وشروطه الأساسية التي يرى العاقدان الاتفاق عليها، والتي ما كان يتم العقد بدونها. وإذ كان يبين من مطالعة الاتفاق المبرم بين الطرفين أنه لم يفصح أصلاً عن ماهية العقد المراد إبرامه، ولم يكشف عن حقيقة العلاقة القانونية بين الطرفين أو الأركان المميزة لها، ولم يعين صراحة أو دلالة المدة التي يجب فيها إبرام العقد النهائي، وكان لا وجه لما تدعيه الطاعنة من أن الاتفاق ينطوي على عقد عمل غير محدود المدة مع ما ينص عليه الاتفاق صراحة من أن العلاقة بينها وبين المطعون ضده ينظمها في المستقبل عقد جديد، فضلاً عن أنه لم يتضمن باقي العناصر التي تتحقق بها علاقة العمل وهي توافر التبعية، وكون الأعمال محل هذه العلاقة أعمالاً مادية، مما مؤداه تخلف الشرطين الواجب توافرهما لانعقاد الوعد بالتعاقد، فإن النعي على الحكم المطعون فيه بهذا الوجه يكون على غير أساس.
3 - يشترط لإبطال العقد في شق منه بالتطبيق للمادة 143 من القانون المدني مع بقائه قائماً في باقي أجزائه ألا يتعارض هذا الانتقاص مع قصد العاقدين بحيث إذا تبين أن أياً منهما ما كان ليرضى إبرام العقد بغير الشق المعيب، فإن البطلان أو الإبطال لابد أن يمتد إلى العقد كله ولا يقتصر على هذا الشق وحده.
4 - لم ير المشرع - وعلى ما صرحت به المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي للقانون المدني - محلاً للتفريق بين العقد الباطل بطلاناً مطلقاً والعقد المعدوم على أساس أن البطلان المطلق يرجع إلى تخلف ركن من أركان العقد في حكم الواقع أو القانون يحول دون انعقاده أو وجوده ويستتبع اعتبار العقد معدوماً، ولئن كان المشرع قد استبدل عبارة "لا ينعقد" في المادة 101 من القانون المدني بعبارة "لا يكون صحيحاً" في المادة 150 المقابلة لها في المشروع التمهيدي، إلا أن ذلك لم يكن يعدو - وعلى ما جاء في الأعمال التحضيرية لهذا القانون - مجرد تعديل لفظي في صياغة النص لم يقصد منه الخروج عن التقسيم الثنائي للبطلان.
5 - اتفاق الطرفين مقدماً - في عقد العمل - على التعويض الذي يستحقه المطعون ضده إذا تقاعست الطاعنة عن تنفيذ العقد أو ألغته قبل نهاية مدته، فإن تحقق هذا الشرط يجعل الضرر واقعاً في تقدير المتعاقدين، فلا يكلف المطعون ضده بإثباته ويتعين على الطاعنة إذا ادعت أن المطعون ضده لم يلحقه أي ضرر أو أن التقدير مبالغ فيه إلى درجة كبيرة أن تثبت ادعاءها إعمالاً لأحكام الشرط الجزائي.
6 - متى كان وجه النعي يقوم على واقع لم يسبق طرحه على محكمة الموضوع فلا يجوز التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 345 سنة 1965 مدني كلي الجيزة ضد الشركة الطاعنة، وطلب الحكم بإلزامها بأن تدفع له مبلغ 51037 ج و956 م، وقال بياناً لها إنه اتفق مع الطاعنة في 19 مايو سنة 1957 على أن يقوم بتوزيع بعض منتجاتها في الأسواق المحلية لقاء عمولة قدرها 2% من قيمة المبيعات وبحد أدنى قدره 200 ج شهرياً، ثم أسندت إليه الشركة في 17 يوليه سنة 1960 إدارة قسم طباعة الأقمشة الذي أنشأته لقاء عمولة قدرها 2% من قيمة مبيعات الأقمشة المطبوعة وبحد أدنى قدره 150 ج شهرياً علاوة على العمولة السابقة كما عهدت إليه الشركة في يوليه سنة 1961 بتوزيع إنتاجها من التريكو والنايلون لقاء عمولة قدرها 3% من قيمة المبيعات، فإنه بتاريخ 8 يوليه سنة 1963 أبرم مع الشركة عقداً مدته خمس سنوات تنتهي في 14 ديسمبر سنة 1968، جمعت فيه هذه الاتفاقات، وحدد البند الثالث من هذا العقد اختصاصاته بينما نص البند الحادي عشر منه على أن يتقاضى مقابل مجهوداته وتكاليف مكتبه عمولة تتراوح بين 1% و3% حسب الأصناف وبحد أدنى قدره 5400 ج سنوياً، على أن يصرف له هذا المبلغ بواقع 450 ج شهرياً، وأن تجرى المحاسبة بين الطرفين كل ثلاثة شهور، وقال المطعون ضده إنه ظل يباشر عمله على هذا الوضع إلى أن خالف مجلس إدارة الشركة الطاعنة شروط العقد بأن أوقف صرف العمولة المقررة له عن شهر سبتمبر سنة 1964، كما امتنعت الشركة عن تسليمه الاستمارات الخاصة بهذه العمولة، ورفضت أن تصرف له قيمة الرصيد الدائن لحسابه، فلما سجل على الشركة هذه المخالفات في إنذار وجهه إليها بتاريخ 27 أكتوبر سنة 1964 أبدت رغبتها في إنهاء العقد، على أن يحل محله عقد جديد واقترح رئيس مجلس إدارتها شروطاً لهذا العقد أهمها أن تستمر الشركة في الانتفاع بخبرة المطعون ضده، على أن يتقاضى مقابل ذلك مبلغاً ثابتاً قدره 4000 ج في السنة كما تعهدت الشركة باستخدام موزعي وموظفي مكتبه لإعفائه من كافة المصروفات التي كان يتحملها في سبيل تصريف منتجاتها، وعلى هذا الأساس تحرر بينهما في أول نوفمبر سنة 1964 اتفاق مبدئي نص على إنهاء العقد السابق اعتباراً من 31 أكتوبر سنة 1964 والتزمت فيه الشركة بتسوية حساباته ومستحقاته وصرفها إليه في آجال معينة، كما نص هذا الاتفاق على أن العلاقة بين الطرفين ينظمها مستقبلاً عقد جديد يتناول التفصيلات اللازمة ويعمل به بأثر رجعي من أول نوفمبر سنة 1964، غير أن الشركة لم تقم بتنفيذ أي التزام من التزاماتها الواردة في هذا الاتفاق، بل شاءت التحلل منه وتخفيض أتعابه إلى 2000 ج سنوياً فوجه إليها في 13 يناير سنة 1965 إنذاراً ضمنه أنه يعتبر الاتفاق المبدئي مفسوخاً بخطئها، وأن علاقتهما لا تزال يحكمها العقد المؤرخ 8 يوليه سنة 1963، وإذ يستحق قبل الشركة مبلغ 51037 ج و956 م عبارة عن مبلغ 900 ج قيمة الحد الأدنى للعمولة عن شهري نوفمبر وديسمبر سنة 1964، 2315 ج و460 م قيمة العمولة بواقع 2% على البضائع المصدرة حتى أكتوبر سنة 1964، 7525 ج و745 م قيمة العمولة على البضائع الموجودة في 31 أكتوبر سنة 1964، 14323 ج و60 مليم قيمة العمولة على ما قام ببيعه من بضائع تسليم موسم 1965، 4373 جنيه و591 مليم قيمة مكافآت وتعويضات لموظفي وعمال مكتبه، 21600 جنيه قيمة الحد الأدنى للعمولة عن الأربع السنوات الباقية من العقد، فقد انتهى إلى طلب الحكم له به، وبتاريخ 23 ديسمبر سنة 1965 قضت المحكمة الابتدائية بإلزام الطاعنة بأن تؤدي للمطعون ضده مبلغ 5000 جنيه، وقبل الفصل في موضوع ما يستحقه المطعون ضده من عمولة التصدير بندب مكتب خبراء وزارة العدل لأداء المأمورية المبينة بمنطوق الحكم، فاستأنف المطعون ضده هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة وقيد استئنافه برقم 202 سنة 83 ق، كما استأنفته الطاعنة وقيد استئنافها برقم 203 سنة 83 ق، وبعد أن أمرت محكمة الاستئناف بضم الاستئنافين قضت فيهما بتاريخ 19 نوفمبر سنة 1966 (أولاً) بتعديل الحكم المستأنف وإلزام الطاعنة بأن تدفع للمطعون ضده مبلغ 26873 جنيه و591 مليم (ثانياً) وقبل الفصل في موضوع ما يستحقه المطعون ضده من عمولة على ما قام ببيعه من بضائع للتسليم اعتباراً من أول نوفمبر سنة 1964 حتى نهاية موسم صيف سنة 1965 بندب مكتب خبراء وزارة العدل لأداء المأمورية المبينة بمنطوق الحكم. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة رأت فيها عدم جواز الطعن بالنسبة لقضاء الحكم في شقه الثاني بندب خبير، ونقض الحكم في خصوص الوجه الثالث من الشق الأول من السبب ورفض الطعن فيما عدا ذلك، وبالجلسة المحددة لنظره صممت على هذا الرأي.
وحيث إن دفع النيابة العامة بعدم جواز الطعن بالنسبة لقضاء الحكم المطعون فيه في شقه الثاني بندب خبير لتحديد العمولة المستحقة للمطعون ضده على ما قام ببيعه من بضائع تسليم موسم 1965 يقوم على أن هذا القضاء صادر قبل الفصل في الموضوع، ولا يجوز الطعن فيه على استقلال مما يكون معه النعي الوارد في الشق الثاني من السبب الأول من أسباب الطعن والذي ينصب على هذا الشق من قضاء الحكم المطعون فيه غير مقبول.
وحيث إن هذا الدفع صحيح، ذلك أنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه لم يقطع في هذا الشق من قضائه في استحقاق المطعون ضده تلك العمولة، ولم يرد في أسبابه أو منطوقه ما يوحي بأي رأي للمحكمة في هذا الخصوص، ومن ثم فهو قضاء صادر قبل الفصل في الموضوع ولا يعتبر منهياً للخصومة كلها أو بعضها، وبالتالي لا يجوز الطعن في هذا الشق من الحكم إلا مع الطعن في الحكم الصادر في الموضوع عملاً بالمادة 378 من قانون المرافعات السابق، ويكون النعي بالشق الثاني من السبب الأول مما لا يجوز النظر فيه.
وحيث إن الطعن بالنسبة للقضاء القطعي الوارد في الشق الأول من الحكم المطعون فيه قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب تنعى الطاعنة في الوجه الأول من السبب الثاني منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون والبطلان في الإسناد وفي بيان ذلك تقول إن الحكم قضى بإبطال الوعد بالتعاقد الذي تضمنه الاتفاق المؤرخ أول نوفمبر سنة 1964 تأسيساً على أن هذا الوعد لا تتوافر فيه الشروط الواردة في المادة 101 من القانون المدني، لأنه لم يتضمن بيان طبيعة العلاقة القانونية بين الطرفين، وهل هي علاقة عمل أم علاقة وكالة بالعمولة، ولم يحدد حقوق وواجبات كل منهما قبل الآخر، كما لم يعين صراحة أو دلالة المدة التي يجب إبرام العقد النهائي فيها، في حين أن هذه المادة لا تستلزم في الوعد بالتعاقد سوى تعيين جميع المسائل الجوهرية للعقد المراد إبرامه والمدة التي يجب إبرامه فيها ولا تتطلب بيان العلاقة القانونية بين طرفيه، لأن تكييف هذه العلاقة تهيمن عليه المحكمة باعتباره من مسائل القانون، وإذ تضمن الوعد بيان نوع العمل وهو الانتفاع بخبرة المطعون ضده وتاريخ بداية العمل، كما حدد الأتعاب أو الأجر الذي يتقاضاه المطعون ضده مقابل هذا العمل، وكان لا ينال من صحته أنه لم يعين التاريخ الذي يبرم فيه العقد النهائي، لأن إغفال هذا البيان لا يستتبع البطلان، فإنه كان يتعين على المحكمة أن تكيف الوعد بأنه عقد عمل غير محدود المدة. وأن تستخلص من ظروف الدعوى المدة التي يجب فيها إبرام العقد النهائي، وإذ قضى الحكم بإبطال الوعد بالتعاقد فإنه يكون قد أخطأ في القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه يبين من الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إلى أسبابه في هذا الخصوص أنه أقام قضاءه ببطلان الوعد بالتعاقد على أنه "لما كان من المقرر طبقاً لنص المادة 101/ 1 من القانون المدني أن الاتفاق الذي يعد بموجبه كلا المتعاقدين أو أحدهما بإبرام عقد معين في المستقبل لا ينعقد إلا إذا عينت جميع المسائل الجوهرية للعقد المراد إبرامه والمدة التي يجب إبرامه فيها، بمعنى أنه يشترط في الوعد بالتعاقد أو في الاتفاق المبدئي أن يتفق المتعاقدان على أمرين أولهما جميع المسائل الجوهرية للعقد المراد إبرامه، وثانيهما المدة التي يجب إبرام العقد النهائي فيها، وكان الثابت من العقد الابتدائي المحرر بين المدعي (المطعون ضده) والشركة المدعى عليها (الطاعنة) بتاريخ 1/ 11/ 1964 أنه اتفق فيه على أن ينظم العلاقة بينهما مستقبلاً عقد جديد يكون أساسه الانتفاع بخبرة المدعي (المطعون ضده) من جميع الوجوه، وذلك على أساس حد أعلى للأتعاب قدره 4000 ج سنوياً تعطى للمدعي (المطعون ضده) بمعدلات شهرية تتفق ومدى جهوده في تنفيذ التزاماته، دون أن يتضمن هذا الاتفاق طبيعة العلاقة القانونية التي سيحكمها العقد النهائي هل هي علاقة عمل أو علاقة وكالة بالعمولة وحدود واجبات وحقوق كل من الطرفين قبل الآخر فضلاً عن عدم تحديده صراحة أو دلالة المدة التي يجب إبرام ذلك العقد فيها فإنه يكون باطلاً، ولما كان هذا الذي قرره الحكم صحيحاً في القانون، ذلك أنه يشترط لانعقاد الوعد بالتعاقد طبقاً للمادة 101 من القانون المدني أن يتفق الطرفان على جميع المسائل الجوهرية للعقد المراد إبرامه فضلاً عن المدة التي يجب إبرامه فيها، وذلك حتى يكون السبيل مهيأ لإبرام العقد النهائي بمجرد ظهور رغبة الموعود دون حاجة إلى اتفاق على شيء آخر، والمقصود بالمسائل الجوهرية أركان هذا العقد وشروطه الأساسية التي يرى العاقدان الاتفاق عليها، والتي ما كان يتم العقد بدونها، لما كان ذلك، وكان يبين من مطالعة الاتفاق المبرم بين الطرفين أنه لم يفصح أصلاً عن ماهية العقد المراد إبرامه، ولم يكشف عن حقيقة العلاقة القانونية بين الطرفين أو الأركان المميزة لها، ولم يعين صراحة أو دلالة المدة التي يجب فيها إبرام العقد النهائي، وكان لا وجه لما تدعيه الطاعنة من أن الاتفاق ينطوي على عقد عمل غير محدود المدة، مع ما ينص عليه الاتفاق صراحة من أن العلاقة بينها وبين المطعون ضده ينظمها في المستقبل عقد جديد، فضلاً عن أنه لم يتضمن باقي العناصر التي تتحقق بها علاقة العمل وهي توافر التبعية، وكون الأعمال محل هذه العلاقة أعمالاً مادية، وكان مؤدى ذلك هو تخلف الشرطين الواجب توافرهما لانعقاد الوعد بالتعاقد، فإن النعي على الحكم المطعون فيه بهذا الوجه يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل الوجه الثاني من السبب الثاني أن الحكم المطعون فيه مسخ المستندات المقدمة في الدعوى وشابه القصور، وفي بيان ذلك تقول الطاعنة إن الحكم أقام قضاءه بإبطال الاتفاق المؤرخ أول نوفمبر سنة 1964 كله على أن هذا الاتفاق لا يمكن تجزئته إلى اتفاقين أحدهما خاص بإنهاء العقد السابق والآخر بالوعد بالتعاقد، ورتب الحكم على ذلك أن إبطال الوعد يستتبع إبطال الاتفاق كله لأن المطعون ضده ما كان يقبل وضع حد للعقد الأول إلا بشرط تنفيذ الوعد وإبرام العقد الجديد، وبذلك يكون الحكم قد اعتبر العقد الأول معلقاً على شرط واقف هو إبرام العقد الثاني، أو أن الوعد بالتعاقد هو الباعث الجوهري على إنهاء العقد السابق، مع أن الاتفاق قد خلا من بيان هذا الباعث ولم يرد فيه ذلك الشرط صراحة أو دلالة، هذا إلى أن الحكم قد أغفل مناقشة دفاع الشركة المستند إلى أن الظروف الناشئة عن سياسة الدولة في تنظيم التجارة أدت إلى اقتطاع جزء أساسي من أعمال المطعون ضده، مما حمله على عقد ذلك الاتفاق تفادياً لانفساخ العقد الأول أو الالتجاء إلى القضاء لتخفيض أجره.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه يبين من الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إلى أسبابه في هذا الخصوص إنه أقام قضاءه ببطلان الاتفاق المؤرخ أول نوفمبر سنة 1964 كله على أنه "لما كان من المقرر طبقاً لنص المادة 143 من القانون المدني أنه في العقود الملزمة للجانبين إذا كان العقد في شق منه باطلاً أو قابلاً للإبطال فهذا الشق وحده الذي يبطل، إلا إذا تبين أن العقد ما كان ليتم بغير الشق الذي وقع باطلاً أو قابلاً للإبطال فيبطل العقد كله، وهذه القاعدة التي جاءت بتلك المادة هي ما يعبر عنه بإنقاص العقد فالتصرف إن كان بطبيعته قابل للانقسام يزول منه الجزء الباطل ويبقى الجزء الصحيح، كل ذلك ما لم يثبت أن الشق الذي بطل بطلاناً مطلقاً أو نسبياً كان هو الدافع إلى التصرف برمته إذ أنه لا ينفصل عن جملة التعاقد. لما كان ذلك، وكان قول الشركة المدعى عليها (الطاعنة) إن الاتفاق المبدئي المحرر في 1/ 11/ 1964 يتضمن عقدين منفصلين وإن جمعهما محرر واحد لا تسايرها فيه المحكمة، ذلك أن الواضح من ذلك الاتفاق أنه قصد منه تنظيم علاقة الشركة (الطاعنة) بالمدعي (المطعون ضده) في الحاضر والمستقبل معاً فقد أنهى العقد القديم مع استمرار المدعي (المطعون ضده) في العمل لحساب الشركة طبقاً للشروط التي ينظمها العقد الجديد في المستقبل، وذلك اعتباراً من يوم انتهاء العقد السابق، ومن غير المتصور أن يكون إنهاء المدعي (المطعون ضده) للعقد الذي ينظم صلته بالشركة (الطاعنة) حتى 31/ 12/ 1968 مع ما يحققه له ذلك العقد من فوائد حسبما يبين ذلك من بنوده ومن الشهادات المقدمة من المدعي (المطعون ضده) الصادرة من الشركة (الطاعنة) عن أرباحه في فترة تنفيذ ذلك العقد السابقة على الاتفاق الأخير، إلا أن يكون ذلك مرتبطاً بتحرير عقد جديد مع الشركة (الطاعنة) ينظم العلاقة بينهما الأمر الذي تستخلص منه المحكمة أن بنود الاتفاق المحرر بتاريخ 1/ 11/ 1964 إن هي إلا فقرات من كل واحد لا يتجزأ هو ذلك العقد، وأن هذه البنود مرتبطة بعضها ببعض ارتباطاً لا يقبل التجزئة مما يكون معه بطلان الجزء الخاص بتنظيم العلاقة بين الطرفين مستقبلاً وهو جزء رئيسي في ذلك الاتفاق مما يترتب عليه بطلان الاتفاق، وأضاف الحكم المطعون فيه إلى ذلك أنه لولا اتفاق الطرفين على تحرير عقد جديد ينظم علاقتهما مستقبلاً لما وافق المطعون ضده على إنهاء العقد السابق، ولما كان يشترط لإبطال العقد في شق منه بالتطبيق للمادة 143 من القانون المدني مع بقائه قائماً في باقي أجزائه ألا يتعارض هذا الانتقاص مع قصد العاقدين بحيث إذا تبين أن أياً منهما ما كان ليرضى إبرام العقد بغير الشق المعيب، فإن البطلان أو الإبطال لابد أن يمتد إلى العقد كله ولا يقتصر على هذا الشق وحده. لما كان ذلك، وكان الحكم قد استخلص في حدود سلطته الموضوعية من عبارة الاتفاق وأوراق الدعوى وملابساتها وبأسباب سائغة أن الجزء الذي أبطل من الاتفاق لا ينفصل عن جملة التعاقد لأن المطعون ضده ما كان يقبل وقت إبرام ذلك الاتفاق إتمامه بغير هذا الجزء، وكانت محكمة الموضوع غير ملزمة بأن تتعقب كل حجة للخصم وترد عليها استقلالاً متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله، فإن النعي على الحكم بهذا الوجه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إن حاصل السبب الثالث أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك تقول الطاعنة إن الحكم قضى ببطلان الوعد بالتعاقد استناداً إلى المادة 101 من القانون المدني، مع أن هذه المادة لا ترتب البطلان على عدم استيفاء الاتفاق الشروط الواردة فيها وإنما ترتب عدم انعقاده، ولئن كان القانون المدني الجديد قد أخذ في أغلب نصوصه بتقسيم البطلان إلى بطلان مطلق تندمج فيه حالة عدم انعقاد العقد وبطلان نسبي إلا أنه خرج عن هذه القاعدة في خصوص الوعد بالتعاقد بأن أضاف إلى العيوب التي قد تلحقه عيب عدم الانعقاد، ولذلك استبعد المشرع التعبير بالبطلان المستفاد من صياغة المادة 150 من المشروع التمهيدي للقانون عند وضعه المادة 101 من القانون المدني المقابلة لتلك المادة.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن المشرع لم ير - وعلى ما صرحت به المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي للقانون المدني - محلاً للتفريق بين العقد الباطل بطلاناً مطلقاً والعقد المعدوم، على أساس أن البطلان المطلق يرجع إلى تخلف ركن من أركان العقد في حكم الواقع أو القانون يحول دون انعقاده أو وجوده ويستتبع اعتبار العقد معدوماً، ولئن كان المشرع قد استبدل عبارة "لا ينعقد" في المادة 101 من القانون المدني بعبارة "لا يكون صحيحاً" في المادة 150 المقابلة لها في المشروع التمهيدي، إلا أن ذلك لم يكن يعدو - وعلى ما جاء في الأعمال التحضيرية لهذا القانون - مجرد تعديل لفظي في صياغة النص لم يقصد منه الخروج عن التقسيم الثنائي للبطلان. لما كان ذلك، فإن النعي على الحكم المطعون فيه بهذا السبب يكون على غير أساس. وحيث إن حاصل الشق الأول من السبب الأول أن الحكم المطعون فيه لحقه البطلان لتناقضه وإغفاله نصوص العقد من ثلاثة وجوه وفي بيان ذلك تقول الطاعنة (أولاً) إن الحكم قضى بإلزامها بمبلغ 4373 ج و591 م كتعويض ومكافآت لموظفي مكتب المطعون ضده بسبب تصفية أعماله، كما قضى بإلزامها بمبلغ 21600 ج كتعويض للمطعون ضده يوازي الحد الأدنى للعمولة وهو 5400 ج سنوياً عن الأربع السنوات الباقية من العقد، مستنداً في ذلك إلى اعتباره الشرط الوارد في البند السابع عشر من العقد المؤرخ 8 يوليه سنة 1963 شرطاً جزائياً مع أن المبلغ الأخير يشمل تكاليف مكتب المطعون ضده وفقاً للبند الحادي عشر من هذا العقد، وبذلك يكون الحكم قد قضى بالمبلغ الأول على أساس تصفية مكتب المطعون ضده، وقضى بكامل المبلغ الثاني على أساس بقاء هذا المكتب لمدة أربع سنوات مما يعيبه بالتناقض (ثانياً) إن الحكم قد أخطأ حين حمل الطاعنة بكامل تعويضات ومكافآت موظفي مكتب المطعون ضده، في حين أن نشاط هذا المكتب لم يكن وقفاً على أعمال الشركة، إذ نص البند التاسع عشر من العقد على أن يحتفظ المطعون ضده بمكتبه وأعماله خاصة إلى جانب أعمال الشركة التي يقوم بتنفيذها في المواعيد وبالطرق التي يراها ملائمة له، (ثالثاً) إن الحكم وقع في تناقض آخر ذلك أنه بينما قضى بإلزام الطاعنة بمبلغ 21600 ج قيمة العمولة المستحقة للمطعون ضده عن الأربع السنوات الباقية من العقد والتي تبدأ من ديسمبر سنة 1964، عاد وقضى في موضوع آخر من أسبابه بإلزامها بمبلغ 900 جنيه مقابل عمولة المطعون ضده عن شهري نوفمبر وديسمبر سنة 1964، وبذلك يكون الحكم قد قضى للمطعون ضده بالعمولة عن شهر ديسمبر سنة 1964 مرتين.
وحيث إن النعي في وجهه الأول مردود، ذلك أنه لما كان البند السابع عشر من العقد المبرم بين الطرفين في 8 يوليه سنة 1963 ينص على أنه "لما كان العمل المبين في هذا العقد يقتضي من الطرف الثاني (المطعون ضده) استخدام عدد من الموظفين يقومون بالتعهدات الواردة في هذا العقد فإنه في حالة قيام الطرف الأول (الطاعنة) بإلغاء العقد من نفسه قبل نهاية مدته أو عدم تنفيذه يكون الطرف الأول (الطاعنة) مسئولاً عن تحمل جميع المصاريف التي تكبدها الطرف الثاني (المطعون ضده) لهذا الغرض من ماهيات وعمولات وسواها، فضلاً عن تعويضه عن العمولات المقررة التي كان يحق له استحقاقها عن مدة العقد المذكور، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت أن مؤدى هذا النص هو اتفاق الطرفين مقدماً على التعويض الذي يستحقه المطعون ضده إذا تقاعدت الطاعنة عن تنفيذ العقد أو ألغته قبل نهاية مدته، وكان تحقق هذا الشرط يجعل الضرر واقعاً في تقدير المتعاقدين فلا يكلف المطعون ضده بإثباته ويتعين على الطاعنة إذا ادعت أن المطعون ضده لم يلحقه أي ضرر أو أن التقدير مبالغ فيه إلى درجة كبيرة أن تثبت ادعاءها إعمالاً لأحكام الشرط الجزائي. لما كان ذلك، وكان يبين من الأوراق أن الطاعنة لم تدع أمام محكمة الموضوع أن ضرراً لم يلحق المطعون ضده أو أن تقدير التعويض كان مبالغاً فيه إلى درجة كبيرة، وكان نص ذلك البند مقطوع الصلة بنص البند الحادي عشر وغيره من بنود العقد التي تنظم العلاقة بن الطرفين في حالة قيامه، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بالتعويض المتفق عليه على هذا الأساس لا يكون قد أغفل نصوص العقد أو تناقض في قضائه، ويكون النعي عليه بهذا الوجه في غير محله.
وحيث إن النعي في وجهه الثاني غير مقبول، ذلك أنه يقوم على واقع لم يسبق طرحه على محكمة الموضوع فلا يجوز التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض.
وحيث إن النعي في وجهه الأخير صحيح، ذلك أنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه قضى للمطعون ضده بمبلغ 900 ج مقابل عمله خلال شهري نوفمبر وديسمبر سنة 1964 وبنى تقديره لهذا المبلغ على أساس الحد الأدنى للعمولة المقررة للمطعون ضده في عقد 8 يوليه سنة 1963 وقدره 450 ج شهرياً، ثم عاد وقضى له بمبلغ 21600 ج وهو ما يوازي العمولة المستحقة له على هذا الأساس عن الأربع سنوات الباقية من هذا العقد والتي تبدأ من 14 ديسمبر سنة 1964 وبذلك يكون الحكم قد قضى للمطعون ضده بالعمولة عن نصف شهر ديسمبر سنة 1964 مرتين، مما يعيبه ويستوجب نقضه في هذا الخصوص.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه، ولما تقدم يتعين خصم مبلغ 225 ج من المبلغ الذي قضى به الحكم المطعون فيه في شقه الأول وقدره 26873 ج و951 م وجعل المبلغ المحكوم به 26648 ج و591 م.