أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 24 - صـ 711

جلسة 8 من مايو سنة 1973

برياسة السيد المستشار/ عباس حلمي عبد الجواد، وعضوية السادة المستشارين: عدلي بغدادي، ومحمود المصري، ومحمد طايل راشد، وعثمان حسين عبد الله.

(126)
الطعن رقم 408 لسنة 37 القضائية

(1، 2) إيجار. عقد. "عقد إداري". "اختصاص". "اختصاص ولائي". نقض.
(1) إنهاء جهة الإدارة المؤجرة عقد الإيجار الخاضع لأحكام القانون المدني بالإرادة المنفردة عدم اعتباره قراراً إدارياً. علة ذلك. حكم المحكمة الابتدائية بهيئة استئنافية بحماية المستأجر منه. لا مخالفة فيه للقانون في مسألة اختصاص متعلق بولاية المحاكم. الطعن فيه بالنقض. غير جائز.
(2) الترخيص بشغل العقار. وروده على الأموال العامة للدولة أو للشخص الاعتباري العام فحسب. اعتبار العقد إدارياً. شرطه.
1 - إذ كان البين مما أورده الحكم المطعون فيه أنه قد كيف العلاقة بين طرفي هذه الدعوى بأنها علاقة إيجارية من علاقات القانون الخاص التي تخضع لأحكام عقد الإيجار في القانون المدني بصفة عامة، ولم يعتبرها ترخيصاً أو عقداً إدارياً، وأشار إلى أنه لا يغير من هذا النظر وصف المحرر الذي ارتبط به الطرفان بأنه ترخيص، طالما أنه لم يثبت لدى المحكمة من الأوراق التي قدمها إليها الطاعنان أن المسكن مثار النزاع هو من الأموال العامة التي خصصت سواء بالفعل أو بمقتضى قانون أو قرار جمهوري أو قرار وزاري للمنفعة العامة أو أن العقد بذلك المسكن يتصل بتسيير مرفق عام أو يحقق غرضاً من أغراضه. لما كان ذلك، وكان ما قرره الحكم المطعون فيه مستمداً من أوراق الدعوى ولا خطأ فيه قانوناً، فإن الحكم إذ اعتبر القرار الصادر بإنهاء عقد الإيجار المبرم بين المطعون عليه وبين الطاعن الثاني (رئيس مجلس المدينة) بالإرادة المنفردة لهذا الأخير إجراء مخالفاً لأحكام القانون الذي يحمي المستأجر من إنهاء العقد الذي يستأجر بمقتضاه مسكناً بناء على رغبة المؤجر إلا لأسباب محددة ليس من بينها تغيير وظيفة المستأجر، ومن ثم لا يعتبر قراراً إدارياً محصناً من مساس المحاكم العادية به وقفاً أو إلغاء، فإن الحكم المطعون فيه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه في مسألة اختصاص متعلق بولاية المحاكم ويكون الطعن فيه بطريق النقض غير جائز.
2 - من المقرر أن الترخيص يشغل العقار لا يرد إلا على الأموال العامة للدولة أو للشخص الاعتباري العام، وإذ كان يلزم لاعتبار العقد إدارياً أن تكون الدولة أو ما إليها من الأشخاص العامة طرفاً فيه وأن يحتوي على شروط استثنائية غير مألوفة في العقود المدنية التي تنظمها قواعد القانون الخاص علاوة على أن يكون - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - [(1)] متصلاً بمرفق عام اتصالاً يتحقق به معنى المشاركة في تسييره.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه أقام ضد الطاعنين الدعوى رقم 369 سنة 1967 مستعجل جزئي الإسكندرية وطلب فيها الحكم بتمكينه من استلام المسكن الفيلا الكائن بمدينة مرسى مطروح والمبين بصحيفة الدعوى، وقال بياناً لدعواه إنه استأجر ذلك المسكن من الطاعن الثاني بعقد مؤرخ 1/ 4/ 1964، واستمر شاغلاً له حتى فوجئ في 1/ 1/ 1966 باستيلاء هذا الطاعن عليه استناداً إلى أمر صدر منه بإنهاء عقد الإيجار، وإنه لما كان لا سند لهذا الإجراء من القانون، فقد أقام المطعون عليه دعواه بطلباته السابقة. دفع الطاعن الأول بعدم اختصاص المحاكم العادية ولائياً بنظر الدعوى تأسساً على أن العقد المبرم بين الطاعن الثاني وبين المطعون عليه هو عقد إداري يختص القضاء الإداري دون غيره بنظر النزاع القائم بشأنه، وأنه لما كان المطعون عليه يشغل ذلك المسكن بحكم كونه مديراً للشئون الصحية بمحافظة مطروح، وكان قد صدر قرار بنقله منها إلى محافظة الإسكندرية فقد أضحى ملزماً بتسليم هذا المسكن إلى الطاعنين وإلا جاز لهما إخلاؤه بالطريق الإداري إعمالاً لنصوص العقد، وفي 8/ 3/ 1967 قضت المحكمة الجزئية المستعجلة للمطعون عليه بطلباته. استأنف الطاعنان هذا الحكم أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية بالدعوى رقم 614 سنة 1967 مستأنف الإسكندرية، وفي 13/ 5/ 1967 قضت تلك المحكمة بهيئة استئنافية بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وبالجلسة المحددة لنظره التزمت هذا الرأي. وحيث إن الطعن بني على سبب واحد ينعى به الطاعنان على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله في مسألة اختصاص متعلق بولاية المحاكم وذلك من وجهين، أولهما أن الحكم كيف العلاقة التي قامت بين الطرفين بشأن المسكن المشار إليه بأنها علاقة إيجارية مدنية، ورتب على ذلك قضاءه برفض الدفع بعدم اختصاص المحاكم العادية بنظر الدعوى، في حين أن تلك العلاقة ليست إلا ترخيصاً إدارياً بالانتفاع بمال مخصص لخدمة عامة، كما إنه بفرض اعتبارها عقداً فإنه لما كان أحد طرفيه - وهو مجلس المدينة - من أشخاص القانون العام، وكان قد أبرم في شأن يتصل بتسيير مرفق عام، هو الإدارة الصحية بمحافظة مطروح، وكان يتضمن شروطاً غير مألوفة في القانون الخاص، على ما تفصح عنه نصوصه، فإنه يكون بذلك عقداً إدارياً، وإنه سواء كيفت العلاقة بأنها ترخيص أو عقد إداري فهي على الحالين تخرج عن اختصاص القضاء العادي، والوجه الثاني أنه وقد صدر قرار إداري 9/ 6/ 1966 بإخلاء المسكن المرخص به للمطعون عليه فإن طلبه في هذه الدعوى بتمكينه من استلام المسكن إن هو في حقيقته إلا دعوى بإلغاء قرار إداري أو وقف تنفيذه، مما لا يدخل في ولاية المحاكم العادية، وإنما تختص بالفصل فيها المحاكم الإدارية دون سواها، وبذلك كان يتعين على المحكمة المدنية المرفوعة إليها هذه الدعوى أن تقضي بقبول الدفع بعدم اختصاصها ولائياً بنظرها، وإذ لم تفعل ذلك فإنها تكون قد خالفت القانون وأخطأت في تطبيقه في مسألة اختصاص متعلق بولاية المحاكم.
وحيث إنه لما كان الحكم المستأنف قد أقام قضاءه برفض الدفع بعدم الاختصاص الولائي على قوله "إن العبرة في تكييف الاتفاقات ليست بالوصف الذي يخلعه عليها المتعاقدان وإنما العبرة بمضمون الاتفاق وبالقصد المشترك لطرفيه، وقد نص في البند الثاني من العقد موضوع الدعوى على أن يشغل المدعي المطعون عليه المسكن نظير عشرة جنيهات شهرياً مقابل انتفاعه به ومن ثم يكون هذا العقد عقد إيجار ينطبق عليه التعريف الوارد في المادة 558 مدني، وإن عقد الإيجار قد يكون مدنياً وقد يكون إدارياً وليس يكفي لاعتبار العقد إدارياً أن تكون الإدارة طرفاً فيه، أو أن يكون قد حوي شروطاً استثنائية غير مألوفة في مجال القانون الخاص، وإنما يشترط لاعتباره كذلك أن يتصل بمرفق عام سواء بتسييره أو إدارته أو استغلاله أو المعاونة أو المساهمة فيه، وإنه لم ينص في العقد المبرم بين الطرفين على أن المدعي إنما خول له الانتفاع بالمسكن تبعاً لوظيفته، وواضح أن هذا المسكن ليس ملحقاً بمرفق الصحة الذي كان موظفاً فيه، وأن مساكن مجلس المدينة لا يقتصر شغلها على العاملين في الحكومة أو القطاع العام، والعقود المتعلقة بهذه الأماكن لا تتصل بمرفق عام وتسري عليها كافة القواعد الآمرة التي تضمنتها قوانين الإيجارات، وقد نصت المادة الأولى من القرار التفسيري التشريعي رقم 1 سنة 1965 على أنه يسري القانون رقم 46 لسنة 1962 - في شأن تحديد إيجار الأماكن - على المباني المملوكة للحكومة والهيئات والمؤسسات العامة ومجالس المحافظات والمدن التي تؤجرها. ولما تقدم يكون البادي أن العقد المبرم بين الطرفين إنما هو عقد إيجار مدني، ومن ثم يكون الدفع المبدى من المدعى عليه الأول الطاعن الأول في غير محله، ويتعين إعمالاً للأثر القانوني المترتب على هذا العقد إجابة المدعي إلى طلباته" وكان الحكم المطعون فيه الذي أيد هذا الحكم وأحال إلى أسبابه قد أضاف إلى ذلك قوله "إن هذا المسكن ليس مرفقاً عاماً أو ملحقاً بمرفق عام بطريق التبعية أو التخصيص، كما أن مجلس المدينة لم يهدف من العقد تحقيق مصلحة عامة، ذلك أنه وإن كان هدفه من إنشاء تلك المساكن مصلحة عامة كما يذهب في دفاعه إلا أن تلك المصلحة لم تكن هدف التعاقد إذ لا يهدف العقد إلا إلى تحقيق مصلحة خاصة لفرد مقابل مبلغ يتقاضاه مجلس المدينة، ومتى كان ذلك، فإن قضاء الحكم المستأنف لا يكون منطوياً على إلغاء أمر إداري متى كان البادي من الأوراق أن جهة الإدارة قد تعدت السلطة المخولة لها واتخذت إجراء لا يتفق مع القانون مما يهدر الحصانة الممنوحة للأمر الإداري، ويكون ما قام به المستأنفان - الطاعنان - إن هو إلا عمل عدواني يختص القضاء بمحو أثره" وكان يبين من ذلك أن الحكم المطعون فيه قد كيف العلاقة بين طرفي هذه الدعوى بأنها علاقة إيجارية من علاقات القانون الخاص التي تخضع لأحكام عقد الإيجار في القانون المدني بصفة عامة ولم يعتبرها ترخيصاً أو عقداً إدارياً، وأشار إلى أنه لا يغير من هذا النظر وصف المحرر الذي ارتبط به الطرفان بأنه ترخيص، طالما أنه لم يثبت لدى المحكمة من الأوراق التي قدمها إليها الطاعنان أن المسكن مثار النزاع هو من الأموال العامة التي خصصت سواء بالفعل أو بمقتضى قانون أو قرار جمهوري أو قرار وزاري للمنفعة العامة، أو أن العقد المتعلق بذلك المسكن يتصل بتسيير مرفق عام أو يحقق غرضاً من أغراضه. ولما كان من المقرر أن الترخيص بشغل العقار لا يرد إلا على الأموال العامة للدولة أو للشخص الاعتباري العام، وكان يلزم لاعتبار العقد إدارياً أن تكون الدولة أو ما إليها من الأشخاص العامة طرفاً فيه، وأن يحتوي على شروط استثنائية غير مألوفة في العقود المدنية التي تنظمها قواعد القانون الخاص علاوة على أن يكون - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - متصلاً بمرفق عام اتصالاً يتحقق به معنى المشاركة في تسييره. لما كان ذلك، وكان ما قرره الحكم المطعون فيه - مما سلفت الإشارة إليه - مستمداً من أوراق الدعوى ولا خطأ فيه قانوناً، فإن الحكم إذ اعتبر القرار الصادر بإنهاء عقد الإيجار المبرم بين المطعون عليه وبين الطاعن الثاني بالإرادة المنفردة لهذا الأخير، إجراء مخالفاً لأحكام القانون الذي يحمي المستأجر من إنهاء العقد الذي يستأجر بمقتضاه مسكناً بناء على رغبة المؤجر إلا لأسباب محددة ليس من بينها تغيير وظيفة المستأجر، ومن ثم لا يعتبر قراراً إدارياً محصناً من مساس المحاكم العادية به - وقفاً أو إلغاء - فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه في مسألة اختصاص متعلق بولاية المحاكم ويكون الطعن فيه بطريق النقض غير جائز.


[(1)] نقض 16/ 11/ 1971 مجموعة المكتب الفني السنة 22 ص 900. ونقض 28/ 3/ 1967 مجموعة المكتب الفني السنة 18 ص 684.