أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 19 - صـ 1448

جلسة 28 من نوفمبر سنة 1968

برياسة السيد المستشار محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: عبد المنعم الصراف، وسليم راشد أبو زيد، ومحمد سيد أحمد حماد، وعلي عبد الرحمن.

(220)
الطعن رقم 483 لسنة 34 القضائية

( أ ) مسئولية. "مسئولية تقصيرية". "عناصر المسئولية". "الخطأ" "علاقة السببية". حكم. "عيوب التدليل". "قصور. ما لا يعد كذلك".
ثبوت خطأ الإدارة (محافظ الإسكندرية) في عدم إيجاد أشخاص فنيين وأدوات وعقاقير لإسعاف من يشرف على الغرق من المستحمين. يتحقق به معنى الخطأ الموجب للمسئولية باعتباره انحرافاً عن السلوك المألوف الذي يقتضي اتخاذ الاحتياطات اللازمة للمحافظة على سلامة المستحمين ووقايتهم من الغرق وإسعافهم. عدم إسعاف المشرف على الغرق بعد إخراجه من المياه من شأنه أن يؤدي عادة إلى وفاته. استخلاص الحكم توافر علاقة السببية بين الخطأ والوفاة التي ألحقت الضرر بورثته. لا قصور.
(ب) مسئولية. "عناصر المسئولية". "علاقة السببية". إثبات. "قرائن".
قيام المضرور بإثبات الخطأ والضرر وكان من شأن ذلك الخطأ أن يحدث عادة هذا الضرر. توافر القرينة على علاقة السببية بينهما لصالح المضرور. للمسئول نقض هذه القرينة بإثبات أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي لا يد له فيه.
1 - إذا كان البين من الحكم المطعون فيه أنه أثبت الأفعال التي اعتبرها خطأ من جانب الطاعن (محافظ الإسكندرية) وانتهى إلى أن السبب المنتج منها في إحداث الضرر هو خطأ الطاعن المتمثل في عدم إيجاد أشخاص فنبين وأدوات وعقاقير لإسعاف مورث المطعون ضدهم بعد انتشاله من المياه بشاطئ العجمي، وكان الطاعن لم يدع أمام محكمة الموضوع وجود رجال أو أدوات للإسعاف بل دفع مسئوليته بعدم التزامه بتزويد الشاطئ بعمال ومعدات الإنقاذ والإسعاف مما يفيد تسليمه بعدم وجود هؤلاء العمال وتلك المعدات، إذ كان ذلك فإن الحكم لم يكن بحاجة لإقامة دليل آخر على عدم وجودهما، ولما كان هذا الفعل من الطاعن يتحقق فيه معنى الخطأ لأنه يعتبر انحرافاً عن السلوك المألوف الذي يقتضي من المشرفين على شاطئ العجمي المستغلين له اتخاذ الاحتياطات اللازمة للمحافظة على سلامة المستحمين ووقايتهم من الغرق وإسعافهم عندما يشرفون عليه وكان من شأن عدم إسعاف المشرف على الغرق بعد إخراجه من المياه أن يؤدي عادة إلى وفاته فإن الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى توافر علاقة السببية بين خطأ الطاعن ووفاة المورث التي ألحقت الضرر بورثته لا يكون مخالفاً للقانون أو مشوباً بالقصور.
2 - متى أثبت المضرور والخطأ والضرر وكان من شأن ذلك الخطأ أن يحدث عادة هذا الضرر فإن القرينة على توفر علاقة السببية بينهما تقوم لصالح المضرور وللمسئول نقض هذه القرينة بإثبات أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي لا يد له فيه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن ورثة المرحوم عبد الحميد أبو شنيف - المطعون ضدهم - أقاموا الدعوى رقم 1161 سنة 1965 كلي الإسكندرية على محافظ الإسكندرية ورئيس مجلس مدينة العامرية بصفتهما الطاعنين - الطاعنين - وآخرين تنازلوا مخاصمتهم أثناء نظر الدعوى طالبين الحكم بإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا لهم مبلغ 30 ألف جنيه من ذلك 8 آلاف لكل من ولديه والباقي لزوجته وقالوا في بيان دعواهم إنه بينما كان يستحم مورثهم بشاطئ العجمي جرفته الأمواج إلى الداخل فعجز عن المقاومة ولما استغاث أخرجه أحد الأهالي إلى الشاطئ مغشياً عليه ولأنه لا توجد بهذا الشاطئ نقط للإسعاف ولا الأدوية اللازمة فقد نقل إلى مستشفى العامرية حيث وصلها بعد ثلاث ساعات وبعد أن فاضت روحه في الطريق وثبت من تقرير الطبيب الشرعي أنه مات بأسفكسيا الغرق وأنه إذ كانت وفاته نتيجة خطأ الطاعنين المتمثل في عدم اتخاذهما الوسائل والاحتياطات اللازمة للمحافظة على سلامة المستحمين على الرغم من كثرة التيارات والدوامات في مياه هذا الشاطئ فإن الطاعنين يسألان عن تعويض الضرر الذي أصاب المطعون ضدهم بسبب وفاة مورثهم. دفعت الحكومة الدعوى بانتفاء الخطأ من جانبها قائلة إنه لم يكن قد صدر قرار بإنشاء مصيف العجمي في تاريخ الحادث وإنها لم تصرح بالاستحمام في شواطئه وإنها لذلك لم تكن ملزمة بإعدادها للمستحمين وتوفير الوسائل اللازمة لسلامتهم من معدات الإنقاذ والإسعاف وغيرها، وبتاريخ 16/ 6/ 1963 قضت محكمة أول درجة برفض الدعوى، فاستأنف المطعون ضدهم هذا الحكم لدى محكمة استئناف الإسكندرية بالاستئناف رقم 565 سنة 19 ق طالبين إلغاءه والقضاء لهم بطلباتهم الابتدائية. وبتاريخ 18 مايو سنة 1964 قضت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وبإلزام المستأنف عليهما - الطاعنين - متضامنين بأن يدفعا للمستأنفين - المطعون ضدهم - مثالثة بينهم تسعة آلاف جنيه على سبيل التعويض. فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض بتقرير تاريخه 18 يوليو سنة 1964 وقدم المطعون ضدهم مذكرة طلبوا فيها الحكم أصلياً ببطلان الطعن واحتياطياً رفضه وقدمت النيابة العامة مذكرتين طلبت في الأولى الحكم أصلياً ببطلانه واحتياطياً رفضه وأبدت في الثانية الرأي برفض الطعن وصممت على هذا الرأي الأخير بالجلسة المحددة لنظر الطعن.
وحيث إن مبنى الدفع بالبطلان المقدم من المطعون ضدهم أن الطاعنين رغم علمهم ببلوغ فرات عبد الحميد أبو شنيف - إحدى المطعون ضدهم - سن الرشد وبرفع الوصاية عنها في 2/ 6/ 1964 فإنهما وجها إليها الطعن في شخص والدتها بوصفها وصية عليها ولم يختصماها شخصياً ولم يعلناها في الميعاد القانوني مما يجعل الطعن باطلاً بالنسبة لها وبالنسبة لباقي المطعون ضدهم أيضاً لعدم قابلية النزاع للتجزئة لأنه يدور حول ثبوت خطأ الطاعنين أو انتفائه.
وحيث إن هذا الدفع في غير محله ذلك أن المادة الثانية من القانون رقم 4 سنة 1967 بتعديل أحكام القانون رقم 43 سنة 1965 قد أجازت للطاعن استكمال ما لم يتم من الإجراءات التي يقتضيها تطبيق نص الفقرة الثانية من المادة 3 من القانون رقم 43 سنة 1965 وتصحيح ما لم يصح منها خلال خمسة عشر يوماً تبدأ من 11 مايو سنة 1967 تاريخ نشره. وإذ كان الطاعنان قد قاما بعد صدور القانون رقم 4 سنة 1967. بإعلان الطعن إعلاناً صحيحاً إلى فرات عبد الحميد أبو شنيف بصفتها الشخصية في يوم 17 مايو سنة 1967 فإن الدفع يكون على غير أساس متعيناً الرفض.
وحيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن بني على ثلاثة أسباب يتحصل أولها في أن الحكم المطعون فيه شابه القصور وخالف القانون فيما أسنده إلى الطاعنين من خطأ يتمثل في التقصير في إسعاف مورث المطعون ضدهم بعد إخراجه من البحر وفي بيان ذلك يقول الطاعنان إن ركن الخطأ في دعوى المسئولية التقصيرية لا يتوافر في حقهما إلا إذا أثبت الحكم أن وحدة الإسعاف بشاطئ العجمي قد قصرت في إجراء الإسعافات الأولية التي تقوم بها في العادة وحدة وسطى من الوحدات الأخرى المماثلة لها في ذات ظروف المكان والزمان المحيطة بها. وهذا يقتضي أن يثبت الحكم أن وحدة الإسعاف في شاطئ العجمي قد امتنعت عن القيام بهذه الإسعافات أو قامت بها بطريقة معيبة تتعارض مع المألوف من سلوك الشخص المعتاد في الظروف العامة المتصلة بها وإذ كان الحكم المطعون فيه لم يعن بالتثبيت من هذه العناصر وجاري المطعون ضدهم في قولهم بأن نقطة الإسعاف بشاطئ العجمي لم تزود مورثهم بالأدوية اللازمة دون أن يحقق ما هي الأدوية التي لم تقدم ودون أن يوضح ما إذا كان تقديمها يعتبر إخلالاً بواجب القيام بالإسعافات الأولية أو يجاوز ذلك الواجب فإن الحكم يكون قد شابه قصور مبطل له كما أخطأ في القانون لأنه قضى بثبوت الخطأ في جانب الطاعنين على الرغم من خلو أوراق الدعوى من أي دليل على أن نقطة الإسعاف بشاطئ العجمي قد قصرت في القيام بالإسعافات الأولية التي تلتزم بها وحدة وسطى من الوحدات الأخرى المماثلة لها في الظروف التي وقع فيها الحادث وإذ كان عبء إثبات الخطأ في المسئولية التقصيرية يقع على عاتق المطعون ضدهم باعتبارهم خلفاء للمضرور وكان هؤلاء المطعون ضدهم قد اقتصروا على القول بأنه لم تقدم لمورثهم الأدوية اللازمة دون أن يردوا هذا القول إلى أصل في
الأوراق أو يقيموا الدليل بأي طريق من طرق الإثبات على أن
الأدوية التي لم تقدم كانت لازمة لإنقاذ مورثهم وأن تقديمها كانت
تقتضيه الواجبات التي تتولاها وحدة الإسعاف بالشاطئ فإن الحكم
المطعون فيه إذ أسند الخطأ إلى الطاعنين على الرغم من أن
المطعون ضدهم قد عجزوا عن إثباته يكون مخالفاً للقانون ولا يشفع له ما قرره من أن الطاعنين لم يجحدا في جميع مراحل التقاضي الخطأ المدعى به لأن وقوف المدعى عليه في دعوى المسئولية التقصيرية من طلبات المضرور موقفاً سلبياً لا يعفي الأخير من إثبات الخطأ لأن من حقه أن يتربص حتى إذا أخفق خصمه في إثبات الخطأ كان هذا كافياً لرفض دعواه، هذا إلى أن ما عزاه الحكم المطعون فيه إلى الطاعنين من عدم جحود للخطأ المدعى به هو من قبيل انتزاع الدليل من مصدر موهوم لأن أوراق الدعوى لا تتضمن ما يدل على أنهما أقرا بوقائع الخطأ المدعى بها بل على النقيض من ذلك تتضمن إنكاراً منهما لدعوى المطعون ضدهم في ذات أساسها الذي بنيت عليه، كذلك خالف الحكم المطعون فيه القانون فيما أورده في أسبابه من أن الضرر الذي لحق بالمطعون ضدهم بموت مورثهم هو نتيجة مباشرة لعدم وجود أناس وأدوات وعقاقير لإسعافه إذ أن ذلك لا يتحقق إلا إذا قام الدليل على أن تلك الأدوية كانت تنتج في إسعاف المورث وأن عدم تقديمها هو الذي أدى إلى وفاته ففي هذه الحالة وحدها يعتبر الضرر الذي لحق المطعون ضدهم نتيجة طبيعية للخطأ المنسوب إلى الطاعنين وإذ كانت أوراق الدعوى خالية مما يثبت قيام علاقة السببية على هذا النحو فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بمسئولية الطاعنين على الرغم من انعدام هذه السببية يكون مخطئاً في القانون كما جاء في الوقت ذاته قاصر البيان لبنائه علاقة السببية على افتراض ظني لا أساس له في تقريراته أو في أوراق الدعوى.
وحيث إن هذا النعي في جميع ما تضمنه غير سديد ذلك إنه يبين مما سجله الحكم المطعون فيه في تقريراته أن المطعون ضدهم أسندوا إلى الطاعنين الأخطاء الآتية (أولاً) إن إدارة الشاطئ لم تتخذ الاحتياطات اللازمة للمحافظة على سلامة المستحمين ووقايتهم من الغرق فلم تحدد مناطق الخطر في البحر بعلامات ظاهرة لتحذيرهم من الاقتراب منها ولم تعين عمالاً مدربين لإنقاذهم من الغرق إذا ما أشرفوا عليه ولم تزود الشاطئ بالأدوات اللازمة لهذا الإنقاذ من قوارب وأحبال وأطواق للنجاة (ثانياً) إنها لم تعد بالشاطئ نقطة للإسعاف وتزودها بالأدوية اللازمة لإسعاف من يشرف من المستحمين على الغرق بعد انتشاله. وقال المطعون ضدهم إن هذه الأخطاء مضافاً إليها خطأ الطاعنين في نقل مورثهم إلى مستشفى بعيد جداً عن الشاطئ هي التي أدت إلى وفاته التي ألحقت بهم الضرر الذي يطالبون بالتعويض عنه. وقد دفع الطاعنان الدعوى بأنه لم يصدر قانون أو إقرار بإنشاء مرفق عام للاستحمام بشاطئ العجمي وإن الأمر في هذا الشاطئ اقتصر على إقامة فندق ومطعم ومقهى وأنه لذلك فلم يكن على جهة الإدارة المشرفة على هذا الشاطئ التزام قانوني بإعداده وتنظيمه وتوفير حاجة الأفراد إلى الاستحمام فيه وبالتالي فلم يكن عليها تزويده بعمال ومعدات الإنقاذ والإسعاف لأن ذلك ليس من مقتضيات الغرض الذي أعد له الشاطئ وقد بحث الحكم المطعون فيه تلك الأخطاء التي أسندها المطعون ضدهم إلى الطاعنين وانتهى إلى أن عدم صدور قانون أو قرار بإنشاء مرفق عام للاستحمام بشاطئ العجمي لا يعفي جهة الإدارة من مسئوليتها التقصيرية متى توافرت أركانها وأنه وقد ثبت من الأوراق الرسمية التي أشار إليها الحكم المطعون فيه أن مصيفاً قد أنشئ بالفعل بشاطئ العجمي بإرادة الحكومة وأعمالها الإيجابية فإنها لذلك تكون ملزمة بتوفير وسائل الحماية والأمن لرواد هذا المصيف والمستحمين في مياه شاطئه ثم قال الحكم في مجال إثبات الخطأ في جانب الطاعنين وإثبات علاقة السببية بينه وبين الضرر الذي لحق المطعون ضدهم إن جهة الإدارة لم توفر في شاطئ العجمي رغم اكتظاظه بالرواد والمصطافين ما وفرته في شواطئ الإسكندرية الأخرى من وسائل الأمن والسلامة للمستحمين في مياهه فلم تخصص له ما خصصته في كل شاطئ آخر من مراقبين لملاحظتهم وغطاسين للمبادرة بإنقاذ من يشرف منهم على الغرق ولم تحدد الأماكن الخطرة بعلامات ولافتات معينة حتى لا يقدموا على الاستحمام فيها ولم توفر لهم كذلك نقط الإسعاف وما ينبغي توفيره من عقاقير وأدوية ووسائل الإنقاذ اللازمة فضلاً عن الرجال المدربين لإسعاف من يكون قد أشرف على الغرق ثم انتهى الحكم إلى القول "وحيث إنه وقد ثبت من تقرير الطبيب الشرعي أن المورث قد توفى من اسفكسيا الغرق
وكان ذلك بعد أن انتشله أحد المواطنين لكن هذا لم يكن بطبيعة
الحال من الفنيين ثم نقله للمستشفى البعيد دون ما إسعاف فمات
مختنقاً بالماء نتيجة لذلك ولطول المسافة ولقضاء ساعات نحو
الثلاث وهذا ما لم يجحده أحد من المستأنف عليهما طوال مرحلتي
التقاضي فلحق بأسرته الممثلة في المستأنفين (المطعون ضدهم)
أكبر الضرر بموته نتيجة مباشرة لعدم وجود أناس وأدوات وعقاقير لإسعافه ذلك الإسعاف المنوط بالمستأنف ضدهما (الطاعنين) باعتبارهما ممثلين للحكومة صاحبة السلطة المنشئة لهذا الشاطئ والمشرفة عليه فعلاً وقد ثبت على النحو السالف بيانه حودث الخطأ من جانبها بسبب إهمالها فتوافرت بذلك عناصر مسئوليتها التقصيرية" ويبين من ذلك أن الحكم المطعون فيه أثبت الأفعال التي اعتبرها خطأ من جانب الطاعنين وانتهى إلى أن السبب المنتج منها في إحداث الضرر هو خطأ الطاعنين المتمثل في عدم إيجاد أشخاص فنيين وأدوات وعقاقير لإسعاف مورث المطعون ضدهم بعد انتشاله من المياه وإذ كان الطاعنان لم يدعيا في دفاعهما أمام محكمة الموضوع وجود رجال أو أدوات للإسعاف بشاطئ العجمي بل إنهما دفعا مسئوليتهما بعدم التزامهما بتزويد هذا الشاطئ بعمال ومعدات الإنقاذ والإسعاف وهو ما يفيد تسليمهما بعدم وجود هؤلاء العمال وتلك المعدات. إذ كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه لم يكن بحاجة لإقامة دليل آخر على عدم وجودهما. ولما كان هذا الفعل من الطاعنين يتحقق فيه معنى الخطأ لأنه يعتبر انحرافاً عن السلوك المألوف الذي يقتضي منهما بوصفهما المشرفين على شاطئ العجمي والمستغلين له اتخاذ الاحتياطات اللازمة للمحافظة على سلامة المستحمين ووقايتهم من الغرق وإسعافهم عندما يشرفون عليه وكان من شأن عدم إسعاف المشرف على الغرق بعد إخراجه من المياه أن يؤدي عادة إلى وفاته فإن الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى توفر علاقة السببية بين خطأ الطاعنين ووفاة المورث التي ألحقت الضرر بورثته المطعون ضدهم لا يكون مخالفاً للقانون أو مشوباً بالقصور ولم يكن الحكم بحاجة لأن يثبت بعد ذلك أن الإسعاف - لو أنه حصل - كان يجدى حتماً في منع وفاة المورث إذ أن المضرور متى أثبت الخطأ والضرر وكان من شأن ذلك الخطأ أن يحدث عادة هذا الضرر فإن القرينة على توفر علاقة السببية بينهما تقوم لصالح المضرور وللمسئول نقض هذه القرينة بإثبات أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي لا يد له فيه ومن ثم فإذا ادعى الطاعنان أن الإسعاف ما كان يجدي في حالة مورث المطعون ضدهم لسبب أو آخر فإن عليهما هما إثبات ذلك ومن ثم يكون النعي بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن السبب الثاني يتحصل في أن الحكم المطعون فيه شابه القصور فيما استند إليه وهو بسبيل التدليل على خطأ الطاعنين من أن انتشال مورث المطعون ضدهم من البحر تم بواسطة أحد المواطنين غير المدربين. ذلك أن موته لا يعتبر نتيجة طبيعية لعدم إنقاذه بواسطة غطاس مدرب إلا إذا قام الدليل على أن المواطن الذي بادر إلى إنقاذه فعل ذلك بطريقة خاطئة لا تتفق مع الأصول الفنية المألوفة عادة في مثل هذه الظروف وأن عدم إتباعه لتلك الأصول الفنية هو الذي أدى إلى الوفاة. وإذ لم يقم الحكم المطعون فيه الدليل على ذلك فإنه يكون قاصر البيان ولا يشفع له في ذلك استناده إلى تقرير الطبيب الشرعي الذي أشار إليه لأن هذا التقرير وإن أثبت أن المورث مات غرقاً إلا أنه لا يكشف عن الخطأ أو عن الشخص المسئول عن الضرر كذلك فإن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن نقل المورث إلى مستشفى بعيد دون إسعافه قد ساهم في إحداث الوفاة هذا الذي ذهب إليه الحكم لا يؤدي إلى إثبات الخطأ في جانب الطاعنين لأن نقل المورث إلى مستشفى بعيد أو قريب هو أمر من شأن سيارات الإسعاف التابعة لجمعية الهلال الأحمر وليس من عمل السلطة الإدارية المشرفة على شاطئ العجمي حتى لو قيل بأنها المختصة بتنظيم وإعداد الشاطئ وإمداده بالوسائل التي تؤمن مرتاديه من الغرف وقد افترض الحكم المطعون فيه التزام المجلس البلدي الذي يمثله الطاعنان بأعمال النقل إلى المستشفيات دون أن يبين مصدر هذا الالتزام كما أنه لم يورد العناصر الواقعية التي استمد منها ما قرره من أن طول المسافة التي استغرقها نقل المورث هو وحده السبب المنتج للوفاة أي للضرر الذي لحق المطعون ضدهم.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن الحكم المطعون فيه على ما سلف بيانه - في الرد على السبب الأول - لم يعتبر الخطأ المنتج في إحداث الضرر هو نقل المورث إلى مستشفى بعيد أو انتشاله بواسطة شخص غير مدرب وإنما هو عدم وجود أشخاص فنيين وأدوات وعقاقير لإسعافه بعد إخراجه من المياه ومن ثم يكون النعي بهذا السبب التفاتاً عن الواقع الذي أقام عليه الحكم المطعون فيه قضاءه وبالتالي لا يصادف محلاً فيه.
وحيث إن السبب الثالث يتحصل في أن الحكم المطعون فيه شابه قصور آخر وخالف القانون ذلك أنه استند في تقديره للتعويض إلى ما قرره المطعون ضدهم في مذكرتهم المقدمة إلى محكمة الدرجة الأولى من أن مورثهم ذكر في إقراره الخاص بضريبة المهن غير التجارية والمقدم منه إلى مصلحة الضرائب أن صافي أرباحه في السنة السابقة على الحادث ألفان من الجنيهات وأن الطاعنين لم ينكرا ذلك مما رأى معه الحكم أن يقدر التعويض بثلاثة أمثال هذا المبلغ - وإذ كان المطعون ضدهم لم يقدموا الدليل على صحة قولهم هذا فإن الحكم المطعون فيه إذ اعتمد عليه في تقديره للتعويض يكون قد اعتمد على واقعة مستمدة من مصدر غير منتج في إثباتها وبالتالي باطلاً لقصور أسبابه ولا يشفع له في ذلك ما قاله من أن الطاعنين لم ينكرا واقعة الأرباح التي حققها مورث المطعون ضدهم ذلك أنهم هم المكلفون بإثبات هذه الواقعة باعتبارهم مدعين بها ولا يعفيهم من هذا الإثبات أن يقف الطاعنان من تلك الواقعة موقفاً سلبياً لأن مثل هذا الموقف لا يرتفع إلى مرتبة الإقرار بها وإذ رتب الحكم على وقوفهم هذا الوقف آثار الإقرار فإنه يكون مخطئاً في القانون.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أنه لا تثريب على الحكم المطعون فيه في استرشاده عند تقدير التعويض بما قرره المطعون ضدهم - مدعو الضرر - في مذكرتهم المقدمة إلى محكمة أول درجة من أن مصلحة الضرائب قدرت صافي أرباحه من مهنة المحاماة في السنة السابقة على الحادث بألفين من الجنيهات، ما دام هذا القول رغم إبدائه في مذكرة أمام محكمة أول درجة لم يكن محل اعتراض من الطاعنين سواء في المذكرة التي قدماها إلى تلك المحكمة رداً على مذكرة المطعون ضدهم المتضمنة هذا القول أو في مذكراتهما قدماها بعد ذلك إلى محكمة الاستئناف ومع ملاحظة وجود تقديرات مصلحة الضرائب التي استند إليها المطعون ضدهم في متناول إدارة قضايا الحكومة التي مثلت الطاعنين أمام محكمة الموضوع.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.