أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 19 - صـ 1474

جلسة 4 من ديسمبر سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ حسين صفوت السركي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد ممتاز نصار، ومحمد شبل عبد المقصود، ومحمد أبو حمزة مندور، وحسن أبو الفتوح الشربيني.

(224)
الطعن رقم 139 لسنة 34 القضائية

( أ ) عمل. "آثار عقد العمل". "سلطة رب العمل في تنظيم منشأته". "انتهاء عقد العمل". "الأسباب الخاصة بفسخ العقد".
سلطة رب العمل. تقدير كفاية العامل. وضعه في المكان الذي يصلح له. تكليفه بعمل آخر. شرطه. نقله إلى مركز أقل ميزة أو ملاءمة. شرطه. رفض العامل النقل. أثره. حق رب العمل في إنهاء العقد.
(ب) نقض "أسباب الطعن". "ما لا يصلح سبباً للنقض". حكم.
إغفال الحكم الفصل في بعض الطلبات. ليس من أسباب الطعن بالنقض. علاجه. الرجوع إلى نفس المحكمة لتستدرك ما فاتها الفصل فيه.
1 - من سلطة رب العمل - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - تقدير كفاية العامل ووضعه في المكان الذي يصلح له بما يحقق مصلحة الإنتاج ومن سلطته كذلك أن يكلف العامل عملاً آخر - غير المتفق عليه - لا يختلف عنه اختلافاً جوهرياً، وأن ينقله إلى مركز أقل ميزة أو ملاءمة من المركز الذي كان يشغله متى اقتضت مصلحة العمل ذلك بحيث إذا رفض العامل النقل وسع صاحب العمل أن ينهي علاقة العمل [(1)].
2 - إغفال الحكم بعض ما طلب الخصوم الحكم به ليس سبباً من أسباب الطعن في الحكم بطريق النقض، وعلاج إغفال الفصل في بعض الطلبات يكون - على ما أفصحت به المادة 193 من قانون المرافعات المقابلة للمادة 368 من القانون الملغي - بالرجوع إلى نفس المحكمة لتستدرك ما فاتها الفصل فيه [(2)].


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن عليه محمد الجعار أقامت الدعوى رقم 595 سنة 1962 عمال القاهرة الابتدائية ضد مصطفى عبد الرحمن عبوده بصفته مديراً لمكتب بيع الأسمنت طالبة الحكم بإلزامه بأن يدفع لها مبلغ 702 ج و475 م والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة والنفاذ المعجل وبلا كفالة. وقالت شرحاً لها إنها التحقت بالعمل بقسم الأرشيف لدى المدعى عليه في 16/ 1/ 1960 وبعد شهر من هذا التاريخ حصلت على شهادة الليسانس في الحقوق فطلبت من المدعى عليه أن ينقلها إلى عمل قانوني يتناسب مع مؤهلها الجامعي فكان يماطلها في الوقت الذي كان فيه موظفي آخرون لا دراية لهم بالقانون يتولون الأعمال القانونية في المكتب وبعد فترة نقلها إلى قسم المستخدمين فوجدت في هذا العمل ترضية مؤقتة لها، إلا أن بعض الموظفين أوغروا صدره قبلها فتصرف معها تصرفات جائرة وأعادها إلى قسم الأرشيف، فاعتبرت ذلك عملاً ماساً بكرامتها وبمؤهلها العالي فقدمت استقالتها في 11/ 3/ 1962 وقد أخطرت بقبولها في اليوم التالي وإذ كانت الاستقالة مشوبة بالإكراه وفقاً للمادة 696 من القانون المدني فقد انتهت إلى طلب الحكم لها بمبلغ 500 ج تعويضاً عن الفصل التعسفي، 49 ج مكافأة نهاية الخدمة، 20 ج و400 م مقابل إجازات سنة 1961، 13 ج و200 م أجرة أحد عشر يوماً من شهر مارس سنة 1962، 15 ج المكافأة التشجيعية عن سنة 1962، 72 ج و800 م فرق الأجر من 18 ج إلى 36 ج عن شهر نوفمبر وديسمبر سنة 1961 ومن 21 ج إلى 36 ج عن شهر يناير وفبراير سنة 1962 وإحدى عشر يوماً من شهر مارس سنة 1962، 50 ج قيمة الادخار الذي كان يخصم منها. ودفع المدعى عليه الدعوى بأن المدعية قدمت استقالتها دون إكراه وأن نقلها من عمل إلى آخر لصالح العمل. وبتاريخ 12/ 3/ 1963 حكمت المحكمة قبل الفصل في الموضوع بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت المدعية بكافة طرق الإثبات القانونية بما فيها البينة أن المدعى عليه عاملها معاملة جائرة وتصرف معها تصرفات غير لائقة ولم يكلفها بعمل يليق بإجازة الحقوق التي حصلت عليها وأن هذا التعنت من المدعى عليه دفعها إلى استقالتها وما كان في نفسها أن تستقيل، كما عليها أن تثبت أنه قد عين غيرها بغير مؤهل في وظائف بالمكتب بنفس مرتبها بالرغم من التحاقهم بعد تعيينها، وصرحت للمدعى عليه نفي ما عسى أن تثبته المدعية بنفس الطرق. وبعد أن سمعت المحكمة شاهدي المدعية عادت وبتاريخ 11/ 6/ 1963 فحكمت بإلزام المدعى عليه بأن يدفع للمدعية مبلغ 138 ج و962 م - منه 37 ج و300 م مكافأة نهاية الخدمة؛ 11 ج و662 م بدل إجازة، 100 ج تعويضاً عن الفصل التعسفي والمصاريف ومبلغ 300 قرش مقابل أتعاب المحاماة والنفاذ المعجل وبلا كفالة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات. واستأنف المدعى عليه هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة طالباً إلغاءه والحكم برفض الدعوى وقيد هذا الاستئناف برقم 1343 سنة 80 قضائية، كما استأنفته المدعية طالبة تعديله والحكم لها بطلباتها وقيد هذا الاستئناف برقم 1378 سنة 80 ق قضائية وقررت المحكمة ضم الاستئنافين ليصدر فيهما حكم واحد، وبتاريخ 29/ 1/ 1964 حكمت المحكمة بقبول الاستئنافين شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المستأنف وإلزام المستأنف عليه مصطفى عبد الرحمن عبوده بأن يدفع للمستأنفة عليه محمد الجعار مبلغ 20 ج و762 م والمصاريف المناسبة لهذا المبلغ عن الدرجتين وأعفت المستأنفة المذكورة من باقي المصاريف وأمرت بالمقاصة في أتعاب المحاماة. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب الواردة في التقرير وعرض الطعن على هذه الدائرة حيث لم تحضر الطاعنة والمطعون عليه وقدمت النيابة العامة مذكرة طلبت فيها رفض الطعن.
وحيث إن حاصل السبب الأول أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه من وجهين (أولهما) أنه أقام قضاءه على أنه لا محل للتفرقة بين الأعمال في المؤسسة واعتبار أن عملاً أفضل من عمل آخر، وهو بهذا القول يكون قد عطل أحكام الفقرتين الأولى والثانية من المادة 696 من القانون المدني لأن نقل الطاعنة من إدارة المستخدمين إلى وظيفة بالأرشيف فيه تنزيل من مركزها، ومساس بكرامتها، مما حدا بها إلى تقديم استقالتها الأمر الذي يجعلها قانوناً في حكم العامل الذي يفصل من عمله تعسفياً ويكون لها تبعاً لذلك كافة الحقوق قبل المطعون عليه (وثانيهما) أن الحكمين الابتدائي والمطعون فيه أغفلا تطبيق أحكام القرار الجمهوري - الخاص بلائحة الشركات - الصادر في 31/ 10/ 1961 والذي يوجب أن يكون المرتب الأساسي للمؤهل العالي عشرين جنيهاً شهرياً بخلاف إعانة الغلاء والملحقات الأخرى في حين أن أجر الطاعنة لم يزد على 12 ج أساسياً في الشهر وكان يتعين على الحكم المطعون فيه أن يدخل هذا في اعتباره ويقدر حقوقها على هذا الأساس سواء في المكافأة أو في فرق المرتب من يوم حصولها على المؤهل العالي حتى تاريخ استقالتها وكذا في إعانة الغلاء بنسبة 80% من المرتب الأصلي.
وحيث إن هذا النعي مردود في (الوجه الأول) بأن من سلطة رب العمل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - تقدير كفاية العامل ووضعه في المكان الذي يصلح له بما يحقق مصلحة الإنتاج ومن سلطته كذلك أن يكلف العامل عملاً آخر - غير المتفق عليه - لا يختلف عنه اختلافاً جوهرياً، وأن ينقله إلى مركز أقل ميزة أو ملاءمة من المركز الذي كان يشغله متى اقتضت مصلحة العمل ذلك بحيث إذا رفض العامل النقل وسع صاحب العمل أن ينهي علاقة العمل، إذ كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر وجرى في قضائه على أن "جميع الأعمال في المؤسسة ذات ترابط وتعاون يتآزر فيها العمال والموظفون على السير بالعمل والمؤسسة في سبيل النجاح والتقدم، وكل عمل شرف والعبرة بالإخلاص في أدائه، والمرجع في تنظيمه إنما هو من صميم اختصاص صاحب المؤسسة أو مديرها ما دام تصرفه فيه غير قائم على الهوى أو بدافع لا ينشد فيه سوى الإساءة والإضرار بالعامل" وأن "الظاهر من خطاب استقالتها أنها أسستها على أشياء لا شأن لها بنقلها من عمل إلى آخر وأنها إذا كانت قد أثارت بعد ذلك من سبب استقالتها هو نقلها من عمل بقلم المستخدمين إلى الأرشيف فإنها لم تتقدم بدليل على أن هذا العمل كان نتيجة دوافع شخصية أو لمجرد الرغبة في إيذاءها أو الإضرار بها عن عمد وأنه لم يكن بدافع المصلحة وحسن التنظيم" ورتب على ذلك "أن الطاعنة هي التي استقالت فلا محل للقول بوجود تعسف من المستأنف عليه لمجرد قبوله هذه الاستقالة" - فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه ومردود في (الوجه الثاني) بأن الحكم المطعون فيه أسس قضاءه بالنسبة لمكافأة نهاية الخدمة ومقابل الإجازة على أن أجر الطاعنة في 12/ 3/ 1962 - تاريخ استقالتها - 25 ج و200 م وهو مبلغ يزيد على المرتب الشامل للمؤهل الجامعي الذي حدده القرار الجمهوري الصادر في 31/ 10/ 1961 بمبلغ عشرين جنيه شهرياً ومن ثم فإن النعي على الحكم بعدم تطبيق أحكام القرار الجمهوري المشار إليه يكون غير منتج ولا جدوى فيه.
وحيث إن حاصل السبب الثاني أن الحكم المطعون فيه إذ أغفل القضاء للطاعنة بأجرها عن الأيام التي قضتها في العمل من شهر مارس سنة 1962 حتى تاريخ استقالتها يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه قصوره في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول ذلك أن إغفال الحكم بعض ما طلب الخصوم الحكم به ليس سبباً من أسباب الطعن في الحكم بطريق النقض وعلاج إغفال الفصل في بعض الطلبات يكون - على ما أفصحت به المادة 193 من قانون المرافعات المقابلة للمادة 368 من القانون الملغي - بالرجوع إلى نفس المحكمة لتستدرك ما فاتها الفصل فيه.
وحيث إن حاصل السبب الثالث أن الحكم المطعون فيه إذ أقام قضاءه في دفع مسئولية المطعون عليه عن استقالة الطاعنة على أن العمل شرف وأن الموظفين والعمال سواء وكلهم يؤدون عملهم في سبيل السير بالمؤسسة نحو النجاح يكون قد شابه فساد في الاستدلال لأن هذا الذي ذهب إليه الحكم من شأنه أن يؤدي إلى القول بأنه مهما أعطى الموظف من عمل علا أو انخفض فلا تأثير في ذلك على مركزه الأدبي.
وحيث إن هذا النعي مردود بما سبق الرد به على الوجه الأول من السبب الأول.


[(1)] الطعن رقم 29 لسنة 32 ق - جلسة 23/ 2/ 1966. السنة 17 ص 401 والطعن رقم 333 لسنة 31 ق. جلسة 12/ 5/ 1965 السنة 16 ص 564.
[(2)] الطعن رقم 362 لسنة 33 ق. جلسة 27/ 4/ 1967. السنة 18 ص 896 والطعن رقم 143 لسنة 2 ق جلسة 15/ 3/ 1967 السنة 18 ص 636.