أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 19 - صـ 1480

جلسة 5 من ديسمبر سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، والسيد عبد المنعم الصراف، وسليم راشد أبو زيد، ومحمد سيد أحمد حماد.

(225)
الطعن رقم 359 لسنة 34 القضائية

قسمة. "طلب نقض القسمة". "الغبن في القسمة". محكمة الموضوع.
الغبن الذي يزيد على الخمس يعيب عقد القسمة ويجيز للشريك المغبون طلب نقضها ما لم يجزها صراحة أو ضمناً. تصرف هذا الشريك في كل أو بعض نصيبه بعد علمه بالغبن يمكن اعتباره إجازة ضمنية للقسمة متى دلت الظروف على اتجاه نيته إلى التجاوز عن هذا العيب. استخلاص ذلك من شئون محكمة الموضوع.
إن المادة 845 من القانون المدني قد جعلت من الغبن الذي يزيد على الخمس عيباً في عقد القسمة يجيز بذاته للشريك المغبون طلب نقضها ولهذا الشريك أن يجيز القسمة التي لحقه منها غبن فتصبح بعد ذلك غير قابلة للنقض وهذه الإجازة كما تكون صريحة يجوز أن تكون ضمنية إذ القانون لم يشترط لتحققها صورة معينة. وتصرف الشريك المغبون في كل أو بعض نصيبه بعد علمه بالغبن الذي لحقه وظروفه يمكن أن يعتبر إجازة ضمنية للقسمة ونزولاً منه عن حقه في طلب نقضها إذا دلت ظروف الحال على أن نيته قد اتجهت إلى التجاوز عن هذا العيب وإلى الرضاء بالقسمة رغم وجوده. تقدير تلك الظروف وتعرف هذه النية من شئون محكمة الموضوع.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 2914 سنة 1952 مدني كلي القاهرة على شقيقيه المرحومين رجب وعبد العزيز علي خليل مورثي المطعون ضدهم وقال شرحاً لها إن المرحوم علي خليل مورث الطرفين توفى في 17 ديسمبر سنة 1937 عن ورثة هم زوجته وأولاده منها وهم الطاعن وشقيقاه المذكوران وخلف تركة تتكون من عقارات وأطيان ومحلات تجارية وقد عين الشقيقان المذكوران وصيين مختارين عليه، وفي سنة 1944 توفيت الزوجة فورثها أولادها وهم الإخوة الثلاثة - وكان شقيقاه منذ وفاة المورث يديران التركة وقد اشتريا خلال هذه الفترة بعض العقارات باسمهما أو باسم أحدهما أو باسمه هو ولكن كل ذلك لحساب الإخوة الثلاثة. وفي فبراير سنة 1945 قرر المجلس الحسبي رفع الوصاية عن الطاعن لبلوغه سن الرشد - وفي 17 يونيه 1949 حرر الإخوة الثلاثة عقد قسمة قدرت فيه الأموال المشتركة بمبلغ 331 ج و800 م وأقر فيه شقيقا الطاعن بأنه يملك ثلث هذه الأموال ثم عدل الإخوة الثلاثة عن عقد القسمة المذكورة وذلك بمقتضى عقد مؤرخ 15 فبراير سنة 1951 اتفقوا فيه على تجنيب نصيب عبد العزيز في الأموال المشتركة المبين مفرداته في هذا العقد والذي قدرت قيمته بمبلغ 212000 ج - وصار باقي الأعيان مملوكاً على الشيوع بين الطاعن وشقيقه رجب - وبمقتضى عقد قسمة مؤرخ 9 مايو سنة 1951 اقتسم هذان ما خصهما في تلك الأعيان فاختص الطاعن بالعقارات المبينة بالعقد وبالصحيفة والتي تقدر قيمتها بمبلغ 114340 ج واختص رجب بباقي الأموال المبينة بصحيفة الدعوى والتي تقدر قيمتها بمبلغ 315349 ج و315 م على أن يدفع للطاعن في آخر أكتوبر سنة 1951 مبلغ سبعة آلاف جنيه كمعدل للقسمة وقال الطاعن إنه إذ كانت الأعيان المشتركة قد قدرت في عقد 15 فبراير سنة 1951 بمبلغ 638689 ج و315 م فإن نصيبه فيها بحق الثلث يكون 212896 ج و438 م ولما كان قد اختص بمقتضى عقد القسمة المؤرخ 9 مايو سنة 1951 بأموال قيمتها 114340 ج يخصم منه مبلغ 3000 ج قيمة أرض أخذها شقيقه رجب فيكون صافي قيمة نصيبه بمقتضى هذا العقد 111340 ج - يضاف إليه معدل القسمة وقدره 7000 ج فتكون قيمة نصيبه 118340 ج وإذ كانت قيمة نصيب أخيه رجب في هذه القسمة تبلغ 315349 ج فإنه يكون قد لحق الطاعن منها غبن فاحش يزيد على الخمس مما يخول له وفقاً للمادة 845 من القانون المدني طلب نقضها ولهذا فقد رفع الدعوى طالباً الحكم على المدعى عليه الأول "رجب علي خليل" في مواجهة المدعى عليه الثاني "عبد العزيز علي خليل" بنقض القسمة الحاصلة بموجب العقد المؤرخ 9 مايو سنة 1951 واعتبارها كأن لم تكن والحكم على المدعى عليهما بتثبيت ملكيته إلى النصف شيوعاً في العقارات المبينة بهذا العقد وبالصحيفة والحكم على المدعى عليه الأول في مواجهة الثاني بتثبيت ملكيته إلى النصف شيوعاً في المحلات التجارية المبينة بالصحيفة وبتثبيت ملكيته إلى حصة قدرها ستة عشر قيراطاً شائعة في أربعة وعشرين قيراطاً في ورشة الحدادة المبينة بالصحيفة واحتياطيا إلزام المدعى عليه الأول في مواجهة الثاني بأنه يدفع له مبلغ 101556 ج - وقد أنكر رجب الدعوى وطلب رفضها تأسيساً على أن القسمة ليس فيها غبن على الطاعن وأنه لم يذكر في عقدها قيمة العقارات موضوع القسمة ونازع في تقدير الطاعن لهذه القيمة - وقد توفى كل من رجب وعبد العزيز علي خليل أثناء سير الدعوى فعجلها الطاعن ضد ورثتهما وهم المطعون ضدهم - وفي 6 يونيه سنة 1953 قضت محكمة القاهرة الابتدائية بندب مكتب الخبراء المهندسين بوزارة العدل لمعاينة العقارات المبينة بعقد القسمة المؤرخ 9 مايو سنة 1951 وتقدير قيمتها وقت التعاقد وتقدير قيمة الأنصبة المقسمة كل على حدة وقت التعاقد وقد باشر المأمورية خبراء ثلاثة قدموا تقريراً استبعدوا فيه ورشة الحدادة التي اختص به الطاعن والمحل التجاري الذي اختص به المرحوم رجب علي خليل من التقدير وقدروا قيمة العقارات الأخرى التي اختص بها الطاعن بمبلغ 79967 ج و680 م كما قدروا قيمة العقارات الأخرى التي اختص بها رجب بمبلغ 114152 ج 550 م. وفي 10 نوفمبر سنة 1962 قضت المحكمة برفض طلب وقف الدعوى وبرفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها وبنقض القسمة الحاصلة بين المدعي وبين المرحوم رجب علي خليل بالاتفاق المؤرخ 9 مايو سنة 1951 واعتبارها كأن لم تكن وبتثبيت ملكية المدعي (الطاعن) إلى النصف شائعاً في العقارات والمحلات التجارية وورشة الحدادة المبينة بصحيفة الدعوى وذلك في مواجهة ورثة عبد العزيز علي خليل فاستأنف ورثة رجب علي "المطعون ضدهم الأربعة الأول" هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 15 سنة 80 ق طالبين إلغاء الحكم المستأنف والحكم أصلياً بوقف الدعوى لحين الفصل في الملكية بدعوى يرفعها الطاعن واحتياطياً بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد ومن قبيل الاحتياط الكلي برفضها وتمسك الورثة المستأنفون بدفاعهم الذي أبدوه أمام محكمة أول درجة وأضافوا إليه أن الطاعن قد أجاز القسمة ضمناً بتصرفه بعد رفع الدعوى في بعض الأعيان التي اختص بها في هذه القسمة وأنه لا يحق له بعد ذلك طلب نقضها، وفي 5 إبريل سنة 1964 قضت محكمة استئناف القاهرة بتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من رفض طلب وقف الدعوى ورفض الدفع بعدم قبول الدعوى وقبولها وإلغاء الحكم فيما عدا ذلك ورفض الدعوى - وبتاريخ 31 مايو سنة 1964 طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت بهذا الرأي.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه برفض دعوى نقض القسمة - على ما صرح به في أسبابه - على دعامتين مستقلة كل منهما عن الأخرى، الأولى أن الطاعن عجز عن إثبات الغبن الفاحش الذي يزيد على الخمس. والثانية أنه بفرض وجود هذا الغبن فإن الطاعن قد أقر القسمة ضمناً وأجازها وتجاوز عن الغبن بعد رفع الدعوى، وقد أقيم الطعن على أربعة أسباب تضمنت الثلاثة الأولى منها تعييب الحكم المطعون فيه دعامته الأولى بينما انصب السبب الرابع على دعامته الثانية وترى هذه المحكمة أن تبدأ ببحث هذا السبب الأخير لأن بحثه يغنيها عن بحث باقي الأسباب على ما سيرد بيانه.
وحيث إن هذا السبب الأخير يتحصل في أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن هذا الحكم قرر أن الطاعن أقر القسمة وأجازها بعد رفع الدعوى وتجاوز عن الغبن بتصرفه بالبيع في ورشة الحدادة ومنزلي الجودرية التي كانت من بين نصيبه في هذه القسمة - وهو من الحكم المطعون فيه خطأ في القانون من الوجوه الآتية (الأول) أنه يترتب على القسمة أن يعتبر المتقاسم مالكاً للحصة التي اختص بها منذ أن تملك في الشيوع فإذا تصرف في جزء من حصته ولم يترتب على هذا التصرف استحالة تقدير قيمة هذا الجزء وكان تصرفه استعمالاً لحقه في الملك فإن هذا التصرف لا يفيد التجاوز عن الغبن خصوصاً إذا كانت الدعوى مقامة به (الوجه الثاني) - أن الطاعن لم يقتصر على طلب نقض القسمة بل طلب احتياطياً القضاء له بمبلغ 100000 ج لإكمال النقص في نصيبه وأن تصرفه في بعض حصته لا يحول دون القضاء له بذلك الطلب الاحتياطي (الوجه الثالث) - أن المشرع إذ أجاز في المادة 845 من القانون المدني نقض القسمة للغبن فقد كان غرضه تحقيق المساواة بين المتقاسمين وحماية المغبون منهم وإذ كان الغبن عيباً في العقد مستقلاً بذاته وليس من عيوب الرضا التي تحتمل الإجازة فإنه لا يمكن القول بإجازة هذا الغبن - (الوجه الرابع) - أن نص المادة 845 من القانون ونصوص القانون الفرنسي - الذي استمد منه المشرع المصري نص هذه المادة - حاسمة في أن تصرف المتقاسم في بعض حصته لا يحول دون رفع دعوى نقض القسمة للغبن وأن مناط السقوط أو الإجازة هو العلم بالغبن والرغبة النفسية في إجازته وأن التصرف في بعض الأعيان المقتسمة لا يفيد بذاته إجازة القسمة والنزول عن دعوى الغبن.
وحيث إن النعي بجميع هذه الأوجه مردود بأن المادة 845 من القانون المدني قد جعلت من الغبن الذي يزيد على الخمس عيباً في عقد القسمة يجير بذاته للشريك المغبون طلب نقضها ولهذا الشريك أن يجيز القسمة التي لحقه منها غبن فتصبح بعد ذلك غير قابلة للنقض وهذه الإجازة كما تكون صريحة يجوز أن تكون ضمنية إذ القانون لم يشترط لتحققها صورة معينة، وتصرف الشريك المغبون في كل أو بعض نصيبه بعد علمه بالغبن الذي لحقه وظروفه يمكن أن يعتبر إجازة ضمنية للقسمة ونزولاً منه عن حقه في طلب نقضها إذا دلت ظروف الحال على أن نيته قد اتجهت إلى التجاوز عن هذا العيب وإلى الرضاء بالقسمة رغم وجوده وتقدير تلك الظروف وتعرف هذه النية من شئون محكمة الموضوع. ولما كان يبين من الحكم المطعون فيه أن محكمة الاستئناف - بما لها من سلطة التقدير - قد استخلصت من تصرف الطاعن بالبيع في ورشة الحدادة ومنزلي الجودرية - وهي جميعاً من الأعيان التي اختص بها في عقد القسمة - ومن حصول هذه التصرفات المتعددة بعد علمه بالغبن الذي لحقه وبعد رفعه الدعوى بطلب نقض القسمة بسبب هذا الغبن أن نيته قد اتجهت إلى إقرار القسمة والتجاوز عن الغبن وكان هذا الاستخلاص سائغاً ومستمداً من وقائع تؤدي إليه ولم تتضمن أسباب الطعن نعياً عليه بالفساد فإنه لا يكون لمحكمة النقض من سبيل على محكمة الموضوع في ذلك. وإذ كان مقتضى هذا الذي انتهى إليه الحكم المطعون فيه رفض كل طلبات الطاعن في الدعوى الأصلي منها والاحتياطي لابتنائها جميعاً على حقه في طلب نقض القسمة للغبن وهو الحق الذي أثبت الحكم نزوله عنه نزولاً ضمنياً فإن هذه الدعامة المستقلة تكفي وحدها لحمل النتيجة التي انتهى إليها الحكم المطعون فيه. وإذ تبين صحتها وفساد النعي الموجه إليها فإن النعي على الحكم المطعون فيه بأسباب الطعن الثلاثة الأول والمتضمنة تعييبه في دعامته الأخرى التي تقوم على عدم ثبوت الغبن المدعى به، هذا النعي يكون - بفرض صحته - غير منتج ولا جدوى منه لأن قضاء الحكم يستقيم بدون هذه الدعامة.
وحيث إنه لما تقدم يتعين نقض الطعن.