أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 24 - صـ 772

جلسة 17 من مايو سنة 1973

برياسة السيد المستشار/ الدكتور حافظ هريدي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد سيد أحمد حماد، وعلي عبد الرحمن، وعلي صلاح الدين، وأحمد صفاء الدين.

(137)
الطعن رقم 216 لسنة 38 القضائية

(1) نقض. "السبب المفتقر للدليل".
نعي الطاعن بأن مذكرة المطعون عليها لم تعلن إليه دون تقديم الدليل على ذلك. عار عن الدليل.
(2) دعوى. "تقديم المذكرات".
عدم جواز قبول أوراق أو مذكرات من أحد الخصوم دون اطلاع الخصم الأخر عليها. علته عدم إتاحة الفرصة لأحد الخصوم لإبداء دفاع لم يتمكن خصمه من الرد عليه.
(3) قانون. "القانون الواجب التطبيق". عقد. "انعقاد العقد". إثبات.
شكل التصرف. خضوعه لقانون محل إبرامه كأصل. م 20 مدني اختصاص قانون الشكل لا يتناول إلا عناصره الخارجية. الشكلية المعتبرة ركناً في انعقاد التصرف - دون تلك المفضية لإثباته - خضوعها لقانون الموضوع.
(4) قانون. "القانون الواجب التطبيق". أهلية. حق.
مجال إعمال قانون موقع العقار. تناوله بيان طرق كسب الحقوق العينية وانتقالها وانقضائها. إغفال المادتين 18، 19 مدني النص على خضوع التصرف المترتب عليه كسب الحق العيني أو تغييره أو زواله من حيث الشكل وشروط الصحة لقانون موقع العقار. مؤداه. خضوع الشكل الخارجي للتصرف لقانون محل إبرامه والأهلية للقانون الشخصي.
(5) بيع. "انعقاد البيع". وكالة. قانون.
عقد البيع في القانون المدني المصري عقد رضائي سواء كان في حقيقته بيعاً أو يستر هبة. الوكالة في هذا البيع رضائية. خضوعها في الشكل الخارجي لقانون محل إبرامها.
(6) نقض. "ما لا يصلح سبباً للطعن". حكم. "تسبيب الحكم".
إقامة الحكم على دعامتين. كفاية إحداهما لحمل قضائه. النعي على الثانية بفرض صحته غير منتج.
(7) نقض. "السبب المفتقر للدليل".
النعي بأن القانون السعودي لا يجيز إثبات الوكالة ببيع العقار الذي تزيد قيمته على عشرة جنيهات إلا بالكتابة دون تقديم دليل ذلك. عار عن الدليل.
(8) إثبات "طرق الإثبات. الكتابة". تزوير.
دفع حجية الورقة يكون بإنكار الخصم ما هو منسوب إليه من خط أو إمضاء إنكاراً صريحاً. سكوته عند مواجهته بها. مانع من الإنكار - فيما بعد - دون الطعن بالتزوير.
(9) بيع. "دعوى صحة التعاقد". بطلان. قوة الأمر المقضي.
نطاق دعوى صحة التعاقد. اتساعه للفصل في صحة البيع واستيفائه للشروط اللازمة لانعقاده. القضاء بصحة العقد يتضمن حتماً القضاء بأنه غير باطل. هو مانع من رفع دعوى جديدة ببطلان العقد.
1- متى كان الطاعن لم يقدم ما يدل على أن مذكرة المطعون عليها التي ضمنتها دفاعها الذي ألمح إليه بسبب النعي لم تعلن إليه إعلاناً قانونياً، وأنها أرسلت إليه بطريق البريد، فإن النعي يكون عارياً عن الدليل.
2 - ما ترمي إليه الفقرة الثانية من المادة 340 من قانون المرافعات السابق من عدم جواز قبول أوراق أو مذكرات من أحد الخصوم دون اطلاع الخصم الآخر عليها إنما هو عدم إتاحة الفرصة لأحد الخصوم لإبداء دفاع لم يتمكن خصمه من الرد عليه.
3 - مؤدى نص المادة 20 من القانون المدني أن المشرع أخذ بقاعدة خضوع شكل التصرف لقانون محل إبرامه. وجعلها القاعدة العامة، على أن للمتعاقدين اختيار أي قانون من القوانين الأخرى الواردة بها، واختصاص القانون الذي يسري على الشكل لا يتناول - على ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية - إلا عناصر الشكل الخارجية، أما الأوضاع الجوهرية في الشكل وهي التي تعتبر ركناً في انعقاد التصرف كالرسمية في الرهن التأميني، فتخضع للقانون الذي يحكم موضوع التصرف وليس لقانون محل إبرامه، ومن ثم فإن الشكلية التي تقضي لإثبات التصرف تخضع لقانون محل إبرامه، وعلى هذا فإذا استلزم القانون الذي يحكم موضوع التصرف الكتابة لإثباته ولم يستلزمها قانون محل إبرامه تعين الأخذ بهذا القانون الأخير.
4 - مفاد نص المادة 18 من القانون المدني أنه يدخل في مجال إعمال قانون موقع العقار بيان طرق كسب الحقوق العينية وانتقالها وانقضائها، سواء كانت خاصة بهذه الحقوق كالاستيلاء والتقادم المكسب أو غير خاصة بها كالعقد وسواء ترتب على العقد نقل الملكية في الحال أم ترتب عليه الالتزام بنقل الملكية. وإذ أغفل المشرع النص في المادتين 18، 19 من القانون المدني على خضوع التصرف المترتب عليه كسب الحق العيني أو تغييره أو زواله من حيث الشكل وشروط الصحة لقانون موقع العقار على غرار ما فعل القانون البولوني الذي استقى منه المشرع نص المادتين المذكورتين، فإن العقد المتعلق بعقار يخضع لقانون موقعه من كافة الوجوه فيما عدا الأهلية التي تظل خاضعة لسلطان القانون الشخصي، والشكل الخارجي للتصرف الذي يظل خاضعاً لقانون محل إبرامه.
5 - متى كان عقد البيع في القانون المدني المصري - على ما أفصحت عنه المادة 418 منه - عقداً رضائياً، إذ لم يشترط القانون لانعقاده شكلاً خاصاً بل ينعقد بمجرد تراضي المتبايعين، وسواء كان في حقيقته بيعاً أو يستر هبة، فإن الوكالة في البيع تكون بدورها رضائية، ولا تستوجب شكلاً خاصاً لانعقادها عملاً بالمادة 700 منه، وبالتالي فإن الوكالة في البيع تخضع في شكلها الخارجي لقانون محل إبرامها.
6 - متى كان الحكم المطعون فيه إذ قضى بثبوت الوكالة أقام قضاءه على دعامتين مستقلتين إحداهما عن الأخرى، وكانت الدعامة الثانية تكفي وحدها لحمل الحكم، فإن النعي عليه فيما تضمنه عن الدعامة الأولى بفرض صحته يكون غير مؤثر فيه وغير منتج.
7 - إذ كان الطاعن لم يقدم ما يدل على أن القانون السعودي لا يجيز إثبات الوكالة ببيع العقار الذي تزيد قيمته على عشرة جنيهات إلا بالكتابة، فإن نعيه في هذا السبب يكون عارياً عن الدليل.
8 - دفع حجية الورقة على ما أفصحت عنه المادة 394 من القانون المدني - التي تحكم واقعة الدعوى - لا يكون إلا بإنكار الخصم ما هو منسوب إليه من خط أو إمضاء إنكاراً صريحاً، فإذا سكت رغم مواجهته بها ولم يصرح بشيء فلا يستطيع أن يلجأ إلى الإنكار، لأن سكوته في أول الأمر يعتبر إقراراً ضمنياً لها، ويجب عليه إن نازع في حجيتها الطعن عليها بالتزوير.
9 - تستلزم دعوى صحة التعاقد أن يكون من شأن البيع موضوع التعاقد نقل الملكية حتى إذا ما سجل الحكم قام تسجيله مقام تسجيل العقد في نقلها، وهذا يقتضي أن يفصل القاضي في أمر صحة البيع، ويتحقق من استيفائه الشروط اللازمة لانعقاده وصحته، ثم يفصل في أمر امتناع البائع عن تنفيذ التزاماته، ومن ثم فإن تلك الدعوى تتسع لأن تثار فيها كل أسباب بطلان العقد، إذ من شأن هذا البطلان لو صح أن يحول دون الحكم بصحة العقد ولهذا فإذا فات الخصم إبداء سبب من هذه الأسباب كان في استطاعته إبداؤه في تلك الدعوى، ثم حكم بصحة العقد ونفاذه، فإن هذا الحكم يكون مانعاً لهذا الخصم من رفع دعوى جديدة ببطلان العقد استناداً إلى هذا السبب، ولا يغير من ذلك اختلاف الطلبات في الدعويين، وكونها في الدعوى الأولى صحة العقد ونفاذه، وفي الثانية بطلانه، ذلك أن طلب صحة العقد وطلب بطلانه وجهان متقابلان لشيء واحد، والقضاء بصحة العقد يتضمن حتماً القضاء بأنه غير باطل، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإنه لا يكون مخالفاً للقانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن...... (الطاعن) أقام الدعوى رقم 523 سنة 1966 مدني كلي القاهرة ضد......، ...... (المطعون عليهما الأولى والثاني) وباقي المطعون عليهم طالباً الحكم ببطلان عقد البيع الابتدائي المؤرخ 30/ 11/ 1958 الصادر من المدعى عليه الثاني إلى المدعى عليها الأولى وإلغاء ما يكون قد ترتب على ذلك من تسجيلات أو قيود أو تأشيرات وذلك في مواجهة المدعى عليهم الثلاثة الأخيرين، وقال في بيانها إنه يمتلك العمارة المبينة بالصحيفة بعقد مسجل في 5/ 12/ 1953 برقم 9247 وعلم أن المدعى عليه الثاني استغل صفته في إدارتها وتحصيل أجرتها وحرر عقد بيع بها لزوجته المدعى عليها الأولى نص فيه على أن ثمنها 40000 ج، وأن المشترية سددت منه 10000 ج، وتعهدت بسداد الباقي عند تسجيل العقد وأقامت ضد زوجها بصفته وكيلاً عنه دعوى بصحة ونفاذ هذا العقد وحكم فعلاً بصحته واستأنف المدعى عليه الثاني هذا الحكم، ثم عاد وتصالح مع زوجته وحكم بعدم جواز الاستئناف، ولما شرعت المدعى عليها الأولى في تسجيل الحكم وتبين أن البائع أجنبي غير مقيم، وأنها لم تحصل على إذن من إدارة النقد، كما لم تودع الثمن في حساب مجمد غير مقيم بأحد البنوك المعتمدة في الجمهورية وأبلغت إدارة النقد نيابة الشئون المالية بالواقعة ادعت المدعى عليها الأولى عند استجوابها أن العقد في حقيقته هبة، وأنها لم تدفع شيئاً من مقدم الثمن، وأضاف المدعي أن كل هذه الإجراءات تمت في غيبته وبغير علمه وأنه لم يصرح للمدعى عليه الثاني بالبيع ولا بالهبة، وبفرض أن لدى المدعى عليه الثاني توكيل بالبيع، وكان عليه أن يودع الثمن باسمه في حساب مجمد غير مقيم، وإذ تتطلب الهبة توكيلاً محدداً يحدد فيه اسم الموهوب له والعقار الموهوب وكان توكيله لا تتوافر فيه هذه الشروط، فإنه يكون قد جاوز حدود الوكالة ولهذا فقد أقام الدعوى بطلباته السابقة، وطلبت المدعى عليها الأولى الحكم أصلياً بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها في الدعوى رقم 144 لسنة 1963 مدني كلي القاهرة واستئنافها رقم 928 لسنة 82 ق القاهرة بصحة ونفاذ العقد المطلوب الحكم ببطلانه، واحتياطياً بعدم قبول الدعوى بحسبانها دعوى تنصل رفعت بعد الميعاد، ومن باب الاحتياط الكلي رفضها وطلب المدعي رفض الدفع لاختلاف الخصوم، والموضوع في كلا الدعويين إذ أنه لم يكن ممثلاً في الدعوى رقم 144 لسنة 1963 كلي القاهرة ولم يصدر منه توكيل للمدعى عليه الثاني كما وأن الموضوع في الدعوى رقم 144 لسنة 1963 هو طلب صحة التعاقد والغرض منها إثبات وجود التعاقد وليس معنى الحكم الصادر فيها أن التعاقد صحيح، وأما موضوع الدعوى الماثلة فهو طلب بطلان التعاقد، وفي 27/ 6/ 1967 حكمت المحكمة بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها في الدعوى رقم 144 لسنة 1963 مدني كلي القاهرة، واستأنف المدعي هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 1610 سنة 84 ق طالباً إلغاءه وإعادة القضية إلى محكمة أول درجة للفصل في موضوعها، وفي 25/ 2/ 1968 حكمت المحكمة برفض الاستئناف وتأييد الحكم، وطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب الواردة بالتقرير، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. وحيث إن الطعن بني على سبعة أسباب حاصل السبب الأول منها بطلان الحكم المطعون فيه، إذ قررت المحكمة في 3/ 3/ 1968 حجز الدعوى للحكم مع تبادل المذكرات في مواعيد حددتها، إلا أن المطعون عليها الأولى أودعت مذكرتها ولم تعلنها للطاعن مكتفية بإرسال صورة منها إليه بطريق البريد وهو طريق لا يقره القانون لعدم الطمأنينة إلى مطابقة الصورة للأصل، ورغم اعتراضه في مذكرته التكميلية على إعلانه بالمذكرة بهذه الطريقة وطلبه فتح باب المرافعة رفضت المحكمة هذا الطلب، كما لم تقبل الحافظة المقدمة منه وقبلت مذكرة المطعون عليها الأولى، وعولت عليها في قضائها بصحة الوكالة وتأييد الحكم استناداً إلى ما أورد بها من أن المادة 20 من القانون المدني التي تخضع العقود في شكلها لقانون البلد الذي تمت فيه هي الواجبة التطبيق دون المادة 18 منه، ومن أن هناك إيصالاً صادراً من الطاعن باستلام الثمن لم يطعن عليه بالتزوير مكتفياً في الادعاء بتزويره بقوله المرسل، ومن أن حكم صحة التعاقد يعني أن التعاقد صحيح غير باطل، فخالف بذلك المادة 340 من قانون المرافعات التي لا تجيز قبول أوراق أو مذكرات من أحد الخصوم دون اطلاع الخصم الآخر عليها.
وحيث إن هذا النعي مردود بأنه عار عن الدليل إذا لم يقدم الطاعن ما يدل على أن مذكرة المطعون عليها الأولى التي ضمنتها دفاعها الذي ألمح إليه بسبب النعي لم تعلن إليه إعلاناً قانونياً، وأنها أرسلت إليه بطريق البريد، هذا إلى أنه يبين من المذكرة التي عناها الطاعن، والتي قدمت المطعون عليها الأولى صورتها الرسمية أنها لم تتضمن دفاعاً جديداً، وأن ما ورد بها هو ذات الدفاع الذي أبدته في مذكرتها المقدمة لمحكمة أول درجة والمرفق صورتها الرسمية بالملف (رقم 4 من حافظة المطعون عليها) والذي تمسكت فيه بعقد الوكالة وبخضوعه في شكله لقانون البلد الذي تم فيه عملاً بالمادة 20 من القانون المدني وبإقرار الطاعن المؤرخ 15/ 9/ 1959 بقبض كامل ثمن العقار، والذي لم يطعن عليها الطاعن بالتزوير رغم فتح باب المرافعة في الدعوى ليمكنه من الطعن عليهما وبعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها في الدعوى رقم 144 لسنة 1963 مدني كلي القاهرة، وإذ كان ما ترمي إليه الفقرة الثانية من المادة 340 من قانون المرافعات السابق من عدم جواز قبول أوراق أو مذكرات من أحد الخصوم دون اطلاع الخصم الآخر عليها، إنما هو عدم إتاحة الفرصة لأحد الخصوم لإبداء دفاع لم يتمكن خصمه من الرد عليه، وهو ما لم يتحقق في خصوصية هذه الدعوى فإن النعي على الحكم المطعون فيه في هذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثاني أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه بتقريره أن عقد الوكالة المدعى صدوره من الطاعن للمطعون عليه الثاني يخضع في شكله للقانون السعودي قانون البلد الذي تم فيه عملاً بالمادة 20 من القانون المدني، وأنه لا محل للاستناد للمادة 18 منه مع أن المشرع استثنى التصرف في العقارات الكائنة في الجمهورية من حكم المادة 20، ونص في المادة 18 على خضوعه في شكله للقانون المصري الداخلي وإذ فات الحكم أن الوكالة بالنسبة للتصرف في العقار تخضع في شكلها وإثباتها للقانون المصري، وأنها تختلف باختلاف السلطات الممنوحة للوكيل، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن النص في المادة 20 من القانون المدني على أن "العقود ما بين الأحياء تخضع في شكلها لقانون البلد الذي تمت فيه ويجوز أيضاً أن تخضع للقانون الذي يسري على أحكامها الموضوعية كما يجوز أن تخضع لقانون موطن المتعاقدين أو قانونهما الوطني المشترك" يدل على أن المشرع أخذ بقاعدة خضوع شكل التصرف لقانون محل إبرامه، وجعلها القاعدة العامة على أن للمتعاقدين اختيار أي قانون من القوانين الأخرى الواردة بها وإذ كان اختصاص القانون الذي يسري على الشكل لا يتناول على ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية إلا عناصر الشكل الخارجية، أما الأوضاع الجوهرية في الشكل وهي التي تعتبر ركناً في انعقاد التصرف كالرسمية في الرهن التأميني فتخضع للقانون الذي يحكم موضوع التصرف وليس لقانون محل إبرامه، فإن الشكلية التي تفضي لإثبات التصرف تخضع لقانون محل إبرامه، وعلى هذا فإذا استلزم القانون الذي يحكم موضوع التصرف الكتابة لإثباته ولم يستلزمها قانون محل إبرامه تعين الأخذ بهذا القانون الأخير. لما كان ذلك، وكانت المادة 18 من القانون المدني قد نصت في فقرتها الأولى على أن "يسري على الحيازة والملكية والحقوق العينية الأخرى قانون الموقع فيما يختص بالعقار" مما مؤداه أن يدخل في مجال أعمال قانون موقع العقار بيان طرق كسب الحقوق العينية وانتقالها وانقضائها سواء كانت خاصة بهذه الحقوق كالاستيلاء والتقادم المكسب أو غير خاصة بها كالعقد، وسواء ترتب على العقد نقل الملكية في الحال أم ترتب عليه الالتزام بنقل الملكية، إلا أنه وقد أغفل المشرع النص في المادتين 18 و19 من القانون المدني على خضوع التصرف المترتب عليه كسب الحق العيني أو تغييره أو زواله من حيث الشكل وشروط الصحة لقانون موقع العقار على غرار ما فعل القانون البولوني الذي استقى منه المشرع نص المادتين المذكورتين، فإن العقد المتعلق بعقار يخضع لقانون موقعه من كافة الوجوه فيما عدا الأهلية التي تظل خاضعة لسلطان القانون الشخصي، والشكل الخارجي للتصرف الذي يظل خاضعاً لقانون محل إبرامه، وإذ كان عقد البيع في القانون المدني المصري على ما أفصحت عنه المادة 418 منه عقداً رضائياً إذ لم يشترط القانون لانعقاده شكلاً خاصاً بل ينعقد بمجرد تراضي المتبايعين، وسواء كان في حقيقته بيعاً أو يستر هبة، فإن الوكالة في البيع تكون بدورها رضائية ولا تستوجب شكلاً خاصاً لانعقادها عملاً بالمادة 700 منه، وبالتالي فإن الوكالة في البيع تخضع في شكلها الخارجي لقانون محل إبرامها أي للقانون السعودي، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإن النعي في هذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل السببين الثالث والخامس مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون وقصور أسبابه بتقريره أن الطاعن لم يقدم ما يدل على أن الشكل الذي تمت به الوكالة مخالف لما يقضي به القانون في المملكة السعودية، وأنه لذلك لا محل للجدل في قيام هذه الوكالة، مع أنه علاوة على ما أبداه من دفاع بشأن شكل الوكالة فقد أنكر صدور أية وكالة منه للمطعون عليه الثاني بشأن أي تصرف في عقاره بالقاهرة، مما مؤداه أن يقع عبء إثبات قيام الوكالة على عاتق مدعيها، إلا أن الحكم خالف هذه القاعدة الأصولية في الإثبات، وألقى على عاتق الطاعن عبء إثبات قيامها رغم إنكاره، مع أن عبء الإثبات يقع في حالة الإنكار على من يتمسك بالسند المحرر مخالفاً بذلك القانون، كما أغفل الحكم الرد على ما تمسك به الطاعن من أن سند الوكالة لا يعتبر ورقة رسمية لخلوه من توقيعه، مما كان يتعين معه على الحكم المطعون فيه أن يتثبت من أن قانون التوثيق في المملكة السعودية يجيز للموظف المختص ضبط الوكالة عن طريق الاتصال التليفوني بالموكل حتى بالنسبة للتصرفات العقارية دون حاجة للتثبت من شخصيته أو التأكد من سلامة إرادته وإذ أغفل الحكم ذلك فإنه يكون فضلاً من مخالفته للقانون معيباً بالقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن الحكم المطعون فيه إذ قضى بثبوت الوكالة أقام قضاءه - على ما صرح به في أسبابه - على دعامتين مستقلتين إحداهما عن الأخرى الأولى الصك الصادر من المحكمة الكبرى بالرياض الذي حرره الموظف الرسمي المختص والذي أثبت فيه صدور الوكالة من الطاعن للمطعون عليه الثاني ببيع عقاره بالقاهرة وقبض قيمته، والثانية ما ثبت من الورقة المؤرخة 15/ 9/ 1959 والتي اكتفى الطاعن بقوله المرسل بأنها مزورة، دون أن يتخذ الإجراءات الواجب اتباعها لإثبات تزويرها، والتي أقر فيها بقبض باقي ثمن العمارة المبيعة للمطعون عليها الأولى وبملكيتها لها، والتي استخلص منها الحكم المطعون فيه إقراره الضمني بوكالة المطعون عليه الثاني عنه في إبرام عقد البيع، وإذ كانت الدعامة الثانية تكفي وحدها لحمل الحكم، فإن النعي على الحكم فيما تضمنه عن الدعامة الأولى بفرض صحته يكون غير مؤثر فيه وغير منتج.
وحيث إن حاصل السبب الرابع أن الحكم المطعون فيه خالف القانون بتقريره أنه وإن لم يوقع الطاعن على سند الوكالة المحرر أمام الموظف الرسمي المختص إلا أن الشاهدين الوارد اسماهما فيه قد أقرا أمام الموظف المذكور بصدور الوكالة من الطاعن إلى المطعون عليه الثاني ببيع عقاره الكائن بالقاهرة مع أن الاعتداد في إثبات الوكالة على شهادة الشاهدين أمر يخالف قواعد الإثبات في القانون المصري الواجب التطبيق باعتباره قانون البلد الكائن به العقار لتعلقه بتصرف تزيد قيمته على عشرة جنيهات.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كانت الشكلية التي تفضي لإثبات التصرف تخضع - على ما سلف القول عن الرد على السبب الثاني من أسباب الطعن - لقانون محل إبرام التصرف، وهو القانون السعودي في الدعوى الماثلة لا القانون المصري، وكان الطاعن لم يقدم ما يدل على أن القانون السعودي لا يجيز إثبات الوكالة ببيع العقار الذي تزيد قيمته على عشرة جنيهات إلا بالكتابة، فإن نعيه في هذا السبب يكون عارياً عن الدليل وعلى غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى في السبب السادس على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق بتقريره إن الطاعن أقر الوكالة بإقراره بقبض الثمن في الإيصال المؤرخ 15/ 9/ 1959 الذي لم يطعن عليه بأي مطعن مكتفياً بقوله المرسل بأنه مزور عليه، دون أن يتخذ إجراءات الطعن عليه، وأنه لذلك يكون حجة عليه بما ورد فيه مع أنه فضلاً عن تمسكه بتزوير هذا الإيصال واستدلاله على تزويره بما قررته المطعون عليها الأولى في تحقيق النيابة من أن التصرف صوري وإنها لم تدفع فيه ثمناً، فقد أنكر صدور التوكيل منه للمطعون عليه الثاني سواء ببيع العمارة أو هبتها مما ينفي إقراره بصحة الإيصال، ومن ثم فإن ما قرره الحكم في هذا الشأن ينطوي على فساد في الاستدلال ومخالفة للثابت بالأوراق إذ ينبني على إنكار الإيصال وجحده أن يقيم المتمسك به الدليل على صحته.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن دفع حجية الورقة على ما أفصحت عنه المادة 394 من القانون المدني لا يكون إلا بإنكار الخصم ما هو منسوب إليه من خط أو إمضاء إنكاراً صريحاً، فإذا سكت رغم مواجهته بها ولم يصرح بشيء فلا يستطيع أن يلجأ إلى الإنكار، لأن سكوته في أول الأمر يعتبر إقراراً ضمنياً لها ويجب عليه إن نازع في حجيتها الطعن عليها بالتزوير، وإذ أشارت المطعون عليها الأولى بصحيفة الدعوى رقم 144 لسنة 1963 مدني كلي القاهرة إلى إنها سددت باقي الثمن بالمخالصة المؤرخة 15/ 9/ 1959 الصادرة من الطاعن وعولت المحكمة على هذه المخالصة في قضائها بصحة ونفاذ العقد، كما قررت ذلك أيضاً بمذكرتها المقدمة لمحكمة أول درجة لجلسة 14/ 6/ 1966 في الدعوى الماثلة (رقم 3 من حافظة المطعون عليها الأولى) إلا أن الطاعن لم ينكر توقيعه على هذه المخالصة إنكاراً صريحاً، وظل كذلك إلى أن طلب فتح باب المرافعة بعد حجز الدعوى للحكم للطعن عليها بالتزوير، ولكنه لم يسلك هذا السبيل إلى أن حكم في الدعوى نهائياً ورغم إجابته إلى هذا الطلب. ومن ثم فتبقى للورقة حجيتها في الإثبات، وإذ أخذ الحكم المطعون فيه بهذا النظر فإن النعي عليه في هذا السبب يكون على غير أساس. وحيث إن الطاعن ينعى في السبب السابع على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون بتقريره أن الحكم الصادر في الدعوى رقم 144 لسنة 1963 كلي القاهرة بصحة ونفاذ عقد البيع يتضمن القضاء ضمناً بأن العقد غير باطل الأمر الذي يمتنع معه المنازعة من جديد في صحة البيع، لأن الحكم بصحة العقد، وطلب الحكم ببطلانه يتصلان اتصالاً علياً يؤدي إلى وحدة الموضوع في الدعويين مع أن صحة التعاقد تقتصر على إثبات واقعة حصول التعاقد أما دعوى صحة التصرف ما تعرض منها القضاء بصحته موضوعاً وتبرئته من شوائب البطلان فالموضوع في كل منهما يغاير الموضوع في الأخرى، مما لا يصح معه القول بأن الحكم بصحة التعاقد يتفرع عنه بطريق اللزوم القضاء بانتفاء أي طعن على التصرف وإذ لم يثر نزاع بشأن بطلان التصرف في الدعوى رقم 144 لسنة 1963 كلي القاهرة لرفعها في الخفاء من زوجة ضد زوجها الذي لم يمثل أمام المحكمة، واستناداً إلى وكالة مزعومة وإيصال غير صحيح دال على دفعها كامل الثمن، فإن القضاء بصحة التعاقد لا تكون له أية حجية في دعوى البطلان. وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه يبين من الحكم الصادر في الدعوى رقم 144 لسنة 1963 مدني كلي القاهرة أن المطعون عليها الأولى أقامتها ضد المطعون عليه الثاني بوصفه وكيلاً عن الطاعن طالبة الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع المؤرخ 30/ 11/ 1958، والمتضمن بيع العقار المبين بالعريضة لها فقضت المحكمة لها بطلباتها، وفي 29/ 6/ 1965 حكم في الاستئناف رقم 928 لسنة 82 ق القاهرة بعدم جواز الاستئناف المرفوع عن ذلك الحكم، ثم أقام الطاعن الدعوى رقم 523 لسنة 1966 مدني كلي القاهرة ضد المطعون عليهما الأولى والثاني طالباً الحكم ببطلان ذات العقد الذي سبق القضاء بصحته ونفاذه، على أساس أنه لم يصرح للمطعون عليه الثاني بالبيع ولا بالهبة وبفرض أن لديه توكيلاً فإن توكيله لا يخوله ذلك، فدفعت المطعون عليها الأولى بعدم جواز نظر الدعوى الثانية لسابقة الفصل في الدعوى الأولى نهائياً بصحة ونفاذ العقد، وحكم بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها وتأييد الحكم استئنافياً، وإذ تستلزم دعوى صحة التعاقد أن يكون من شأن البيع موضوع التعاقد نقل الملكية حتى إذا ما سجل الحكم قام تسجيله مقام تسجيل العقد في نقلها، وهذا يقتضي أن يفصل القاضي في أمر صحة البيع ويتحقق من استيفائه الشروط اللازمة لانعقاده وصحته، ثم يفصل في أمر امتناع البائع عن تنفيذ التزاماته، ومن ثم فإن تلك الدعوى تتسع لأن يثار فيها كل أسباب بطلان العقد، إذ من شأن هذا البطلان لو صح أن يحول دون الحكم بصحة العقد، ولهذا فإذا فات الخصم إبداء سبب من هذه الأسباب كان في استطاعته إبداؤه في تلك الدعوى، ثم حكم بصحة العقد ونفاذه، فإن هذا الحكم يكون مانعاً لهذا الخصم من رفع دعوى جديدة ببطلان العقد استناداً إلى هذا السبب. لما كان ذلك، فإن الحكم السابق الصادر في الدعوى رقم 144 لسنة 1963 كلي القاهرة بصحة ونفاذ العقد، وقد أصبح نهائياً فإنه يحوز قوة الأمر المقضي في شأن صحة هذا العقد، ويمنع الخصوم أنفسهم من التنازع في هذه المسألة بالدعوى الراهنة ولو بأدلة قانونية أو واقعة لم يسبق إثارتها في الدعوى الأولى أو أثيرت ولم يبحثها الحكم الصادر بها، ولا يغير من ذلك اختلاف الطلبات في الدعويين وكونها في الدعوى الأولى صحة العقد ونفاذه، وفي الثانية بطلانه ذلك أن طلب صحة العقد وطلب بطلانه وجهان متقابلان لشيء واحد، والقضاء بصحة العقد يتضمن حتماً القضاء بأنه غير باطل، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه لا يكون مخالفاً للقانون، ويكون النعي عليه في هذا السبب على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.