أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 19 - صـ 1517

جلسة 12 من ديسمبر سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، وسليم راشد أبو زيد، ومحمد سيد أحمد حماد، وعلي عبد الرحمن.

(231)
الطعن رقم 451 لسنة 34 القضائية

إثبات. "الإثبات بالبينة". "المانع الأدبي". صورية. محكمة الموضوع.
تقدير قيام المانع الأدبي من الحصول على دليل كتابي في الأحوال التي يتطلب فيها القانون هذا الدليل هو من الأمور التي يستقل بها قاضي الموضوع. وجوب بيان الحكم بأسباب رفضه طلب الإحالة إلى التحقيق لقيام المانع الأدبي. وجود عقد مكتوب لا يمنع من قيام المانع الأدبي من الحصول على دليل كتابي على صورية العقد إذا توافرت شروط هذا المانع. جواز إثبات الصورية في هذه الحالة بالبينة والقرائن.
لئن كان تقدير قيام المانع الأدبي من الحصول على دليل كتابي في الأحوال التي يتطلب فيها القانون هذا الدليل هو من الأمور التي يستقل بها قاضي الموضوع، إلا أنه يتعين عليه في حالة رفضه هذا الطلب أن يضمن حكمه الأسباب المسوغة لذلك. فإذا أقام الحكم المطعون فيه قضاءه برفض طلب أحد العاقدين إثبات صورية العقد بالبينة لقيام مانع أدبي يحول دون الحصول على دليل كتابي على هذه الصورية - على أنه لا يمكن القول بقيام المانع الأدبي طالما أن العقد بين الطرفين قد ثبت بالكتابة فإن هذا من الحكم يكون خطأ في القانون ولا يسوغ رفض طلب الإثبات بالبينة، ذلك بأن وجود عقد مكتوب لا يمنع من قيام المانع الأدبي الذي يحول دون الحصول على دليل كتابي إذا توافرت شروطه، ومتى تحقق هذا المانع لدى العاقد الذي يطعن على العقد بالصورية فإنه يجوز له إثبات هذه الصورية بالبينة والقرائن عملاً بالمادتين 403 و407 من القانون المدني.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده عن نفسه وبصفته ولياً طبيعياً على أولاده القصر آمنه ومنى ومحمد أقام الدعوى رقم 406 سنة 1961 مدني كلي بور سعيد على الطاعن وقال شرحاً لها إنه بمقتضى عقد بيع ابتدائي مؤرخ 12 أغسطس سنة 1959 باع الطاعن له بصفته ولياً طبيعياً على أولاده القصر المذكورين حصة قدرها 4 ط و18 س في منزل كما باع الطاعن لولده ماهر 1 ط و12 س ولولده عبد العظيم 18 س في هذا المنزل وقبض من الثمن مبلغ 1250 منه 875 من ثمن حصة القصر ومبلغ 375 ج من ثمن حصة ولديه ماهر عبد العظيم أما باقي الثمن وقدره 500 ج فقد اشترط الوفاء به للطاعن عند التوقيع على العقد النهائي - وبعد أن تقدم المشترون لمصلحة الشهر العقاري بطلب شهر هذا العقد اتفق الطاعن مع المطعون ضده على التقابل في حصة القصر وتنفيذاً لهذا الاتفاق طلبا إلى مصلحة الشهر العقاري تعديل الطلب الأول بإخراج حصة القصر من عقد البيع وبذلك صار الطاعن ملزماً برد المدفوع من ثمن هذه الحصة إلا أنه امتنع عن الوفاء به للمطعون ضده فرفع عليه الدعوى طالباً الحكم بإلزامه بهذا المبلغ وفوائده القانونية من تاريخ قبضه حتى الوفاء - وقد ادعى الطاعن بتزوير عقد البيع وورقتين أخريين مقدمتين في الدعوى - كما رفع دعوى أصلية بتزوير هذه الأوراق - وبتاريخ 29 مايو سنة 1963 قضت محكمة بور سعيد الابتدائية برفض الادعاء بالتزوير وبصحة المستندات المدعى بتزويرها وبتغريم الطاعن 75 ج وبإلزامه بأن يدفع للمطعون ضده عن نفسه وبصفته مبلغ 875 ج والفوائد بواقع 4% من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 10 ديسمبر سنة 1961 فاستأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف المنصورة بالاستئناف رقم 92 سنة 4 ق مأمورية بور سعيد ودفع أمامها بصورية عقد البيع صورية مطلقة وقال إنه لم يقبض شيئاً من الثمن المطالب برده وطلب إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات هذه الصورية بكافة الطرق - وفي 12 مايو سنة 1964 قضت محكمة الاستئناف بتعديل الحكم المستأنف فيما قضى به من غرامة والاكتفاء بتغريم الطاعن 25 ج وبتأييده فيما عدا ذلك وفي 11 يوليه سنة 1964 طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه وبالجلسة المحددة لنظر الطعن صممت النيابة على هذا الرأي.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول إنه تمسك أمام محكمة الاستئناف بصورية عقد البيع صورية مطلقة وبأنه لم يقبض شيئاً من الثمن المنصوص عليه فيه وطلب إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات هذه الصورية بكافة طرق الإثبات القانونية تأسيساً على أنه يجوز له إثباتها بالبينة لوجود مانع أدبي حال بينه وبين الحصول على ورقة ضد هو أن المتصرف إليهم في هذا العقد هم أولاد ابنته التي توفيت حال حياته وأنه قصد من هذا البيع أن ينقل إليهم ملكية ما كان سيؤول إلى والدتهم بالميراث عنه وأنه حرر هذا العقد على إثر وفاة ابنته أم المشترين ولا يتصور أن يطلب منهم ورقة ضد ينص فيها على الغرض من البيع كما أنه ارتأى عدم الحصول على هذه الورقة خوفاً من احتمال أن تقع في يد أحد أعمام أحفاده المشترين فينكشف الأمر ولا يتحقق الغرض المقصود من هذا التصرف - وقد رفض الحكم المطعون فيه إجابة الطاعن إلى طلبه استناداً إلى ما قاله من أن الصورية بين المتعاقدين لا تثبت بغير الكتابة وأنه طالما أن العقد قد ثبت بالكتابة فإنه لا يمكن القول بقيام المانع الأدبي ويرى الطاعن أن هذا الذي قرره الحكم المطعون فيه مخالف للقانون وينطوي على قصور في التسبيب إذ أن إفراغ العقد الظاهر في كتابة لا يمنع من قيام المانع الأدبي الذي يجيز إثبات العقد الحقيقي بغير الكتابة. هذا إلى أن ما قرره الحكم لا يتضمن الرد على ما ذكره الطاعن عن ظروف تحرير العقد التي ترشح لقيام هذا المانع.
وحيث إن هذا النعي صحيح ذلك أنه يبين من الحكم المطعون فيه ومن المذكرة رقم 9 دوسيه المقدمة من الطاعن إلى محكمة الاستئناف أنه تمسك أمام تلك المحكمة بصورية العقد المؤرخ 12 أغسطس سنة 1959 صورية مطلقة وطلب إحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت هذه الصورة بالبينة على أساس أن صلة القرابة القائمة بينه وبين أحفاده المتصرف إليهم والظروف التي تم فيها هذا التصرف تعتبر مانعاً أدبياً من الحصول على دليل كتابي وقد رد الحكم المطعون فيه على هذا الدفاع بقوله "ومن حيث إن ما يقول به المستأنف (الطاعن) من إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات صورية العقد المؤرخ 12/ 8/ 1959 صورية مطلقة وأن الطرفين ما قصدا إلى بيع وأن المستأنف لم يقبض شيئاً من الثمن المزعوم سداده فهو قول لا ترى المحكمة الاستجابة إليه إذ أنه من المقرر أن الصورية بين الطرفين لا تثبت إلا بالكتابة ولا يمكن القول في هذا المقام بأن هناك مانعاً من الحصول على هذه الكتابة طالما أن المحرر بين الطرفين قد ثبت كتابة" - وهذا الذي قرره الحكم المطعون فيه مخالف للقانون ولا يصلح رداً على دفاع الطاعن سالف الذكر ذلك أنه وإن كان تقدير قيام المانع الأدبي من الحصول على دليل كتابي في الأحوال التي يتطلب فيها القانون هذا الدليل هو من الأمور التي يستقل بها قاضي الموضوع إلا أنه يتعين عليه في حالة رفضه هذا الطلب أن يضمن حكمه الأسباب المسوغة لذلك، ولما كان ما قرره الحكم المطعون فيه من أنه لا يمكن القول بقيام المانع الأدبي في حالة إفراغ التصرف المدعى بصوريته في محرر مكتوب خطأ في القانون إذ أن وجود عقد مكتوب لا يمنع من قيام المانع الأدبي الذي يحول دون الحصول على دليل كتابي إذا توافرت شروطه. ومتى تحقق هذا المانع لدى العاقد الذي يطعن على العقد بالصورية فإنه يجوز له إثبات هذه الصورة بالبينة والقرائن عملاً بالمادتين 403، 407 من القانون المدني، لما كان ما تقدم وكانت محكمة الاستئناف قد حجبت نفسها بهذا النظر الخاطئ عن إعمال سلطتها في تقدير الظروف التي ساقها الطاعن لتبرير قيام المانع الأدبي الذي تمسك به وعن الإدلاء برأيها فيما إذا كانت هذه الظروف تعتبر مانعة له من الحصول على الدليل الكتابي اللازم لإثبات الصورية التي ادعاها أو غير مانعة فإن حكمها المطعون فيه يكون معيباً بمخالفة القانون والقصور في التسبيب بما يستوجب نقضه دون حاجة لبحث باقي أوجه الطعن.