أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 19 - صـ 1521

جلسة 12 من ديسمبر سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: السيد عبد المنعم الصراف، وعثمان زكريا، ومحمد سيد أحمد حماد، وعلي عبد الرحمن.

(232)
الطعن رقم 475 لسنة 34 القضائية

حوادث طارئة. "شرط الإرهاق للمدين". "مناطه". محكمة الموضوع.
شرط الإرهاق للمدين من جراء الحادث الطارئ وتقدير مداه من سلطة محكمة الموضوع. مناط تحقيق هذا الإرهاق. الاعتبارات الموضوعية بالنسبة للصفقة ذاتها لا الظروف المتعلقة بشخص المدين.
تدخل القاضي لرد الالتزام إلى الحد المعقول طبقاً للمادة 147 من التقنين المدني رخصة من القانون يجب لاستعمالها تحقق شروط معينة أهمها شرط الإرهاق المهدد بخسارة فادحة، وتقدير مدى الإرهاق الذي أصاب المدين من جراء الحادث الطارئ هو مما يدخل في السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع ومناط هذا الإرهاق الاعتبارات الموضوعية بالنسبة للصفقة ذاتها لا الظروف المتعلقة بشخص المدين [(1)].


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده أقام على الطاعنين الدعوى رقم 428 سنة 1953 مدني كلي القاهرة طلب فيها الحكم بإلزامهما. متضامنين (أولاً) بمبلغ 290 ج و288 م قيمة القسطين المستحقين لمصلحة الأملاك الأميرية حتى 30/ 9/ 1952 ووجوب أداء الأقساط التي تستحق لتلك المصلحة مستقبلاً في مواقيتها حتى تمام سداد دينها جميعه وقدره 1642 ج و430 م (ثانياً) بمبلغ 3008 ج باقي ثمن العقار المبيع منه لهما وقال شرحاً لدعواه إنه بموجب عقد بيع مؤرخ 8 من يوليه سنة 1952 باع للطاعنين 41 ف و1 ط و11 س كان قد اشتراها من مصلحة الأملاك الأميرية بثمن قدره 9650 ج دفع منه 4320 ج عند التوقيع على العقد و680 ج بعد ذلك وتعهد الطاعنان بدفع باقي الثمن وقدره 3008 ج على ثلاثة أقساط الأول وقدره 1008 ج في أول نوفمبر سنة 1952 والثاني وقدره 1000 ج في يونيه سنة 1953 والثالث وقدره 1000 ج في أول يناير سنة 1954 واشترط في العقد على أن التأخير في دفع أي قسط في ميعاده يستتبع استحقاق باقي الأقساط وعلى أن يقوم الطاعنان بدفع أقساط دين مصلحة الأملاك وقدرها 1642 ج و430 م إلى المطعون ضده ليقوم بسدادها لها حتى يتسنى له التوقيع على العقد النهائي - ولكن الطاعنين لم ينفذا ما التزما به فلم يدفعا القسطين اللذين استحقا لمصلحة الأملاك كما لم يدفعا شيئاً من مؤجل الثمن. الأمر الذي اضطره لإقامة دعواه بطلباته المنوه عنها - وقد أقام الطاعنان بدورهما على المطعون ضده الدعوى رقم 945 سنة 1953 مدني كلي القاهرة انتهيا فيها إلى طلب الحكم أصلياً باعتبار ثمن الفدان من الأطيان المبيعة مبلغ 80 ج واحتياطياً بندب خبير لتقدير حقيقة ثمن الأطيان المذكورة في ظل قانون الإصلاح الزراعي واستندا في ذلك إلى أن ثمن الأطيان قد انخفض نتيجة حادث طارئ هو صدور قانون الإصلاح الزراعي الذي تحددت بموجبه القيمة الإيجارية للأرض الزراعية مما ترتب عليه أن أصبح التزامهما بأداء باقي الثمن مرهقاً بحيث يهددهما بخسارة فادحة، الأمر الذي يجوز لهما معه طلب رد هذا الالتزام إلى الحد المعقول طبقاً للمادة 147 من القانون المدني وبعد أن قررت محكمة الدرجة الأولى ضم الدعويين قضت في 6/ 12/ 1954 وقبل الفصل في موضوعهما بندب خبير لمعاينة الأرض المبيعة وتقدير ثمنها وقت التعاقد وثمنها في ضوء قانون الإصلاح الزراعي مؤسسة قضاءها على انطباق نظرية الظروف الطارئة على عقد البيع المبرم بين الطرفين وقدم الخبير تقريره منتهياً فيه إلى أن ثمن الفدان وقت التعاقد الحاصل في 8/ 7/ 1952 235 ج وأن ثمن الفدان شاملاً قيمة المنشآت التي أقامها البائع (المطعون ضده) على الأرض المبيعة يساوي في ضوء قانون الإصلاح الزراعي 150 ج - وبعد تقديم هذا التقرير طلب الطاعنان احتساب الثمن بواقع 120 ج للفدان الواحد والاكتفاء على أساس ذلك بما دفعاه من ثمن للبائع المطعون ضده مع إعفائهما من باقي الثمن المستحق له ومن الأقساط المستحقة لمصلحة الأملاك - وفي 26/ 2/ 1957 قضت محكمة الدرجة الأولى (أولاً) برفض دعوى المطعون ضده (ثانياً) وفي دعوى الطاعنين باعتبار ثمن الأطيان المبيعة 6159 ج و115 م على أساس ثمن الفدان 150 ج - استأنف المطعون ضده الحكم المذكور وقيد الاستئناف برقم 335 لسنة 47 ق القاهرة ومحكمة الاستئناف قضت في 11/ 5/ 1958 بتعديل ثمن الأطيان بجعله 7905 ج بدلاً من 9650 ج وتأييد الحكم المستأنف فيما عدا ذلك مؤسسة قضاءها على قسمة الخسارة الناجمة عن الحادث الطارئ بين طرفي النزاع، وبناء على طلب تقدم به المطعون ضده إلى ذات المحكمة قضت في 11 مايو سنة 1958 بتصحيح منطوق حكمها وجعله على النحو الأتي "بأن يضاف بعد جملة وجعله 7905 ج عبارة - وإلزام المستأنف عليهما (الطاعنين) بأن يدفعا متضامنين إلى المستأنف (الطاعن) مبلغ 1258 ج و540 م وأن يسددا إلى مصلحة الأملاك مبلغ 1642 ج و460 م مقسطاً بفوائده - طعن المطعون ضده في الحكم المذكور بطريق النقض وقيد طعنه برقم 259 سنة 28 ق وفي 21/ 3/ 1963 نقضت محكمة النقض الحكم المطعون فيه تأسيساً على أنه إذ قضى بتخفيض ثمن الأطيان المبيعة لم يلق بالاً إلى ما دفع به الطاعن (المطعون ضده حالياً) من أن هبوط أسعار الأطيان المبيعة لا يجعل تنفيذ التزام المدين مرهقاً ومهدداً بخسارة قادحة بل يعتبر من قبيل الخسارة المألوفة والتفاوت المعتاد في الأسعار وبذلك يكون قد أغفل البحث في دفاع جوهري لو ثبت لتغير به وجه الرأي في الدعوى - وإذ أعيد عرض القضية على محكمة الاستئناف قضت في 16 مايو سنة 1964 بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدعوى رقم 945 سنة 1953 كلي القاهرة المقامة من الطاعنين وفي الدعوى رقم 428 سنة 1953 كلي القاهرة المقامة من المطعون ضده بإلزام الطاعنين بأن يدفعا له مبلغ 3008 ج - طعن الطاعنان في الحكم المذكور بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه وبالجلسة المحددة لنظر الطعن صممت النيابة على رأيها.
وحيث إن الطعن بني على سببين ينعى الطاعنان في أولهما على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقولان إن الحكم المطعون فيه على الرغم من تسليمه بالفارق بين الثمن الذي بيع به الفدان وهو 235 ج كما جاء بالعقد وبين الثمن الذي قدره له الخبير وهو 150 ج بعد أن هبط إثر صدور قانون الإصلاح الزراعي - فإنه رفض تطبيق نظرية الظروف الطارئة تأسيساً على ما قاله من أن هذا الفارق عبارة عن ارتفاع واختلاف في السعر يوجد مثله في المعاملات المالية التي تتعرض للتقلبات العادية والتي لا ترهق من كاهل المدين، دون أن يدلل الحكم على ذلك من واقع أوراق الدعوى ومستنداتها حتى يمكن الاقتناع بأن الفارق الضخم بين الثمن الذي بيعت به الأطيان وبين قيمتها الحقيقية التي أصبحت عليها بعد الظرف الطارئ الذي حدث وهو صدور قانون الإصلاح الزراعي هو فارق يمكن غض الطرف عنه رغم ضخامته. وإذ جاء الحكم قاصر البيان في هذا الخصوص فإنه يكون باطلاً - وينعى الطاعنان بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقولان إن ذلك الحكم أخذ في تقدير الإرهاق الذي أصاب الطاعنين بمعيار خاطئ إذ أنه اعتبر انخفاض السعر في واقعة الدعوى انخفاضاً يحدث مثله في المعاملات المالية التي تتعرض للتقلبات العادية ولا ترهق كاهل المدين مع أن المعيار الصحيح الذي يجب الأخذ به عند البحث في انطباق نظرية الظروف الطارئة أو عدم انطباقها على دعوى ما هو معيار يجب أن يقوم على أساس من ظروف المدين في كل دعوى على حدة، فقد تطرأ على الأسعار زيادة ترفع الثمن المتفق عليه إلى ضعف قيمته ولا يكون في هذه الزيادة إرهاق للمدين وقد تقل هذه الزيادة ولكنها تعتبر زيادة مرهقة للمدين بالنظر إلى ظروفه الخاصة. وهذا ما أغفل الحكم المطعون فيه تحقيقه وأدى به إلى تطبيق معيار خاطئ على واقعة الدعوى فجاء بذلك معيباً بالخطأ في تطبيق القانون وبالقصور في التسبيب.
وحيث إن النعي بهذين السببين غير سديد، ذلك أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه بعدم انطباق نظرية الظروف الطارئة على قوله "إن المحكمة ترى باستقراء وقائع الدعوى أن فرق السعر في ثمن الفدان ما بين الثابت من العقد والذي قدره الخبير طبقاً لقانون الإصلاح الزراعي لا يعتبر من قبيل الزيادة التي لا يحتملها المدين أو أنها تهدده بالخسائر الفادحة في تنفيذ التزامه طبقاً لشروط التعاقد إذ أنها في حقيقتها عبارة عن ارتفاع واختلاف في السعر يوجد مثله في المعاملات المالية التي تتعرض للتقلبات العادية والتي لا ترهق من كاهل المدين، الأمر الذي يخرجها عن تطبيق نص المادة 147 من التقنين المدني مما يتعين معه القضاء بعدم انطباق نظرية الظرف الطارئ على خصوصية هذه الدعوى" - وهذا الذي قرره الحكم المطعون فيه وأقام عليه قضاءه لا مخالفة فيه للقانون ولا يشوبه قصور في التسبيب. ذلك بأن تدخل القاضي لرد الالتزام إلى الحد المعقول طبقاً للمادة 147/ 2 من القانون المدني رخصة من القانون يجب لاستعمالها تحقق شروط معينة أهمها شرط الإرهاق المهدد بخسارة فادحة، وتقدير مدى الإرهاق الذي أصاب المدين من جراء الحادث الطارئ هو مما يدخل في السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع. ومناط هذا الإرهاق الاعتبارات الموضوعية بالنسبة للصفقة ذاتها لا الظروف المتعلقة بشخص المدين. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد دلل - على ما سلف البيان - على انتفاء ذلك الشرط من ظروف الصفقة وملابساتها ومن أن ما طرأ على ثمن الفدان من انخفاض يعتبر من قبيل الخسارة المألوفة التي يحدث مثلها في المعاملات العادية، مما لا يرهق كاهل المدين إرهاقاً يجاوز حدود السعة. إذ كان ذلك وكان ما قرره الحكم في هذا الشأن سائغاً ومما يدخل في السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع وكافياً لحمل قضائه، فإن النعي عليه بمخالفة القانون وبالقصور في التسبيب يكون في غير محله.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.


[(1)] نقض 26 مارس سنة 1964 مج المكتب الفني س 15 ص 409 ونقض 21/ 3/ 1963 س 14 ص 347 ونقض 3/ 1/ 1963 س 14 ص 37.