أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 24 - صـ 807

جلسة 22 من مايو سنة 1973

برياسة السيد المستشار/ عباس حلمي عبد الجواد، وعضوية السادة المستشارين: عبد العليم الدهشان، ومحمود المصري، ومحمد طايل راشد، ومصطفى الفقي.

(141)
الطعن رقم 223 لسنة 38 القضائية

(1، 2، 3) حكم. "ترك الخصومة في الطعن". دعوى.
(1) ترك الخصومة في الطعن بعد انقضاء ميعاده  يتضمن النزول عن الحق فيه. علة ذلك.
(2) النزول عن الحق في الطعن. تحقق آثاره بمجرد حصوله دون حاجة إلى قبول الخصم الآخر. عدم جواز الرجوع في الترك الحاصل بعد فوات ميعاد الطعن. علة ذلك.
(3) عدم تقديم الطاعن دليلاً على أن تنازله عن الطعن كان نتيجة إكراه. أثره. عدم الاعتداد برجوعه فيه.
(4) قوة الأمر المقضي. إيجار.
قوة الأمر المقضي في مسألة كلية شاملة لا تمنع من نظر دعوى أخرى متى كان الخصمان في الدعوى الأولى قد تغير أحدهما أو كلاهما. م 405 مدني. مثال بشأن التزام المؤجر بقيمة استهلاك المياه.
1 - النزول عن الطعن - أو ترك الخصومة فيه حسب تعبير قانون المرافعات متى حصل بعد انقضاء ميعاد الطعن، فإنه يتضمن بالضرورة نزولاً من الطاعن عن حقه في الطعن، إذ هو لا يستطيع ممارسة هذا الحق ما دام ميعاد الطعن قد انقضى.
2 - إذ كان النزول عن الحق في الطعن يتم وتتحقق آثاره بمجرد حصوله وبغير حاجة إلى قبول الخصم الآخر، ولا يملك المتنازل أن يعود فيما أسقط حقه فيه، فإن ترك الخصومة بعد فوات ميعاد الطعن لا يجوز الرجوع فيه، اعتباراً بأنه يتضمن تنازلاً عن الحق في الطعن ملزماً لصاحبه بغير حاجة إلى قبول يصدر من المتنازل إليه.
3 - متى كان الطاعن لم يقدم دليلاً على أن الترك - التنازل عن الطعن - الحاصل منه كان نتيجة إكراه مبطل للرضا، فإنه يتعين عدم الاعتداد برجوعه فيه وإثبات هذا التنازل.
4 - القضاء في مسألة كلية شاملة أو مسألة أصلية أساسية لا يحوز قوة الأمر المقضي في تلك المسألة إلا بين الخصوم أنفسهم، إذ أن وحدة المسألة في الدعويين وكونها كلية شاملة لا يجوز إزاء صراحة نص المادة 405 من القانون المدني وإطلاقه أن تمنع من الدعوى الثانية متى كان الخصمان في الدعوى الأولى قد تغير أحدهما أو كلاهما.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعنين يستأجرون شققاً في العمارة رقم 39 بشارع القضاعي بالقاهرة والمملوكة للمطعون ضده ولعدم سدادهم مقابل استهلاك المياه عن المدة من أول يناير سنة 1962 حتى أخر أغسطس سنة 1965 فقد أقام عليهم المطعون ضده الدعاوى 203، 200، 196، 206، 197، 204 سنة 1966 مدني جزئي شبرا على التوالي بطلب الحكم بإلزام كل منهم في الدعوى المرفوعة عليه بقيمة استهلاك المياه عن المدة المذكورة، وقد قررت المحكمة ضم تلك الدعاوى ليصدر فيها جميعاً حكم واحد، وبتاريخ 8/ 6/ 1967 رفضت المحكمة تلك الدعاوى. استأنف المطعون ضده هذا الحكم أمام محكمة القاهرة الابتدائية وقيد استئنافه برقم 1726 سنة 1967 مدني مستأنف القاهرة، وبتاريخ 28/ 2/ 1968 قضت المحكمة الابتدائية بهيئة استئنافية بإلغاء الحكم المستأنف وبإلزام كل من الطاعنين الخمسة الأولين بمبلغ 55 ج والطاعن السادس بمبلغ 51 ج. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض، وبتاريخ 12/ 5/ 1968 وجه الطاعن الخامس إعلاناً لقلم كتاب محكمة النقض يقرر فيه بترك الخصومة في الطعن، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بإثبات ذلك الترك وبعدم جواز الطعن ممن عدا الطاعن الأول وبنقض الحكم بالنسبة لهذا الطاعن، وبجلسة 24/ 4/ 1973 قدم محامي المطعون ضده أمام هذه المحكمة عقد صلح موقع عليه من الطاعن الأول في 5/ 7/ 1970 يقر فيه بتنازله عن الطعن وطلب إثبات هذا التنازل، إلا أن محامي الطاعن المذكور قرر بتلك الجلسة أن موكله رجع في تنازله لصدوره منه تحت تأثير إكراه وطلب الفصل في الموضوع، وأبدت النيابة رأيها بعدم جواز الاعتداد بعدول هذا الطاعن عن تنازله، وطلبت إثبات نزوله عن الطعن وتمسكت برأيها السابق بالنسبة لباقي الطاعنين.
وحيث إنه لما كان الطاعن الخامس قد قرر بترك الخصومة في الطعن فإنه يتعين الحكم بقبول هذا الترك.
وحيث إنه لما كان الثابت أن الطاعن الأول قرر في عقد الصلح المؤرخ 5/ 7/ 1970 والموقع عليه منه بنزوله عن الطعن، وكان ذلك بعد فوات أكثر من ستين يوماً على تاريخ صدور الحكم المطعون فيه، فإن ميعاد الطعن في الحكم بالنقض يكون قد انقضى وقت إقراره بهذا النزول، وكان النزول عن الطعن - أو ترك الخصومة فيه حسب تعبير قانون المرافعات - متى حصل بعد انقضاء ميعاد الطعن، فإنه يتضمن بالضرورة نزولاً من الطاعن عن حقه في الطعن، إذ هو لا يستطيع ممارسة هذا الحق ما دام ميعاد الطعن قد انقضى، وإذ كان النزول عن الحق في الطعن يتم وتتحقق آثاره بمجرد حصوله وبغير حاجة إلى قبول الخصم الآخر، ولا يملك المتنازل أن يعود فيما أسقط حقه فيه فإن ترك الخصومة بعد فوات ميعاد الطعن لا يجوز الرجوع فيه، اعتباراً بأنه يتضمن تنازلاً عن الحق في الطعن ملزماً لصاحبه بغير حاجة إلى قبول يصدر من المتنازل إليه. لما كان ذلك، وكان الطاعن الأول لم يقدم دليلاً على أن الترك الحاصل منه كان نتيجة إكراه مبطل للرضا فإنه يتعين عدم الاعتداد برجوعه فيه وإثبات هذا التنازل.
عن الطعن بالنسبة إلى الطاعنين الثاني والثالث والرابع والسادس:
حيث إن الطعن بني على سببين يتحصل أولهما في أن الحكم المطعون فيه صدر على خلاف حكم سابق حائز لقوة الشيء المحكوم فيه هو الحكم الصادر في الدعوى رقم 127 سنة 1966 مدني كلي القاهرة التي كان المطعون عليه قد أقامها ضد الطاعن الأول بطلب إخلاء العين المؤجرة للتأخر في سداد قيمة استهلاك المياه، والذي انتهى إلى إلزام المؤجر "المطعون عليه" بها، ويرى الطاعنون أنه وإن كان الحكم المشار إليه قد صدر بين المطعون عليه وبين الطاعن الأول إلا أنه يشتري على جميع المستأجرين للعمارة، على أساس أنهم كانوا ممثلين اعتباراً في الدعوى الصادر فيها ذلك الحكم لوحدة المصلحة وطبيعة المنازعة، إذ القول بغير ذلك قد يؤدي إلى اختلاف الوضع بين أولئك المستأجرين في هذه المسألة الكلية، في حين أنه إذا فصل الحكم فيها على نحو معين كان ملزماً لهم جميعاً، واستحالت العودة إلى مناقشتها احتراماً لحجية ذلك الحكم، وإذ أهدر الحكم المطعون فيه حجية الحكم السابق، وقضى على خلافه فإن الطعن فيه بالنقض يكون جائزاً، ويتحصل السبب الثاني في أن الحكم المطعون فيه قد أعمل البند السابع عشر من عقود الإيجار الذي يقضي بإلزام المستأجرين بقيمة استهلاك المياه رغم مخالفة ذلك للعرف، ولما جرى التعامل بينهم وبين المطعون ضده لعدة سنوات خلت وهو ما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إنه لما كان الثابت من الحكم الصادر في الدعوى رقم 127 سنة 1966 مدني كلي القاهرة أن أحداً من هؤلاء الطاعنين لم يكن طرفاً فيه، فإنه لا يكون له حجية قبلهم فيما قضى به من إلزام المطعون عليه بقيمة استهلاك المياه للطاعن الأول ذلك أنه - وعلى ما تقضي به المادة 405 من القانون المدني - لا يكون للأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي حجية فيما فصلت فيه من الحقوق إلا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتعلق بذات الحق محلاً وسبباً، ومن ثم فإن قضاء الحكم المطعون فيه في تلك المسألة على خلاف الحكم الصادر في الدعوى آنفة الذكر لا يجوز الطعن فيه بالنقض استناداً إلى نص المادة 3 من القانون رقم 57 سنة 1959، وذلك لتخلف أحد شروطها، ولا يقدح في صحة هذا النظر ما يقوله الطاعنون من أن المسألة التي فصل فيها ذلك الحكم هي مسألة أصلية كلية، فيكون لهذا الفصل حجية مطلقة قبل جميع المستأجرين تحول دون العودة إلى مناقشة مسئولية المؤجر عن قيمة استهلاك المياه أو عدم مسئوليته في دعوى أخرى تالية، هذا الذي يقوله الطاعنون، لا يقدح في صحة النظر السابق ذلك أنه حتى في الأحوال التي تكون المسألة المقضى فيها مسألة كلية شاملة أو مسالة أصلية أساسية فإن هذا القضاء لا يحوز قوة الأمر المقضي في تلك المسألة إلا بين الخصوم أنفسهم، إذ أن وحدة المسألة في الدعويين وكونها كلية شاملة لا يجوز إزاء صراحة نص المادة 405 من القانون المدني وإطلاقه أن تمنع من الدعوى الثانية متى كان الخصمان في الدعوى الأولى قد تغير أحدهما أو كلاهما لما كان ذلك، وكان الحكم السابق الصادر في الدعوى رقم 127 لسنة 1966 خلافاً لما يقوله الطاعنون ليس من الأحكام التي تحوز حجية مطلقة فإن الطعن بهذا السبب يكون غير جائز لتخلف شرط من شروط المادة 3 من القانون 57 لسنة 1959 كما أن النعي بالسبب الثاني وهو لا يتدرج تحت الحالتين المنصوص عليهما في المادتين الثانية والثالثة من ذلك القانون والتي لا يجوز الطعن بالنقض في الأحكام الصادرة من المحاكم الابتدائية إلا فيهما يكون غير جائز أيضاً.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن بسببيه غير جائز بالنسبة إلى الطاعنين عدا الأول والخامس.