أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 19 - صـ 1565

جلسة 26 من ديسمبر سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، والسيد عبد المنعم الصراف، ومحمد صدقي البشبيشي، ومحمد سيد أحمد حماد.

(239)
الطعن رقم 182 لسنة 34 القضائية

( أ ) أموال. "العقار والمنقول". محل تجاري. بيع. "بيع مطحن".
اعتبار آلات المطحن الثابتة في الأرض على سبيل القرار عقاراً. بيع مطحن أرضاً ومبان وآلات. خلوه من الإشارة إلى مقومات المحل التجاري غير المادية وإلى المهمات والبضائع. بيع منصب على عقار لا منقول.
(ب) تسجيل. "العقود الناقلة للملكية". بيع. "بيع مطحن". ملكية. تأميم. "أثره على الملكية".
عدم تسجيل عقد بيع مطحن قبل حصول تأميمه. بقاء الملكية للبائع حتى نقلها التأميم إلى الدولة. لا يترتب على التأميم أو كونه عينياً انتقال هذه الملكية إلى المشتري بغير تسجيل ولا يغني تسليم المبيع عن التسجيل في نقل الملكية.
(ج) تأميم. "عينية التأميم". "انتقال الملكية بسبب التأميم". ملكية. عقد. "انفساخ العقد".
عينية التأميم معناها وروده على مشروع أو مشروعات بعينها دون اعتبار لشخص المالك أو الحائز لها. نقل ملكية المنشأة المؤممة إلى الدولة فور التأميم دون حاجة إلى تسجيل. بيع عقار من عناصر المشروع في تاريخ سابق على التأميم. يترتب على التأميم استحالة تنفيذ التزام البائع بنقل ملكية العقار إلى المشتري بصيرورة البائع - بسبب التأميم - غير مالك. انفساخ عقد البيع والقضاء برد ما دفع من الثمن. لا خطأ في القانون.
(د) تأميم. "تصرفات المالك السابقة على التأميم".
خلو قانون التأميم من نص خاص ينظم تصرفات المالك الثابتة التاريخ قبل العمل به كما هو شأن قانون الإصلاح الزراعي. بقاء هذه التصرفات خاضعة لأحكام القانون المدني.
(هـ) عقد. "انفساخ العقد". "أثره".
انفساخ العقد من تلقاء نفسه لاستحالة تنفيذ التزام أحد المتعاقدين لسبب أجنبي. أثر الانفساخ كأثر الفسخ: عودة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها وتحمل المدين تبعة استحالة التزامه.
(و) بيع. "تبعية هلاك المبيع". تأميم.
تحمل المشتري تبعة هلاك المبيع بعد انتقال الحيازة إليه بالتسليم. هذا الهلاك هو زوال الشيء المبيع من الوجود بمقوماته الطبيعية. ليس من قبيل ذلك التأميم.
(ز) شهر عقاري. "قواعد انتقال الملكية". نظام عام. تأميم. "قرار لجنة التقدير".
تعلق أحكام القانون 114 لسنة 1946 بالنظام العام. عدم جواز مخالفتها فيما يتعلق بانتقال ملكية العقار بمقولة اعتبار لجنة التقدير أصول المنشأة المؤممة وخصومها مملوكة للمشتري دون البائع بالمخالفة لأحكام القانون المذكور.
(ح) التزام. "أوصاف الالتزام". تضامن. حكم.
التضامن لا يفترض. وجوب رده إلى نص قانوني أو اتفاق صريح أو ضمني. استخلاص التضامن من عبارات العقد وظروفه. وجوب بيان الحكم كيف أفادت ذلك.
1 - جرى قضاء محكمة النقض على اعتبار آلات المطحن الثابتة في الأرض على سبيل القرار عقاراً فإذا كان الثابت بعقد البيع أنه انصب على أرض ومباني وآلات مطحن وأنه خلا من الإشارة إلى مقومات المحل التجاري غير المادية وإلى المهمات والبضائع فإن البيع يكون قد وقع على عقار ولم يتضمن بيع منقول.
2 - إذ كانت ملكية العقار لا تنتقل لا بين المتعاقدين ولا بالنسبة للغير إلا بالتسجيل وكان عقد بيع المطحن لم يسجل قبل حصول تأميمه فإن تلك الملكية تكون قد بقيت للبائع حتى نقلها التأميم إلى الدولة. ولا يترتب على التأميم أو كونه عينياً انتقال هذه الملكية إلى المشتري بغير تسجيل ولا يغني تسليم المبيع عن التسجيل في نقل الملكية.
3 - عينية التأميم لا تعني إلا أنه يرد على مشروع أو مشروعات بعينها دون اعتبار لشخص المالك أو الحائز لها ولئن كان يترتب على التأميم نقل ملكية المنشأة المؤممة إلى الدولة فور صدور قانون التأميم من يد الحائز لها أياً كان ودون حاجة إلى تسجيل إلا أنه لا أثر له على الالتزامات الناشئة عن عقد يتضمن بيع عقار من عناصر ذلك المشروع في تاريخ سابق على التأميم إلا من حيث ما ترتب عليه من استحالة تنفيذ التزام البائع بنقل ملكية العقار إلى المشتري ذلك أن البائع صار بصدور قانون التأميم غير مالك وأصبحت الدولة هي المالكة له قبل أن تنتقل ملكيته إلى المشتري. فإذا رتب الحكم المطعون فيه على استحالة تنفيذ التزام البائع بنقل الملكية إلى المشتري - بسبب التأميم - انفساخ العقد وقضى تبعاً لذلك برد ما دفع من الثمن فإنه لا يكون قد أخطأ في القانون.
4 - لم يتضمن قانون التأميم نصاً كالذي تضمنته قوانين الإصلاح الزراعي بالاعتداد بتصرفات المالك الثابتة التاريخ قبل العمل به بل إنه قد خلا من أي تنظيم لهذه التصرفات وبذلك بقيت على أصلها خاضعة لأحكام القانون المدني.
5 - ينفسخ عقد البيع حتماً ومن تلقاء نفسه طبقاً للمادة 159 من القانون المدني بسبب استحالة تنفيذ التزام أحد المتعاقدين لسبب أجنبي ويترتب على الانفساخ ما يترتب على الفسخ من عودة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد ويتحمل تبعة الاستحالة في هذه الحالة المدين بالالتزام الذي استحال تنفيذه عملاً بمبدأ تحمل التبعة في العقد الملزم للجانبين. فإذا أثبت الحكم المطعون فيه أن التزام البائعين بنقل ملكية المطحن المبيع قد صار مستحيلاً بسبب التأميم فإنه يكون قد أثبت أن استحالة تنفيذ هذا الالتزام ترجع إلى سبب أجنبي لا يد للبائع فيه وإذ كان وقوع الاستحالة بهذا السبب الأجنبي لا يعفي البائع من رد الثمن الذي قبضه بل إن هذا الثمن واجب رده في جميع الأحوال التي يفسخ فيها العقد أو ينفسخ بحكم القانون وذلك بالتطبيق للمادة 160 من القانون المدني ويقع الغرم على البائع نتيجة تحمله تبعة انقضاء التزامه الذي استحال عليه تنفيذه ومن ثم يكون غير منتج دفاع البائع بعدم وقوع خطأ منه.
6 - الهلاك المعنى بنص المادة 437 من القانون المدني - التي تجعل تبعة الهلاك على المشتري بعد انتقال الحيازة إليه بالتسليم هو - على ما جرى به قضاء محكمة النقض - زوال الشيء المبيع من الوجود بمقوماته الطبيعية وهو ما لا يصدق على التأميم.
7 - الأحكام الواردة في القانون رقم 114 لسنة 1946 بتنظيم الشهر العقاري متعلقة بالنظام العام ولذلك تكون القواعد التي قررتها قواعد آمرة وواجبة التطبيق حتماً ومن ثم لا تسوغ مخالفتها فيما يتعلق بانتقال ملكية العقار بمقولة إن لجنة التقدير قد قدرت أصول المنشأة - المؤممة - وخصومها باعتبار أنها مملوكة للمشتري دون البائع بالمخالفة لتلك الأحكام.
8 - لا يفترض التضامن ولا يؤخذ فيه بالظن ولكن ينبغي أن يرد إلى نص في القانون أو إلى اتفاق صريح أو ضمني وعلى قاضي الموضوع إذا استخلصه من عبارات العقد وظروفه أن يبين كيف أفادته هذه العبارات والظروف.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضدهم أقاموا على الطاعنين الدعوى رقم 3692 سنة 1962 مدني كلي القاهرة طالبين الحكم بفسخ عقد البيع الابتدائي المؤرخ 15 نوفمبر سنة 1961 مع إلزام البائعين متضامنين بأن يدفعوا لهم مبلغ اثنى عشر ألف جنيه والفوائد القانونية من تاريخ المطالبة الرسمية حتى السداد، وقالوا بياناً لدعواهم إنهم بتاريخ 15 نوفمبر سنة 1961حرروا عقد بيع يتضمن شراءهم من الطاعنين مطحناً آلياً مقابل ثمن إجمالي قدره 46200 جنيه، دفعوا منه ثلاثة آلاف جنيه كعربون ثم دفعوا تسعة آلاف أخرى تسلمها الطاعن الأول لحاسب جميع البائعين وحرر لهم إقراراً تعهد فيه بتسليم المطحن لهم بعد نقل بطاقة التموين إلى اسمهم والتنازل لهم عن الرخصة وبالتصديق بعد ذلك على عقد البيع النهائي. وحدث بعد تسليم المطحن إليهم أن صدر القانون رقم 42 لسنة 1962 في شأن تقرير مساهمة الحكومة في بعض الشركات والمنشآت، وترتب عليه تأميم نصف المطحن، وبذلك استحال على البائعين أن ينقلوا إليهم ملكية نصف المطحن لتأميمه، وهو ما يحول دون الوفاء بحاجتهم ولو علموا به ما أقدموا على التعاقد ومن ثم فقد اضطروا إلى إقامة الدعوى بطلباتهم سالفة الذكر. وأجاب البائعون على الدعوى بأن عقد البيع قد نفذ بتسليم المطحن إلى المشترين في 24 ديسمبر سنة 1961 ونقلت الرخصة لاسمهم وتم ذلك كله قبل تأميم نصف المطحن، وأنه غداة التأميم حررت السلطة القائمة عليه محضراً بتاريخ أول فبراير سنة 1962 أقر فيه المشترون بحصول البيع وتمسكوا به بأن ظلوا يتقاضون من مؤسسة المطاحن نصيبهم بحق النصف في إيرادات المطحن، وانتهى البائعون إلى أن طلب الفسخ ورد ما دفع من الثمن يكون لذلك في غير محله. وبتاريخ 19 يناير سنة 1963 قضت محكمة القاهرة الابتدائية بفسخ عقد البيع العرفي المؤرخ 15 نوفمبر سنة 1961 وإلزام البائعين بأن يدفعوا للمطعون ضدهم بتضامن المدعى عليه الأول مبلغ اثني عشر ألفاً من الجنيهات قيمة المدفوع من الثمن باعتبار النصف من المدعى عليه الأول والربع من المدعى عليه الثاني والربع من المدعى عليهم الثالث إلى الأخير وذلك مع الفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 7 أغسطس سنة 1962 حتى تمام السداد. استأنف البائعون هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 595 سنة 80 ق. ولدى نظر الاستئناف صدر القانون رقم 51 لسنة 1963 الذي أمم المطحن تأميماً كاملاً. وبتاريخ 21 يناير سنة 1964 قضت تلك المحكمة بتأييد الحكم المستأنف، فطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بعدم قبول الطعن شكلاً بالنسبة للطاعنين الأربعة الأخيرين ما لم يقدم محاميهم المقرر بالطعن عنهم التوكل الصادر له منهم. وبتاريخ 25 إبريل سنة 1968 قضت هذه المحكمة بعدم قبول الطعن المرفوع من أنجيل عزيز دواليبي عن نفسها وبصفتها ومن يوسف وأشمولى وكلود أولاد إلياس مسعد للتقرير به من غير ذي صفة وبقبول الطعن من فؤاد سليم مسعد ونقولا سليم مسعد شكلاً، وحددت لنظر الطعن جلسة 24 أكتوبر سنة 1968. وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه نقضاً جزئياً في خصوص قضائه بتضامن المدعى عليه الأول مع باقي المدعى عليهم في التزامهم بالرد. وبالجلسة المحددة لنظر الطعن أمام هذه الدائرة تمسكت النيابة برأيها.
وحيث إن الطعن بني على خمسة أسباب، ينعى الطاعنان بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه خطأه في نفي حصول التصرف، وفي بيان ذلك يقولان إن ذلك الحكم بعد أن لخص أسانيد الحكم الابتدائي أضاف أنه بعد صدور القانون رقم 51 لسنة 1963 الذي أمم المطحن تأميماً كاملاً يكون ذلك المطحن قد خرج من ملكية البائعين إلى ملكية الدولة وأنه لم يعد في استطاعة البائعين التصرف فيه. وأن هذا الذي أضافته محكمة الاستئناف قام أساساً على ما اعتقدته من أن العقد المؤرخ 15 نوفمبر سنة 1961 ليس تصرفاً، وأن التصرف في المطحن لم يحصل إلى أن تم تأميمه لعدم شهر ذلك العقد وأنه لم يعد في استطاعة البائعين التصرف فيه بسبب حصول هذا التأميم، وهو خطأ من الحكم المطعون فيه لأنه يبين من مدوناته ومدونات الحكم الابتدائي الذي أحال إليه ومن نص العقد أنه عقد بات استوفى أركانه وانصب على منشأة صناعية تجارية مقابل ثمن إجمالي شامل لكل مقوماتها، وأن ذلك العقد قد نفذ بتسليم المنشأة إلى المشترين، وبذلك يكون البيع قد انعقد صحيحاً قبل حصول التأميم بغير حاجة إلى تسجيل ويكون قد أنتج كل آثاره عدا انتقال الملكية بالنسبة للغير ولا يجوز لأي من المتعاقدين أن يحتج قبل الآخر بعدم التسجيل إذ لا مجال للحديث عن الشهر وعدمه إلا في دائرة الغير والحكم إذ تجاهل ذلك ونفى وقوع ذلك التصرف فيما بين المتعاقدين قبلا التأميم يكون قد أخطأ في القانون.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أنه يبين من مطالعة عقد البيع الابتدائي المؤرخ 15 نوفمبر سنة 1961 والإقرار الصادر من الطاعن الأول أن البيع قد انصب على أرض ومباني وآلات المطحن. لما كان ذلك وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على اعتبار آلات المطحن الثابتة في الأرض على سبيل القرار عقاراً، وكان عقد البيع قد خلا من الإشارة إلى مقومات المحل التجاري غير المادية وإلى المهمات والبضائع فإن البيع يكون قد وقع على عقار ولم يتضمن بيع منقول، وإذ كانت ملكية العقار لا تنتقل لا بين المتعاقدين ولا بالنسبة إلى الغير إلا بالتسجيل وكان عقد بيع المطحن لم يسجل قبل حصول التأميم فإن تلك الملكية تكون قد بقيت للبائعين حتى نقلها التأميم إلى الدولة، وبذلك استحال على البائعين تنفيذ التزامهم بنقلها إلى المشترين. ومتى تقرر هذا فإن الحكم المطعون فيه إذ قرر "وبما أنه بذلك يكون المطحن المذكور قد خرج من ملكية البائعين إلى ملكية الدولة ولم يعد في استطاعة البائعين التصرف فيه على أي شكل من الأشكال كان، ولا يغير من هذا الوضع استلام المشترين للمطحن لأن ملكيته لم تكن قد دخلت بعد في ذمة هؤلاء المشترين عن طريق شهر العقد الابتدائي". يكون قد انتهى إلى نتيجة صحيحة، ولا يؤثر في سلامته خطؤه في التعبير عن عدم استطاعة البائعين نقل ملكية المبيع إلى المشترين بعد التأميم بقوله إنه "لم يعد في استطاعة البائعين التصرف في المطحن بأي شكل من الأشكال". إذ أن سياق أسبابه وأسباب الحكم الابتدائي التي اعتمدها تدل على أن ما قصده من هذه العبارة إنما هو التعبير عن عدم استطاعة البائعين نقل ملكية المطحن المبيع بسبب انتقال ملكيته إلى الدولة نتيجة لتأميمه وليس نفي حصول التصرف في المطحن قبل التأميم أو نفي ما ينتجه عقد البيع غير مسجل من آثار عدا انتقال الملكية.
وحيث إن الطاعنين ينعيان بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه إغفاله لعينية التأميم وقيامه على أساس الملكية الفعلية للمنشأة، وفي بيان ذلك يقولان إن قوانين التأميم لا تعالج أمر ملكية عقارية أو أمر نزعها وإنما هي تنصب على مشروعات بعينها مالية كانت أو تجارية أو صناعية ولذلك كان التأميم عينياً أي ينصب على ذات المنشأة ولا يحفل إلا بالوجود الفعلي للمنشأة وكون هذا الوجود لازماً لغرض من أغراضه ولا يعنى بوصف يقوم بأصحابها ككونهم من كبار الملاك كما هو الحال في قوانين الإصلاح الزراعي أو بسند ملكيتهم من حيث كونه مسجلاً أو غير مسجل فإن التسجيل وثبوت التاريخ وإجراءات الشهر لا أثر لها بالنسبة للتأميم لأن الدولة تؤمم المنشأة الموجودة فعلاً بحالتها الواقعة الفعلية من صاحبها الحائز لها والمهيمن عليها والمتصرف فيها في الواقع بغض النظر عن كون ملكيته تستند إلى عقد أو لا تستند وما إذا كان عقده مسجلاً أو غير مسجل ثابت التاريخ أو غير ثابت - ومتى ثبت أن الدولة أممت المنشأة من صاحبها الفعلي طبقاً للواقع وليس طبقاً للقانون المدني الذي لا يخضع له - إذ التأميم مقرر مثله بقانون - أو طبقاً لقانون الشهر العقاري الذي لم يشر إليه قانون التأميم فإن عقد البيع يكون قد تنفذ حتى فيما يتعلق بنقل الملكية، وتكون الملكية قد انتقلت بقانون التأميم من الطاعنين إلى المطعون ضدهم ثم من هؤلاء بصفتهم مالكين فعليين حائزين إلى الدولة ولا يحتاج الأمر إلى شهر لأن صدور قانون التأميم يغني عنه لعلم الكافة به. وعلى ذلك فإن عدم تسجيل العقد المؤرخ 15 نوفمبر سنة 1961 لا يؤثر على الملكية الفعلية للمنشأة لأن هذه الملكية تتحقق بالعقد وبالتسليم النهائي وبالحيازة الفعلية ولو أن العقد قد سجل قبل التأميم ما تغير حال المشترين وما أغناهم هذا التسجيل عن التأميم شيئاً. ومحكمة الاستئناف إذ لم تلتزم قي قضائها هذه المبادئ تكون قد أخطأت في القانون.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أن عينية التأميم لا تعني إلا أنه يرد على مشروع أو مشروعات بعينها دون اعتبار لشخص المالك أو الحائز لها، ولئن كان يترتب على التأميم نقل ملكية المنشأة المؤممة إلى الدولة فور صدور قانون التأميم من يد الحائز لها أياً كان ودون حاجة إلى تسجيل إلا أنه لا أثر له على الالتزامات الناشئة عن عقد يتضمن بيع عقار من عناصر ذلك المشروع في تاريخ سابق على التأميم إلا بمقدار ما يحول دون تنفيذه من الالتزامات التي تتعارض مع أحكام التأميم ومتى تقرر ذلك فإنه لا أثر للتأميم على العلاقة بين البائعين والمشترين الناشئة عن عقد البيع العرفي المؤرخ 15 نوفمبر سنة 1961 إلا من حيث ما ترتب عليه من استحالة تنفيذ التزام البائعين بنقل ملكية العقار إلى المشترين ذلك أن البائعين صاروا بصدور قانون التأميم غير مالكين للمطحن الذي باعوه وأصبحت الدولة هي المالكة له قبل أن تنتقل ملكيته إلى المشترين وبذلك استحال على البائعين تنفيذ التزامهم بنقل ملكيته إلى أولئك المشترين، ومتى كان ذلك وكان قانون التأميم ولم يتضمن نصاً كالذي تضمنته قوانين الإصلاح الزراعي بالاعتداد بتصرفات المالك الثابتة التاريخ قبل العمل به بل إنه خلا من أي تنظيم لهذه التصرفات وبذلك بقيت على أصلها خاضعة لأحكام القانون المدني فإن عقد البيع المبرم بين الطرفين يظل من حيث العلاقة بين عاقديه خاضعاً لأحكام القانون المدني. فإذا كان ذلك وكان التسجيل شرطاً لازماً لانتقال ملكية العقار فيما بين المتعاقدين على ما سبق بيانه في الرد على السبب الأول وكان لا يترتب على التأميم أو كونه عينياً انتقال هذه الملكية بينهما بغير هذا التسجيل ولا يغني التسليم عنه شيئاً في نقل الملكية فإن الحكم المطعون فيه وقد التزم هذا النظر وقرر أنه يترتب على استحالة تنفيذ التزام البائعين بنقل الملكية إلى المشترين انفساخ العقد وقضي تبعاً لذلك برد ما دفع من الثمن فإنه لا يكون قد أخطأ في القانون.
وحيث إن حاصل السبب الثالث أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون ذلك أنه خلط بين براءة ذمة البائع من التزامه بنقل الحق المبيع إلى المشتري وبين عجزه عن الوفاء به وقد برئت ذمة البائعين من هذا الالتزام لأنهم نقلوا إلى المشترين الملكية الفعلية للمنشأة، ولم يدع المشترون أنهم وقعوا في غلط أو غش أو إكراه والفارق جسيم بين الواقعة الموجودة وقت التعاقد وبين الحادث الطارئ بعد التعاقد إذ الأولى هي التي تفتح باب إبطال العقد لا فسخه كما توهم الحكم الابتدائي أما إخلاف الأحداث لآمال المشترين بعد انعقاد العقد فإنه لا يحرر المشترين من التزاماتهم وإنما قد يخفضها عملاً بالمادة 147 من القانون المدني، ولقد سلم البائعون المنشأة إلى المشترين فترتب على ذلك انتقال المخاطر من عاتق البائعين إليهم عملاً بالمادة 437 من القانون المدني وعلى فرض أن التأميم هو زوال وضياع لمالية المنشأة فإن المشترين هم الذين يتحملون مخاطر هذا الضياع لأنه حصل بعد التسليم ولا يجوز تحميل البائعين تبعة المخاطر لعدم وقوع خطأ من جانبهم وليس يجدي الحكم الابتدائي أو الاستئنافي الاستناد إلى المادتين 443، 444 من القانون المدني لأن التأميم ليس استحقاقاً وإنما هو انتقال ثم لأن البائع لا يضمن الاستحقاق إلا إذا كان سببه سابقاً على البيع أو لاحقاً عليه ولكن بفعله وهو ما لم يتوفر في حق البائعين.
وحيث إن هذا النعي مردود بما سبق بيانه في الرد على السبب السابق من أن تسليم العقار دون تسجيل عقد بيعه لا ينقل الملكية إلى مشتريه لأن التسجيل شرط لازم لانتقالها، ولما كان ذلك وكان عقد البيع ينفسخ حتماً ومن تلقاء نفسه طبقاً للمادة 159 من القانون المدني بسبب استحالة تنفيذ التزام أحد المتعاقدين لسبب أجنبي ويترتب على الانفساخ ما يترتب على الفسخ من عودة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد ويتحمل تبعة الاستحالة في هذه الحالة المدين بالالتزام الذي استحال تنفيذه عملاً بمبدأ تحمل التبعة في العقد الملزم للجانبين. وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت أن التزام البائعين بنقل ملكية المطحن المبيع قد صار مستحيلاً بسبب التأميم فإنه يكون بذلك قد أثبت أن استحالة تنفيذ هذه الالتزام ترجع إلى سبب أجنبي لا يد للبائع فيه وإذ كان وقوع الاستحالة بهذا السبب الأجنبي لا يعفي الطاعنين البائعين من رد الثمن الذي قبضاه بل إن هذا الثمن واجب رده في جميع الأحوال التي يفسخ فيها العقد أو ينفسخ بحكم القانون وذلك بالتطبيق للمادة 160 من القانون المدني ويقع الغرم على البائعين نتيجة تحملهما تبعة انقضاء التزامهما الذي استحال عليهما تنفيذه - لما كان ما تقدم فإنه يكون غير منتج دفاع البائعين بعدم وقوع خطأ منهما. وليس يجدي الطاعنين قولهما إن تسليم المطحن قد نقل ضمان مخاطر المبيع من عاتق البائعين إلى عاتق المشترين عملاً بالمادة 437 من القانون المدني التي تجعل الهلاك على المشتري بعد انتقال الحيازة إليه بالتسليم ذلك أن الهلاك المعنى بنص تلك المادة هو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - زوال الشيء المبيع من الوجود بمقوماته الطبيعية وهو ما لا يصدق على التأميم. ولا محل لما يثيره الطاعنان في خصوص الاستحقاق لأن قضاء الحكم المطعون فيه قد قام أساساً على أن استحالة التنفيذ تؤدي إلى انفساخ العقد.
وحيث إن الطاعنين ينعيان بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه القصور. وفي بيان ذلك يقولان إنهما تمسكا في دفاعهما أمام محكمة الموضوع بأن المشترين قبلوا وضع المنشأة بعد التأميم وأن التأميم قد جرى على أساس وضعهم في المنشأة واستدلا على ذلك بما أقر به المطعون ضدهم في محضر إثبات الحالة بعد التأميم من أنهم اشتروا المطحن ومن قبضهم من الحكومة مبالغ تحت الحساب وأن لجنة التقدير قدرت أصول المنشأة وخصومها باعتبار أنها مملوكة للمطعون ضدهم إذ روعي في التقدير النقود والبضاعة الموجودة في المنشأة والتي لا شأن للبائعين بها ومع ذلك فإن الحكم المطعون فيه لم يعرض لهذا الدفاع الجوهري وبذلك شابه القصور.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن الحكم الابتدائي الذي أحال إلى أسبابه الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعنين المشار إليه بسبب الطعن ورد عليه بقوله "ولا وجه للتحدي بمحضر إثبات الحالة المحرر بناء على طلب المدعى عليه الأول بمعرفة مفتش التموين في 1/ 2/ 1962 ولا بقبول المدعين إن صح ما يدعيه المدعى عليهم لمبلغ 500 ج من حساب استغلال المطحن من مؤسسة المطاحن خلال الفترة من 1/ 2/ 1962 إلى 30/ 12/ 1962 إذ أن ذلك لا يعتبر بحال قبولاً منهم لمشاركة الحكومة لهم في ملكية المطحن مناصفة، تلك المشاركة التي تغل يد المدعين عن إدارة النصف الآخر الباقي لهم وليس من المقبول أن يرفض المدعون (المطعون ضدهم) قبول مثل هذا المبلغ بعد أن دفعوا من ثمن المطحن المبلغ الذي أقر به المدعى عليه الأول بمحضر إثبات الحالة المؤرخ 1/ 2/ 1962 وقدره 12175 ج" وإذ كان في هذا الذي قرره الحكم الرد الكافي على ما أثاره الطاعنان من دفاع في هذا الخصوص، وكانت الأحكام الواردة في القانون رقم 114 لسنة 1946 بتنظيم الشهر العقاري متعلقة بالنظام العام وبذلك تكون القواعد التي قررتها قواعد آمرة وواجبة التطبيق حتماً ولا تسوغ مخالفتها فيما يتعلق بانتقال ملكية العقار بمقولة إن لجنة التقدير قدرت أصول المنشأة وخصومها باعتبار أنها مملوكة للمطعون ضدهم فإن النعي على الحكم بالقصور يكون في غير محله.
وحيث إن حاصل السبب الخامس أن الحكم الابتدائي قد قضى بالتضامن بالنسبة للطاعن الأول بغير سند من القانون وقد نبه الطاعن الأول محكمة الاستئناف إلى هذا الخطأ ولكن الحكم المطعون فيه أيد الحكم الابتدائي بأخطائه ومنها خطؤه في القضاء بالتضامن وبذلك يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه.
وحيث إن هذا النعي سديد ذلك الحكم الابتدائي الذي أحال إليه الحكم المطعون فيه أقام قضاءه بالتضامن على قوله "على أن يكون التزام المدعى عليهم (البائعين) بالرد بتضامن المدعى عليه الأول (الطاعن الأول) مع باقي المدعى عليهم لقبضه مبلغ 9000 ج بمفرده لحساب الباقين ولعدم توقيع المدعى عليهما الأخيرين على عقد البيع العرفي" وهذا الذي قرره الحكم لا يكفي لحمل قضائه بهذا التضامن ذلك أن التضامن لا يفترض ولا يؤخذ فيه بالظن ولكن ينبغي أن يرد إلى نص في القانون أو إلى اتفاق صريح أو ضمني وعلى قاضي الموضوع أن يبين كيف استخلصه من عبارات العقد وظروفه. لما كان ذلك وكان ما ساقه الحكم في هذا الشأن لا يسوغ قانوناً قضاءه بالتضامن فإن الحكم يكون معيباً في هذا الشق من قضائه ويتعين لذلك نقض الحكم المطعون فيه نقضاً جزئياً.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه.
وحيث إن تضامن الطاعن الأول مع سائر البائعين لا سند له من القانون أو من الاتفاق.