أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 24 - صـ 894

جلسة 12 من يونيه سنة 1973

برياسة السيد المستشار/ عباس حلمي عبد الجواد، وعضوية السادة المستشارين: عدلي بغدادي، ومحمود المصري، ومحمد طايل راشد، ومصطفى الفقي.

(157)
الطعنان رقما 29 و31 لسنة 38 القضائية

(1، 2) إعلان "الإعلان للنيابة" محكمة الموضوع.
(1) إعلان الأوراق القضائية في النيابة. استثناء لا يصح اللجوء إليه إلا بعد القيام بتحريات كافية دقيقة للتقصي عن محل إقامة المعلن إليه وعدم الاهتداء إليه. ليس يكفي مجرد رد الورقة بغير إعلان.
كفاية تلك التحريات. أمر يخضع لتقدير محكمة الموضوع.
(2) تمسك أحد أفراد القوات المسلحة ببطلان إعلانه لمخالفة نص المادة 14/ 7 مرافعات. رفض المحكمة لهذا الدفع استناداً إلى أن صفته لم تذكر في أي ورقة من أوراق الدعوى وأن خصمه كان يجهل هذه الصفة. لا خطأ.
(3) إثبات.
لا يجوز أن يتخذ الشخص من عمل نفسه لنفسه دليلاً يحتج به على الغير.
(4) قوة الأمر المقضي.
الحجية فيما يتعلق بوقوع الجريمة ونسبتها إلى فاعلها أمام المحاكم المدنية. مناطها. صدور حكم في موضوع الدعوى الجنائية.
(5) مسئولية. نقض. "سلطة محكمة النقض". محكمة الموضوع. "سلطة محكمة الموضوع".
تكييف الفعل بأنه خطأ أو غير خطأ. خاضع لرقابة محكمة النقض. استخلاص الخطأ الموجب للمسئولية. من سلطة محكمة الموضوع ما دام استخلاصها سائغاً.
(6) إيجار. مسئولية. "المسئولية العقدية".
التزام المؤجر بصيانة العين المؤجرة وحفظها. أساسه المسئولية العقدية.
(7) نقض. مسئولية.
نسبة خطأ لكل من مالك العقار والمحافظ أدى إلى انهياره. نقض الحكم في خصوص قضائه بنفي المسئولية عن المحافظ. أثره. وجوب نقضه بالنسبة للمالك. علة ذلك.
1 - لئن كان صحيحاً - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة [(1)] - أن إعلان الأوراق القضائية في النيابة العامة بدلاً من إعلانها للشخص المراد إعلانه أو في محل إقامته - إنما أجازه القانون على سبيل الاستثناء، ولا يصح اللجوء إليه إلا إذا قام المعلن بالتحريات الكافية الدقيقة التي تلزم كل باحث مجد نزيه حسن النية للتقصي عن محل إقامة المعلن إليه، بحيث لا يكفي أن ترد الورقة بغير إعلان ليسلك المعلن هذا الطريق الاستثنائي، إلا أن تقدير كفاية التحريات التي تسبق الإعلان للنيابة أمر موضوعي يرجع إلى ظروف كل واقعة على حدتها، وتستقل محكمة الموضوع بتقديره دون ما رقابة عليها من محكمة النقض في ذلك ما دام قضاؤها قائماً على أسباب سائغة.
2 - لما كان الحكم المطعون فيه قد واجه دفاع الطاعن بشأن بطلان إعلانه بالاستئنافين بوصفه ضابطاً بالقوات المسلحة، ورد عليه بأسباب لا خطأ فيها قانوناً بقوله "أما القول بأنه نقيب احتياطي بالقوات المسلحة فهي صفة لم تذكر في أية ورقة من أوراق الدعوى، فكان كل من المستأنفين يجهل هذه الصفة، وهو لم يذكر صفته في دعواه المدنية التي رفعها...." لما كان ذلك، فإن الحكم إذ اعتبر الإعلان صحيحاً لا يكون قد جاوز السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع بما لا يعقب عليها من محكمة النقض لتعلقه بأمر موضوعي.
3 - لا يملك الشخص أن يتخذ من عمل نفسه لنفسه دليلاً يحتج به على الغير.
4 - الحجية فيما يتعلق بوقوع الجريمة ونسبتها إلى فاعلها تقوم أمام المحاكم المدنية - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - وما تقضي به المادة 456 من قانون الإجراءات الجنائية بناء على الحكم الجنائي الصادر من المحكمة الجنائية في موضوع الدعوى الجنائية.
5 - إنه وإن كان تكييف الفعل المؤسس عليه طلب التعويض بأنه خطأ أو نفي هذا الوصف عنه هو من المسائل التي يخضع قضاء محكمة الموضوع فيها لرقابة محكمة النقض، إلا أنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن استخلاص الخطأ الموجب للمسئولية هو مما يدخل في حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع ما دام هذا الاستخلاص سائغاً ومستمداً من عناصر تؤدي إليه من وقائع الدعوى.
6 - مسئولية المؤجر قبل المستأجر في صيانة العين المؤجرة وإجراء ما يلزم لحفظها هي وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة مسئولية عقدية يسري عليها أحكام العقد وما هو مقرر في القانون بشأنه.
7 - إذ كان المستأجرون قد أسسوا دعاواهم على أنه إلى جانب خطأ المالك يقوم خطأ آخر هو خطأ محافظ القاهرة بصفته "المطعون عليه الثاني" أدى إلى انهيار المنزل وإلحاق الضرر بهم، وكان الحكم المطعون فيه بعد أن نفى المسئولية عن المطعون عليه الثاني اعتبر أن الخطأ الذي أثبته في جانب المالك هو السبب في إحداث الضرر، وكانت هذه المحكمة قد نقضت الحكم المطعون فيه في خصوص قضائه بنفي المسئولية عن محافظ القاهرة وأحالت القضية في هذا الخصوص إلى محكمة الاستئناف للفصل في هذه المسئولية، وكان من شأن تحقق هذه المسئولية لو ثبتت التأثير في مسئولية المالك لما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة من أن فعل الغير يرفع المسئولية عن الأعمال الشخصية أو يخفف منها إذا اعتبر هذا الفعل خطأ في ذاته وأحدث وحده الضرر أو ساهم فيه. إذ كان ذلك، فإن نقض الحكم المطعون فيه بالنسبة إلى المحافظ يستتبع نقضه بالنسبة إلى المالك.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعنين في الطعن رقم 29 لسنة 38 قضائية أقاموا ضد المطعون عليهما الأول والثاني فيه الدعاوى 7530، 7531، 7532، 7533 لسنة 1963، 2336 لسنة 1964 مدني كلي القاهرة، وطلبوا فيها الحكم بإلزامهما متضامنين بأن يؤديا إليهم المبالغ المبينة بصحيفة تلك الدعاوى وذلك تعويضاً لهم عما أصابهم من أضرار نتيجة انهيار المنزل الذي يقطنون فيه بطريق الإيجار من مالكه - المطعون عليه الأول - أثر قيامه بتعليته بترخيص من المطعون عليه الثاني "محافظ القاهرة" وبعد أن ضمت المحكمة الابتدائية هذه الدعاوى ليصدر فيها حكم واحد ندبت في 29/ 7/ 1964 خبيراً لبيان السبب المباشر في انهيار المنزل وما إذا كان هو تأثير مياه الفيضان أم عيب في التصميم والإنشاء أم ثقل المباني الجديدة الصادر بإقامتها الترخيص المشار إليه أم غير ذلك من الأسباب، وبعد أن قدم الخبير تقريره حكمت المحكمة في 26/ 5/ 1966 بإلزام المطعون عليهما الأول والثاني بأن يدفعا متضامنين مبلغ ألفي جنيه للطاعنين الأول والثانية والخامس وألف جنيه للسادس وثمانمائة جنيه للثالث. استأنف المطعون عليهما المذكوران هذا الحكم بالاستئنافين رقمي 1093، 1076 لسنة 83 قضائية القاهرة. دفع الطاعنون الثالث والرابع والخامس باعتبار الاستئنافين كأن لم يكونا بالنسبة إليهم، لأنهم لم يعلنوا بهما خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تقديم صحيفتهما إلى قلم المحضرين. قررت محكمة الاستئناف ضم هذين الاستئنافين ليصدر فيهما حكم واحد، وفي 25/ 11/ 1967 قضت برفض هذا الدفع وبقبول الاستئنافين شكلاً وبإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به بالنسبة إلى المطعون عليه الثاني وبرفض الدعوى قبله، وبتعديل الحكم فيما قضى به بالنسبة إلى المطعون عليه الأول وبتخفيض المبالغ المقضى بها إلى النصف. طعن المستأجرون (الطاعنون) في الطعن رقم 29/ 38 قضائية في هذا الحكم ضد محافظ القاهرة والمالك بطريق النقض، كما طعن فيه المالك وقيد طعنه برقم 31 لسنة 38 قضائية وقدمت النيابة العامة مذكرة في الطعن الأول أبدت فيها الرأي برفضه وأخرى في الطعن الثاني رأت فيها نقض الحكم، وبالجلسة المحددة لنظر الطعنين أمرت المحكمة بضم ثانيهما إلى الأول ليصدر فيهما حكم واحد والتزمت النيابة رأيها فيهما.
أولاً: عن الطعن رقم 29/ 38 قضائية:
حيث إن الطاعنين الثالث والخامس ينعيان على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون برفضه الدفع باعتبار الاستئنافين الموجهين إلى كل منهما من المطعون عليهما كأن لم يكونا، إذ لم يعلن أولهما بالاستئناف رقم 1093/ 83 المرفوع من المطعون عليه الأول والمودعة صحيفته قلم المحضرين في 4/ 7/ 1966 إلا في 9/ 12/ 1966 كما لم يعلن به ثانيهما إلا في 17/ 4/ 1967 وكذلك لم يعلن أولهما بالاستئناف رقم 1176 لسنة 83 قضائية المرفوع من المطعون عليه الثاني والمودعة صحيفته قلم المحضرين في 24/ 7/ 1966 إلا في 6/ 4/ 1967، ولم يعلن به ثانيهما إلا في 26/ 3/ 1967، وبذلك تكون هذه الإعلانات قد تمت بعد فوات ميعاد الثلاثين يوماً المحددة في قانون المرافعات السابق، وأنه لا عبرة في ذلك بإعلانهما خلال هذا الميعاد في مواجهة النيابة العامة برغم عدم وجود موطن لهما إذ لم يكن هذا الإعلان مسبوقاً بتحريات دقيقة للتقصي عن موطنهما مما يعيبه بالبطلان، هذا إلى أن إعلان ثانيهما وهو ضابط بالقوات المسلحة لجهة الإدارة في الاستئناف رقم 1093 لسنة 83 قضائية باطل من وجه آخر لمخالفته حكم الفقرة السابقة من المادة الرابعة عشرة من قانون المرافعات السابق التي كانت توجب فيما يتعلق برجال الجيش ومن في حكمهم تسليم الورقة بواسطة النيابة إلى قائد الوحدة التابع لها الخصم، وإذ خالف الحكم المطعون فيه القانون في ذلك، وقضى برفض الدفع باعتبار الاستئنافين المشار إليهما كأن لم يكونا وبقبولهما فإنه يكون قد أخطأ في القانون.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه وإن كان صحيحاً وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن إعلان الأوراق القضائية في النيابة العامة بدلاً من إعلانها لشخص المراد إعلانه أو في محل إقامته - إنما أجازه القانون على سبيل الاستثناء، ولا يصح اللجوء إليه إلا إذا قام المعلن بالتحريات الكافية الدقيقة التي تلزم كل باحث مجد نزيه حسن النية للتقصي عن محل إقامة المعلن إليه، بحيث لا يكفي أن ترد الورقة بغير إعلان ليسلك المعلن هذا الطريق الاستثنائي، إلا أن تقدير كفاية التحريات التي تسبق الإعلان للنيابة أمر موضوعي يرجع إلى ظروف كل واقعة على حدتها، وتستقل محكمة الموضوع بتقديره دون ما رقابة عليها من محكمة النقض في ذلك ما دام قضاؤها قائماً على أسباب سائغة، ولما كان الحكم المطعون فيه قد رد على الدفع المبدى من الطاعن الثالث باعتبار الاستئنافين المرفوعين ضده كأن لم يكونا بقوله "هذا الدفع غير صحيح لأنه في الاستئناف رقم 1093 لسنة 83 ق أعلن لأول مرة في 5/ 7/ 1966 وأعيدت الأوراق بدون إعلانه لعدم الاستدلال، ثم أعيد إعلانه في 26/ 7/ 1966 مخاطباً مع الإدارة لغلق مسكنه الجديد، أي أنه أعلن في بحر الثلاثين يوماً.. ولأنه في الاستئناف رقم 1176 لسنة 83 ق أعلن لأول مرة في 26/ 7/ 1966 فأعيدت الأوراق بدون إعلانه فأعيد إعلانه في 21/ 8/ 1966 في مواجهة النيابة العامة أي أنه أعلن في بحر الثلاثين يوماً المذكورة" كما رد الحكم على الدفع الماثل المبدى من الطاعن الخامس بقوله "هذا الدفع غير صحيح لأنه في الاستئناف رقم 1093 لسنة 83 ق أعلن لأول مرة في 26/ 7/ 1966 فأعيدت الصحيفة بدون إعلان في مواجهة النيابة العامة في 21/ 8/ 1966 أي في ميعاد الثلاثين يوماً.... ولأنه في الاستئناف رقم 1176 لسنة 83 ق أعلن لأول مرة في 5/ 7/ 1966 فأيدت الصحيفة بدون إعلانه في 25/ 7/ 1966 مع الإدارة لغيابه وامتناع من بالمنزل عن تسلم الإعلان أي في ميعاد الثلاثين يوماً المذكورة... أما قوله بأنه نقيب احتياطي بالقوات المسلحة فهي صفة لم تذكر في أية ورقة من أوراق الدعوى، فكان كل من المستأنفين يجهل هذه الصفة وهو لم يذكر صفته في دعواه المدنية التي كان رفعها لاحقاً لإجراء تحقيقات الجنحة"، ولما كان الطاعنان لم يبينا في طعنهما وجه نعيهما على الحكم المطعون فيه فيما انتهى إليه من صحة إعلانهما في مواجهة جهة الإدارة، وهو إجراء موافق لحكم المادة 12 من قانون المرافعات السابق الذي تم الإعلان في ظله في حالة عدم وجود الشخص المطلوب إعلانه في موطنه وعدم وجود أحد ممن أجازت تلك المادة تسليم ورقة الإعلان إليه أو امتناع من وجد منهم عن تسلمها، وكانت أوراق الطعن قد خلت مما يمكن الاستدلال منه على أنه لو بذل المطعون عليهما جهداً في سبيل الاهتداء إلى الموطن الجديد للطاعنين لتوصلا إلى معرفته ولاستطاعا إعلانهما فيه فيما بقى من الميعاد المحدد للإعلان، كما أنه لما كان الحكم المطعون فيه قد واجه دفاع الطاعن الخاص بشأن بطلان إعلانه بالاستئنافين بوصفه ضابطاً بالقوات المسلحة، ورد عليه بأسباب لا خطأ فيها قانوناً. لما كان ذلك، فإن الحكم إذ اعتبر تلك الإعلانات صحيحة لا يكون قد جاوز السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع بما لا معقب عليها فيه من محكمة النقض لتعلقه بأمر موضوعي، ويكون النعي على الحكم المطعون فيه بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال، ويقولون في بيان ذلك إنهم أسسوا دعواهم قبل محافظ القاهرة - المطعون عليه الثاني - على أن تابعيه من العاملين بمصلحة التنظيم كانوا ضالعين مع المطعون عليه الأول في الأخطاء التي وقعت منه وأدت إلى انهيار المنزل مما ترتب عليه الضرر المطالب بالتعويض عنه، وأنه علاوة على أنه لم يثبت أن المطعون عليه الأول قد أجرى الإصلاحات المحددة بنموذج الخلل فإن خطأ تابعي المطعون عليه الثاني قد امتد إلى إصدار ترخيص بإقامة بناء جديد فوق ذلك المنزل بغير اطلاع على الملف الخاص به والوقوف على حالته للتحقق من صلاحيته لتحمل ذلك البناء الجديد، وذلك أخذاً بما أقر به رجال مصلحة التنظيم في تحقيق النيابة العامة من أنهم لم يكونوا على علم بسبق تحرير نموذج خلل بشأن ذلك المنزل، وأنهم استندوا في إصدار الترخيص بالبناء إلى مجرد معاينة ظاهرية للمنزل، وهو ما ينهض بذاته خطأ موجباً للمسئولية، غير أن الحكم المطعون فيه التفت عن ذلك كله، وأقام قضاءه برفض الدعوى قبل المطعون عليه الثاني على دليل سلبي قوامه القول بأن عدم إقامة الدعوى الجنائية على المالك - المطعون عليه الأول بتهمة عدم تنفيذه الإصلاح المكلف به بموجب نموذج الخلل الموجه إليه يعد دليلاً على قيامه بهذا الإصلاح، وأنه لا خطأ في إصدار ترخيص بالبناء الجديد، وإذ انتزع الحكم ذلك من أصول لا تنتجه فإنه يكون قد جاء فيها مشوباً بالفساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي سديد، ذلك أنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه قد أقام قضاءه بنفي مسئولية المطعون عليه الثاني وبرفض الدعوى قبله على قوله "يبين من الاطلاع على ملف نموذج الخلل أنه لم تتخذ إجراءات قضائية ضد المالك "المطعون عليه الأول" لعدم تنفيذه، فالتنظيم متى قام بعمل نموذج خلل فإنه يراقب المالك فيما إذا قام بعمل الإصلاحات في المدة المحددة به من عدمه فإذا لم يقم المالك بها حررت له مخالفة وقدم للمحاكمة، وعدم تقديم المالك للمحاكمة يدل على أنه قام بهذه الإصلاحات، وقد جاء بتقرير مراقبة التنظيم أنه عندما تقدم المالك بطلب الحصول على ترخيص لبناء أربع غرف على جزء من سطح المنزل قام المهندس المختص بمعاينته ولم يلاحظ أي خلل ظاهري بالمنزل، وقرر مالك المنزل أنه قام بالإصلاحات التي أعلن بها في نموذج الخلل المذكور، كما قرر المستأنف عليهم (الطاعنون) مستأجرو المنزل في تحقيق النيابة العامة أن المالك قام بهذه الإصلاحات... فأقوال المستأنف عليهم جميعاً تؤكد أن مالك المنزل قد قام بتنفيذ نموذج الخلل وأن مهندسي التنظيم لم يتوانوا في متابعته حتى قام بالتنفيذ، ومن ثم فلم يرتكبوا أي خطأ من هذه الناحية"، ويبين من ذلك أن الحكم قد اتخذ من قول المطعون عليه الأول إصلاحه المنزل، ومن عدم محاكمته جنائياً بتهمة عدم إجرائه ذلك الإصلاح دليلاً على قيامه به، كما استخلص الحكم ذلك من قول مهندس التنظيم بعدم ملاحظته خللاً ظاهرياً بالمنزل عند معاينته له قبل إصدار الترخيص بتعليته، ومن أقوال الطاعنين في تحقيق النيابة العامة، ورتب على ذلك انتفاء مسئولية المطعون عليه الثاني، ولما كان قول المطعون عليه الأول بقيامه بإصلاح المنزل وفق نموذج الخلل لا يصلح في القانون دليلاً على صحة هذه الواقعة، إذ لا يملك الشخص أن يتخذ من عمل نفسه لنفسه دليلاً يحتج به على الغير، وكان عدم إقامة الدعوى الجنائية ضد ذلك المطعون عليه بتهمة عدم تنفيذه ما كلف به من إصلاح بموجب نموذج الخلل لا ينهض دليلاً على قيامه بذلك لانتفاء التلازم بين الأمرين، ولأن الحجية فيما يتعلق بوقوع الجريمة ونسبتها إلى فاعلها إنما تقوم أمام المحاكم المدنية - وعلى ما تقضي به المادة 456 من قانون الإجراءات الجنائية - بناء على الحكم الجنائي الصادر من المحكمة الجنائية في موضوع الدعوى الجنائية، وكان ما أسنده الحكم المطعون فيه إلى مستأجري المنزل الطاعنين من أنهم قرروا أن المالك (المطعون عليه الأول) قد قام بتلك الإصلاحات، يخالف الثابت من مدونات الحكم، إذ لم يرد على لسان الطاعنين الثالث والخامس والسادس سوى أنهم لم يلحظوا بالمنزل خللاً إلا ليلة انهياره مما لا يفيد المعنى الذي نسبه الحكم إليهم، ويكون ما خلص إليه من إجماع الطاعنين على تأكيد قيام المالك بتنفيذ ما كلف به بموجب نموذج الخلل منتزعاً من مصدر لا يؤدي إليه، وكان عدم ملاحظة مهندس التنظيم وجود خلل ظاهري بالمنزل عند معاينته له قبل الترخيص بتعليته لا ينفي وجود خلل فعلي فيه ولا تثبت سلامته وقدرته بالتالي على تحمل الأبنية الجديدة المطلوب الترخيص بها، ولا يدفع ما تمسك به الطاعنون من أن الخطأ ثابت في جانب تابعي المطعون عليه الثاني من أنه كان عليهم قبل الترخيص للمالك بالبناء التأكد ببراءته من قيامه بإجراء الإصلاح المكلف به باعتباره إصلاحاً ضرورياً للمحافظة على سلامة المنزل ومنع تزايد الخلل الذي شوهد فيه، مما أشار إليه الحكم المطعون فيه ولم يرد عليه بغير ما سلفت الإشارة إليه من أسباب، على الرغم مما تقضي به المادتان الأولى والثانية من القانون رقم 45 لسنة 1962 في شأن تنظيم المباني من عدم جواز إنشاء بناء أو تعليته إلا بعد الحصول على ترخيص في ذلك من الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم، التي لا تصرف هذا الترخيص إلا متى ثبت لها أن مشروع البناء أو الأعمال المطلوب تعليتها مطابقة للشروط والأوضاع المنصوص عليها قانوناً، وما تحظره المادة الحادية عشرة من ذلك القانون من إقامة بناء إلا إذا كان مطابقاً للأصول الفنية، لما كان ما تقدم فإن الحكم المطعون فيه يكون فيما قضى به من رفض دعوى الطاعنين قبل المطعون عليه الثاني بناء على الأسباب آنفة الذكر مشوباً بالفساد في الاستدلال المبطل لقضائه بما يستوجب نقضه في هذا الخصوص وإحالة القضية إلى محكمة الاستئناف.
ثانياً: عن الطعن رقم 31 لسنة 38 قضائية:
حيث إن هذا الطعن أقيم على سبب واحد ينعى به الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب ويقول في بيان ذلك إنه بعد أن نفى هذا الحكم عنه ما كان قد أسنده إليه الحكم الابتدائي من أنه لم يقم بإصلاح الخلل الذي أثبتت الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم وجوده في المنزل المملوك له، كما استبعد الحكم مجاوزته حدود الترخيص الصادر له من تلك الجهة بإقامة أربع غرف فوق سطح المنزل، أسس الحكم المطعون فيه قضاءه بمسئوليته عن التعويض على مجرد القول بأنه قام ببناء الغرف على الرغم من علمه بسبق وجود خلل بالمنزل وعدم تحمله بالتالي أبنية جديدة فوقه، هذا في حين أن بناء تلك الغرف التي لم تكن قد اكتملت وقت انهيار المنزل إنما كان بعد إصلاح ما أصابه من خلل، وبعد حصول الطاعن على ترخيص بالبناء من الجهة المختصة لم تصدره إلا نتيجة معاينة قام بها مهندس التنظيم، علاوة على المهندس النقابي الذي عهد إليه الطاعن بوضع التصميم المعماري للتعلية الجديدة، وقد دلت المعاينة على تحمل أبنية المنزل للتعلية المرخص بها، وهو ما لا يعد خطأ من جانب الطاعن، هذا إلى أنه لا تلازم بين ما قرره الحكم من أن انهيار المنزل مرده إلى زيادة التحميل عليه وبين اعتبار هذه الزيادة بذاتها خطأ من الطاعن يستوجب مسئوليته، إذ لا تعني السببية بين الفعل والضرر عن وجوب توافر وصف الخطأ في هذا الفعل، مما يعيب الحكم بالقصور في التسبيب والخطأ في القانون.
وحيث إنه وإن كان تكييف الفعل المؤسس عليه طلب التعويض بأنه خطأ أو نفي هذا الوصف عنه هو من المسائل التي يخضع قضاء محكمة الموضوع فيها لرقابة محكمة النقض، إلا أنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن استخلاص الخطأ الموجب للمسئولية هو مما يدخل في حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع ما دام هذا الاستخلاص سائغاً ومستمداً من عناصر تؤدي إليه من وقائع الدعوى ولما كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنه قد استند في إثبات خطأ الطاعن إلى قوله "إنه أخطأ في بناء أربع الغرف المرخص بها، وهذه المسئولية ثابتة ثبوتاً مؤكداً في حقه، فعلى فرض أنه لم يتجاوز الترخيص فما كان له أن يبني أربع الغرف لعلمه بأن المنزل سبق به خلل أصلح، فهو بذلك لا يتحمل مباني جديدة فوقه، وقد جاء بتقرير الخبير المنتدب أن السبب الرئيسي لانهيار المنزل هو زيادة التحميل على المباني القديمة ببناء الإنشاءات الجديدة، والمحكمة تأخذ بهذا التقرير لصحته وصحة أسبابه، ولولا قيام المستأنف الطاعن في الطعن رقم 31 لسنة 38 قضائية بإقامة أربع الغرف - ولو لم تكتمل بعد - لما حصل الانهيار فكان قيامه بهذه الإقامة سبباً لانهيار المنزل" لما كان ذلك فإن الحكم يكون قد أفصح عن أن إقدام الطاعن على إنشاء أبنية جديدة فوق منزل يعلم بسبق اختلال مبانيه بما يفقده القدرة على تحمل المزيد من الأعمال يعد خطأ من جانبه، وإذ كانت مسئولية المؤجر قبل المستأجر عن صيانة العين المؤجرة، وإجراء ما يلزم لحفظها هي - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة مسئولية عقدية يسري عليها أحكام العقد وما هو مقرر في القانون بشأنه، وكان ما وقع من الطاعن من أفعال اعتبرها الحكم المطعون فيه خطأ موجباً للمسئولية هو كذلك لما فيه من إخلال بالتزامات المؤجر، وكان ما استند إليه الحكم في ثبوت الفعل الذي اعتبره بحق خطأ مستمداً من أوراق الدعوى وكان استخلاصه سائغاً وكافياً لحمل قضائه في هذا الخصوص، فإن النعي عليه بالخطأ في القانون والقصور في التسبيب يكون في غير محله، ولما كان المستأجرون (الطاعنون في الطعن رقم 29 لسنة 38 قضائية) قد أسسوا دعاواهم على أنه إلى جانب خطأ المالك (المطعون عليه الأول في هذا الطعن) يقوم خطأ آخر هو خطأ محافظ القاهرة بصفته "المطعون عليه الثاني" أدى إلى انهيار المنزل وإلحاق الضرر بهم، وكان الحكم المطعون فيه بعد أن نفى المسئولية عن المطعون عليه الثاني اعتبر أن الخطأ الذي أثبته في جانب المالك هو السبب في إحداث الضرر. لما كان ما تقدم، وكانت هذه المحكمة وعلى ما سلف البيان قد نقضت الحكم المطعون فيه في خصوص قضائه بنفي المسئولية عن محافظ القاهرة وأحالت القضية في هذا الخصوص إلى محكمة الاستئناف للفصل في هذه المسئولية، وكان من شأن تحقق هذه المسئولية - لو ثبتت التأثير في مسئولية المالك، لما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة من أن فعل الغير يرفع المسئولية عن الأعمال الشخصية أو يخفف منها، إذا اعتبر هذا الفعل خطأ في ذاته وأحدث وحده الضرر أو ساهم فيه. لما كان ما سلف جميعه فإن نقض الحكم المطعون فيه بالنسبة إلى المحافظ يستتبع نقضه بالنسبة إلى المالك.
وحيث إنه لما تقدم يتعين نقض الحكم المطعون فيه.


[(1)] نقض 12/ 3/ 1970 مجموعة المكتب الفني السنة 31 ص 446، نقض 30/ 4/ 1970 مجموعة المكتب الفني السنة 21 ص 748.