أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 24 - صـ 940

جلسة 19 من يونيه سنة 1973

برياسة السيد المستشار/ عباس حلمي عبد الجواد، وعضوية السادة المستشارين: عبد العليم الدهشان، ومحمود المصري، ومحمد طايل راشد، ومصطفى الفقي.

(163)
الطعن رقم 229 لسنة 38 القضائية

(1) بنوك. تأمينات عينية. "الرهن الحيازي". تعويض. مسئولية.
تأسيس القضاء بالتعويض على وقوع خطأ من البنك يستوجب مسئوليته ببيعه الغلال المرهونة لديه دون التنبيه على المدين بالوفاء قبل استصدار إذن بالبيع من القاضي. لا خطأ.
(2) دعوى. "تكييف الدعوى". محكمة الموضوع. "سلطتها في فهم الواقع.
التزام محكمة الموضوع بإعطاء الدعوى وصفها الحق وتكييفها القانوني الصحيح. عدم تقيدها بتكييف الخصوم لها.
(3) إثبات. "عبء الإثبات".
التزام المدعي بأي ادعاء بإقامة الدليل على ما يدعيه، سواء كان المدعي أصلاً في الدعوى أو المدعى عليه فيها.
(4) إثبات. "ضم الأوراق". حكم. "التسبيب الكافي".
محكمة الموضوع. عدم التزامها بإجابة طلب أحد الخصوم بضم أوراق أخرى. حسبها إقامة قضائها على ما يكفي لحمله.
1 - لما كان يبين مما قرره الحكم أنه أسس قضاءه بالتعويض على أن البنك الطاعن قد وقع منه خطأ يستوجب مسئوليته ببيعه الغلال المرهونة لديه دون اتباع ما تقضي به المادة 78 من قانون التجارة من وجوب التنبيه على المدين بوفاء الدين قبل استصدار إذن من القاضي بالبيع، ولم يؤسس الحكم قضاءه بالمسئولية على مجرد امتناع البنك الطاعن عن رد الغلال المرهونة على نحو ما ذهب إليه الطاعن في طعنه - فإن النعي على الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه يكون غير صحيح.
2 - من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن محكمة الموضوع ملزمة بإعطاء الدعوى وصفها الحق وتكييفها القانوني الصحيح دون أن تتقيد في ذلك بتكييف الخصوم لها، وإذ حصل الحكم المطعون فيه بما له من سلطة فهم الواقع أن دعوى المطعون عليه هي مطالبة بتعويض عن الأضرار التي حاقت به بسبب خطأ الطاعن، فإن الحكم المطعون فيه لا يكون قد أخطأ في القانون.
3 - لما كان المطعون عليه قد أنكر على البنك الطاعن حصول التنبيه بالوفاء، وكان هذا الأخير وهو الذي يباشر الإجراءات قد ادعى حصول هذا التنبيه، فإنه بذلك يصير مدعياً بهذا الادعاء ومطالباً بأن يقيم الدليل على ما يدعيه بغض النظر عما إذا كان هو المدعي أصلاً في الدعوى أو المدعى عليه فيها، وتكون مطالبته بتقديم هذا الدليل لا خطأ فيها.
4 - جرى قضاء هذه المحكمة على أنه متى كانت الأوراق المقدمة في الدعوى أمام محكمة الموضوع كافية لتكون عقيدتها، فلا تثريب عليها إذا هي لم تأمر بضم أوراق أخرى استجابة لطلب أحد الخصوم، وهي غير ملزمة بتكليف الخصم الذي لم يقدم دليلاً على دفاعه بتقديم هذا الدليل أو لفت نظره إلى مقتضيات هذا الدفاع، وحسبها أن تقيم قضاءها وفقاً للمستندات والأدلة المطروحة عليها بما يكفي لحمله.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه الأول أقام على الطاعن وعلى باقي المطعون عليهم الدعوى رقم 597 سنة 1963 مدني كلي أسيوط طالباً الحكم بإلزامهم متضامنين بأن يؤدوا إليه مبلغ 619 ج، وقال في بيان دعواه إنه بمقتضى عقد مؤرخ 6/ 1/ 1959 فتح له البنك الطاعن اعتماداً بحساب جار بضمان بضائع يودعها لديه وتعتبر مرهونة لصالحه رهناً حيازياً، وإنه تنفيذاً لهذا العقد أودع المطعون عليه الأول لدى البنك 168 أردباً من السمسم وثمانية أرادب من الحلبة محصول سنة 1958، وإنه عندما أراد استردادها من البنك مقابل قيامه بالوفاء بدينه رفض، بحجة أنه أوقع عليها حجز تحت يده كطلب المطعون عليه الأخير وإنه على الرغم من أن الحجز لم يوقع إلا على 21 أردباً من السمسم وأن الحاجز قد تنازل عن الحجز، وانتهى النزاع صلحاً بينهما في الدعوى رقم 314 سنة 1951 مدني منفلوط، إلا أن البنك أصر على عدم التسليم، وقام عن طريق المطعون عليهما الثاني والثالث ببيع البضاعة بالمزاد العام دون أن ينبه عليه بالوفاء طبقاً للمادة 78 من قانون التجارة، وقد ترتب على ذلك أن بيعت الغلال المرهونة بثمن يقل عن سعر السوق، مما ألحق ضرراً بالمطعون عليه الأول يحق له المطالبة بالتعويض عنه وأنه لذلك أقام دعواه بالطلبات سالفة البيان، وبتاريخ 29/ 4/ 1963 قضت المحكمة الابتدائية بندب خبير في الدعوى، وبعد أن قدم الخبير تقريره قضت بتاريخ 12/ 12/ 1966 بإلزام الطاعن والمطعون عليهما الثاني والثالث بأن يؤدوا للمطعون عليه الأول مبلغ 295 ج و400 م. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 41 سنة 42 ق أسيوط. وبتاريخ 3/ 3/ 1968 قضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة برأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب ينعى الطاعن بالأول منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه من ثلاثة أوجه، الأول أن الحكم ألزم الطاعن بالتعويض لامتناعه عن رد الغلال المرهونة مع أن له الحق قانوناً في حبسها لحين اقتضاء دينه الذي لم يقم المطعون عليه الأول بالوفاء به، والوجه الثاني أن دعوى المطعون عليه الأولى هي في حقيقتها تظلم من الأمر الصادر من القاضي بالإذن للبنك ببيع الغلال المرهونة، وإذ لم يسلك المطعون عليه الأول السبل التي رسمها القانون لهذا التظلم، فإن دعواه تكون غير مقبولة، والوجه الثالث أن الحكم ألقى على الطاعن عبء إثبات صحة إجراءات بيع البضاعة المرهونة في حين أن المطعون عليه الأول وهو في مركز المدعي في هذا الخصوص يقع عليه عبء إثبات مدعاه، وفي ذلك كله ما يعيب الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه.
وحيث إن النعي في وجهه الأول مردود، ذلك أن الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إلى أسبابه قد أورد في شأن ما يثيره الطاعن بهذا الوجه قوله "لما كان ذلك، وكانت البضاعة قد أودعت بمخازن البنك الدائن، فيكون للبنك طبقاً للمادتين 77 و78 من القانون التجاري اتخاذ إجراءات البيع الواردة بالمادة 78 من القانون التجاري، وطبقاً للمادة المذكورة يكون للدائن المرتهن في حالة الرهن التجاري التنفيذ على الشيء المرهون بشرط اتباع ما يأتي (أولاً) التنبيه على المدين بالوفاء، ويلاحظ أن المادة لم تنص على وجوب أن يقع التنبيه بطريقة معينة، ولذلك يمكن أن يحصل بورقة من أوراق المحضرين أو بخطاب موصى عليه (ثانياً) إذا لم يقم المدين بالوفاء بالدين بعد حصول التنبيه وانقضت عليه ثلاثة أيام مضافاً إليها ميعاد المسافة وجب على الدائن استصدار إذن بالبيع من قاضي الأمور الوقتية في المحكمة الكائن محله في دائرتها (ثالثاً) إذا صدر الإذن فيجب أن يقع البيع بالمزاد العلني وعلى يد سمسار يعينه القاضي في الإذن الصادر بالبيع. لما كان ذلك، وكان البنك (الطاعن) باعتباره دائناً مرتهناً وفي حيازته الغلال المرهونة لم يقدم للمحكمة رغم أن الدعوى استمرت تتداول بالمحكمة من 29/ 5/ 1960 تاريخ بيع الغلال إلى 9/ 12/ 1966 (تاريخ حجز الدعوى للحكم ما يقطع في أنه نبه على المدين (المطعون عليه الأول) بوفاء الدين في ظرف ثلاثة أيام ولم يقدم أيضاً صورة من الإذن الصادر من قاضي الأمور الوقتية بإجراء البيع لتتحقق المحكمة من شروط البيع وإجراءاته - وقد أمرت المحكمة بضم الدعوى رقم 338 سنة 1960 كلي مصر فثبت أنها لا تمت للنزاع الحالي بصلة. لما كان ذلك فيكون المدعى عليهم الثلاثة الأول (الطاعن والمطعون عليهما الثاني والثالث) قد أخطأوا فيلزمون بالتعويض عملاً بنص المادة 163 مدني....".
ولما كان يبين من هذا الذي قرره الحكم أنه أسس قضاءه بالتعويض على أن البنك الطاعن قد وقع منه خطأ يستوجب مسئوليته ببيعه الغلال المرهونة لديه دون اتباع ما تقضي به المادة 78 من قانون التجارة من وجوب التنبيه على المدين بوفاء الدين قبل استصدار إذن من القاضي بالبيع، ولم يؤسس الحكم قضاءه بالمسئولية على مجرد امتناع البنك الطاعن عن رد الغلال المرهونة على نحو ما ذهب إليه الطاعن في طعنه. لما كان ذلك، فإن النعي على الحكم المطعون فيه بهذا الوجه يكون غير صحيح. والنعي في وجهه الثاني مردود بأنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن محكمة الموضوع ملزمة بإعطاء الدعوى وصفها الحق وتكييفها القانوني الصحيح دون أن تتقيد في ذلك بتكييف الخصوم لها، وإذ حصل الحكم المطعون فيه - بما له من سلطة في فهم الواقع - أن دعوى المطعون عليه الأول هي مطالبة بتعويض عن الأضرار التي حاقت به بسبب خطأ الطاعن، فإن الحكم المطعون فيه لا يكون قد أخطأ في القانون ويكون النعي عليه بهذا الوجه على غير أساس. والنعي في وجهه الثالث مردود أيضاً، ذلك أنه لما كان المطعون عليه الأول قد أنكر على البنك الطاعن حصول التنبيه بالوفاء، وكان هذا الأخير وهو الذي يباشر الإجراءات قد ادعى حصل هذا التنبيه فإنه بذلك يصير مدعياً بهذا الادعاء ومطالباً بأن يقيم الدليل على ما يدعيه بغض النظر عما إذا كان هو المدعي أصلاً في الدعوى أو المدعى عليه فيها، وتكون مطالبته بتقديم هذا الدليل لا خطأ فيها. لما كان ذلك، فإن النعي على الحكم بهذا السبب برمته يكون في غير محله.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الإخلال بحق الدفاع، ويقول في بيان ذلك إنه طلب من محكمة الاستئناف ضم الاستئناف رقم 138 لسنة 1977 القاهرة الذي يحتوي على كافة مستنداته، إلا أن تلك المحكمة لم تجبه إلى طلبه مما يعيب الحكم المطعون فيه بالإخلال بحق الدفاع.
وحيث إن هذا النعي مردود بما جرى به قضاء هذه المحكمة من أنه متى كانت الأوراق المقدمة في الدعوى أمام محكمة الموضوع كافية لتكوين عقيدتها، فلا تثريب عليها إذا هي لم تأمر بضم أوراق أخرى استجابة لطلب أحد الخصوم، وهي غير ملزمة بتكليف الخصم الذي لم يقدم دليلاً على دفاعه بتقديم هذا الدليل أو لفت نظره إلى مقتضيات هذا الدفاع، وحسبها أن تقيم قضاءها وفقاً للمستندات والأدلة المطروحة عليها بما يكفي لحمله. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه - وعلى ما سلف البيان في الرد على السبب الأول - قد أقام قضاءه على أسباب مستمدة من المستندات والأدلة المطروحة في الدعوى، ورأى فيها ما يكفي لتكوين عقيدته فيها ولم يجد به حاجة بعد ذلك إلى ضم أوراق أخرى فإن النعي عليه بهذا السبب يكون في غير محله.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه التناقض ويقول في بيان ذلك إنه بينما استند الحكم في قضائه بمسئولية الطاعن إلى أنه لم يقدم ما يدل على إنه استصدر أمراً من القاضي ببيع الغلال المرهونة إذ به يلزمه بالفرق بين سعر السوق لها وبين الثمن الذي بيعت به تنفيذاً لذلك الأمر الذي سبق أن نفى الحكم وجوده وهو ما يعيب الحكم بالتناقض.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأخذ بأسبابه أورد في هذا الخصوص قوله ".... الثابت أن السمسم بيع في 26/ 5/ 1960 بسعر 7 ج و150 م والحلبة بسعر 2 ج و900 م، وقد ثبت من الحافظة التي تقم بها البنك (الطاعن) أن سعر الأردب من السمسم في هذا الوقت يتراوح ما بين 850 قرشاً، 925 قرشاً ثمن الأردب من الحلبة يتراوح ما بين 560 قرشاً، 850 قرشاً. لما كان ذلك، فإن المحكمة تقدر أن ثمن الأردب من السمسم في السوق وقت إجراء البيع هو مبلغ 887 قرشاً و5 مليمات وأن ثمن الأردب من الحلبة بالسوق وقت البيع هو 570 قرشاً، وبالتالي يكون التعويض المستحق للمدعي (المطعون عليه الأول) هو 887 قرشاً و5 مليمات - 715 قرشاً ثمن بيع السمسم × 168 أردباً + 570 قرشاً ثمن أردب الحلبة بالسوق - 290 قرشاً ثمن البيع × 8 أردب = 295 ج و400 م"، ويبين من ذلك أن قصد المحكمة كان ظاهراً ورأيها واضحاً، ورأيها في الحكم من أنها قضت بالتعويض على أساس الفرق بين ثمن الغلال الذي باعها به البنك - دون اتباعه الإجراءات القانونية - وبين سعرها في السوق وقت البيع، ومن ثم فلا سبيل للنعي على الحكم بالتناقض.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.