أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 24 - صـ 962

جلسة 23 من يونيه سنة 1973

برياسة السيد المستشار/ محمد صادق الرشيدي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: حامد وصفي، وأديب قصبجي، ومحمد فاضل المرجوشي، وحافظ الوكيل.

(167)
الطعن رقم 277 لسنة 37 القضائية

(1، 2) قوة الأمر المقضي. عمل. مسئولية.
(1) جواز أن يكون هناك خطأ مدني دون أن يوجد خطأ جنائي. الحكم ببراءة العامل من الجريمة المسندة إليه. غير مانع من اعتبار ما وقع منه إخلالاً بالتزامات العقد الجوهرية.
(2) قرينة قوة الأمر المقضي. شروطها. رفع الدعوى السابقة بطلب مقابل الإنذار والمكافأة. رفع الدعوى اللاحقة بطلب التعويض عن الفصل التعسفي. اختلاف الدعويين موضوعاً.
1 - لا يمتنع على المحكمة المدنية البحث فيما إذا كان الفعل مع تجرده من صفة الجريمة يعتبر إهمالاً جسيماً، إذ يجوز أن يكون هناك خطأ مدني دون أن يوجد خطأ جنائي وإذ كانت حجية الحكم الجنائي السابق فيما قضى به من براءة الطاعن - العامل - مقصورة على أنه لم تثبت ارتكابه للجريمة ولا تنفي عنه الإهمال الجسيم الذي نسبه إليه الحكم المطعون فيه، واعتبره إخلالاً بالالتزامات الجوهرية المترتبة على عقد العمل فإنه لا يكون قد خالف القانون.
2 - إنه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يحوز الحكم السابق قوة الأمر المقضي بالنسبة للدعوى اللاحقة إلا إذا اتحد الموضوع في كل من الدعويين واتحد السبب المباشر الذي تولدت عنه كل منهما، هذا فضلاً عن وحدة الخصوم. وإذ كان يبين من الاطلاع على الحكم الصادر في الدعوى السابقة أن الطاعن رفعها بطلب مكافأة إدارة وعلاوة نوبتجية ونصيب في الأرباح وما يستحقه في صندوق الادخار والمعاشات ومقابل الإنذار ومكافأة نهاية الخدمة، وكانت طلبات الطاعن في الدعوى الحالية هي الحكم له بتعويض عن فصله تعسفياً، الأمر الذي لم يكن معروضاً في الدعوى السابقة، فإن الدعويين تكونان مختلفتين موضوعاً، ويكون النعي على الحكم المطعون فيه بمخالفة الحكم السابق في غير محله.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 81 سنة 1963 عمال كلي الإسكندرية ضد الشركة المطعون ضدها طالباً الحكم بإلزامها بأن تدفع له مبلغ 13027 ج و500 م والفوائد من تاريخ الحكم حتى السداد، وقال في بيان ذلك إنه عمل بالشركة إلى أن وصل إلى وظيفته مدير حسابات بمرتب قدره 160 ج و833 م شهرياً وفي 18/ 3/ 1962 أخطرته الشركة بالفصل اعتباراً من أخر مارس سنة 1962، وإذ كان هذا الفصل دون مبرر ويعتبر فصلاً تعسفياً فقد أقام الدعوى مطالباً بالتعويض. وبتاريخ 24/ 11/ 1965 قضت محكمة أول درجة بإلزام المطعون ضدها بأن تدفع للطاعن مبلغ ألف جنيه وفوائده القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ الحكم النهائي حتى السداد. استأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف الإسكندرية وقيد استئنافه برقم 58 سنة 22 ق كما استأنفته المطعون ضدها وقيد استئنافها برقم 89 سنة 22 ق وبعد أن ضمت المحكمة الاستئنافين قضت في 16/ 3/ 1967 بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى، وأقامت حكمها على أنه وإن كان قد قضى ببراءة الطاعن من التهمة المسندة إليه في الجنحة رقم 469 سنة 1963 جنح الميناء فإن هذا لا يمنع من اعتبار ما ارتكبه إهمالاً جسيماً يبرر فصله لإخلاله بالتزاماته الجوهرية. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة طلبت فيها رفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره صممت النيابة على رأيها.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بالسببين الأول والثاني من أسباب الطعن مخالفته للقانون إذ جاء مناقضاً للحكم الجنائي الصادر في الجنحة رقم 469/ 1953 الميناء والذي قضى ببراءة الطاعن من التهمة المسندة إليه، ذلك أن الحكم الجنائي وإن كان قد قال إن المحكمة ترى في صرف المبالغ الثابتة بالأذونات مجرد مخالفة إدارية أو مالية إلا أنه أضاف أن الطاعن لا شأن له بأعمال الخزانة وصرف المبالغ المدرجة بأذونات، وإذ نسب الحكم المطعون فيه إلى الطاعن الإهمال الجسيم بمقولة إنه لم يشرف على الحسابات ووقع على الأذونات يكون قد ساءل الطاعن على أساس أن له شأناً بأعمال الخزانة والصرف الأمر الذي قطع الحكم الجنائي بانعدام صلته به، كما أن الحكم المطعون فيه إذ ساءل الطاعن عن ضياع بعض مال الشركة في حين قطع الحكم الجنائي بعدم مساءلته عن التبديد يكون قد ناقض الحكم الجنائي السابق.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان الحكم المطعون فيه قد سجل في تقريراته "إن الثابت من الاطلاع على الحكم الصادر بتاريخ 4/ 5/ 1965 في الدعوى رقم 469 سنة 1963 جنح الميناء التي كان - الطاعن - متهماً فيها أن الاتهام المسند إليه فيها وإلى عضو مجلس الإدارة السابق........ ووكيل الحسابات وأمين الخزانة بالشركة أنهم في خلال عامي 1959 و1960 قد تم صرف مبالغ عديدة لمجهولين بموجب أذونات صرف موقع عليها بإمضاء المستلم ورغم ذلك فإنها معتمدة من المذكورين كل بصفته وبلغت قيمتها 13584 ج و357 م وقد قضى ببراءة الطاعن استناداً إلى أنه لم يثبت من الأوراق والمستندات أنه ضالع في ارتكاب الجريمة وأنها ترى في صرف المبالغ الثابتة بالأذونات مجرد مخالفة إدارية ومالية وقع فيها مسايرة للنظم المالية الفاسدة التي درجت الشركة ومستخدموها على اتباعها قبل صدور قرار تأميمها، ولذلك فإن لهذا الحكم حجيته في نطاق معين ويكون لهذه المحكمة أن تتعرض للواقعة لبحث مدى إخلال - الطاعن - بالتزاماته الجوهرية المترتبة على عقد العمل بإهماله الجسيم في الإشراف على حسابات الشركة بوصفه مديراً لحساباتها والموقع على الأذونات بهذه الصفة دون أن يعارض ذلك ما قضى به، إذ ليس ثمة تلازم بين انعدام المسئولية الجنائية والإهمال الجسيم بواجبات وظيفته بوصفه رئيساً لحساباتها وله حق الإشراف والتحقق من أوجه الصرف قبل أن يقوم بالتوقيع على تلك الأذونات التي ثبت أنها وهمية ومصطنعة لأشخاص وهميين واعتمدها بتوقيعه عليها بالرغم من عدم سلامتها وخلوها من توقيع المستلم وأدى ذلك إلى تبديد أموال الشركة بالقدر سالف البيان وهي أمور سابقة على فصله الحاصل اعتباراً من 1/ 4/ 1962 ومن ثم يكون فصله من عمله مبرراً لإخلاله بالتزاماته الجوهرية المترتبة على عقد العمل تطبيقاً لنص المادة 76/ 6 من القانون رقم 91 لسنة 1959" وكان لا يمتنع على المحكمة المدنية البحث فيما إذا كان الفعل مع تجرده من صفة الجريمة يعتبر إهمالاً جسيماً، إذ يجوز أن يكون هناك خطأ مدني دون أن يوجد خطأ جنائي، وكانت حجية الحكم الجنائي السابق فيما قضى به من براءة الطاعن مقصورة على أنه لم يثبت ارتكابه للجريمة ولا ينفي عنه الإهمال الجسيم الذي نسبه إليه الحكم المطعون فيه واعتبره إخلالاً بالالتزامات الجوهرية المترتبة على عقد العمل، لما كان ما تقدم فإن الحكم المطعون فيه لا يكون قد خالف القانون، ويكون النعي عليه بهذين السببين في غير محله.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بالسبب الثالث من أسباب الطعن مخالفته لحكم سابق، وقال في بيان ذلك إنه سبق أن رفع الدعوى رقم 649 سنة 1964 عمال الإسكندرية ضد شركة مخازن البوندد المصرية التي خلفتها الشركة المطعون ضدها وكان من بين طلباته فيها مقابل الإنذار عن الفصل وحكم له بما يعادل مبلغ 402 جنيه و80 مليم وأصبح هذا الحكم نهائياً بعدم استئنافه، وإذ بنى الحكم المطعون فيه فصل الطاعن على إخلاله بالتزاماته الجوهرية المترتبة على عقد العمل طبقاً للمادة 76 فقرة 6 من القانون رقم 91 لسنة 1959 التي تحرم العامل الذي يفصل طبقاً لها من مقابل الإنذار، فإنه يكون قد خالف ذلك الحكم النهائي السابق.
وحيث إن هذا النعي مردود بأنه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يحوز الحكم السابق قوة الأمر المقضي بالنسبة للدعوى اللاحقة إلا إذا اتحد الموضوع في كل من الدعويين واتحد السبب المباشر الذي تولدت عنه كل منهما هذا فضلاً عن وحدة الخصوم، ولما كان يبين من الاطلاع على الحكم الصادر في الدعوى رقم 649 سنة 1964 عمال كلي الإسكندرية المقدمة منه صورة رسمية بملف الطعن، أن الطاعن رفع هذه الدعوى ضد شركة مخازن البوندد المصرية والهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية بطلب الحكم بإلزام الأولى وحدها بأن تدفع له مبلغ 2217 ج و951 مليم تمثل مكافأة إدارة وعلاوة نوبتجية ونصيبه في الأرباح وما يستحقه في صندوق الادخار والمعاشات ومقابل الإنذار بواقع أجر ثلاثة شهور، والحكم بإلزام الشركة المذكورة وهيئة التأمينات بالتضامن بمبلغ 3374 جنيه و925 مليم تمثل مكافأة نهاية الخدمة ومدخراته، وفي 17/ 6/ 1964 قضت المحكمة بإلزام المدعى عليها الأولى - هيئة التأمينات الاجتماعية - بأن تدفع للمدعي - الطاعن - مبلغ 448 جنيه و120 مليم منها مبلغ 402 جنيه و80 مليم مقابل مهلة الإنذار المستحقة للطاعن عن شهرين ونصف ومبلغ 46 جنيه و40 مليم المستحق للطاعن في أرباح سنة 1961، وكانت طلبات الطاعن في الدعوى الحالية هي الحكم له بتعويض قدرة 13027 جنيهاً و500 مليم عن فصله تعسفياً الأمر الذي لم يكن معروضاً في الدعوى السابقة، فإن الدعويين تكونان مختلفتين موضوعاً ويكون النعي على الحكم المطعون فيه بمخالفة الحكم السابق في غير محله.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.