أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 24 - صـ 1004

جلسة 11 من يوليه سنة 1973

برياسة السيد المستشار/ أحمد حسن هيكل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد أسعد محمود، وجودة أحمد غيث، وإبراهيم السعيد ذكري، وإسماعيل فرحات عثمان.

(174)
الطعن رقم 30 لسنة 39 القضائية "أحوال شخصية"

أحوال شخصية. "النسب". دعوى. "شروط قبول الدعوى".
دعوى النسب. سماعها مجردة. شرطه. التناقض فيها مغتفر. سماعها ضمن حق آخر. شرطه. التناقض فيها. لا يغتفر ما دام لا يوجد ما يرفعه.
الأصل في دعوى النسب - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة [(1)] - أن ينظر إلى النسب المتنازع فيه، فلو كان مما يصح إقرار المدعى عليه به ويثبت باعترافه وليس فيه تحميل النسب على الغير كالأبوة والبنوة، فإنها تسمع مجردة أو ضمن حق آخر، سواء ادعى لنفسه حقاً أو لم يدع، ويغتفر فيها التناقض لأن مقصودها الأصلي هو النسب، والنسب يغتفر فيه التناقض، للخفاء الحاصل فيه. أما لو كان مما لا يصح إقرار المدعى عليه به، ولا يثبت باعترافه وفيه تحميل النسب على الغير، كالأخوة والعمومة، فلا تسمع إلا أن يدعي حقاً من إرث أو نفقة، ويكون هذا المقصود الأول فيها ولا يغتفر فيها التناقض، لأنه تناقض في دعوى مال لا في دعوى نسب، ودعوى المال يضرها التناقض ما دام باقياً لم يرتفع، ولم يوجد ما يرفعه بإمكان حمل الكلامين على الآخر، أو بتصديق الخصم أو تكذيب الحاكم، أو بقول المتناقض تركت الكلام الأول مع إمكان التوفيق بين الكلامين وحمل أحدهما على الآخر، والتناقض يتحقق متى كان الكلامان قد صدرا من شخص واحد، وكان أحد الكلامين في مجلس القاضي والآخر خارجه، ولكن ثبت أمام القاضي حصوله، إذ يعتبر الكلامان وكأنهما في مجلس القاضي. وإذ كان البين من الاطلاع على محاضر جلسات الدعوى رقم 1383 لسنة 1959 مدني بندر طنطا أن مورث المطعون عليهم الخمسة الأولين - المدعي في دعوى النسب - دعي للإدلاء بشهادته فيها بجلسة أول ديسمبر 1960 وأقر بأنه لا تربطه بالمتوفاة صلة قرابة، وكان هذا القول منه يتناقض مع الأساس الذي أقام عليه دعواه الماثلة في سنة 1966، من أنه ابن ابن عمها ويرث نصف تركتها تعصيباً، وكان الحكم المطعون فيه قد أطلق القول وذهب إلى أن التناقض في النسب عفو يغتفر، مع أن النزاع يتعلق بدعوى العمومة، والمقصود الأول فيها هو المال، ولا يتعلق بدعوى أبوة أو بنوة فإن الحكم يكون قد أخطأ في تطبيق القانون. وإذ حجب الحكم نفسه بهذا التقرير القانوني الخاطئ عن بحث إمكان رفع هذا التناقض بين الكلامين فإنه يتعين أن يكون مع النقض الإحالة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن مورث المطعون عليهم الخمسة الأولين أقام الدعوى رقم 80 لسنة 1966 أحوال شخصية نفس أمام محكمة طنطا الابتدائية ضد الطاعنة والنيابة العامة - المطعون عليها السادسة - بطلب الحكم بثبوت وفاة المرحومة......... بتاريخ 3 من إبريل سنة 1966 وأنه من ورثتها بصفته ابن ابن عمها ويستحق في تركتها النصف تعصيباً، وأمر الطاعنة بتسليمه ما يقابل هذا النصيب من التركة وبعدم التعرض له في ذلك. وقال شرحاً لدعواه إن المرحومة........ توفيت في 3 من إبريل سنة 1966 وتركت ما يورث عنها شرعاً الأعيان الموضحة بصحيفة الدعوى وانحصر ميراثها الشرعي فيه وهو ابن ابن عمها وفي ابنتها الطاعنة وتستحق النصف فرضاً ويستحق هو النصف الآخر تعصيباً. وإذ نازعته الطاعنة وأنكرت نسبه للمتوفاة وامتنعت عن تسليمه نصيبه في التركة بغير حق، فقد انتهى إلى طلب الحكم له بالطلبات سالفة البيان. وأثناء نظر الدعوى توفى المدعي وحل محله ورثته - المطعون عليهم الخمسة الأولون - وبتاريخ 31 من يناير سنة 1968 حكمت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المطعون عليهم الخمسة الأولون أن مورثهم ابن ابن عم المتوفاة وأنه يستحق نصف تركتها تعصيباً وأنها تركت ما يورث عنها شرعاً، وبعد سماع شهود الطرفين حكمت بتاريخ 28 من مايو سنة 1968 بثبوت وفاة المرحومة....... يوم 3 من إبريل سنة 1966 وانحصار إرثها في ابنتها الطاعنة بحق النصف فرضاً ومورث المطعون عليهم الخمسة الأولين وهو ابن ابن عمها ويستحق باقي تركتها تعصيباً وألزمتها بتسليمهم نصيبهم في التركة وبعدم التعرض لهم في ذلك. استأنفت الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم 27 لسنة 18 ق أحوال شخصية نفس طنطا، وبتاريخ 8 من يونيه سنة 1969 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم وبالجلسة المحددة لنظر الطعن التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك تقول إن الحكم قضى بثبوت نسب مورث المطعون عليهم الخمسة الأولين للمتوفاة والتفت عما قرره المورث المذكور في الدعوى رقم 1383 لسنة 1959 مدني بندر طنطا - التي كانت المتوفاة طرفاً فيها - من أنه لا تربطه بها أية صلة قربى، استناداً إلى أن التناقض في النسب عفو يغتفر وتسمع الدعوى معه، في حين أن هذه الأقوال تعد إقراراً له حجيته صدر من المورث في مجلس القضاء فلا يقبل منه بعد ذلك إنكاره والادعاء بأنه من ورثة المتوفاة بدعوى قيام رابطة قرابة سبق أن نفاها وقطع بعدم وجودها، الأمر الذي يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن الأصل في دعوى النسب - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن ينظر إلى النسب المتنازع فيه، فلو كان مما يصح إقرار المدعى عليه به ويثبت باعترافه وليس فيه تحميل النسب على الغير كالأبوة والبنوة فإنها تسمع مجردة أو ضمن حق آخر سواء ادعى لنفسه حقاً أو لم يدع، ويغتفر فيها التناقض لأن مقصودها الأصلي هو النسب والنسب يغتفر فيه التناقض للخفاء الحاصل فيه، أما لو كان مما لا يصح إقرار المدعى عليه به ولا يثبت باعترافه وفيه تحميل النسب على الغير، كالأخوة والعمومة فلا تسمع إلا أن يدعي حقاً من إرث أو نفقة ويكون هذا المقصود الأول فيها ولا يغتفر فيها التناقض لأنه تناقض في دعوى مال لا في دعوى نسب، ودعوى المال يضرها التناقض ما دام باقياً لم يرتفع ولم يوجد ما يرفعه بإمكان حمل الكلامين على الآخر، أو بتصديق الخصم أو تكذيب الحاكم، أو بقول المتناقض تركت الكلام الأول مع إمكان التوفيق بين الكلامين وحمل أحدهما على الآخر، والتناقض يتحقق متى كان الكلامان قد صدرا من شخص واحد وكان أحد الكلامين في مجلس القاضي والآخر خارجه ولكن ثبت أمام القاضي حصوله إذ يعتبر الكلامان وكأنهما في مجلس القاضي، وإذ كان البين من الاطلاع على محاضر جلسات الدعوى رقم 1383 لسنة 1959 مدني بندر طنطا أن مورث المطعون عليهم الخمسة الأولين دعي للإدلاء بشهادته فيها بجلسة أول ديسمبر سنة 1960 وأقر بأنه لا تربطه بالمتوفاة صلة قرابة، وكان هذا القول منه يتناقض مع الأساس الذي أقام عليه دعواه الماثلة من أنه ابن ابن عمها ويرث نصف تركتها تعصيباً، وكان الحكم المطعون فيه قد أطلق القول وذهب إلى أن التناقض في النسب عفو يغتفر مع أن النزاع يتعلق بدعوى العمومة والمقصود الأول فيها هو المال ولا يتعلق بدعوى أبوة أو بنوة، فإن الحكم يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يستوجب نقضه دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن، وإذ حجب الحكم نفسه بهذا التقرير القانوني الخاطئ عن بحث إمكان رفع هذا التناقض بين الكلامين فإنه يتعين أن يكون مع النقض الإحالة.


[(1)] نقض 29/ 5/ 1966 مجموعة المكتب الفني السنة 17 ص 1480.