مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة العشرون (من أول أكتوبر سنة 1974 إلى آخر سبتمبر سنة 1975) - صـ 3

(1)
جلسة 9 من نوفمبر سنة 1974

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ علي محسن مصطفى رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: الدكتور أحمد ثابت عويضه، محمد صلاح الدين السعيد، عباس فهمي بدر، محمود طلعت الغزالي المستشارين.

القضية رقم 1451 لسنة 14 القضائية

عقد إداري "إلغاؤه".
إلغاء العقد لا ينفي حق جهة الإدارة في المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقتها أساس ذلك ومثال.
إن الفقرة الأولى من المادة (53) من لائحة المناقصات والمزايدات تنص على أنه مع مراعاة أحكام المادة (76) إذا لم يقم صاحب العطاء المقبول بأداء التأمين النهائي في المدة المحددة له فيجوز للجهة الإدارية المتعاقدة بموجب إخطار بسيط بكتاب موصى عليه ودون حاجة لاتخاذ أية إجراءات أخرى أو الالتجاء إلى القضاء أن تلغي العقد وتصادر التأمين المؤقت أو أن تنفذه كله أو بعضه على حساب صاحبه بمعرفة تلك الجهة أو بواسطة أحد مقدمي العطاءات التالية لعطائه أو بممارسة أو بمناقصة عامة أو محلية.
ومن حيث إنه ولئن كان مقتضى هذه المادة أن جهة الإدارة - في حالة تخلف الراسي عليه العطاء عن سداد التأمين النهائي - بالخيار بين إنهاء الرابطة العقدية ومصادرة التأمين أو التمسك بالعقد وتنفيذه على حسابه، إلا أن مصادرة التأمين المؤقت، في حالة إلغاء العقد لا يعدو في حقيقته تعويضاً عما أصاب جهة الإدارة من ضرر، وليس في هذا الحكم ما يفيد أنه قصد به الخروج على القواعد العامة في العقود الإدارية التي تجيز المطالبة بتعويض عن الأضرار التي تلحق الإدارة إذا جاوزت قيمتها ذلك التأمين.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل حسبما يبين من أوراق الطعن في أن السيدين محافظ قنا ورئيس مجلس مدينة قنا أقاما الدعوى رقم 81 لسنة 21 القضائية بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 5 من أكتوبر سنة 1966 ضد السيد/ جاد محمد إبراهيم وطلبا فيها إلزام المدعى عليه بأن يدفع لمجلس مدينة قنا مبلغ 700 مليم و29 جنيهاً مع فوائده القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام السداد والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال المدعيان بياناً للدعوى أنه بتاريخ 8 من أغسطس سنة 1965 أعلن مجلس مدينة قنا عن مناقصة لتوريد تبن قمح أبيض محصول سنة 1965 اللازم لحيوانات المجلس، وقد تقدم المدعى عليه بعطائه في هذه المناقصة بسعر الحمل 450 مليماً و3 جنيهات وبتاريخ 20 من سبتمبر سنة 1965 قام مجلس مدينة قنا بإخطار المدعى عليه بقبول عطائه وأصدر إليه أمراً بتوريد 90 حملاً من التبن بسعر الحمل 450 مليم و3 جنيه وبمبلغ إجمالي 500 مليم و310 جنيهات تسليم المخازن على أن يكون التوريد خلال مدة شهر من 20 سبتمبر سنة 1965 كما كلفه المجلس المذكور بتكملة التأمين النهائي وتوقيع العقد، ولما لم يقم المدعى عليه بتكملة التأمين النهائي رغم إخطاره فقد اضطر مجلس مدينة قنا إلى تنفيذ العملية على حسابه وبسعر الحمل 750 مليماً و3 جنيهات وترتب على ذلك أن تحمل المجلس المذكور زيادة في السعر قدرها 27 جنيهاً يلزم بها المدعى عليه بالإضافة إلى 700 مليم و2 جنيه مصاريف إدارية بواقع 10%.
ومن حيث إن محكمة القضاء الإداري حكمت بجلستها المنعقدة في 30 من يونيه سنة 1968 برفض الدعوى وبإلزام رافعها المصروفات وقد أقامت حكمها على أساس أنه طبقاً للمادة (53) من لائحة المناقصات والمزايدات الصادرة بقرار وزير المالية والاقتصاد رقم 542 لسنة 1957 يجوز للحكومة في حالة تخلف الراسي عليه العطاء عن دفع التأمين النهائي في الميعاد أما إلغاء العقد ومصادرة التأمين، وأما التمسك بالعقد وتنفيذه على حساب الراسي عليه العطاء مع أحقيتها في المطالبة بالتعويض عن جميع الأضرار التي تترتب على عدم تنفيذ المتعهد للعقد، وأنه تبعاً لذلك لا يجوز الجمع بين الأمرين في وقت واحد، ولما كانت جهة الإدارة قد قررت إلغاء العقد ومصادرة التأمين المودع بالمجلس وقدره 5 جنيهات مع شراء الكميات المطلوب توريدها على حساب المدعى عليه وتحميله فرق السعر فإن المجلس يكون بذلك قد جمع بين الجزاءين معاً وهو ما لا يجوز قانوناً، وإذ كان مجلس مدينة قنا قد صادر فعلاً التأمين المدفوع ولم يخصمه من جملة المبالغ المطالب بها كما رفض استلام التبن المتعاقد عليه عندما أحضره المدعى عليه أمام مخازن المجلس، فإن المجلس يكون قد قصد بذلك إلى إلغاء العقد ومصادرة التأمين فقط وتقف حقوقه عند ذلك دون التنفيذ على حساب المدعى عليه، ولا يتصور بداهة أن يقال أن المجلس قصد تنفيذ العقد على حساب المدعى عليه في الوقت الذي رفض فيه التنفيذ المباشر من ذلك المتعهد عندما عرضه بمحض إرادته خلال المدة المحددة للتوريد، وبما يترتب على ذلك أن تكون مطالبة جهة الإدارة بفروق الأسعار غير قائمة على أساس سليم من القانون حقيقة بالرفض.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون إذ قام قضاءه على افتراض أن مجلس مدينة قنا لم يقصد التنفيذ على حساب المدعى عليه، حين أن الثابت من الأوراق أن المجلس المذكور قد قصد التنفيذ على حساب المدعى عليه لإخلاله بالتزاماته وذلك باعتباره جزاءاً من الجزاءات التي تملكها جهة الإدارة قبل التعاقد معها المقصر في تنفيذ التزاماته، ولا شك أن التنفيذ على حساب المتعهد لا يتضمن إنهاء العقد بل يظل مسئولاً أمام جهة الإدارة وتتم العملية لحسابه وعلى مسئوليته، يضاف إلى ذلك أن التأمين إنما شرع لمصلحة جهة الإدارة ولا يتصور أن يكون قيداً عليها أو ضاراً بحقوقها أو معوقاً ومانعاً لها من المطالبة بالتعويضات المقابلة للأضرار التي تلحقها من جراء إخلال المتعاقد معها عن تنفيذ التزاماته، فلجهة الإدارة مصادرة التأمين عند إخلال المتعاقد بالتزاماته دون حاجة لإثبات ركن الضرر، كما يجوز لها الرجوع على المتعاقد معها بالتعويض الذي يعادل قيمة الإضرار التي تلحقها إذا جاوزت تلك الأضرار قيمة التأمين المودع، إذ أن التأمين يمثل الحد الأدنى للتعويض الذي يحق لجهة الإدارة اقتضاؤه، ولكنه لا يمثل الحد الأقصى لذلك، ورجوع جهة الإدارة بالتعويضات على المتعاقد المقصر في تنفيذ التزاماته عند مصادرة التأمين الذي يقل عن مستوى التعويض الكامل لا يستند إلى اعتبار العقد قائماً ومنفذاً على حساب المتعاقد مع سبق فسخه حسبما اتجه لذلك الحكم المطعون فيه، وإنما يستند إلى أحكام القواعد العامة في أي عقد، تلك الأحكام التي تقضي بأن كل خطأ يترتب عليه ضرر يلزم من ارتكبه بالتعويض.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أنه بتاريخ 8 من أغسطس سنة 1965 طرح مجلس مدينة قنا مناقصة لتوريد كميات من تبن قمح محصول سنة 1965، وقبل المدعى عليه توريده بسعر الحمل 450 مليماً و3 جنيهات وبتاريخ 15 من سبتمبر سنة 1965 أخطره مجلس المدينة برسو العطاء عليه وكلفه بتوريد 90 حملاً من تبن القمح طبقاً للمواصفات بمبلغ إجمالي 500 مليم و310 جنيهات وبواقع ثمن الحمل الواحد 450 مليماً و3 جنيهات تسليم مخازن المجلس وعلى أن يكون التوريد في مدة شهر وتوريد مبلغ 50. مليماً و31 جنيهاً تكملة التأمين النهائي أو توريد جزء من الكميات المطلوبة تفي بهذا المبلغ خلال أسبوع، والحضور لمقر مجلس المدينة للتوقيع على العقد. وبتاريخ 22 من سبتمبر 1965 استعجل مجلس المدينة المدعى عليه وطلب المبادرة بتوريد الكميات المتعاقد عليها وسداد التأمين النهائي والحضور لمقر المجلس لتوقيع العقد، ولما لم يقم المدعى عليه بتكملة التأمين أو توريد التبن المطلوب وتوقيع العقد، أخطره المجلس المذكور في 2 من أكتوبر سنة 1965 بالكتاب رقم 9144 بأنه قرر إلغاء العقد ومصادرة التأمين المودع وقدره خمسة جنيهات مع شراء الكمية على حسابه وتحميله بفروق الأسعار، وبتاريخ 6 من أكتوبر سنة 1965 تقدم المدعى عليه بالتماس طلب فيه الموافقة على قيام المجلس باستلام كميات التبن المطلوبة التي أحضرها أمام مخازن المجلس، وبعرض الموضوع على إدارة الشئون القانونية بمحافظة قنا رأت في 14 من أكتوبر سنة 1965 تطبيق المادة (53) من لائحة المناقصات والمزايدات وذلك بتنفيذ العملية على حساب المدعى عليه بمعرفة المجلس أو بواسطة صاحب العطاء الأقل، ومن ثم قام مجلس المدينة بإصدار أمر التوريد رقم 9929 في 19 من أكتوبر سنة 1965 إلى السيد/ رشدي استاور - صاحب العطاء التالي - لتوريد التبن المطلوب بثمن إجمالي قدره 500 مليماً و337 جنيهاً بواقع الحمل الواحد 750 مليماً و3 جنيهات وقام المتعهد المذكور بالتوريد ثم طلب المجلس من المدعى عليه في أول يناير سنة 1966 سداد مبلغ 700 مليم و29 جنيهاً عبارة عن فروق الأسعار والمصاريف الإدارية.
ومن حيث إن الفقرة الأولى من المادة (53) من لائحة المناقصات والمزايدات تنص على أنه مع مراعاة أحكام المادة (76) إذا لم يقم صاحب العطاء المقبول بأداء التأمين النهائي في المدة المحددة له فيجوز للجهة الإدارية المتعاقدة بموجب إخطار بسيط بكتاب موصى عليه ودون حاجة لاتخاذ أية إجراءات أخرى أو الالتجاء إلى القضاء أن تلغي العقد وتصادر التأمين المؤقت أو أن تنفذه كله أو بعضه على حساب صاحبه بمعرفة تلك الجهة أو بواسطة أحد مقدمي العطاءات التالية لعطائه أو بممارسة أو بمناقصة عامة أو محلية.
ومن حيث إنه ولئن كان مقتضى هذه المادة أن جهة الإدارة - في حالة تخلف الراسي عليه العطاء عن سداد التأمين النهائي - بالخيار بين إنهاء الرابطة العقدية ومصادرة التأمين أو التمسك بالعقد وتنفيذه على حسابه، إلا أن مصادرة التأمين المؤقت في حالة إلغاء العقد لا يعدو في حقيقته تعويضاً عما أصاب جهة الإدارة من ضرر، وليس في هذا الحكم ما يفيد أنه قصد به الخروج على القواعد العامة في العقود الإدارية التي تجيز المطالبة بتعويض عن الأضرار التي تلحق الإدارة إذا جاوزت قيمتها ذلك التأمين.
ومن حيث إنه في خصوصية النزاع الماثل، فإن مجلس مدينة قنا، نظراً لتقصير المدعى عليه في تنفيذ التزاماته، قد ألغى العقد وقصد إلى مطالبة المدعى عليه بتعويض الضرر الذي لحق المجلس نتيجة لذلك، وهذا التعويض يتمثل في إلزام المدعى عليه بأداء ما تحمله مجلس المدينة من فروق الأسعار والمصاريف الإدارية ويبلغ ذلك 700 مليم و29 جنيهاً يخصم منه التأمين المؤقت السابق سداده من المدعى عليه وقدره خمسة جنيهات، وهو ما يتعين القضاء به، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب يكون خالف القانون ولذلك يتعين الحكم بإلغائه وإلزام المدعى عليه بأن يؤدي إلى المدعيين مبلغ 700 مليم و24 جنيهاً وثلثي المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلزام المدعى عليه بأن يؤدي إلى المدعيين بصفتهما مبلغ 700 مليم و24 جنيهاً (أربعة وعشرين جنيهاً وسبعمائة مليم) وثلثي المصروفات.