مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة العشرون (من أول أكتوبر سنة 1974 إلى آخر سبتمبر سنة 1975) - صـ 7

(2)
جلسة 9 من نوفمبر سنة 1974

برئاسة السيد الأستاذ المستشار علي محسن مصطفى رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: الدكتور أحمد ثابت عويضة، محمد صلاح الدين السعيد، عباس فهمي بدر، محمود طلعت الغزالي المستشارين.

القضية رقم 650 لسنة 16 القضائية

( أ ) عامل - عقد عمل - تكييف العلاقة بين الطبيب والشركة التي يعالج مرضاها.
المادة 674 من القانون المدني والمادتان 2 و42 من قانون العمل - عناصر عقد العمل - علاقة التبعية هي العنصر الأساسي في عقد العمل - المقصود بالتبعية التبعية القانونية التي تتمثل في تأدية العامل لعمله لحساب رب العمل وتحت إدارته وإشرافه - مثال: الطبيب المكلف بالكشف على المرضى في مواعيد وأماكن محددة وفقاً لنظام محدد تضعه الشركة يعتبر مرتبطاً معها بعقد عمل - بيان ذلك.
(ب) اختصاص "المحاكم الإدارية" "ومحكمة القضاء الإداري".
توزيع الاختصاص بين المحاكم الإدارية ومحكمة القضاء الإداري وفقاً لأهمية النزاع - استناد معيار أهمية النزاع إلى مستوى الوظيفة التي يشغلها الموظفون العموميون - في الحالة التي لا يشغل فيها المدعي أياً من المستويات الوظيفية المحددة في قوانين العاملين، يحدد الاختصاص وفقاً لأهمية الوظيفة ومقدار المرتب المقرر عنها - بيان ذلك ومثال.
1- إن المادة (674) من القانون المدني تنص على أن "عقد العمل هو الذي يتعهد فيه أحد المتعاقدين بأن يعمل في خدمة المتعاقد الآخر وتحت إدارته وإشرافه مقابل أجر يتعهد به المتعاقد الآخر"، كذلك فإن المادة (42) من قانون العمل الصادر به القانون رقم 91 لسنة 1959 عرفت عقد العمل بأنه العقد الذي يتعهد بمقتضاه عامل أن يشتغل تحت إدارة صاحب عمل أو إشرافه مقابل أجر، كما أن المادة (2) من قانون العمل المشار إليه نصت على أن يقصد بالعامل كل ذكر أو أنثى يعمل لقاء أجر مهما كان نوعه في خدمة صاحب عمل وتحت سلطته وإشرافه ويبين من هذه النصوص أن عناصر عقد العمل ثلاثة: أجر يدفعه رب العمل للعامل، وعمل يؤديه العامل نظير الأجر، وعلاقة تبعية يخضع فيها العامل لإدارة أو إشراف رب العمل، وتعتبر علاقة التبعية العنصر الأساسي في عقد العمل وهي التي تميز بينه وبين غيره من العقود الواردة على العمل مثل عقد المقاولة أو الوكالة، ويقصد بالتبعية، التبعية القانونية أي التبعية التي فرضها القانون والتي تتمثل في قيام العامل بتأدية العمل لحساب رب العمل وتحت إدارته وإشرافه، ويكون لرب العمل توجيه العامل فيما يؤديه إليه من أعمال وفي طريقة أدائه فيصدر إليه التوجيهات ويلتزم العامل بتنفيذها وألا اعتبر مقصراً في عمله وغني عن البيان أن سلطة رب العمل في التوجيه تضيق كلما كان العمل المسند إلى العامل من الأعمال الفنية التي يخضع في ممارستها لأصول المهنة وقواعدها وآدابها، وفي مثل هذه الحالات تكون توجيهات رب العمل وإشرافه قاصراً على النواحي الإدارية أو التنظيمية فقط.
ومن حيث إنه يبين من الأمر الصادر بتعيين المدعي المؤرخ 27 من إبريل سنة 1943 أن شركة مياه القاهرة (المصفاة) أسندت إلى المدعي القيام بعمل معين هو الكشف على المرضى من عمال وابور المياه بروض الفرج، ثم التوجه إلى عيادة ضهر الجمال لمساعدة الدكتور دبوى، وخصصت مكاناً بها ليباشر فيه المدعي عمله، كما جعلت لذلك مواعيد يومية خاصة حددتها في قرار تعيين المدعي المشار إليه، كذلك وضعت الشركة المذكورة نظاماً خاصاً ليتبعه المدعي في توقيع الكشف الطبي على العمال المذكورين وعلاجهم، وكانت الشركة تبلغه بما يوضع من نظم في هذا الصدد ليتبعها، كذلك حددت أجراً شهرياً له لقاء عمله وكان هذا الأجر يزاد تباعاً بأوامر صادرة من مدير عام الشركة، كما منح إعانة غلاء المعيشة على مرتبه شأنه في ذلك شأن باقي العاملين بالشركة المذكورة، وكل ذلك يجعل العلاقة بين المدعي والشركة علاقة عامل برب العمل على أساس عقد عمل لتوافر العناصر اللازمة لقيامه، من أجر وعمل وعلاقة تبعية مظهرها إشراف الشركة ورقابتها التنظيمية والإدارية لعمله، ولا ينال مما تقدم أن المدعي كان يكلف أحد الأطباء بالقيام بعمله عند غيابه لعذر أو بإجازة، أو أن للمدعي عيادة خاصة يباشر فيها نشاطه المهني الخاص، إذ فضلاً عن أن القرار الصادر بتعيين المدعي لم يحظر عليه ذلك، فإنه ليس من شأن ما تقدم أن ينقلب عقد العمل إلى عقد مقاولة حسبما ذهبت الشركة وجاراها في ذلك الحكم المطعون فيه، إذ أن عقد المقاولة يحتفظ فيه المقاول بحريته واستقلاله أثناء العمل، حين أنه في العقد موضوع المنازعة الماثلة وضع المدعي نفسه في خدمة الشركة المذكورة التي كان لها عليه الإشراف والتوجيه التنظيمي والإداري في الحدود السالف ذكرها، وهو ما يكفي لقيام عنصر التبعية الذي هو جوهر عقد العمل وأساسه. كذلك لا يغير من الأمر أن المرفق لم يقم بإخضاع مرتب المدعي للتنظيم اللائحي الذي أعد في شأن العاملين بالمرفق إذ أن المدعي لا شأن له بذلك لأن تسوية وضعه الوظيفي من تصريف الإدارة وحدها وليس صحيحاً في القانون أن الخدمات الطبية التي يؤديها الطبيب يستحيل أن تكون موضوعاً لعقد عمل لقيام التعارض بين التبعية التي يتطلبها عقد العمل وبين أصول مهنة الطب وآدابها ذلك لأن التبعية الإدارية وما يضعه المرفق من تنظيمات تكفي لقيام عنصر التبعية كاملاً في مثل هذه الحالات.
2- ومن حيث إنه متى كانت الرابطة بين المدعي وبين الشركة المذكورة هي عقد عمل، فإن المدعي يعتبر من العاملين بالشركة المصفاة في مفهوم المادة (12) من قرار رئيس الجمهورية الصادر في أول يوليه سنة 1975 بإنشاء إدارة مرفق مياه القاهرة، وبالتالي أضحى من العاملين في المرفق الذي تديره مؤسسة عامة ويصدق عليه صفة الموظف العام.
ومن حيث إن المشرع في قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 حدد اختصاص المحاكم الإدارية في المادة (14) وقضى في الفقرة الأولى منها بأن تختص المحاكم الإدارية بالفصل في طلبات إلغاء القرارات المنصوص عليها في البندين ثالثاً ورابعاً من المادة (10) متى كانت متعلقة بالموظفين العموميين من المستوى الثالث والمستوى الثاني وما يعادلهم ونصت المادة (13) على أن تختص محكمة القضاء الإداري بالفصل في المسائل المنصوص عليها في المادة (10) عدا ما تختص به المحاكم الإدارية، ولما كان الأمر كذلك فإن المرجح في تعيين اختصاص كل من محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية هو أهمية النزاع ويستند معيار الأهمية في هذا المقام إلى قاعدة مجردة مردها قيمة النزاع كما هو الشأن في توزيع الاختصاص بالنسبة للعقود الإدارية، وإلى مستوى الوظيفة التي يشغلها الموظفون العموميون وخطورتها ومسئولياتها وما إلى ذلك من معايير يراعى فيها الموازنة بين الوظائف ذات الأهمية والقليلة الأهمية وما يعادلها وذلك بالنسبة للمنازعات الخاصة بالموظفين العموميين.
ومن حيث إنه لما كان المدعي لا يشغل أياً من المستويات الوظيفية المنصوص عليها في كل من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر به القانون رقم 58 لسنة 1971 أو نظام العاملين بالقطاع العام الصادر به القانون رقم 61 لسنة 1971 والتي أخذ بها قانون مجلس الدولة معياراً لتوزيع الاختصاص بين محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية، إلا أن وظيفة المدعي - وهي الإشراف على علاج العاملين بالمرفق - تعتبر - من الوظائف الرئيسية بالمرفق منظوراً في ذلك إلى أهميتها وخطورتها ومستواها ومدة خدمة المدعي الطويلة بالمرفق يضاف إلى ذلك أن الأجر الشامل للمدعي ويبلغ 500 مليم و51 جنيه قد جاوز بداية المستوى الأول طبقاً لنظام العاملين المشار إليه، ومن ثم فإن وظيفة المدعي على هذا النحو ترقى في مستواها إلى أعلا من المستوى الثاني، ومن ثم تختص محكمة القضاء الإداري بنظر النزاع الماثل، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب يكون قد خالف القانون ويتعين لذلك الحكم بإلغائه وباختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر الدعوى، وبإعادتها إليها لتقضي في موضوعها مع إلزام الهيئة المطعون ضدها مصروفات الطعن.