مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الثاني (من أول فبراير 1964 إلى آخر مايو 1964) - صـ 557

(47)
جلسة أول فبراير سنة 1964

برئاسة السيد/ مصطفى كامل إسماعيل وكيل المجلس، وعضوية السادة/ حسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضية رقم 555 لسنة 7 القضائية

( أ ) أجانب - إقامة وأبعاد - أنواع الإقامة الثلاثة الخاصة والعادية والمؤقتة وسلطات الدولة في كل منها - حق الدولة في الأبعاد والقيود التي ترد على هذا الحق طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 74 لسنة 1952 في شأن جوازات السفر وإقامة الأجانب.
(ب) أجانب - إقامة مؤقتة - ترخص الجهة الإدارية في تجديدها أو عدم تجديدها وفقاً لما تراه متلائماً والصالح العام - التزام الأجنبي بمغادرة البلاد إذا لم تجدد الإقامة - السماح بالإقامة المؤقتة لا يحيي حقاً منتهياً في الإقامة الخاصة - مجرد السماح للأجنبي الذي انتهت إقامته الخاصة بالعودة إلى البلاد لزيارة والدته لا يعني تجديد إقامة خاصة سبق أن انتهت قبل العودة - انتفاء شبهة إساءة استعمال السلطة في إبعاد الأجنبي في مثل هذه الصور.
1 - أن الأصل في إقامة الأجنبي بإقليم الدولة وفي حق الدولة في إبعاده هو أن الدولة إذا ما سمحت للأجنبي بالدخول إلى إقليمها فإنه لا يترتب على ذلك نشوء حق دائم لهذا الأجنبي في الاستقرار بإقليمها فهذا الحق مقصور على الوطنيين وحدهم. وتحدد الدولة عادة للأجنبي الذي يفد إلى إقليمها مدة إقامة معينة يغادر الإقليم لزاماً عند انقضائها ما لم تسمح له بتجديد هذه المدة لأجل آخر معلوم - ويتمتع الأجنبي خلال المدة المصرح له بها، بالإقامة والتنقل داخل إقليم الدولة وفقاً للشروط والأوضاع التي تحددها الدولة في هذا الشأن غير أن حق الأجنبي في ذلك يرد عليه قيد أساسي مستمد من حق الدولة في البقاء والمحافظة على كيانها. وهذا الحق الأصيل كاف وحده لتخويل الدولة سلطة إبعاد كل أجنبي يهدد سلامتها وذلك على الرغم من عدم انقضاء مدة الإقامة المصرح بها والواقع أنه لم تكن هناك قواعد قانونية تنظم إقامة الأجانب في مصر إقامة مؤقتة وإقامة دائمة إلى أن أبرمت اتفاقية مونترو بإلغاء الامتيازات الأجنبية فتنبه الشارع المصري إلى ضرورة معالجة أمر دخول الأجانب هذه الديار وإقامتهم بها بتشريع محدد فأصدر القانون رقم 49 لسنة 1940 بشأن جوازات السفر وإقامة الأجانب في مصر على أن القانون وإن نظم دخول الأجانب في هذه البلاد وخروجهم منها إلا أنه اكتفى في شأن إقامة الأجانب بنص المادة العاشرة منه، وهذه المادة تلزم الأجنبي بمغادرة الأراضي المصرية بمجرد انتهاء مدة الإقامة التي رخص له بها إلا إذا حصل على ترخيص بمدها قبل انتهائها فلم يبين هذا القانون أحكام الترخيص بالإقامة ومدتها. وقد صدر المرسوم بقانون رقم 74 لسنة 1952 في 26 من مايو سنة 1952 في شأن جوازات السفر وإقامة الأجانب في مصر ونص في مادته الخامسة والعشرين على إلغاء القانون رقم 49 لسنة 1940 المشار إليه كما ألغى المرسوم الصادر في 22 من يونيه سنة 1938 الخاص بإبعاد الأجانب وقد بين المشرع في هذا المرسوم بقانون أحكام دخول الأراضي المصرية والخروج منها والإقامة بها والإبعاد منها فبسط في المادة التاسعة منه القاعدة العامة وهي أن الترخيص بالإقامة شرط لإقامة الأجنبي في مصر فجرت هذه المادة بأنه يجب على كل أجنبي أن يكون حاصلاً على ترخيص في الإقامة وأن يغادر الأراضي المصرية عند انتهاء مدة إقامته ما لم يكن قد حصل قبل ذلك على ترخيص من وزارة الداخلية في مد إقامته وقسمت المادة العاشرة الأجانب من حيث الإقامة إلى ثلاث فئات: -
الأولى: تضم الأجانب ذوي الإقامة وهم أجانب رخص لهم بحكم القانون في الإقامة مدة معينة تتجدد وجوباً عند الطلب إلا في حالات استثنائية. وجاء في الفقرة الخامسة من بند الأجانب ذوي الإقامة الخاصة (ويرخص لأفراد هذه الفئة في الإقامة لمدة عشر سنوات تجدد عند الطلب وذلك ما لم يكونوا في إحدى الحالات المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 15) ونصت المادة الخامسة عشرة من هذا القانون على أن (لوزير الداخلية بقرار منه إبعاد الأجانب. ولا يجوز إبعاد الأجنبي ذي الإقامة الخاصة أو العادية إلا إذا كان في وجوده ما يهدد أمن الدولة أو سلامتها في الداخل أو في الخارج أو اقتصادها القومي أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو كان عالة على الدولة وبشرط أخذ رأي اللجنة المنصوص عليها في المادة الثانية - المادة 16) وللفئة الثانية التي نصت عليها المادة العاشرة هي فئة الأجانب ذوي الإقامة العادية. والفئة الثالثة هي فئة الأجانب ذوي الإقامة المؤقتة. أما الفئة الثانية (الأجانب ذوو الإقامة العادية) فتضم أجانب رخص لهم القانون في الإقامة مدة معينة - خمس سنوات - إلا في حالات استثنائية يجوز للسلطة التنفيذية تجديد إقامتهم. أما الفئة الثالثة (الأجانب ذوو الإقامة المؤقتة) فتضم أجانب جعل الترخيص لهم في الإقامة وكذلك تجديدها جوازياً للسلطة التنفيذية. وقد قدر الشارع في التفرقة ما بين مختلف هذه الفئات ظروف مصر الخاصة ومصالحها والغرض الذي يهدف إليه الأجنبي من الإقامة ومدى تجاوبه أو تنافره مع حاجة الدولة فليس الأمر على سواء بالنسبة لهؤلاء جميعاً من حيث مصالح الدولة وسياستها العامة. ومفاد ما تقدم أن المادة التاسعة من المرسوم بقانون رقم 74 لسنة 1952 تلزم الأجنبي الذي يبغي الإقامة في مصر أن يحصل على ترخيص بها من وزارة الداخلية وتلزمه بمغادرة الأراضي المصرية بمجرد انتهاء مدة الإقامة المرخص له بها ما لم يحصل قبل انتهائها على ترخيص بمدها فإذا ما أقام بغير ترخيص سواء كان ذلك ابتداء أم بعد انتهاء مدة إقامة سبق أن رخص له بها جاز إنهاء إقامته وتكليفه مغادرة البلاد فحق الأجانب في الإقامة على إقليم الدولة من الحقوق التي تستقل هي بالتصرف فيها وتنظيمها وتعيين ما يترتب عليها من آثار دون أن يرد على سلطاتها في ذلك قيد إلا أن ترتبط بمعاهدة أو تصدر تشريعاً خاصاً في هذا الشأن وقد رخص الشارع المصري للأجنبي ذي الإقامة الخاصة وبحكم القانون في الإقامة عشر سنوات تبدأ من تاريخ العمل بالمرسوم بقانون رقم 74 لسنة 1952 في 26 من مايو سنة 1952 المنشور بالعدد رقم 87 من الوقائع المصرية - وجعل هذه المدة تجدد وجوباً أي دون مجال لتقدير السلطة التنفيذية بمجرد الطلب ويستثنى من كل ذلك أن يكون الأجنبي في إحدى حالات الإبعاد المنصوص عليها في المادة 15 فقرة ثانية التي لم تترك إبعاد الأجنبي من ذوي الإقامة الخاصة خاضعاً لتقدير السلطة التنفيذية بل حددت الحالات التي يجوز فيها الإبعاد واشترطت لإجرائه أخذ رأي لجنة خاصة بينت تشكيلها المادة 16 من المرسوم بقانون سالف الذكر فإذا ما وجد الأجنبي في إحدى هذه الحالات سقط حقه في الترخيص وفي تجديد الترخيص.
2 - إذا كانت وزارة الداخلية قد وافقت على عودة المدعي إلى البلاد ومنحته تأشيرة بالإذن بدخول مصر عاد بمقتضاها في 23 من إبريل سنة 1958 لغرض خاص معين هو زيارة والدته الطاعنة في السن بعد وفاة والده ولمدة محددة موقوتة عدتها شهران اثنان على سبيل التسامح المجرد للغرض المذكور. فموافقة وزارة الداخلية والحالة هذه لا تعدو أن تكون سماحاً لهذا الأجنبي بدخول البلاد لإقامة عارضة مبتدأه مما تترخص فيه جهة الإدارة بسلطتها التقديرية في حدود ما تراه متفقاً والمصلحة العامة فلها أن ترخص ابتداء في الإقامة أو لا ترخص كما أن لها تحديد مدة هذه الإقامة، وكذا تجديدها إذا انتهت أو عدم تجديدها ومتى انتهت الإقامة المرخص فيها ورفضت الإدارة تجديدها لما قام لديها من أسباب مبررة واعتبارات تتصل بالأمن وبالصالح العام ويرجع إليها في تقدير خطورتها وجب على الأجنبي مغادرة البلاد فوراً. ولا يحول دون إيثار الصالح العام وتغليب جانب الأمن وضروراته وسلامة الدولة في هذا الشأن وجود مصلحة شخصية للأجنبي بالبلاد تتحقق ببقائه فيها فترة من الزمن. والثابت من الأوراق أن جهة الإدارة كانت تستطيع بعد إبعاد المطعون عليه في أعقاب العدوان الطائش على مصر عدم التصريح له بالعودة إلى البلاد. ولكنها سمحت له في إبريل سنة 1958 بالدخول بتأشيرة مؤقتة تلبية للعوامل السالف شرحها ثم مدت الإدارة بعد ذلك إقامته هذه حتى 24 من فبراير سنة 1959، والترخيص في الإقامة وتجديدها على ما سلف بيانه جوازي لها وقد طلبت إدارة المباحث العامة بكتابها رقم (7650/ 58 في 20 من أغسطس سنة 1958 عدم مد فترة إقامته المؤقتة العارضة لأسباب تتعلق بأمن البلاد وسلامتها، ومن ثم فإن هذا التسامح السخي من جانب الإدارة من جهة وقيام السبب المتصل بالصالح العام من جهة أخرى والوضع القانوني للمطعون عليه من حيث طبيعة حقه في الإقامة والإجراء الذي اتخذ حياله من جهة ثالثة كل أولئك يبعد بل ينفي أصالة شبهة إساءة استعمال السلطة ويهدر القول بأن مخالفة وقعت لأحكام القانون. هذا إلى أن المطعون عليه قد غادر البلاد بالفعل مع زوجته وأولاده في 7 من أغسطس سنة 1960.


إجراءات الطعن

في 7 من يناير سنة 1961 أودعت إدارة قضايا الحكومة بصفتها نائبة عن السيد/ وزير الداخلية سكرتيرية المحكمة تقرير طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم (555) لسنة 7 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري - هيئة منازعات الأفراد والهيئات بجلسة 8 من نوفمبر سنة 1960 في الدعوى رقم (502) لسنة 13 القضائية المقامة من (نينودي بتون) ضد وزارة الداخلية وإدارة الهجرة والجنسية، والذي قضى بإلغاء القرار الصادر بتكليف المدعي بمغادرة البلاد، هو وعائلته في خلال مدة تنتهي في 24 من فبراير سنة 1959 وألزمت الحكومة بالمصروفات المناسبة وبمبلغ خمسمائة قرش أتعاب المحاماة، ورفضت ما عدا ذلك). وطلب السيد/ محامي الحكومة للأسباب التي استند إليها في تقرير طعنه (الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلغاء القرار الصادر بتكليف المدعي بمغادرة البلاد هو وعائلته في خلال مدة تنتهي في 24 من فبراير سنة 1959 وإلزام الحكومة بالمصروفات المناسبة وبمبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة والحكم برفض الدعوى مع إلزام المطعون عليه بالمصروفات ومقابل الأتعاب عن الدرجتين وقد أعلن هذا الطعن إلى الخصم في 19 من يناير سنة 1961 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 26 من أكتوبر سنة 1963 وفيها قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا للمرافعة بجلسة 4 من يناير سنة 1964 حيث سمعت المحكمة ما رأت من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم (502) لسنة 13 القضائية ضد كل من:
1 - وزارة الداخلية.
2 - إدارة الهجرة والجنسية أمام محكمة القضاء الإداري - هيئة منازعات الأفراد والهيئات - بصحيفة أودعها سكرتيرية تلك المحكمة في 9 من فبراير سنة 1959 طلب فيها الحكم أولاً: بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الإداري الصادر بتكليف المدعي بمغادرة البلاد في خلال مدة تنتهي في 24 من فبراير سنة 1959.
ثانياً: 1 - بإلغاء القرار المذكور، والقاضي بتكليف المدعي بالسفر هو وزوجته رينيه دي بوتون، واعتباره كأن لم يكن مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها رد بطاقتي إقامتهما رقمي (26358، 26359) لمدة عشر سنوات تنتهي في 30 من نوفمبر سنة 1956.
2 - وبإلغاء القرار الصادر بتكليفه بالسعر في 17 من فبراير سنة 1957 مع إلزام المدعى عليهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال شرحاً لدعواه أنه ولد بمدينة الإسكندرية عام 1920 وأقام فيها منذ ولادته وهو من رجال الأعمال بالإسكندرية.
ومن ثم فقد منح إقامة خاصة بالتطبيق للفقرة (1) من المادة العاشرة من المرسوم بقانون رقم (74) لسنة 1952 وعلى ذلك صرفت له وللسيدة زوجته بطاقتا إقامة لمدة عشر سنوات تنتهي في 30 من نوفمبر سنة 1965 ولما كان هو تونسي الجنسية فإنه كان يحمل جواز سفر فرنسي مذكور فيه أنه تونسي الجنسية، وحين وقع الاعتداء المسلح على مصر في أكتوبر سنة 1956 كلف هو وزوجته وأطفاله بمغادرة البلاد. فغادرها تنفيذاً لهذا الأمر. ووضعت أمواله تحت الحراسة العامة على أموال الفرنسيين مع أنه تونسي لا يخضع لأحكام الأمر العسكري رقم 5 لسنة 1956 وقد أوضح للجهات الإدارية حقيقة وضعه من أنه تونسي وطالب بعودته إلى مصر فسمحت الحكومة المصرية بالعودة بمقتضى تأشيرة دخول صدرت في 24 من إبريل سنة 1958 كما رفعت الحراسة عن أمواله وممتلكاته ومؤسسته التجارية ثم طالب برد بطاقتي الإقامة الخاصة السابق سحبهما منه وهما اللتان تنتهيان في 30 من نوفمبر سنة 1965 فإذا به يفاجأ في 14 من ديسمبر سنة 1958 بدعوته إلى مكتب جوازات الإسكندرية حيث كلف بمغادرة البلاد من جديد. فلما تظلم من هذا القرار منح شهراً واحداً اعتباراً من 24 من يناير سنة 1959 يتعين عليه مغادرة البلاد فيه، وينعى المدعي على هذا القرار مخالفته للقانون لأنه من ذوي الإقامة الخاصة. وقد نصت المادة (15) من القانون رقم 74 لسنة 1952 على عدم جواز إبعاد الأجنبي من ذوي الإقامة الخاصة إلا إذا كان في وجوده ما يهدد أمن الدولة أو سلامتها في الداخل أو في الخارج، أو اقتصادها القومي أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو السكينة العامة أو كان عالة على الدولة بشرط أخذ رأي اللجنة المختصة بذلك. ولم يقم به سبب من ذلك بل إن قرار تكليفه السفر قد بني على واقعة غير صحيحة، وهي أنه فرنسي الجنسية في حين أنه تونسي، وقد كانت تونس قبل أن تستقل في عام 1956 تحت الحماية الفرنسية ومن أجل ذلك فإنه قيد منذ ولادته بصفته فرنسياً بسجل التونسيين (بالقنصلية) الفرنسية ثم نقل إلى السفارة الفرنسية بالقاهرة عقب استقلال بلاده عن فرنسا وانضمامها إلى منظمة الأمم المتحدة. وكان بذلك ممنوعاً على كل تونسي أن يحمل حتى أواخر سنة 1956 جواز سفر فرنسي مذكور فيه أنه تونسي الجنسية وتأسيساً على ذلك يكون القرار الصادر بتكليفه بمغادرة البلاد قد وقع باطلاً لانعدام السبب القانوني الذي قام عليه هذا فضلاً عن أن القرار المطعون فيه ينطوي على خطر جسيم يهدد المدعي في ماله وعياله لأنه لم يتسلم أمواله وممتلكاته بعد رفع الحراسة عنها بل إنه لم يسو حتى رفع الدعوى حساب الضرائب المستحقة على نشاطه التجاري كما أن ابنته (شارلوت) أصيبت بشلل الأطفال وانتقلت العدوى إلى ابنه (يوسف) البالغ من العمر ست سنوات نتيجة الظروف السيئة التي مر بها وهما في حاجة إلى إشراف طبي دقيق. وفضلاً عن كل هذا فإن والده قد توفى ولم تتم إجراءات حصر التركة ومعرفة الديون توطئة لمحاسبة مصلحة الضرائب عن ضريبة التركات ورسم الأيلولة، والمدعي هو الابن الذكر الوحيد للمورث وهو المطلع عن أصول الشركة وخصومها، وفي سفره ما يعرض حق خزانة الدولة للضياع ويعوق قسمة أعيان الشركة وأموالها بين الورثة. وفي جملة ما تقدم ما يبرر طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه.
وقد ردت وزارة الداخلية على هذه الدعوى بأنه في 25 من نوفمبر سنة 1956 أصدر السيد/ وزير الداخلية القرار رقم 17 بإبعاد المدعي وآخرين لخطورتهم على أمن الدولة وسلامتها أثناء العدوان الثلاثي المسلح على البلاد في سنة 1956. وقد غادر المدعي وزوجته البلاد إلى فرنسا في 17 من فبراير سنة 1957 بعد سحب بطاقة إقامتهما الخاصة، ووضع اسماهما في قائمة الممنوعين من دخول البلاد في 17 من مايو سنة 1957. وفي 11 من فبراير سنة 1958 طلبت السفارة الهندية إعطاء المدعي تأشيرة دخول لمصر لزيارة والدته المسنة بعد وفاة والده في 5 من فبراير سنة 1958 فوافقت الوزارة على منحه هو وأديت بوطون تأشيرة دخول الإقليم المصري بصفة مؤقتة لمدة شهرين فقط. وقد عاد إلى مصر في 23 من إبريل سنة 1958 وقدم طلباً لاسترداد بطاقة إقامته الخاصة به وبزوجته فاستطلعت جهة الإدارة رأي مجلس الدولة في هذا الخصوص فأفتى بأنه طالما أن قرار الإبعاد قد اقتضته دواعي الأمن العام فإن حق المدعي في الإقامة الخاصة يكون قد سقط، ويكون قرار السيد/ وزير الداخلية بالموافقة على عودته للبلاد بمثابة السماح للأجنبي بالدخول لأول مرة ويجوز منحه إقامة مؤقتة. وفي 20 من أغسطس سنة 1958 طلبت إدارة المباحث العامة عدم تجديد إقامة المدعي هو وشقيقته (أوديت) نظراً لانتهاء مدة إقامتهما المؤقتة فصدر قرار بتكليفها بالسفر مع منحهما مهلة أخيرة تنتهي في 24 من فبراير سنة 1959. واستطردت وزارة الداخلية تقول بأن المدعي سواء أكان فرنسياً أم تونسياً فهو أجنبي رأت الدولة في وجوده على إقليمها خطراً عليها فصدر في 25 من نوفمبر سنة 1956 القرار رقم 17 بإبعاده مع آخرين، ومن ثم فإن تشبثه بالجنسية التونسية لن يجديه شيئاً وبذلك يكون القرار المطعون فيه قد صدر صحيحاً وسقط حق المدعي في الإقامة الخاصة. أما السماح له بالعودة في 24 من إبريل سنة 1958 فقد كان للأسباب السالف ذكرها وقد سمحت له الإدارة بإقامة مؤقتة على أساس تسامح من جانبها ولها مع ذلك في أي وقت مطالبته بمغادرة البلاد وتتمتع الإدارة في هذا الصدد بسلطة مطلقة فضلاً عما ثبت من كتاب إدارة المباحث العامة المؤرخ 20 من أغسطس سنة 1958 من أنها لا توافق على تجديد إقامته هو وشقيقته وخلصت الوزارة إلى طلب الحكم برفض الدعوى.
وبجلسة 31 من مارس سنة 1959 قضت محكمة القضاء الإداري - هيئة منازعات الأفراد والهيئات (بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه) وأقامت قضاءها على أنه ولئن كان للجهة الإدارية سلطة مطلقة في إجابة طلب مد فترة الإقامة المؤقتة أو رفضه إلا أن ذلك مشروط باستعمال الجهة الإدارية لسلطتها هذه بغير تعسف وإلا كان تعرضها مشوباً بإساءة استعمال السلطة ومخالفاً للقانون. وأن الثابت من الأوراق أن للمدعي مصالح جوهرية تقتضي بقاؤه فيها فترة من الزمن وأنه من ذوي اليسار والسيرة الحسنة وليس لدى الجهة الإدارية أي سبب يبرر رفض مد إقامته بالبلاد وإذ كان القانون يجيز للجهة الإدارية تجديد مد الإقامة المؤقتة للأجنبي متى طلب ذلك، فإن رفض الجهة الإدارية طلب المد، في هذه الحالة يكون رفضاً تعسفياً ومخالفاً للقانون وفي 22 من إبريل سنة 1959 طعنت الحكومة في هذا الحكم الصادر بوقف تنفيذ القرار فحكمت دائرة فحص الطعون بجلسة 26 من يونيو سنة 1960 (بإجماع الآراء بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا للفصل في موضوع طلب وقف التنفيذ). وبجلسة 24 من ديسمبر سنة 1960 حكمت المحكمة الإدارية العليا في موضوع ذلك الطعن رقم 767 لسنة 5 القضائية بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض طلب وقف تنفيذ وبإلزام المدعي بمصروفات ذلك الطلب.
وبجلسة 8 من نوفمبر سنة 1960 حكمت محكمة القضاء الإداري - هيئة منازعات الأفراد والهيئات - (بإلغاء القرار الصادر بتكليف المدعي بمغادرة البلاد هو وعائلته في خلال مدة تنتهي في 24 من فبراير 1959 وألزمت الحكومة بالمصروفات المناسبة وبمبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات وأقامت حكمها الموضوعي هذا على ما سبق لها أن سببت به قضاءها الأول بجلسة 31 من مارس سنة 1959 بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وأضافت إليه أن المدعي كان من الأجانب ذوي الإقامة الخاصة بالبلاد وله فيها نشاط ملحوظ وله أموال وممتلكات وضعت تحت الحراسة على أثر الاعتداء الغادر على البلاد في نوفمبر سنة 1956 كما أنه أبعد عنها على اعتبار أنه إسرائيلي من رعايا الجمهورية الفرنسية في حين أنه يقول بأنه تونسي الجنسية، ثم سمح له بالعودة إلى البلاد في إبريل سنة 1958 وقد وافقت الجهة الإدارية على مد إقامته لغاية 24 من فبراير سنة 1959 على أن يغادر البلاد فوراً بعد ذلك. وثابت أن للمدعي مصالح جوهرية بالبلاد وتقتضي بقاؤه فيها فترة أخرى من الزمن وهو من ذوي اليسار وسيرته طيبة وليس لدى الجهة الإدارية أي سبب يبرر رفض طلب مد إقامته بالبلاد. والقانون يجيز للإدارة تجديد مدة الإقامة المؤقتة للأجنبي متى طلب ذلك ومتى كان الحال كذلك فإن رفض جهة الإدارة مد الفترة المؤقتة يكون رفضاً تعسفياً ومخالفاً للقانون. ويتعين إلغاء قرار تكليفه بالسفر في ميعاد غايته 24 من فبراير سنة 1959 وأضاف الحكم المطعون فيه أنه لا يؤثر فيما انتهى إليه قول الحكومة بأن إقامة المدعي بالبلاد قد انتهت بعد إذ غادرها في 7 من أغسطس سنة 1960، ومن ثم فقد أصبحت الدعوى غير ذات موضوع، ذلك أن القرار المطعون فيه بحسب الظروف التي لابسته وقت صدوره كان غير مشروع، فسيظل المدعي محقاً في طلب إلغائه وإن كان لا يترتب على إجابته عودة المذكور إلى البلاد والإقامة بها بصفة دائمة بعد ما غادرها في أغسطس سنة 1960 وسقطت إقامته الخاصة الممنوحة له من قبل بالقرار الصادر بإبعاده في 17 من فبراير سنة 1957 والذي لم يطالب بإلغائه في الميعاد القانوني يوم ذالك فلا يقبل منه الآن طلب إلغاء قرار إبعاده الصادر في 1957. ولا مفر من اعتبار إقامته بالبلاد تلك التي سمح له أخيراً في إبريل سنة 1958 إقامة مؤقتة تملك جهة الإدارة إنهاءها بعد زوال الأسباب الموجبة لمدها. وانتهى الحكم المطعون فيه إلى أن القرار المطعون فيه ومقتضاه رفض طلب مد فترة الإقامة المؤقتة قد وقع مخالفاً للقانون مشوباً بإساءة استعمال السلطة.
وفي 17 من يناير سنة 1960 طعنت الحكومة في هذا الحكم وطلبت القضاء بإلغائه فيما قضى به من إلغاء القرار الصادر بتكليف المطعون عليه بمغادرة البلاد هو وعائلته في خلال مدة تنتهي في 24 من فبراير سنة 1959 والقضاء برفض الدعوى مع إلزام المطعون عليه بالمصروفات - وأقامت طعنها هذا على أن الحكم المطعون فيه قد خالف حكم المادة التاسعة من المرسوم بقانون رقم 74 لسنة 1952 في شأن جوازات السفر وإقامة الأجانب ذلك أن الترخيص أو عدم الترخيص للأجنبي بالإقامة، ومد أو عدم مد هذه الإقامة بعد ذلك هو من الأمور التي تترخص في تقديرها جهة الإدارة بسلطة مطلقة في حدود ما تراه متفقاً والصالح العام، وليست سلطتها هذه مقيدة بقيود أو بآثار قانونية معينة فرضها القانون مقدماً. والمطعون عليه (إسرائيلي) ومن رعايا الجمهورية الفرنسية فإبعاده مع بعض اليهود والفرنسيين عن مصر أبان العدوان الطائش وإدراج اسمه مع بعضهم في قوائم الممنوعين من دخول البلاد بسبب خطورتهم على أمن الدولة وسلامتها لا تثريب فيه. ولا وجه لما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن الإدارة قد أساءت استعمال سلطتها في تصرفها مع المطعون عليه بل أنها تسامحت معه وسمحت له بالعودة إلى هذه الجمهورية العربية في إبريل سنة 1958 بصفة مؤقتة ولمدة شهرين فقط لدوافع إنسانية ثم عادت فوافقت على مد فترة إقامته لغاية 24 من فبراير سنة 1959 على أن يغادر البلاد فوراً بعد ذلك. وقول الحكم بعد ذلك أن المدعي من ذوي اليسار وأن سيرته طيبة وله مصالح جوهرية بالبلاد تقتضي بقاءه فيها مدة أخرى من الزمن قول مردود بأن الصالح العام وضرورات الأمن يسمو على ما قد يكون للمطعون عليه من مصالح شخصية. والقانون لا يرفض على سلطة الإدارة في مجال السماح للأجنبي بالإقامة المؤقتة أية قيود بل يتعين على هذا الأجنبي أن يغادر البلاد أياً كانت الزرائع التي يتعلل بها والثابت أن المطعون عليه قد غادر البلاد فعلاً بصحبة زوجته وأولاده من 7 من أغسطس سنة 1960 وبذلك تكون جهة الإدارة قد أعملت حقها في صدد أجنبي وهو حق أصيل يرجع إلى ما للدولة من سيادته على إقليمها.
1 - أن الأصلي في إقامة الأجنبي بإقليم الدولة وفي حق الدولة في إبعاده هو أن الدولة إذا ما سمحت للأجنبي بالدخول إلى إقليمها فإنه لا يترتب على ذلك نشوء حق دائم لهذا الأجنبي في الاستقرار بأقاليمها فهذا الحق مقصور على الوطنيين وحدهم. وتحدد الدولة عادة للأجنبي الذي يفد إلى إقليمها مدة إقامة معينة يغادر الإقليم لزاماً عند انقضائها ما لم تسمح له بتجديد هذه المدة لأجل أخر معلوم - ويتمتع الأجنبي خلال المدة المصرح له بها، بالإقامة والتنقل داخل إقليم الدولة وفقاً للشروط والأوضاع التي تحددها الدولة في هذا الشأن غير أن حق الأجنبي في ذلك يرد عليه قيد أساسي مستمد من حق الدولة في البقاء والمحافظة على كيانها. وهذا الحق الأصيل كاف وحده لتخويل الدولة سلطة إبعاد كل أجنبي يهدد سلامتها وذلك على الرغم من عدم انقضاء مدة الإقامة المصرح بها والواقع أنه لم تكن هناك قواعد قانونية تنظم إقامة الأجانب في مصر إقامة مؤقتة أو إقامة دائمة إلى أن أبرمت اتفاقية مونترو بإلغاء الامتيازات الأجنبية فتنبه الشارع المصري إلى ضرورة معالجة أمر دخول الأجانب هذه الديار وإقامتهم فيها بتشريع محدد فأصدر القانون رقم (49) لسنة 1940 بشأن جوازات السفر وإقامة الأجانب في مصر على أن هذا القانون وأن نظم دخول الأجانب في هذه البلاد وخروجهم منها إلا أنه اكتفى في شأن إقامة الأجانب بنص المادة العاشرة منه، وهذه المادة تلزم الأجنبي بمغادرة الأراضي المصرية بمجرد انتهاء مدة الإقامة التي رخص له بها إلا إذا حصل على ترخيص بمدها قبل انتهائها فلم يبين هذا القانون أحكام الترخيص بالإقامة ومدتها. وقد صدر المرسوم بقانون رقم 74 لسنة 1952 في 26 من مايو سنة 1952 في شأن جوازات السفر وإقامة الأجانب في مصر ونص في مادته الخامسة والعشرين على إلغاء القانون رقم 49 لسنة 1940 المشار إليه كما ألغى المرسوم الصادر في 22 من يونيو سنة 1938 الخاص بإبعاد الأجانب وقد بين المشرع في هذا المرسوم بقانون أحكام دخول الأراضي المصرية والخروج منه والإقامة بها والإبعاد منها فبسط في المادة التاسعة منه القاعدة العامة وهي أن الترخيص بالإقامة شرط لإقامة الأجنبي في مصر فجرت هذه المادة بأنه يجب على كل أجنبي أن يكون حاصلاً على ترخيص في الإقامة وأن يغادر الأراضي المصرية عند انتهاء مدة إقامته ما لم يكن قد حصل قبل ذلك على ترخيص من وزارة الداخلية في مد إقامته وقسمت المادة العاشرة الأجانب من حيث الإقامة إلى ثلاث فئات:
الأولى تضم الأجانب ذوي الإقامة الخاصة وهم أجانب رخص لهم، بحكم القانون في الإقامة مدة معينة تتجدد وجوباً عند الطلب إلا في حالات استثنائية. وجاء في الفقرة الخامسة من بند الأجانب ذوي الإقامة الخاصة و(يرخص) لأفراد هذه الفئة في الإقامة لمدة عشر سنوات تجدد عند الطلب وذلك ما لم يكونوا في إحدى الحالات المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 15 ونصت المادة الخامسة عشرة من هذا القانون على أن (لوزير الداخلية بقرار منه إبعاد الأجانب. ولا يجوز إبعاد الأجنبي ذي الإقامة الخاصة أو العادية إلا إذا كان في وجوده ما يهدد أمن الدولة أو سلامتها في الداخل أو الخارج أو اقتصادها القومي والصحة العامة أو الآداب العامة أو كان عالة على الدولة وبشرط أخذ رأي اللجنة المنصوص عليها في المادة التالية - المادة 16) والفئة الثانية التي نصت عليها المادة العاشرة هي فئة الأجانب ذوي الإقامة العادية. والفئة الثالثة هي فئة الأجانب ذوي الإقامة المؤقتة. أما الفئة الثانية (الأجانب ذوو الإقامة العادية) فتضم أجانب رخص لهم بحكم القانون في الإقامة مدة معينة - خمس سنوات - إلا في حالات استثنائية يجوز للسلطة التنفيذية تجديد إقامتهم. أما الفئة الثالثة (الأجانب ذوو الإقامة المؤقتة) فتضم أجانب جعل الترخيص لهم في الإقامة وكذلك تجديدها جوازياً للسلطة التنفيذية. وقد قدر الشارع في التفرقة ما بين مختلف هذه الفئات ظروف مصر الخاصة ومصالحها والغرض الذي يهدف إليه الأجنبي من الإقامة ومدى تجاوبه أو تنافره مع حاجة الدولة فليس الأمر على (سواء) بالنسبة لهؤلاء جميعاً من حيث مصالح الدولة (وسياستها) العامة. ومفاد ما تقدم أن المادة التاسعة من المرسوم بقانون رقم (74) لسنة 1952 تلزم الأجنبي الذي يبغي الإقامة في مصر أن يحصل على ترخيص بها من وزارة الداخلية وتلزمه بمغادرة الأراضي المصرية بمجرد انتهاء مدة الإقامة المرخص له بها ما لم يحصل قبل انتهائها على ترخيص بمدها فإذا ما أقام بغير ترخيص سواء أكان ذلك ابتداء أم بعد انتهاء مدة إقامة سبق أن رخص له بها جاز إنهاء إقامته وتكليفه مغادرة البلاد، فحق الأجانب في الإقامة في إقليم الدولة من الحقوق التي تستقل هي بالتصرف فيها وتنظمها وتعيين ما يترتب عليها من آثار دون أن يرد على سلطاتها في ذلك قيد إلا أن ترتبط بمعاهدة أو تصدر تشريعاً خاصاً في هذا الشأن وقد رخص الشارع المصري للأجنبي ذي الإقامة الخاصة وبحكم القانون في الإقامة عشر سنوات تبدأ من تاريخ العمل بالمرسوم بقانون رقم 74 لسنة 1952 في 26 من مايو سنة 1952 المنشور بالعدد رقم 78 من الوقائع المصرية - وجعل هذه المدة تجدد وجوباً أي دون مجال لتقدير السلطة التنفيذية بمجرد الطلب ويستثنى من كل ذلك أن يكون الأجنبي في إحدى حالات الأبعاد المنصوص عليها في المادة 15 فقرة ثانية التي لم تترك إبعاد الأجنبي من ذوي الإقامة الخاصة خاضعاً لتقدير السلطة التنفيذية بل حددت الحالات التي يجوز فيها الإبعاد، واشترطت لإجرائه أخذ رأي لجنة خاصة (بينت) تشكيلها المادة 16 من المرسوم بقانون سالف الذكر فإذا ما وجد الأجنبي في إحدى هذه الحالات سقط حقه في الترخيص وفي تجديد الترخيص.
ومن حيث إنه على هدي ما تقدم فإن المطعون عليه كان إلى ما قبل الاعتداء الثلاثي المسلح من الأجانب ذوي الإقامة الخاصة بالبلاد فهو أجنبي لأنه لا يتمتع بجنسية الجمهورية العربية المتحدة وهو من ذوي الإقامة الخاصة لأنه قد توافرت فيه أوضاع البند الأول من المادة العاشرة من المرسوم بقانون رقم 74 لسنة 1952. ومع ذلك فإن حقه في هذه الإقامة قد سقط وزالت آثارها القانونية بعد أن صدر القرار رقم 17 من السيد/ وزير الداخلية في 25 من نوفمبر سنة 1956 وجاء في مادته الأولى (يبعد الأجانب الفرنسيين المدونة أسماؤهم بالكشف المرافق وعددهم (1428) شخصاً. وقد صدر هذا القرار بناء على مذكرة قدمها السيد/ المدير العام لإدارة الجوازات والجنسية جاء فيها:
(أنه بتاريخ 21 من نوفمبر سنة 1956 طلبت إدارة المباحث العامة بكتابها رقم 28065/ 56 إبعاد الأجانب الإسرائيليين الفرنسيين المدونة أسماؤهم بالكشف المرافق وعددهم (1428 شخصاً) غير مرغوب في بقائهم بالبلاد لنشاطهم المعادي. وقررت أن موضوعهم قد عرض على السيد/ الوزير فوافق على هذا الإجراء بعد عرض موضوعهم على اللجنة المختصة التي وافقت على إبعادهم جميعاً).
فالقرار المطعون فيه قد صدر محمولاً على تحريات إدارة المباحث العامة وموافقة اللجنة المختصة بإبعاد المطعون عليه لخطورته على أمن الدولة وسلامتها ولنشاطه المعادي إبان العدوان المسلح على هذه البلاد في أواخر عام 1956. ولكنه بعد أن نفذ هذا القرار وغادر هو وزوجته الأراضي المصرية فعلاًً إلى فرنسا في 27 من فبراير سنة 1957 بعد سحب بطاقتي إقامتهما الخاصة رقمي (26358، 26359) وإدراج اسميهما في 17 من مايو سنة 1957 في قائمة الممنوعين من دخول البلاد وبعد عدم طعنه قضائياً بإلغاء القرار إبعاده هذا في الميعاد القانوني ما لبث أن سعى ليعود إلى مصر من جديد تحت ستار من الدوافع الإنسانية. وكان سعيه عن طريق السفارة الهندية.
2 - إذا كانت وزارة الداخلية قد وافقت على عودة المدعي إلى البلاد ومنحته تأشيرة بالإذن بدخول مصر عاد بمقتضاها في 23 من إبريل سنة 1958 لغرض خاص معين هو زيارة والدته الطاعنة في السن بعد وفاة والده ولمدة محددة موقوفة مدتها شهران اثنان على سبيل التسامح المجرد تكون سماحاً لهذا الأجنبي بدخول البلاد لإقامة عارضة مبتدأة مما تترخص فيه جهة الإدارة بسلطتها التقديرية في حدود ما تراه متفقاً والمصلحة العامة. فلها أن ترخص ابتداء في الإقامة أو لا ترخص كما أن لها تحديد مدة هذه الإقامة، وكذلك تجديدها إذا انتهت أو عدم تجديدها ومتى انتهت الإقامة المرخص فيها ورفضت الإدارة تجديدها لما قام لديها من أسباب مبررة واعتبارات تتصل بالأمن العام وبالصالح العام ويرجع إليها في تقدير خطورتها وجب على الأجنبي مغادرة البلاد فوراً. ولا يحول دون إيثار الصالح العام وتغليب جانب الأمن وضروراته وسلامة الدولة في هذا الشأن وجود مصلحة شخصية للأجنبي بالبلاد تتحقق ببقائه فيها فترة من الزمن. والثابت من الأوراق أن جهة الإدارة كانت تستطيع بعد إبعاد المطعون عليه في أعقاب العدوان الطائش على مصر عدم التصريح له بالعودة إلى البلاد، ولكنها سمحت له في إبريل سنة 1958 بالدخول بتأشيرة مؤقتة تلبية للعوامل السالف شرحها ثم مدت الإدارة بعد ذلك إقامته هذه حتى 24 من فبراير سنة 1959. والترخيص في الإقامة وتجديدها على ما سلف بيانه جوازي لها، وقد طلبت إدارة المباحث العامة بكتابها رقم (560/ 58) في 20 من أغسطس سنة 1958 عدم مد فترة إقامته المؤقتة العارضة ولأسباب تتعلق بأمن البلاد وسلامتها، ومن ثم فإن هذا التسامح السخي من جانب الإدارة وقيام السبب المتصل بالصالح العام من جهة أخرى والوضع القانوني للمطعون عليه من حيث طبيعة حقه في الإقامة والإجراء الذي اتخذ حياله من جهة ثالثة، كل أولئك يبعد بل تنفي أصالة شبهة إساءة استعمال السلطة ويبدو القول بأن مخالفة وقعت لأحكام القانون. هذا إلى أن المطعون عليه قد غادر البلاد بالفعل مع زوجته وأولاده في 7 من أغسطس سنة 1960.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه، إذ ذهب مذهباً مغايراً قد جانب وجه الحق ويتعين القضاء بإلغائه ورفض الدعوى مع إلزام المطعون عليه بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.