مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الثاني (من أول فبراير 1964 إلى آخر مايو 1964) - صـ 582

(49)
جلسة أول فبراير سنة 1964

برياسة السيد/ مصطفى كامل إسماعيل وكيل المجلس، وعضوية السادة: حسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضية رقم 712 لسنة 9 القضائية

اختصاص - اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري - أعمال السيادة - مصروفات الدعوى - القانون رقم 31 لسنة 1963 بتعديل قانون مجلس الدولة - هو قانون معدل للاختصاص - سريانه بأثر مباشر على ما لم يكن قد فصل فيه من الدعاوى أو تم من الإجراءات قبل تاريخ العمل به، ما دام هذا التاريخ يقع قبل إقفال باب المرافعة في الدعوى - سريان التنظيم المستحدث للنظام من قرارات رئيس الجمهورية المشار إليها في المادة الأولى من هذا القانون، التي تكون قد صدرت بالفعل قبل العمل به سواء رفعت عنها دعاوى لا تزال منظورة أم لم ترفع - القضاء بعد اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري تطبيقاً لأحكام هذا القانون - يتعين معه إلزام الحكومة بالمصروفات أساس ذلك.
أن قضاء هذه المحكمة قد جرى بأن القانون رقم 31 لسنة 1963، المعمول به ابتداء من 11 من مارس سنة 1963 تاريخ نشره بالجريدة الرسمية، قانون معدل للاختصاص يسري بأثره المباشر على ما لم يكن قد فصل فيه الدعاوى أو تم من الإجراءات قبل تاريخ العمل به ما دام هذا التاريخ قبل إقفال باب المرافعة في الدعوى وذلك بالتطبيق للمادة الأولى من قانون المرافعات المدنية والتجارية وأن التنظيم المستحدث للتظلم من قرارات رئيس الجمهورية سالفة الذي يسري أيضاً على القرارات المذكورة التي تكون قد صدرت بالفعل قبل العمل بالقانون المشار إليه سواء رفعت عنها دعاوى لا تزال منظورة أمام القضاء الإداري أم لم ترفع.
ولما كانت الدعوى الحالية تتعلق بقرار صادر من السيد رئيس الجمهورية بالفصل عن غير الطريق التأديبي ولم يكن قد قفل باب المرافعة قبل تاريخ العمل بالقانون رقم 31 لسنة 1963 سالف البيان، فإنه يتعين، والحالة هذه، القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى مع إلزام الحكومة بالمصروفات لأن القضاء الإداري كان مختصاً بنظر الدعوى مع إلزام الحكومة بالمصروفات لأن القضاء الإداري كان مختصاً بنظر هذه الدعوى وقت أن رفعت، وإنما أصبح غير مختص بنظرها بناء على قانون جديد معدل للاختصاص صدر بعد ذلك.


إجراءات الطعن

في يوم الاثنين 29 من إبريل سنة 1963 أودع الأستاذ زكي دياب المحامي. المنتدب بموجب قرار الإعفاء رقم 102 لسنة 9 عليا الصادر بتاريخ 8 من إبريل سنة 1963، بالنيابة عن صلاح الدين محمد جلال، سكرتيرية المحكمة، عريضة طعن في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارات التربية والتعليم والشئون الاجتماعية والإرشاد القومي بجلسة 31 من يناير سنة 1963 في القضية رقم 575 لسنة 8 قضائية المقامة من صلاح الدين محمد جلال ضد وزارة الشئون الاجتماعية، والقاضي "بقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع برفضهما وألزمت المدعي المصروفات". وطلب الطاعن للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن، الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلغاء القرار الجمهوري رقم 397 لسنة 1961 الصادر بتاريخ 8 من إبريل سنة 1961 والقاضي بفصل الطاعن من وظيفته واعتباره كأن لم يكن مع ما يترتب على ذلك من آثار وعلى الأخص صرف المرتب والفروق إلى أن يتسلم عمله، مع إلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وقد أعلن هذا الطعن لوزارة الشئون الاجتماعية في 9 من مايو سنة 1963.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً في الدعوى حددت فيه وقائعها والمسائل القانونية التي آثارها النزاع وأبدت رأيها مسبباً وانتهت إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى مع إلزام الحكومة بالمصروفات.
وقد عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 16 من نوفمبر سنة 1963 وأبلغت الحكومة والمدعي في 19 من أكتوبر سنة 1963 بميعاد هذه الجلسة وفيها قررت دائرة فحص الطعون إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا - حيث عين لنظره أمام الدائرة الأولى بها جلسة 4 من يناير سنة 1964 وأخطرت الحكومة والمدعي في 3 من ديسمبر سنة 1963 بميعاد هذه الجلسة، وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه الموضح بمحضر الجلسة، قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية بمراعاة أن الحكم المطعون فيه صدر من المحكمة الإدارية بجلسة 31 من يناير سنة 1963 وأن المدعي تقدم إلى لجنة المساعدة القضائية للمحكمة الإدارية العليا في 14 من فبراير سنة 1963، أي في ميعاد ستين يوماً من تاريخ صدور الحكم، بطلب إعفائه من رسوم إقامة هذا الطعن وهو الطلب الذي قيد تحت رقم 103 لسنة 9 القضائية والذي قررت اللجنة قبوله بجلسة 8 من إبريل سنة 1963، فأقام الطاعن الحالي بإيداع سكرتيرية هذه المحكمة في 29 من إبريل سنة 1963، أي في الميعاد القانوني لرفع الطعن وفقاً لما جرى عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا في شأن طلب المساعدة القضائية في قطع ميعاد رفع الطعن.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من أوراق الطعن تتحصل في أن المدعي أقام دعواه بصحيفة أودعها في 9 من سبتمبر سنة 1961 سكرتيرية المحكمة الإدارية لوزارات التربية والتعليم والشئون الاجتماعية والإرشاد القومي طالباً الحكم بإلغاء القرار رقم 397 لسنة 1961 الصادر بتاريخ 8 من إبريل سنة 1961 من رئاسة الجمهورية بفصله من الخدمة مع إلزام الحكومة بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة، وقال شرحاً لدعواه أنه كان موظفاً بوزارة الشئون الاجتماعية والعمل في الدرجة السابعة الفنية وبتاريخ 8 من إبريل سنة 1961 صدر قرار السيد/ رئيس الجمهورية العربية المتحدة رقم 397 لسنة 1961 بفصله من الخدمة وذكر أن قرار فصله استند - كما يبين من المذكرة المرافقة له إلى أنه تقدمت عدة شكاوى في حق المدعي تفيد أنه اعتاد انتحال صفة مفتش وإيهام المترددين على الوزارة بذلك للحصول منهم على مبالغ لتسهيل مأمورياتهم واستغلال حاجة بعض أصحاب الحاجات وخاصة النساء منهن واستخدامهن في أغراض منافية للآداب العامة ونظراً لأنه يوجد بملف خدمته ما يؤيد هذه الشكاوى، فقد أحيلت إحداها إلى قسم الرقابة الإدارية لإجراء التحريات اللازمة للوقوف منها على صحة ما جاء بها من عدمه. فأفادت بأنه ثبت من فحصها الآتي:
- اعتياده المعارف بالمترددين على منطقة القاهرة من أصحاب المصالح وتعريفهم بنفسه على أنه مفتش بالوزارة وقيامه بتسهيل مأمورياتهم نظير مبالغ يتقاضاه منهم، وقد تعرف على أحدهم أثناء تردده هو وزوجته على المنطقة وقام بتسهيل مأموريته لصرف الإعانة المستحقة له ودعاه لزيارته هو وزوجته في منزله واستغل ضعف القوى العقلية لهذه الزوجة التي سبق أن دخلت مستشفى الأمراض العقلية، فظلت تتردد على منزله بمفردها وكانت تنصرف في ساعات متأخرة من الليل بعد قضاء السهرة وهي مخمورة، حتى تركت منزلها بصفة نهائية وأقامت بمنزله منذ 24 من سبتمبر سنة 1960 وما زالت تقيم بالمنزل المذكور حتى الآن، إلا أنها تتغيب أحياناً عن المبيت بالمنزل وتبقى الليل بالخارج حيث تعود في اليوم التالي. الأمر الذي يتضح منه أن الموظف المذكور سيئ السمعة وقد سبق أن وقعت عليه طوال مدة خدمته جزاءات بلغت ثلاثة عشر جزاء لإهماله واستهتاره بالعمل وإساءته لسمعة الوزارة منها مجازاته بخصم خمسة عشر يوماً وإنذاره بالفصل لتعاطيه المخدرات بصفة علنية بتدخينها بالجوزة بالكابين المؤجر له من السيد/ محمد توفيق الفخراني وإتيانه أعمالاً مخلة بالآداب العامة على الشاطئ وبمسكنه ومعاكسته للمصيفات من السيدات والآنسات وجيرانه وارتياد بعض السيدات المشكوك في سلوكهن لمسكنه - ومنها مجازاته بخصم يومين للعثور على طلبات المساعدات الواردة ممزقة تحت مكتبه.
ولما كانت هذه الأفعال تتعارض مع رسالة الوزارة الإنسانية والأخلاقية التي تحتم خدمة الجمهور، ولا سيما أن عمل موظفي الوزارة يتطلب الاتصال الدائم بالجمهور وأن الاحتكاك به هو يمكن من الإتيان بهذه الأعمال.
لذلك فالوزارة ترى فصله من الخدمة حتى يكون عبرة لغيره وذلك بالتطبيق للمادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 في شأن نظام موظفي الدولة.
ويذكر المدعي أنه تظلم من القرار الصادر بفصله بتظلم رفعه في 4 من يونيه سنة 1961 للسيد وزير الشئون الاجتماعية وطلب إليه أن يعيد النظر في هذا القرار ولكن الوزير لم يرد على مظلمته فاضطر لرفع هذه الدعوى طالباً إلغاء القرار المذكور للأسباب التي أبداها وقد ناقش المدعي الأسباب التي ارتكنت إليها الوزارة في المذكرة التي رفعتها لاستصدار القرار الجمهوري بفصله.
فقال عن السبب الخاص بالشكاوى المتضمنة أنه اعتاد انتحال صفة مفتش وإيهام المترددين على الوزارة بذلك للحصول على مبالغ لتسهيل أمور تعيينهم وخاصة النساء، أنه لم يكن في حاجة لأن يعرف نفسه على أنه مفتش بالوزارة، فقد كانت الوزارة تنتدبه بصفة مستمرة للقيام بعمل المراجعات على أوراق اليانصيب وهو العمل الذي يقوم به صلاح عرفة المفتش بالوزارة والمرحوم السيد/ فهمي الرخاوي الذي كان مديراً لقسم اليانصيب والأستاذ/ سعد وافي المفتش بالوزارة. أي أنه كان يقوم فعلاً بعمل المفتش، فليس في حاجة إلى أن يعرف نفسه بذلك.
أما عن تسهيل مأمورية أصحاب المصالح فإن هذه تهمة لا يمكن أن توجه إلى أي شخص دون أن يقوم الدليل عليها وإلا فأين الأشخاص الذين قضى لهم مأمورياتهم وأخذ منهم نقوداً وأين الموظفون الذي كانت عندهم هذه المأموريات وهل تأكد من قام بالتحريات أنه تدخل في هذه الأمور وطلب من الموظفين القيام بمساعدة أصحاب الشأن. لقد كان يجب عمل كمين لضبطه متلبساً بجريرته وإلا فلا يمكن بأي حال أن يكون هذا من ضمن الأسباب التي يرتكن عليها في فصل موظف قضى في خدمة الحكومة زمناً طويلاً ولا مورد له سوى المرتب الذي يتقاضاه نظير العمل الذي يقوم به بذمة وإخلاص.
أما الشائعات فمصدرها الغل في النفوس لأسباب لا دخل فيها للمصلحة العامة.
وأما عما نسب إليه من تعريف على أحد الأشخاص أثناء تردده هو وزوجته على المنطقة لتسهيل مأموريته ودعوته له ولزوجته لزيارته بمنزله، فإن المذكرة لم تشر إلى اسم هذا الشخص أو اسم زوجته والواقع أن هذا الشخص يدعى فهيم أنيس الموظف سابقاً بمصلحة البريد وهو الذي استقت إدارة الرقابة تحرياتها منه - وقد كانت زوجته على خلاف معه وأشهرت إسلامها للتخلص منه ولسابق معرفتها بأخته وحتى لا تتشرد احتضنتها أخته لتقيم عندها وهي سيدة فاضلة وليس بها ما يعيبها وحرام أن ينسب إليها ما ليس فيها فقام الزوج بتقديم الشكاوى انتقاماً منه.
ويبين المدعي أن التحريات التي قامت بها الرقابة الإدارية كانت في فبراير سنة 1961 فإذا جاء بتحريات هذه الإدارة أن تلك السيدة قد أقامت بمنزله ابتداء من 24 من سبتمبر سنة 1960 فيكون تكليف الإدارة المذكورة بالقيام بالتحريات حاصلاً بعد إقامتها إقامة مستديمة في ذلك المنزل - وإذا كانت السيدة قد أقامت بالفعل في هذا المنزل فما كانت بحاجة إلى أن تخرج بالليل وأين هو الشخص الذي كان يكلف نفسه عناء الوقوف طوال الليل أمام منزله ليتمكن من رؤيتها وهي تخرج ليعرف ما بها ويقترب منها ليقرر أنها كانت مخمورة ويستطرد المدعي قائلاً أنه ليس لأحد مصلحة في خلق هذه الادعاءات إلا زوجها الذي أملاها على رجال الرقابة الإدارية فأخذوها قضية مسلمة.
هذا إلى أن المذكرة المرافقة لقرار الفصل قد حوت بياناً بالجزاءات الموقعة عليه ليكون ذلك سنداً للوزارة في فصله إلا أنها لم تشر إلى التواريخ التي وقعت فيها هذه الجزاءات لأنها توقعت عليه قبل سنة 1947 أي أنه مضى على توقيعها حوالي أربعة عشر عاماً، فهذه الجزاءات بعد مضي تلك المدة الطويلة لا يمكن أن تكون مبرراً تستند إليه الوزارة في فصله - وإذا سلم بعدالة تلك الجزاءات الطويلة فإنه وإن كان قد أنقلت الزمام منه في أول عهده بالخدمة لحداثة سنة فإنه قد اتخذ الطريق المستقيم الذي جعله يفكر في حياة مستقرة هادئة جاعلاً نصب عينيه التدرج في الوظائف ليكون له الحظ الأوفر منها - وانتهى المدعي من هذا القول بأن الأسس التي بني عليها قرار الفصل غير سليمة وهي بهذا الوضع تنطوي على إساءة استعمال السلطة ولذا فإنه يطلب الحكم بإلغاء هذا القرار.
وقد ردت وزارة الشئون الاجتماعية على الدعوى بأن المدعي كان يشغل وظيفة من الدرجة السابعة بالكادر الفني المتوسط ويعمل بمنطقة الشئون الاجتماعية والعمل بالقاهرة وقد تقدمت ضده عدة شكاوى تفيد أنه اعتاد انتحال صفة مفتش وإيهام أصحاب الحاجات بذلك نظير الحصول منهم على مبالغ لتسهيل مأموريتهم واستغلال حاجة بعض أصحاب الحاجات وخاصة النساء منهم واستخدامهن في أغراض منافية للآداب العامة. وقد حولت إحدى الشكاوى إلى قسم الرقابة الإدارية لإجراء التحريات اللازمة فأفادت الرقابة الإدارية بأنه سيئ السلوك ويستغل إحدى النساء المترددات على الوحدات الاجتماعية استغلالاً منافياً للآداب العامة وقد أثبتت الرقابة الإدارية أن المدعي سيئ السمعة وأنه سبق أن وقع عليه خلال مدة خدمته ثلاثة عشر جزء لإهماله واستهتاره بالعمل وإساءته لسمعة الوزارة.
وأن الأعمال التي ارتكبها تتعارض مع رسالة الوزارة الإنسانية والأخلاقية التي تحتم خدمة الجمهور خصوصاً وأن عمل موظفي الوزارة يتطلب الاتصال الدائم بالجمهور ويجب أن يكون موظف الوزارة مثال الأخلاق العالية وأن يكون قدوة حسنة في معاملة الجمهور وهو ما لم يتوافر في المدعي.
وقد رأت الوزارة تطبيق المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 في شأن موظفي الدولة والقوانين المعدلة له وطلبت فصل المدعي من الخدمة وبناء على ذلك صدر القرار الجمهوري رقم 397 لسنة 1961 بفصله من الخدمة - وانتهت الوزارة إلى طلب رفض الدعوى.
وبجلسة 31 من يناير سنة 1963 قضت المحكمة الإدارية "بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع برفضها وألزمت المدعي المصروفات". وأقامت قضاءها على أن المدعي يطلب الحكم بإلغاء القرار الجمهوري رقم 397 لسنة 1961 الصادر بتاريخ 8 من إبريل سنة 1961 بفصله من الخدمة مع إلزام الوزارة بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.
وعلى أن الثابت بالنسبة إلى الشكل أن القرار المطعون فيه صدر بتاريخ 8 من إبريل سنة 1961 ونشر بالجريدة الرسمية في 25 من إبريل سنة 1961 وتظلم منه المدعي خلال الميعاد القانوني بتاريخ 4 من يونيه سنة 1961 فقيد تظلمه برقم 22 لسنة 7 القضائية ولما لم ترد عليه الوزارة التجأ إلى القضاء فأقام هذه الدعوى بصحيفة أودعت قلم الكتاب في 9 من سبتمبر سنة 1961، ومن ثم تكون الدعوى قد استوفت أوضاعها الشكلية ويتعين الحكم بقبولها شكلاً.
أما فيما يتعلق بالموضوع فإنه يبين من الرجوع إلى الأوراق أن وزارة الشئون الاجتماعية تقدمت بمذكرة لرئاسة الجمهورية طالبة الموافقة على إصدار قرار بفصل المدعي من الخدمة بالتطبيق للمادة 107 من قانون التوظف رقم 210 لسنة 1951 وضمنت هذه المذكرة بياناً لأسباب طلب الفصل طبقاً لما أورده المدعي على النحو الموضح آنفاً ويقول الحكم أن ما يذهب إليه المدعي من أنه ما كان في حاجة إلى أن يظهر نفسه كمفتش في الوزارة نظراً لأن الوزارة كانت تندبه للقيام بأعمال المفتشين، ومن أنه لم يكن يستولى على مبالغ نظير قيامه بتسهيل مأمورية المترددين على الوزارة وإلا لقامت الرقابة الإدارية بعمل كمين له لضبطه متلبساً بهذه التهمة ومن أن السيدة المذكورة آنفاً كانت على خلاف مع زوجها وأنها أشهرت إسلامها وأقامت في منزله أخيراً لأنها كانت تعرف شقيقته أو لأن زوجها كان زميلاً لوالده، أن ما يذهب إليه المدعي من حجاج في هذا كله - علاوة على ما فيه من اعتراف بما هو منسوب إليه - مردود بأنه مما لا مراء فيه أن ثمة أسباباً واقعية قام عليها قرار فصله من الخدمة وهي التي كشفت عنها جهة الإدارة في مذكرتها سالفة الذكر وأن هذه الأسباب لها أصل ثابت في الأوراق أياً كان منطق المدعي في تأويله للوقائع التي اشتق منها ومناقشته لمدى الاقتناع بالدليل المستنبط من مجموع هذه الوقائع، كما أنه لا سبيل إلى الإقلال مما للجزاءات من أهمية للحكم على حياته الوظيفية من حيث صلاحيته لها من عدمه، وليس بصحيح ما ادعاه من مضي أكثر من أربع عشرة سنة على توقيع الجزاءات عليه إذ أن آخرها وقع عليه بتاريخ 14 من مايو سنة 1960 كما يبين ذلك من ملف خدمته.
ومتى كان الأمر كذلك فإن القرار المطعون فيه يكون قد قام على سبب مجرد من الهوى وليس ثمة دليل إيجابي على انحراف الإدارة عن المصلحة العامة تحت تأثير دوافع شخصية أو ابتغاء غاية غير مشروعة - ومن ثم فإن طلب إلغائه يكون على غير أساس سليم من القانون متعيناً رفضه.
ويذكر الحكم أن من خسر الدعوى يلزم بمصروفاتها عملاً بأحكام المادة 357 من قانون المرافعات.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن هذا الذي ذهب إليه الحكم المطعون عليه ينأى عن الصحيح في القانون ذلك أن الهدف الخاص من الرخصة التي منحها القانون للجهة الإدارية بفصل موظفيها بغير الطريق التأديبي طبقاً للمادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1956 هو إقصاء الموظف الفاسد التي تعلق به شوائب ونقائض خطيرة تمس كرامة الوظيفة العامة والاعتبار الواجب لها بشرط أن تكون ثابتة على وجه الحزم واليقين وتجعله فاقداً لشرط صلاحيته لتولي الوظيفة العامة فإن أقدمت الجهة الإدارية على فصل الموظف رغماً عن عدم توافر الاعتبارات السالفة لمجرد تقديم شكاوى كاذبة في حقه من موتور أو حاقد فإن ذلك التصرف من جانبها يكون قد بعد عن الغاية التي رسمها القانون وخالف الهدف الذي يتوخاه ويكون فصل مثل هذا الموظف قد جاء نتيجة للشائعات غير الصادقة أو الأقاويل المفتعلة الأمر الذي يهدر كرامة الوظيفة العادية وينتقص من ضماناتها الأصلية وهي الحماية الواجبة التي تسبغها عليه الدولة حتى يتمكن من أداء عمله الوظيفي في جو من الاستقرار والطمأنينة حرصاً على الصالح العام.
ويذكر الطعن، أنه بهذا النظر اضطرد قضاء المحكمة الإدارية العليا وعليه أجمع الفقهاء، ومؤدى ذلك أنه وإن كان من إطلاقات الجهة الإدارية الاستغناء عن الموظف الفاسد عن غير الطريق التأديبي إلا أن هذه الرخصة الاستثنائية يتعين لإعمالها أن تنهض الشوائب والنقائض في حقه على وجه اليقين فإن لم تكن ثابتة ثبوتاً قاطعاً شاب القرار عيب إساءة استعمال السلطة.
وبذلك فإن الحكم المطعون فيه يكون قد خالف مفهوم القانون وأخطأ في تأويله واستظهار مؤداه إذ أنه لم يثبت في حق الطاعن ما استند إليه وإنما هي شائعات وتخرصات انطلقت دون دليل وجاء اقتناع الحكم بها على غير سند من الواقع.
وقد استند قرار الفصل إلى القول بوصول عدة شكاوى ضد الطاعن تقول أنه اعتاد انتحال صفة المفتش وإيهام المترددين على الوزارة بذلك للحصول على مبالغ لتيسير أمورهم وهذا السند غير صحيح، لأن هذه الشكاوى فضلاً عن كونها كيدية ومن مجهول فإن ملف خدمته لم ينطو على واحدة منها كما صرحت بهذه الحقيقة وزارة الشئون الاجتماعية وأضافت أنها بعثت بإحداها إلى الرقابة الإدارية لتتحرى صحتها فجاء تقريرها ضد الطاعن نتيجة لتلك التحريات التي لا يدري أحد كيف تمت أو على أي أساس قامت أو بأية كفالة نهضت فضلاً عن أنها جاءت صورة مما تضمنته هذه الشكاوى المجهولة.
والثابت أن من يتردد على الوزارة لأمر يعنيه إنما يقصد قلم الاستعلامات ليرشده إلى الموظف المختص وهو الذي يوجهه التوجيه الصحيح دون حاجة إلى وساطة أحد، ورئيس القلم المختص هو الذي يتحدث مع أصحاب الحاجات دون تدخل أحد من الموظفين الآخرين.
هذا إلى أن الطاعن لا علاقة له بأعمال الصرف ولا بالتحريات الخاصة بها ولم يكن في وقت ما رئيساً أو مرءوساً في الإدارات الخاصة بالصرف بل كان عمله في إدارة اليانصيب فكيف إذا ينتحل صفة المفتش الذي لا حاجة بالمترددين على الوزارة للاتصال به، إن هذا دليل على أن تلك التحريات التي قامت بها الرقابة الإدارية والتي أخذ بها الحكم المطعون عليه، إنما هي إلقاء للقول على عواهنه دون دليل مقنع يبعث على الطمأنينة ويصلح لاتخاذه سنداً لفصل موظف.
كما يقول الطعن أن من أسباب الفصل ما قيل عن تصرف الطاعن على أحد المترددين وزوجته التي أقامت بمنزله إقامة دائمة - وأن واقع الأمر أن تحريات الرقابة في هذا الشأن غير سليمة، ذلك أن الطاعن كان يعرف هذه السيدة منذ زمن طويل لأن زوجها كان زميلاً لوالده عندما كان موظفاً في خدمة الحكومة فضلاً عن أن شقيقته تعرفها أيضاً.
وقد أرادت هذه السيدة اعتناق الدين الإسلامي، فلما اعتنقته فعلاً ظن زوجها أن الطاعن هو الذي حرضها على الارتداد عن دينها فعمد إلى تقديم هذه الشكاوى الكيدية فضلاً عن أن هذه السيدة مختلة العقل بحيث أودعت أكثر من مرة مستشفى الأمراض العقلية، فكيف يظن بالطاعن سواء مع سيدة مريضة بهذا الوضع.
ويستطرد الطعن إلى القول بأن قرار الفصل قد بني في سببه الثالث على الجزاءات التي سبق توقيعها على الطاعن - ومهما يكن من أمر هذه الجزاءات القديمة فإنه لا يصح في القانون أو الواقع أن تحرك ثانية وأن يجازى الطاعن عن خطئه مرتين.
والثابت أن الشكاوى الكيدية التي وصلت الوزارة لم تكن موضع اقتناع بدليل أنها لم تجر معه تحقيقاً في خصوص ما أثير فيها واكتفت بإرسال واحدة منها إلى الرقابة الإدارية للتحري، على حين أنها تنطوي على جرائم رشوة كانت النيابة العامة هي صاحبة الاختصاص في تحقيقها، ولو أنه صدق في حق الطاعن ما عزى إليه في المجهل من الشكاوى لتقدم أحد الراشين بشخصه سافراً يبلغ بما حدث ولكان على الوزارة أن ترتب الأمر لضبطه متلبساً.
وينتهي الطعن إلى القول بأنه على ما سلف يكون الحكم المطعون فيه قد جانب القانون وخالفه في مفهومه وتأويله.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن الطاعن تقدم في 14 من فبراير سنة 1963 بطلب إلى لجنة المساعدة القضائية للمحكمة الإدارية العليا طالباً فيه إعفاءه من رسوم هذا الطعن وقد قررت اللجنة قبوله بجلستها المنعقدة في 8 من إبريل سنة 1963 وأودع صحيفة الطعن سكرتيرية المحكمة الإدارية العليا في 29 من إبريل سنة 1963.
ومن حيث إنه في 4 من مارس سنة 1963 صدر قرار السيد رئيس الجمهورية رقم 31 لسنة 1963 في شأن تعديل بعض أحكام قانون مجلس الدولة، الذي عمل به من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية في 11 من مارس سنة 1963 وينص في مادته الأولى على أن يستبدل بالمادة 12 من القانون رقم 55 لسنة 1959 المشار إليه النص الآتي:
لا يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالنظر في الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة، وتعتبر من قبيل أعمال السيادة قرارات رئيس الجمهورية بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم عن غير الطريق التأديبي.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى بأن القانون رقم 31 لسنة 1963، المعمول به ابتداء من 11 من مارس سنة 1963 تاريخ نشره بالجريدة الرسمية، قانون معدل للاختصاص يسري بأثره المباشرة على ما لم يكن قد فصل فيه من الدعاوى أو تم من الإجراءات قبل تاريخ العمل به ما دام هذا التاريخ قبل إقفال باب المرافعة في الدعوى وذلك بالتطبيق للمادة الأولى من قانون المرافعات المدنية والتجارية، وأن التنظيم المستحدث للتظلم من قرارات السيد رئيس الجمهورية سالفة الذكر يسري أيضاً على القرارات المذكورة التي تكون قد صدرت بالفعل قبل العمل بالقانون المشار إليه سواء رفعت عنها دعاوى لا تزال منظورة أمام القضاء الإداري أم لم ترفع.
ولما كانت الدعوى الحالية تتعلق بقرار صادر من السيد رئيس الجمهورية بالفصل عن غير الطريق التأديبي ولم يكن قد قفل فيها باب المرافعة قبل تاريخ العمل بالقانون رقم 31 لسنة 1963 سالف البيان، فإنه يتعين، والحالة هذه القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى مع إلزام الحكومة بالمصروفات لأن القضاء الإداري كان مختصاً بنظر هذه الدعوى وقت أن رفعت وإنما أصبح غير مختص بنظرها بناء على قانون جديد معدل للاختصاص صدر بعد ذلك.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى، وألزمت الحكومة بالمصروفات.