مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الثاني (من أول فبراير 1964 إلى آخر مايو 1964) - صـ 600

(51)
جلسة 8 من فبراير سنة 1964

برئاسة السيد/ مصطفى كامل إسماعيل وكيل، وعضوية السادة: حسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضية رقم 1139 لسنة 7 القضائية

دستورية القانون - نص القانون رقم 31 لسنة 1963 على عدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالنظر في الطلبات المتعلقة بقرارات رئيس الجمهورية بإحالة الموظفين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم عن غير الطريق التأديبي باعتبارها من أعمال السيادة - هو نص معدل للاختصاص بطريق غير مباشر - النعي على هذا القانون بعدم الدستورية - غير سليم - أساس ذلك [(1)].
سبق لهذه المحكمة أن قضت بأنه يجوز تعديل الاختصاص القضائي لمجلس الدولة زيادة أو نقصاً بذات الإدارة التي أنشأت هذا الاختصاص وهي القانون وأن وصف القانون رقم 31 لسنة 1963 لبعض أعمال الحكومة بأنها أعمال سيادة وهو وسيلة لإخراجها من اختصاص مجلس الدولة. فهو تعديل لهذا الاختصاص بطريقة غير مباشرة مما يملكه المشرع. والقول بأن هذا القانون غير دستوري هو قول غير سليم إذ أن حالات عدم الدستورية هي مخالفة نص دستوري قائم أو الخروج على روحه ومقتضاه وليس حق الموظف في الوظيفة العامة من الحقوق التي كلفها الدستور أو نظم وسيلة اقتضائها. هذا على حين أن وضع الموظف هو وضع شرطي منوط بالصلاحية للوظيفة العامة، وعلاقة الموظف بالحكومة تنظمها القوانين واللوائح فإذا جاء القانون رقم 31 لسنة 1963 المشار إليه ناصاً على اعتبار قرارات معينة صادرة في شأن موظفين عموميين من أعمال السيادة فإن من شأن هذا النص عدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالنظر في الطلبات المتعلقة بتلك القرارات إلغاء أو تعويضاً. ولا يغير من هذا النظر فيما يتعلق بالتعويض كون التضامن الاجتماعي أساساً للمجتمع ذلك أن التضامن الاجتماعي فكرة فلسفية عامة لا تمس ما تخصص بالنص... وما دام القانون المشار إليه قد اعتبر على النحو سالف البيان من القوانين المعدلة للاختصاص فإنه يسري على ما لم يكن قد فصل فيه من دعاوى أو تم من إجراءات قبل تاريخ العمل به طالما كان هذا التاريخ قبل قفل باب المرافعة في الدعوى وذلك طبقاً للمادة الأولى من قانون المرافعات.


إجراءات الطعن

في 27 من إبريل سنة 1961 أودع السيد رئيس إدارة قضايا الحكومة سكرتيرية هذه المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 26 من فبراير سنة 1961 في القضية رقم 1162 لسنة 12 القضائية المرفوعة من السيد اللواء/ أحمد جمال الدين ضد وزارة الداخلية والقاضي "بإلزام الحكومة بأن تدفع للمدعي مبلغ 600 جنيه والمصاريف المناسبة ورفض ما عدا ذلك الطلبات". وقد طلب السيد الطاعن للأسباب التي أوردها في صحيفة طعنه "قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى وإلزام المدعي المصروفات ومقابل أتعب المحاماة عن الدرجتين".
بعد إعلان هذا الطعن لذوي الشأن نظر أمام دائرة فحص الطعون فقررت إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا التي بعد أن سمعت ما رأت لزوم سماعه من إيضاحات أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع الدعوى - حسبما يبين من أورقها - تتحصل في أن المدعي (المطعون ضده) أقامها بتاريخ أول أكتوبر سنة 1958 طالباً الحكم له بمبلغ سبعة آلاف جنيه مع المصاريف وأتعاب المحاماة وقال في بيان هذا الطلب أنه تخرج في كلية البوليس في أول يوليه سنة 1923 وتدرج في وظائف البوليس حتى وصل إلى رتبة الأميرالاي في ديسمبر سنة 1952 وكان ذلك في أعقاب انتهاء عملية التطهير التي ما أبقت إلا على الصالح الكفء فلما صدر القانون رقم 234 لسنة 1955 الخاص بنظام هيئة البوليس رقى بالاختيار إلى رتبة اللواء في 22 من سبتمبر سنة 1955 في ظل القانون المشار إليه الذي تنص المادة 19 منه على أن "الترقية إلى رتبة اللواء إنما تكون بالاختيار الذي لا يكون أساسه إلا التفوق والامتياز" فترقيته على هذا الأساس متخطياً أربعة من الزملاء دليل على ذلك التفوق والامتياز، ورغم هذا كله فلم تمض شهور على ترقيته إلى رتبة اللواء حتى فوجئ في 14 من مارس سنة 1956 بإحالته إلى المعاش، الأمر الذي أضر به من الناحيتين الاجتماعية والمالية والذي لا يتفق مع المقدمة السالفة الذكر، وهذا الذي وقع بلا مقتض لو لم يقع لأفاد المدعي بما نص عليه في القانون رقم 234 لسنة 1955 من البقاء في الخدمة برتبة اللواء ثلاث سنوات كاملة غير منقوصة ومن مرتبها مع ضم سنتين في حساب المعاش ولأفاد أيضاً من القانون رقم 5 لسنة 1958 المعدل للمادة 98 من القانون رقم 234 لسنة 1955 والذي من مقتضاه إضافة سنتين في المعاش مضافاً إليه جزء واحد من مائة من المرتب الشهري مضروباً في عدد السنوات الباقية لبلوغه سن الستين، بعد استبعاد المدة المضمومة، وتمنح كمعاش إضافي ويربط المعاش على أساس مجموع كل من المعاش الأصلي والمعاش الإضافي، هذا إلى أنه لو بقى في الخدمة لرقى لرتبة أعلى (مدير عام) وحصل على مرتب قدره 1300 جنيه في السنة وبقى في الخدمة حتى يبلغ سن الستين - وكان الباقي لبلوغ هذه السن عند إحالته إلى المعاش 8 شهور و6 سنوات وحصل على مبلغ 4000 جنيه قيمة الفرق بين المعاش الحالي والمرتب، كما أنه لو بقى في الخدمة وحصل على درجة مدير عام ( أ ) لكل الفرق بين المعاش والمرتب المتوقع 5000 جنيه أي مجموع الفرق عن المدة الباقية، ومن ثم يكون طلب مبلغ 7000 جنيه تعويضاً غير مبالغ فيه مع اشتمال هذا الرقم على ما يقابل بعض التعويض الأدبي.."
وقد أجابت الحكومة على الدعوى بأن المدعي ألحق بمدرسة البوليس بصفة فردية استثنائية ولازمته الاستثناءات طيلة مدة دراسته بمدرسة البوليس فنجح من السنة الأولى إلى الثانية استثناء وكذلك في التخرج.
وقد كان المتبع في الفترة من سنة 1913 إلى سنة 1926 بقبول الطلبة الجدد بمدرسة البوليس أن يكون الطالب حاصلاً على شهادة البكالوريا فإن لم يتيسر العدد الكافي أكمل بالراسبين فيها فإذا ظل ثمة نقض أكمل من الحاصلين على الكفاءة وذلك تطبيقاً للقانون رقم 22 الصادر في 18 من يوليه سنة 1912 وكان المقصود من هذا القانون رفع مستوى التعليم بالمدرسة وإعداد الطلبة للقيام بمسئوليات وظائفهم بعد التخرج على الوجه الأكمل إلا أنه قد تخلل هذه الفترة حدوث بعض الاستثناءات بالنسبة لقبول بعض الطلبة بالمدرسة المذكورة وكان من جراء ذلك أن ألحق بها بعض الطلبة من حملة الشهادة الابتدائية أو الراسبين فيها عن طريق الوساطة أو المحسوبية التي كانت سائدة وقتذاك، وكان المدعي أحد هؤلاء الطلبة ووالده هو المرحوم علي جمال الدين (باشا) وكان يشغل منصب مدير الغربية في الفترة من 9 من أغسطس سنة 1920 حتى 14 من أغسطس سنة 1922 ثم عين وكيلاً للداخلية فيما بعد، وكان والد المدعي بحكم منصبه عضواً في لجنة قبول الطلبة الجدد بمدرسة البوليس... وقد رأى مجلس الوزراء إحالة المدعي وزملائه إلى المعاش لتزويد جهاز الأمن بالعناصر الصالحة تمشياً مع ظروف التطور والنهوض خاصة وأن ضباط البوليس الجدد يحصلون حالياً على ليسانس الحقوق بجانب دبلوم كلية الشرطة عند تخرجهم ويعمل الكثير من كبار الضباط الخريجين على الحصول على ليسانس الحقوق حتى يكونوا علمياً على قدم المساواة مع الضباط الجدد تمشياً مع ظروف النهضة وفضلاً عن ذلك فإن القرار الذي قضى بإحالة المدعي إلى المعاش قد اشتمل أيضاً على من لم تكن لديهم مؤهلات مثله وأن مبناه الصالح العام، وصلاحية الموظف قد تتغير بتغير الظروف، وجهة الإدارة هي التي تقدر مدى ما يستفيده الصالح العام من الموظف دون اعتداد بما قد يكون من أمر صلاحية الموظف في الماضي، هذا إلى أن المدعي قد أخذ حقه كاملاً فمنح رتبة اللواء في 22 من سبتمبر سنة 1955 ثم أحيل إلى المعاش في 14 من مارس سنة 1956 مع منحه سنتين بمرتب كامل وقد صرف له هذا المرتب عن مدة السنتين المضافتين وهو في حد ذاته منحة مادية كافية لم تكفلها المادة "91" من القانون رقم 234 لسنة 1955 الذي رقى المدعي في ظله.. ومن كل ذلك يتضح أن إحالة المذكور إلى المعاش قد تمت على أساس سليم من القانون. وبتاريخ 26 من فبراير سنة 1961 قضت محكمة القضاء الإداري "بإلزام الحكومة بأن تدفع للمدعي مبلغ 600 جنيه والمصروفات المناسبة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات" بانية حكمها على أنه وإن كان ملف الخدمة ليس المصدر الوحيد الذي يجب الاقتصار عليه في كل ما يتعلق بالموظف من بيانات ومعلومات قد يكون لها أثرها وقد تغيب عن واضعي التقارير ولا يحتويها الملف، ولكنها لا تغيب عن ذوي الشأن ممن بيدهم الأمر يستقونها بأنفسهم بمصادرهم الخاصة أو بالأجهزة الرسمية المخصصة لاستجماع هذه البيانات والمعلومات - أنه وإن كان ذلك إلا أن المدعي ظل حتى أحيل إلى المعاش خاضعاً لنظام التقارير السنوية، وقد رقى إلى رتبة اللواء قبل أن يصدر القرار بإحالته إلى المعاش بأقل من ستة أشهر، فلو أن هناك بيانات أو معلومات غابت عن واضعي التقارير عنه من شأنها الحط من كفايته أو صلاحيته لما وافق ذوو الشأن ممن بيدهم زمام الترقية الاختيار إلى رتبة اللواء على ترقيته إلى تلك الرتبة... فمن ثم تنهار قرينة الصحة المفترضة في القرار الإداري من قيامه على سبب مشروع يبرره ويبقى على الوزارة أن تقيم الدليل إيجاباً على قيام السبب الذي هو ركن انعقاد القرار ولا يقوم بغيره.. وإذ لم تقدم الوزارة ما يدل على أن كفاية المدعي قد تضاءلت وأن صلاحيته للوظيفة قد زايلته بعد ترقيته إلى رتبة اللواء فإن قرار إحالته إلى المعاش يكون غير قائم على سبب صحيح يبرره ويكون مخالفاً وبالتالي يكون المدعي محقاً في المطالبة بالتعويض عما لحقه من ضرر نتيجة لتنحيته عن وظيفته.. والتعويض إنما يبنى على الضرر الواقع لا على أساس افتراض أمور محتملة ما دام أنه لم يقم دليل على رجحان تحقق مثل هذا الاحتمال...
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن المادة 91 من القانون رقم 234 لسنة 1955 قد أجازت الفصل من الخدمة بقرار من مجلس الوزراء لأسباب متعلقة بالصالح العام، والواضح أن الحكومة مارست هذا الحق تحقيقاً للصالح العام إذا لا يوجد بين الحكومة وبين الموظف من الخصومة ما يجعلها تعمل على تنحيته عن وظيفته لسبب غير ذلك إضراراً به، وعلى هذا فإنه من المفروض أن القرارات الإدارية حتى غير المسببة بما فيها قرار العزل صحيحة مستوخية أهداف القانون، ويقع على عاتق طالب إلغاء أي منها أو التعويض عنها إقامة الدليل القاطع على أنها صدرت بدافع من الغرض والهوى - وفي إثبات هذا الواقع لا يكفي القول بأن ملف الموظف برئ مما يشينه في كفايته أو سمعته، فلا يجوز في معرض الاحتجاج بصلاحية المطعون عليه الاستناد إلى التقارير المودعة بملف خدمته، لأن هذه التقارير قدمت حينما كان المذكور يشغل مناصب أدنى قد يكتفي فيها بقدر محدود من الكفاية... والقرار الصادر بإحالته إلى المعاش هو قرار غير مسبب، وما كان يجوز للمحكمة أن تناقش مذكرة الجهة الإدارية بردها على الدعوى، على أن ما جاء بها هي أسباب القرار المطعون فيه... وكل دفع به المدعي القرار المطعون فيه هو أن صدوره قد قطع عليه أمانيه... ومن ثم فإنه لم يكن من الجائز أن يرتب التعويض على قرار لم يثبت أنه قد صدر مشوباً بعيب انحراف السلطة وبالتالي يكون الحكم المطعون فيه قد خالف القانون..."
وقد قدمت الحكومة بعد ذلك مذكرة دفعت بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى بالاستناد إلى القانون رقم 31 لسنة 1963 بتعديل بعض أحكام قانون مجلس الدولة رقم 55 لسنة 1959 الذي نص في مادته الأولى على أن "يستبدل بالمادة 112 من القانون رقم 55 لسنة 1959 المشار إليه النص الآتي:
"لا يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالنظر في الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة، ويعتبر من قبيل أعمال السيادة، قرارات رئيس الجمهورية الصادر بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم بغير الطريق التأديبي". وقد أفصح المشرع عن الغرض الذي استهدفه من هذا التعديل في المذكرة الإيضاحية المرافقة لهذا القانون والتي جاء بها "تقوم المرافق العامة بخدمات جوهرية لازمة للجمهور والنظام العام معاً، فإذا توقف سيرها أو تعطلت ولو مؤقتاً عن العمل نتج عن ذلك حتماً أضراراً ومضايقات عديدة للجمهور من ناحية وإخلال بالنظام العام من ناحية أخرى، ولهذا كان من أهم واجبات الحكومة أن تعمل على ضمان سير هذه المرافق بانتظام واضطراد ولهذا أيضاً يلزم الموظفون الذين يعملون في خدمة هذه المرافق بالعمل لتحقيق هذا الغرض. ولما كانت المصلحة العامة تتطلب إطلاق يد الحكومة بوصفها سلطة حكم في تنظيم المرافق العامة وفي إدارتها على أحسن وجه وذلك باختيار أقدر الأشخاص على العمل في خدمة هذه المرافق وإبعاد من ترى أنه غير صالح لأداء هذه الخدمة وعلى الأخص من يشغل منها (وظيفة ذات سلطة إذا تعذر العمل معه أو إذا ارتأت الحكومة أنه غير محل لثقتها، أو لوجود شبهات قوية حوله تمس كرامة الوظيفة أو النزاهة أو الشرف أو حسن السمعة أو لغير ذلك من الأسباب التي تتصل بالصالح العام، ومما لا شك فيه أن الإجراءات التي تتخذها الحكومة والكفيلة بصيانة النظام العام وضمان سير المرافق العامة بطريقة مستمرة ومنتظمة ومنتجة تتصل بمصالح الدولة العليا. ومن ثم تعتبر من قبيل أعمال السيادة وتخرج من ولاية القضاء. لذلك فقد أعد المشروع المرافق، وتحقيقاً لذلك فقد استبدلت الفقرة الأولى من المادة "12" ونص فيها على اعتبار قرارات رئيس الجمهورية الصادرة بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم من غير الطريق التأديبي من قبيل أعمال السيادة، إذ أن مثل هذه القرارات من أخص أعمال السيادة وتصدر من السلطة التنفيذية بصفتها المهيمنة على مصالح الدولة العليا والمسئولة عن تسيير أمورها والمحافظة على الأمن فيها...." فالمقصود إذن حماية طائفة من القرارات وهي قرارات إحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم عن غير الطريق التأديبي أياً كانت الإدارة التي تصدر بها هذه القرارات. إذا لا تتوافر بالنسبة لهذه القرارات جميعها العلة التي تدعو إلى خروجها من ولاية القضاء وهي كونها من أعمال السيادة كما تتوافر بالنسبة لها أيضاً الحكمة التي توجب اعتبارها من قبيل هذه الأعمال. وهي عدم جواز تعرض القضاء لها حتى لا يعوق سلطة الحكم عائق... وإذا كان الشارع قد ذكر القرارات الجمهورية فذلك لأنها الصورة الوحيدة الموجودة قانوناً وقت صدور القانون رقم 31 لسنة 1961 إذ حلت محل المراسيم والأوامر الملكية بعد إلغاء النظام الملكي وإعلان الجمهورية في 17 من يونيه سنة 1953 كما ألغى مجلس الوزراء منذ سنة 1956. وصدر القانون رقم 283 لسنة 1956 مقرراً إدخال بعض التعديلات على التشريعات القائمة عند صدوره ناصاً في مادته الأولى على أن يستبدل بعبارة "رئيس مجلس الوزراء". و"مجلس الوزراء في جميع القوانين والتشريعات القائمة" عبارة "رئيس الجمهورية" وكذلك يستبدل بعبارة "رئاسة مجلس الوزراء" عبارة "رئاسة الجمهورية".. ولما كان الثابت من الأوراق أن المدعي قد فصل بقرار من مجلس الوزراء، وأن الدعوى لا زالت متداولة بالجلسات، لذلك فإن الدفع بعدم الاختصاص يكون قائماً على أساس سليم من القانون متعيناً قبوله والقضاء به.."
وقد قدم المطعون ضده مذكرة بالرد على الدفع بعدم الاختصاص جاء فيها "أنه يتعين الرجوع إلى المادة الأولى من قانون المرافعات ليتبين أنها لا تنطبق على واقعة النزاع الحالي إذ الأمر فيها إنما يتعلق بحق وموضوع لا بإجراءات فالمادة المذكورة تكلمت في فقرتها الأولى عن الاختصاص وفي الثانية عن المواعيد وفي الثالثة عن طرق الطعن وإذا فهم الاختصاص على الوجه الذي يريده الخصم، فإن هذا الاختصاص مستثنى من النص أما ما يقال عن حكمة التشريع وضرورة القياس لتكون الحكمة بالغة. فمردود بأن القياس للحرمان من حق هو أمر ممتنع أصولياً وفي الوقت نفسه توسعة في إضاعة حق القوانين بريئة منه. وسريان القانون رقم 31 لسنة 1963 على الماضي لا يتفق مع المادة الأولى من قانون المرافعات وفيها من الشواهد ما يدحضه - كما وأن القرار الجمهوري وقرار مجلس الوزراء سواء هو تخريج لا منطق فيه فهناك فرق بين القرار الجمهوري وبين قرار أصدره مجلس الوزراء والقول بغير ذلك مساواة لواقعة بأخرى لا تمت إليها بصلة أو شبه أما أن نتائج التفرقة لا تتفق مع المستساغ فقول قد يكون معبراً عن رأي ولو أن هذا الرأي بعيد عن القانون - وأخيراً فإن ما تقول به الحكومة من ظهور الحكمة فيما تبديه، وأن السيادة ملحوظة في القرار الجمهوري كما هي ملحوظة في قرار مجلس الوزراء إنما هو قول لا يسانده النص والقيد ممتنع التوسع فيه - وعلى كل فإن المقصود بالنص بهما كان شأنه إنما هو أمر يتعلق بالإلغاء دون التعويض".
وقد أودعت هيئة مفوضي الدولة مذكرتين بالرأي القانوني مسبباً في الدعوى أولاهما قبل أن تدفع الحكومة بعدم الاختصاص انتهت فيها إلى طلب إلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض المطعون ضده للأسباب التي أوردتها في هذه المذكرة المؤرخة 8 من يناير سنة 1963 أي قبل صدور القانون رقم 31 لسنة 1963 في مارس سنة 1963 وأما المذكرة الثانية فقد تناولت فيها الدفع بعدم الاختصاص تأسيساً على هذا القانون وقد جاء فيها "أن القانون رقم 31 لسنة 1963 هو قانون دستوري لأنه لا يكون غير دستوري إلا إذا خالف نصاً دستورياً قائماً أو خرج على روحه أو مقتضاه أو أنكر حقاً من الحقوق التي يكفلها الدستور ذاته. ولما كان مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري في مصر يتحدد اختصاصه بالقانون، ومن ثم فتعديل اختصاصه سواء بالزيادة أو النقصان يقع بالأداة ذاتها التي أنشأته وحددت ولايته شأنه شأن أي جهة قضائية أخرى إذ تقضي المادة 61 من الفصل الرابع من الباب الرابع من الدستور المؤقت الصادر في 13 من مارس سنة 1958 بأن "يرتب القانون جهات القضاء ويتعين اختصاصها". ومن ناحية أخرى فإن هذا القانون لم يخرج على روح الدستور القائم لأن المشرع يتمتع بسلطة تقديرية واسعة في مجال التشريع الذي يتعلق بنطاق السياسة العامة.. فإذا ارتأى المشرع أن يجتزئ طائفة من القرارات الإدارية التي تصدر منه في شأن الموظفين العموميين، وهي القرارات التي يصدرها رئيس الجهورية بالإحالة إلى المعاش أو الاستيداع أو بالفصل عن غير الطريق التأديبي وأن يضفي على هذه القرارات صفة أعمال السيادة لتخرج بذلك عن ولاية مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري للأهداف التي تغياها على ضوء ما ورد في المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 31 لسنة 1963. فإنه لا تثريب على المشرع إن هو أسبغ على الوسائل التي تحقق هذه الأهداف صفة أعمال السيادة ليجعلها بمنأى عن الرقابة القضائية. ومن ناحية ثالثة لم يصادر القانون المذكور حقاً من الحقوق التي كفلها الدستور وهو حق التقاضي، ويجب التفرقة بين المصادرة المطلقة لحق التقاضي عموماً وبين تحديد دائرة اختصاص القضاء - وإذا كان النعي بعدم دستورية القانون رقم 31 لسنة 1963 يقوم على أنها تنطوي على مصادرة حق الموظف في التعويض عن فصله سواء بالطريق العيني وهو الإلغاء أو بالطريق المقابل وهو التعويض عن الفصل إذا كان القرار قد وقع مخالفاً للقانون وعلى مصادرة حقه في الانتصاف في هذا الشأن عن طريق القضاء وعلى إخلال بمبدأ المساواة أمام القانون - فإن هذا النعي لا يستقيم إلا إذا كان حق الموظف في الوظيفة هو من الحقوق التي كفلها الدستور ذاته وأن وسيلة اقتضائه عن طريق القضاء هو وسيلة يقررها الدستور كذلك.. أما وأن هذا الحق ينشؤه القانون ويلغيه ووسيلة اقتضائه هي مما ينظمه القانون على الوجه الذي يراه، وكان القانون لا يقوم على تمييز بين أفراد طائفة واحدة تماثلت مراكزهم القانونية فلا يكون ثمة محل للنعي بعدم الدستورية... ولم يكن اتجاه إدارة المشرع عند إصدار القانون رقم 31 لسنة 1963 إلى إضفاء صفة أعمال السيادة على بعض القرارات الإدارية غرضاً مقصوداً لذاته، وإنما كان وسيلة مشروعة لإخراج هذه القرارات من ولاية القضاء، ومن ثم فإن القانون رقم 31 لسنة 1963 لا يكون قد اقتصر على إنشاء حكم موضوعي مؤداه أن قرارات رئيس الجمهورية المشار إليها فيه تعتبر من أعمال السيادة فحسب، وإنما قد اشتمل في الوقت ذاته على قاعدة إجرائية متعلقة بالاختصاص حين أورد هذا الحكم بطريق التعديل في صدد المادة "12" من القانون رقم 55 لسنة 1959 بتنظيم مجلس الدولة، وهي مادة منطوية على تحديد اختصاص هذا المجلس بهيئة قضاء إداري الأمر الذي يجعل طبيعة التعديل الذي أتى به المشرع من طبيعة النص الأصلي، وإذا كان القانون رقم 31 لسنة 1963 لا يبدو بحسب مقصود الشارع أن يكون مقرراً لحكم جديد يعدل من اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري فإنه ينبني على ذلك أن يسري بأثره المباشر على ما لم يكن قد قفل باب المرافعة فيه من الدعاوى قبل العمل به وذلك بالاستناد إلى الفقرة الأولى من المادة الأولى من قانون المرافعات والمدنية التجارية.... وقد تثور شبهة في مدى سريان القانون رقم 31 لسنة 1963 على قرارات مجلس الوزراء الصادرة بالإحالة إلى المعاش أو بالفعل عن غير الطريق التأديبي، ومرد هذه الشبهة إلى أن المشرع في القانون المشار إليه لم يشر بشيء إلى قرارات مجلس الوزراء.... إلا أن هذه الشبهة لا محل لها إطلاقاً لأن المادة الأولى من القانون رقم 283 لسنة 1956 بإدخال بعض التعديلات على التشريعات القائمة قد نصت على أن "يستبدل بعبارتي رئيس مجلس الوزراء" ومجلس الوزراء في جميع القوانين وغيرها من التشريعات القائمة عبارة "رئيس الجمهورية" وقد أوضحت المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 283 لسنة 1956 أن الهدف منه أن الأمر يقتضي الوقت ذاته على قاعدة إجرائية متعلقة بالاختصاص حين أورد هذا الحكم بعد العمل بدستور سنة 1956 إعادة النظر في التشريعات القائمة لتعديل بعض العبارات التي تتضمنها وتتنافى مع الوضع الجديد إذ أن الدستور الجديد جعل رئيس الجهورية في الوقت ذاته رئيساً للدولة ورئيساً للحكومة... وواضح من ذلك أن قرارات رئيس الجمهورية قد حلت محل قرارات رئيس مجلس الوزراء وقرارات مجلس الوزراء بحكم القانون رقم 283 لسنة 1956 والأوضاع الدستورية القائمة لذلك لا يكون ثمة مجال لأية شبهة حول انطباق القانون رقم 31 لسنة 1963 على قرارات مجلس الوزراء السابق صدورها بالإحالة إلى المعاش أو الفصل بغير الطريق التأديبي ما دام أنها "ما زالت موضوعاً لدعاوى لم يقفل فيها باب المرافعة.."
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المطعون ضده من ضباط الشرطة وقد وصل إلى رتبة اللواء وأحيل إلى المعاش هو وغيره من زملائه اللواءات البالغ عددهم ستة عشر لواء وذلك بقرار مجلس الوزراء في 14 من مارس سنة 1956 بالاستناد إلى القانون رقم 234 لسنة 1955 بنظام هيئة البوليس.
ومن حيث إن الدفع المبدى من الحكومة بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر النزاع المطروح إنما يستند إلى القانون رقم 31 لسنة 1963 في شأن تعديل بعض أحكام قانون مجلس الدولة الذي عمل به من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية في 11 من مارس سنة 1963 والذي تنص في مادته الأولى على أن "يستبدل بالمادة 12 من القانون رقم 55 لسنة 1959 المشار إليه النص الآتي: "لا يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالنظر في الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة ويعتبر من قبيل أعمال السيادة قرارات رئيس الجمهورية بإحالة الموظفين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم عن غير الطريق التأديبي...".
وقد سبق لهذه المحكمة أن قضت بأنه يجوز تعديل الاختصاص القضائي لمجلس الدولة زيادة أو نقصاً بذات الأداة التي أنشأت هذا الاختصاص وهي القانون وأن وصف القانون رقم 31 لسنة 1963 لبعض أعمال الحكومة بأنها أعمال سيادة هو وسيلة لإخراجها من اختصاص مجلس الدولة، فهو تعديل لهذا الاختصاص بطريقة غير مباشرة سليم إذا أن حالات عدم الدستورية هي مخالفة نص دستوري قائم أو الخروج على روحه ومقتضاه وليس حق الموظف في الوظيفة العامة من الحقوق التي كفلها الدستور أو نظم وسيلة اقتضائها. هذا على حين أن وضع الموظف هو وضع شرطي منوط الصلاحية للوظيفة العامة، وعلاقة الموظف بالحكومة تنظمها القوانين واللوائح، فإذا جاء القانون رقم 31 لسنة 1963 المشار إليه ناصاً على اعتبار قرارات معينة صادرة في شأن موظفين عموميين من أعمال السيادة فإن من شأن هذا النص عدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالنظر في الطلبات المتعلقة بتلك القرارات إلغاء أو تعويضاً. ولا يغير من هذا النظر فيما يتعلق بالتعويض كون التضامن الاجتماعي أساساً للمجتمع ذلك أن التضامن الاجتماعي فكرة فلسفية عامة لا تمس ما تخصص بالنص.. وما دام القانون المشار إليه قد اعتبر على النحو سالف البيان من القوانين المعدلة للاختصاص فإنه يسري على ما لم يكن قد فصل فيه من دعاوى أو تم من إجراءات قبل تاريخ العمل به طالما كان هذا التاريخ قبل قفل باب المرافعة في الدعوى وذلك طبقاً للمادة الأولى من قانون المرافعات.
وسريان القانون سالف الذكر على الدعاوى المذكورة لا يحرم صاحب الشأن من الالتجاء للوسيلة الإدارية التي نظمها القراران الجمهوريان رقما 358، 359 لسنة 1953 للتظلم ذلك أنه من المقرر أن رفع الدعوى في الميعاد أمام المحكمة المختصة يحفظ ميعاد التظلم.
أن القانون رقم 31 لسنة 1963 أضفى صفة أعمال السيادة فقط على القرارات الصادرة من رئيس الجمهورية بإحالة الموظفين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم عن غير الطريق التأديبي. ولما كان فصل المطعون ضده من الخدمة قد تم بقرار صادر من مجلس الوزراء في 14 من مارس سنة 1956، فقد قام خلاف على مدى انطباق أحكام هذا القانون على مثل هذه القرارات في منازعات أخرى مماثلة انتهى الرأي فيه إلى صدور حكم من هذه المحكمة بجلسة 8 من فبراير سنة 1964 في الطعنين المضمومين رقمي 421، 427 لسنة 8 القضائية قضى بأن المشرع لم يخلع وصف أعمال السيادة على قرارات الفصل من غير الطريق التأديبي أياً كانت السلطة التي تصدرها وإنما خص بهذا الوصف القانوني القرارات التي ينشئها رئيس الجمهورية ذاته، لا القرارات التي ينشئها غيره - ولم يكن ذلك من الشارع عن غير قصد وإنما كان لحكمة مقصودة قدرها وبينها وأسندها إلى ظروف الأحوال والملابسات والأوضاع والضمانات السائدة وقت إصدار القانون المذكور.
ومن حيث إنه لما تقدم ولما كان فصل المطعون ضده من الخدمة قد صدر به قرار من مجلس الوزراء على النحو السالف ذكره ولم يكن فصله بقرار صدر بالفعل من السيد رئيس الجمهورية، فإنه لا يجوز اعتبار أمر فصله من قبيل أعمال السيادة بحسب أحكام القانون رقم 31 لسنة 1963، ومن ثم فإن الدفع بعدم الاختصاص - على أساس سريان هذا القانون على المنازعة الراهنة - يكون غير قائم على أساس سليم من القانون ويتعين القضاء برفض هذا الدفع وباختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر هذا النزاع.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفض الدفع بعدم الاختصاص، وباختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى.


[(1)] بمثل هذا المبدأ قضت المحكمة في القضايا رقم 1042 لسنة 5 القضائية و1048 لسنة 5 القضائية و456 لسنة 8 و427 و1421 لسنة 8 المضمومتين معاً، وذلك بذات الجلسة.