مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الثاني (من أول فبراير 1964 إلى آخر مايو 1964) - صـ 612

(52)
جلسة 8 من فبراير سنة 1964

برئاسة السيد/ مصطفى كامل إسماعيل وكيل المجلس، وعضوية السادة: حسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم مشهور ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضية رقم 1585 لسنة 7 القضائية

اختصاص القضاء الإداري - قرارات الفصل بغير الطريق التأديبي - أعمال السيادة - أثر اعتبار القانون رقم 31 لسنة 1963 قرارات رئيس الجمهورية الصادرة بفصل الموظفين من غير الطريق التأديبي من قبيل أعمال السيادة هو عدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالنظر في الطلبات المتعلقة بها - عدم امتداد صفة أعمال السيادة إلى القرارات الصادرة بالفصل بغير الطريق التأديبي عن غير رئيس الجمهورية كالأوامر الملكية والمراسيم وقرارات مجلس الوزراء - فيبقى اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالنظر في الطلبات المتعلقة بها - عدم جواز الاحتجاج بأحكام القانونين رقمي 311 لسنة 1953، 283 لسنة 1956 في هذا الشأن - أساس ذلك.
يؤخذ من القانون رقم 31 لسنة 1963 ومن مذكرته الإيضاحية أن المشرع للحكمة التي بينها في المذكرة الإيضاحية رأى أن يضفي على طائفة من القرارات الإدارية التي تصدر في شأن الموظفين العموميين. وهي تلك يصدرها رئيس الجمهورية بمقتضى السلطة المخولة بالقانون بإحالة هؤلاء الموظفين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم عن غير الطريق التأديبي حصانة عدم الخضوع لرقابة القضاء باعتباره إياها من قبيل أعمال السيادة بحيث تخرج من ولاية مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري فلا يختص بالنظر في الطلبات المتعلقة بها وذلك فتحقق الحكمة المتقدمة فيها باعتبار الوظيفة العامة جزءاً غير منفصل عن التخطيط الشامل الذي آلت الحكومة على نفسها تحقيقه والذي يدخل فيما يتناوله إصلاح الأجهزة القائمة على إدارة المرافق العامة وحسن اختيار العاملين فيها، ومؤدى هذا كلف ولاية مجلس الدولة القضائية عن أن تمتد إلى هذا الدرب من القرارات التي لا تخرج في الأصل من حيث طبيعتها عن كونها قرارات إدارية.
ويبين من القانون رقم 31 لسنة 1963 ومن مذكرته الإيضاحية. أن المشرع لم يخلع وصف أعمال السيادة على قرارات الفصل عن غير الطريق التأديبي أياً كانت السلطة التي تصدرها، وإنما خص بهذا الوصف القانوني القرارات التي ينشئها رئيس الجمهورية ذاته لا القرارات التي ينشئها غيره. ولم يكن ذلك من المشرع عن غير قصد. وإنما كان لحكمة مقصودة قدرها وبينها وأسندها إلى ظروف الأحوال والملابسات والضمانات والأوضاع القائمة وقت إصداره للقانون المذكور كما يبين أن تخصيص المشرع للقرارات التي ينشئها رئيس الجمهورية بالوصف القانوني المذكور هو استثناء من الأصل. إذ أن القرارات المذكورة لا تخرج في الأصل من حيث طبيعتها عن كونها قرارات إدارية. ومتى كان الأمر كذلك فإنه لا يجوز أن يسري الحكم الذي شرعه القانون سالف الذكر. على الأوامر الملكية والمراسيم وقرارات مجلس الوزراء التي صدرت في الماضي بفصل الموظفين عن غير الطريق التأديبي ذلك أنها قرارات لم ينشئها رئيس الجمهورية والقانون المشار إليه إنما حصن القرارات التي ينشئها رئيس الجمهورية. وإذ صح أن سلطة مجلس الوزراء في فصل الموظفين عن غير الطريق التأديبي كانت في الماضي نظيره من الناحية الدستورية لسلطة رئيس الجمهورية في هذا الشأن في الوقت الراهن. فإن هذا التماثل بين السلطتين لا يستتبع مطلقاً سريان حكم القانون المبين آنفاً على الأوامر الملكية والمراسيم وقرارات مجلس الوزراء التي صدرت في الماضي بفصل الموظفين عن غير الطريق التأديبي ذلك أن حكم القانون المشار إليه ليس تطبيقاً لقاعدة عامة. وإنما هو استثناء من الأصل. والاستثناء لا يسمح بالتوسع في التفسير ولا يقبل القياس. هذا إلى جانب عدم توافر العلة التي يرتبط بها هذا الحكم وعدم تحقق الحكمة التي توخاها المشرع. فأما عن عدم توافر العلة. فذلك لأن السلطة التي أراد المشرع إطلاق يدها وتحصين قراراتها التي من هذا القبيل هي سلطة رئيس الجمهورية وحده وليست سلطة أخرى. وأما عن عدم تحقق الحكمة. فذلك لأن حصانة هذه السلطة هي وليدة ظروف الأحوال والملابسات والضمانات والأوضاع القائمة وقت إصدار القانون المذكور. وليست وليدة ظروف الأحوال والملابسات والضمانات والأوضاع الماضية التي صدرت في كنفها أوامر ملكية أو مراسيم أو قرارات خاصة من مجلس الوزراء بفصل الموظفين عن غير الطريق التأديبي.
ولا وجه للاحتجاج في هذا المقام بأحكام القانون رقم 311 لسنة 1953 أو بأحكام القانون رقم 283 لسنة 1956 للقول بسريان أحكام القانون رقم 31 لسنة 1963 على الأوامر الملكية والمراسيم وقرارات مجلس الوزراء التي صدرت في الماضي بفصل الموظفين عن غير الطريق التأديبي. ذلك أن القانون رقم 311 لسنة 1953 إنما ينص على استبدال لفظ "جمهوري" "بلفظ ملكي" في التشريعات القائمة. كما أن المادة الأولى من القانون رقم 283 لسنة 1956 إنما تنص على أن يستبدل عبارتي "رئيس مجلس الوزراء" و"مجلس الوزراء" في جميع القوانين وغيرها من التشريعات القائمة عبارة "رئيس الجمهورية" فكلا القانونين إنما ينص على إدخال مجرد تعديل مادي في لفظ "ملكي" وعبارتي "رئيس مجلس الوزراء" ومجلس الوزراء (في التشريعات القائمة يحذف هذا اللفظ وهاتين العبارتين منها والاستعاضة عنها بلفظ "جمهوري" وعبارة "رئيس الجمهورية" وأعمال الأثر المباشر لهذين القانونين في مجال فصل الموظفين عن غير الطريق التأديبي إنما يقتضي فقط أن ما كان يستصدر من قرارات فردية بأوامر ملكية فإنه يستصدر من تاريخ العمل بالقانون رقم 311 لسنة 1953 بأوامر جمهورية وأن ما كان يستصدر من رئيس مجلس الوزراء ومجلس الوزراء من قرارات فردية فإنه يستصدر من تاريخ العمل بالقانون رقم 283 لسنة 1956 من رئيس الجمهورية أما ما سبق أن استصدر بالفعل بأوامر ملكية من قرارات فردية قبل تاريخ العمل بالقانون رقم 311 لسنة 1953. وما سبق أن استصدر بالفعل من رئيس مجلس الوزراء ومجلس الوزراء من قرارات فردية قبل تاريخ العمل بالقانون رقم 283 لسنة 1956 فلا يتناوله الأثر المباشر والأثر الرجعي لأي من هذين القانونين لأنهما حدثا في الماضي. فلا يتناوله إلا الأثر الرجعي لأي تشريع لا يجوز بحسب الأصول الدستورية - إلا بنص خاص فيه والقانونان المذكوران إنما ينصان على إدخال ما أورده من تعديلات في التشريعات القائمة ولم ينصا على إدخال هذه التعديلات في القرارات الفردية التي صدرت في الماضي فلا يجوز إذن أن يمتد أثر ما أدخلاه من تعديلات إلى القرارات الفردية التي صدرت قبل تاريخ العمل بهما. ومتى كان الأمر كذلك. فإن الأوامر الملكية والمراسيم وقرارات مجلس الوزراء التي صدرت قبل تاريخ العمل بالقوانين المشار إليهما لا تزال بوصفها الذي صدرت به أوامر ملكية ومراسيم وقرارات خاصة من مجلس الوزراء. لم يلحق وصفها هذا أدنى تعديل أو تغيير. وهي بهذا الوصف غير القرارات التي خصها بالحماية النص الصريح للقانون رقم 31 لسنة 1963. ومن ثم فلا يجوز أن تجرى مجراها في اعتبارها من قبيل أعمال السيادة.


إجراءات الطعن

في 10 من أغسطس سنة 1961 أودع الأستاذ محمود عيسى عبده المحامي سكرتيرية هذه المحكمة بالوكالة عن السيد/ أحمد محمد خلف الله تقرير طعن في الحكم الصادر بجلسة 11 من يونيه سنة 1961 من محكمة القضاء الإداري (دائرة العقود الإدارية وطلبات التعويض) في الدعوى رقم 4411 لسنة 7 القضائية المقامة من السيد/ أحمد محمد خلف الله ضد رياسة مجلس الوزراء ووزارتي التربية والتعليم والمالية والذي قضى برفض الدعوى وإلزام المدعي المصروفات وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلزام المطعون ضدهما رياسة مجلس الوزراء ووزارة التربية والتعليم متضامنين بأن يدفعا إلى الطاعن مبلغ 24623 جنيه على سبيل التعويض والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وقد أعلن تقرير الطعن إلى وزارة التربية والتعليم بتاريخ 17 من أغسطس سنة 1961 وإلي وزير الدولة لشئون الرياسة في 21 من أغسطس سنة 1961. وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 19 من أكتوبر سنة 1963. وأبلغ الطرفان في 24 من يوليه سنة 1963 بميعاد هذه الجلسة. وفيها قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة العليا حيث عين لنظره أمامها جلسة 28 من ديسمبر سنة 1963 التي أبلغ الطرفان بها في 2 من ديسمبر سنة 1963. وفيها أجل نظر الطعن إلى جلسة 11 من يناير سنة 1964 ثم قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم في الدفع بعدم الاختصاص إلى جلسة اليوم وفيها صدر الحكم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع إيضاحات ذوي الشأن، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 4432 لسنة 7 القضائية ضد السادة رئيس مجلس الوزراء، (وقتئذ) بصفته وزير المعارف (وقتئذ) بصفته ووزير المالية (وقتئذ) بصفته بصحيفة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري بتاريخ 30 من سبتمبر سنة 1953 بطلب الحكم بإلزام المدعى عليهم بأن يدفعوا له مبلغ 24623 جنيه تعويضاً له عن الأضرار التي أصيب بها من جراء فصله مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال بياناً للدعوى. أنه تخرج في مدرسة دار العلوم ثاني الناجحين وعين مدرساً للغة العربية بمدرسة عباس الابتدائية للبنين. وأخذ يتدرج في وظائف التعليم مسابقاً أقرانه ومتخطياً من سبقه لما امتاز به من كفاية وغيرة. ثم رقى في سنة 1950 مراقباً للتعليم بالمرحلة الأولى بالإسكندرية. ولم تكن مثل هذه الوظيفة الرئيسية لتسند إلا لكفء متميز بين رجال التعليم. وقد كان من بين من أسسوا نظام المناطق والتغذية كما كان أحد أعضاء لجنة إصلاح التعليم الفني في وزارة التربية والتعليم وكان أحد اثنين اختيرا لوضع أسس هذا الإصلاح. كما كان من نتائج إشرافه على تعليم المرحلة الأولى بالإسكندرية أن اعتبرت هذه المرحلة نموذجاً لغيرها من المناطق الأخرى. وكان لزاماً أن ينال حظه من التقدير وأن يكون في مقدمة من يستعان بهم في هذه الفترة من الإصلاح. بيد أنه فوجئ بقرار صدر في نوفمبر سنة 1956. بفصله من الخدمة استناداً إلى أحكام المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 في شأن فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي. وهو قرار غير مستند إلى أساس من الواقع أو القانون. إصابة بأضرار مادية وأدبية يقدر التعويض عنها بالمبلغ المطالب به. وقد أجابت وزارة التربية والتعليم عن الدعوى بأن حالة المدعي قد عرضت على لجنة فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي. فرأت فصله من الخدمة لما تبينته من أنه قد صدرت عنه بعض التصرفات التي تمس كرامة الوظيفة وحسن السمعة. بل تجعله غير صالح لأن يؤتمن على النشء الذي عهد إليه بمهمة الإشراف على تربيته وتعليمه. وأفاضت الوزارة في سرد الوقائع التي استخلصت فيها اللجنة هذه النتيجة وأقوال الشهود التي قالت أنها تؤيد هذه الوقائع وانتهت إلى أن قرار اللجنة كان قراراً سليماً لا تسأل عنه جهة الإدارة مهما بلغ الضرر المترتب عليه لانتفاء الخطأ. وقد عقب المدعي على إجابة الوزارة فرد على ما وجه إليه من تهم. مجرحاً الشهود الذين اعتمدت اللجنة على أقوالهم وواصفاً هذه الأقوال بأنها متضاربة. ثم أخذ ينعى على اللجنة أنها أوصت بفصله دون أن تسمع دفاعه. وهو عيب جوهري يجعل قرارها في حكم العدم. وبجلسة 11 من يونيه سنة 1961 قضت محكمة القضاء الإداري برفض الدعوى وإلزام المدعي المصروفات. وأقامت قضاءها على أن لجنة التطهير قد استندت في توصيتها بفصل المدعي من الخدمة إلى ما تضمنته ملف التحقيق الذي أجري مع السيدة إحسان حمزة في شأن الحفل الساهر الذي أقامته بمنزلها ودعت إليه كبار رجال التعليم بمنطقة الإسكندرية وفي مقدمتهم المدعي. وحشدت له مجموعة من مدرسات التربية البدنية في تلك المنطقة وبعد تناول العشاء قامت بعض المدرسات بالغناء والرقص المبتذل الخليع. ولم يكتف المدعي بالاشتراك في هذا الحفل الماجن بل كان يعمل على الاستزادة مما فيه من مجون وخلاعة. ومجون هذا الحفل. واشتراك المدعي فيه. وقيام المدرسات بالغناء والرقص الخليع في حضوره. ورضاءه بالاشتراك في هذا الحفل دون أن يكون متورطاً. هذه الأمور الأربعة - يبين من أوراق التحقيق أنها قائمة في حق المدعي. فيكون الذي قام في حقه أكثر من الشبهات التي أجاز من أجلها المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 فصل الموظفين.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه كان قاصراً عن استيعاب كل ما طرح على المحكمة من بينات. وأن المحكمة لم تحاول أن تبرر ما وقعت فيه لجنة التطهير من خروج على القواعد المتبعة. وأنه كان من أثر تغاض المحكمة عن جميع ما قدمه إليها المدعي من مستندات وأوراق. أن قصرت المحكمة همها على النظر في أقوال المدرسات وأخذت بأقوالهن قضية مسلمة. وأغفلت أن التحقيق الذي سجلت فيه هذه الأقوال كانت له بقيمة لم تتم. ثم هي قد أخطأت في تحصيل أقوال المدرسات، ولم تحسن التقدير للحكم على معقولية أو عدم معقولية حصول المحقق على الصورة التي صور بها.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قدمت تقريراً برأيها القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه. والقضاء بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى على أساس أن القانون رقم 31 لسنة 1963 الذي اعتبر من قبيل أعمال السيادة قرارات رئيس الجمهورية الصادرة بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم بغير الطريق التأديبي - على أساس أن هذا القانون يسري على القرار الصادر بفصل الطاعن.
ومن حيث إن الحكومة دفعت أيضاً بعدم الاختصاص على الأساس المتقدم ذكره.
ومن حيث إنه في 4 من مارس سنة 1963 صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 31 لسنة 1963. في شأن تعديل بعض أحكام قانون مجلس الدولة الذي عمل به من تاريخ نشره الجريدة الرسمية في 11 من مارس سنة 1963 ونص في مادته الأولى على أن "يستبدل بالمادة 12 من القانون رقم 55 لسنة 1959 المشار إليه النص الآتي: لا يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالنظر في الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة ويعتبر من قبيل أعمال السيادة قرارات رئيس الجمهورية بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم عن غير الطريق التأديبي". وقد أفصح المشرع في المذكرة الإيضاحية المرافقة لهذا القانون عن الحكمة التي حدت به إلى إصداره والغاية التي استهدفها من التعديل الذي تضمنه فقال: "ولما كانت المصلحة العامة تتطلب إطلاق يد الحكومة بوصفها سلطة حكم في تنظيم المرافق العامة وفي إدارتها على أحسن وجه وذلك باختيار أقدر الأشخاص على العمل في خدمة هذه المرافق. وإبعاد من ترى أنه غير صالح لأداء هذه الخدمة. وعلى الأخص من يشغل منهم وظيفة ذات سلطة إذا تعذر العمل معه أو إذا ارتأت الحكومة أنه غير محل لثقتها أو لوجود شبهات قوية حوله تمس كرامة الوظيفة أو النزاهة أو الشرف أو حسن السمعة. أو لغير ذلك من الأسباب التي تتصل بالصالح العام ومما لا شك فيه أن الإجراءات التي تتخذها الحكومة والكفيلة بصيانة النظام العام وضمان سير المرافق العامة بطريقة مستمرة ومنتظمة ومنتجة تتصل بمصالح الدولة العليا. ومن ثم تعتبر من قبيل أعمال السيادة وتخرج بالتالي من ولاية القضاء وتحقيقاً لذلك فقد استبدلت الفقرة الأولى من المادة 12 ونص فيها على اعتبار قرارات رئيس الجمهورية الصادرة بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو بفصلهم عن غير الطريق التأديبي من قبيل أعمال السيادة إذا أن مثل هذه القرارات من أخص أعمال السيادة وتصدر من السلطة التنفيذية بصفتها المهيمنة على مصالح الدولة العليا والمسئولية عن تسيير أمورها والمحافظة على الأمن فيها".
يؤخذ من القانون رقم 31 لسنة 1963 ومن مذكرته الإيضاحية أن المشرع - للحكمة التي بينها في المذكرة الإيضاحية رأى أن يضفي على طائفة من القرارات الإدارية التي تصدر في شأن الموظفين العموميين. وهي تلك التي يصدرها رئيس الجمهورية بمقتضى السلطة المخولة بالقانون بإحالة هؤلاء الموظفين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم عن غير الطريق التأديبي حصانة عدم الخضوع لرقابة القضاء باعتباره إياها من قبيل أعمال السيادة بحيث تخرج من ولاية مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري فلا يختص بالنظر في الطلبات المتعلقة بها وذلك لتحقق الحكمة المتقدمة فيها باعتبار الوظيفة العامة جزءاً فير منفصل عن التخطيط الشامل الذي آلت الحكومة على نفسها تحقيقه والذي يدخل فيما يتناوله إصلاح الأجهزة القائمة على إدارة المرافق العامة وحسن اختيار العاملين فيها. ومؤدى هذا كف ولاية مجلس الدولة القضائية عن أن تمتد إلى هذا الدرب من القرارات التي لا تخرج في الأصل من حيث طبيعتها عن كونها قرارات إدارية.
ويبين من القانون رقم 31 لسنة 1963 المشار إليه ومن مذكرته الإيضاحية أن المشرع لم يخلع وصف أعمال السيادة على قرارات الفصل عن غير الطريق التأديبي أياً كانت السلطة التي تصدرها. وإنما خص بهذا الوصف القانوني القرارات التي ينشئها رئيس الجمهورية ذاته لا القرارات التي ينشئها غيره. ولم يكن ذلك من المشرع عن غير قصد. وإنما كان لحكمة مقصودة قدرها وبينها وأسندها إلى ظروف الأحوال والملابسات والضمانات والأوضاع القائمة وقت إصداره القانون المذكور كما يبين أن تخصيص المشرع للقرارات التي ينشئها رئيس الجمهورية بالوصف القانوني المذكور هو استثناء من الأصل. إذ أن القرارات المذكورة لا تخرج في الأصل من حيث طبيعتها عن كونها قرارات إدارية. ومتى كان الأمر كذلك فإنه لا يجوز أن يسري الحكم الذي شرعه القانون سالف الذكر. على الأوامر الملكية والمراسيم وقرارات مجلس الوزراء التي صدرت في الماضي بفصل الموظفين عن غير الطريق التأديبي. ذلك أنها قرارات التي ينشئها رئيس الجمهورية والقانون المشار إليه إنما حصن القرارات التي ينشئها رئيس الجمهورية. وإذا صح أن سلطة مجلس الوزراء في فصل الموظفين عن غير الطريق التأديبي كانت في الماضي نظيره من الناحية الدستورية لسلطة رئيس الجمهورية في هذا الشأن في الوقت الراهن. فإن هذا التماثل بين السلطتين لا يستتبع مطلقاً سريان حكم القانون المبين آنفاً على الأوامر الملكية والمراسيم وقرارات مجلس الوزراء التي صدرت في الماضي بفصل الموظفين عن غير الطريق التأديبي ذلك أن حكم القانون المشار إليه ليس تطبيقاً لقاعدة عامة. وإنما هو استثناء من الأصل. والاستثناء لا يسمح بالتوسع في التفسير ولا يقبل القياس. هذا إلى جانب عدم توافر العلة التي يرتبط بها هذا الحكم وعدم تحقق الحكمة التي توخاها المشرع. فأما عن عدم توافر العلة. فذلك لأن السلطة التي أراد المشرع إطلاق يدها وتحصين قراراتها التي من هذا القبيل هي سلطة رئيس الجمهورية وحده وليست سلطة أخرى. وأما عن عدم تحقق الحكمة. فذلك لأن حصانة هذه السلطة هي وليدة ظروف الأحوال والملابسات والضمانات والأوضاع القائمة وقت إصدار القانون المذكور. وليست وليدة ظروف الأحوال والملابسات والضمانات والأوضاع الماضية التي صدرت في كنفها أوامر ملكية أو مراسيم أو قرارات خاصة من مجلس الوزراء بفصل الموظفين عن غير الطريق التأديبي.
ولا وجه للاحتجاج في هذا المقام بأحكام القانون رقم 311 لسنة 1953. أو بأحكام القانون رقم 283 لسنة 1956 للقول بسريان أحكام القانون رقم 31 لسنة 1963 على الأوامر الملكية والمراسيم وقرارات مجلس الوزراء التي صدرت في الماضي بفصل الموظفين عن غير الطريق التأديبي. ذلك أن القانون رقم 311 لسنة 1953 إنما ينص على استبدال لفظ "جمهوري" بلفظ "ملكي" في التشريعات القائمة. كما أن المادة الأولى من القانون رقم 283 لسنة 1956 إنما تنص على أن يستبدل عبارتي "رئيس الجمهورية" مجلس الوزراء ومجلس الوزراء في جميع القوانين وغيرها من التشريعات القائمة عبارة "رئيس الجمهورية" فكلا القانونين إنما ينص على إدخال مجرد تعديل مادي في لفظ ملكي "وعبارتي" رئيس "مجلس الوزراء" (في التشريعات القائمة بحذف هذا اللفظ وهاتين العبارتين منها والاستعاضة عنها بلفظ "جمهوري" وعبارة "رئيس الجمهورية" وإعمال الأثر المباشر لهذين القانونين في مجال فصل الموظفين عن غير الطريق التأديبي. إنما يقتضي فقط أن ما كان يستصدر من قرارات فردية بأوامر ملكية فإنه يستصدر من تاريخ العمل بالقانون رقم 311 لسنة 1953 بأوامر جمهورية وأن ما كان يستصدر من رئيس مجلس الوزراء ومجلس الوزراء من قرارات فردية فإنه يستصدر من تاريخ العمل بالقانون رقم 283 لسنة 1956 من رئيس الجمهورية أما ما سبق أن استصدر بالفعل بأوامر ملكية من قرارات فردية قبل تاريخ العمل بالقانون رقم 311 لسنة 1953. وما سبق أن استصدر بالفعل من رئيس مجلس الوزراء ومجلس الوزراء من قرارات فردية قبل تاريخ العمل بالقانون رقم 283 لسنة 1956 فلا يتناوله الأثر المباشر والأثر الرجعي لأي من هذين القانونين لأنه حدثا في الماضي. فلا يتناوله إلا الأثر الرجعي لأي تشريع لا يجوز بحسب الأصول الدستورية - إلا بنص خاص فيه والقانونان المذكوران إنما ينصان على إدخال ما أورداه من تعديلات في التشريعات القائمة ولم ينصا على إدخال هذه التعديلات في القرارات الفردية التي صدرت في الماضي فلا يجوز إذن أن يمتد أثر ما أدخلاه من تعديلات إلى القرارات الفردية التي صدرت قبل تاريخ العمل بهما. ومتى كان الأمر كذلك. فإن الأوامر الملكية والمراسيم وقرارات مجلس الوزراء التي صدرت قبل تاريخ العمل بالقوانين المشار إليهما لا تزال بوصفها الذي صدرت به أوامر ملكية ومراسيم وقرارات خاصة من مجلس الوزراء. لم يلحق وصفها هذا أدنى تعديل أو تغيير. وهي بهذا الوصف غير القرارات التي خصها بالحماية النص الصريح للقانون رقم 31 لسنة 1963. ومن ثم فلا يجوز أن تجرى مجراها في اعتبارها من قبيل أعمال السيادة.
ومن حيث إنه لما كان المدعي قد فصل بقرار صدر من مجلس الوزراء في نوفمبر سنة 1952، ولم يكن فصله بقرار صدر بالفعل من السيد رئيس الجمهورية فإنه لا يجوز بحسبما تقدم اعتبار أمر فصله من قبيل أعمال السيادة بحسب أحكام القانون رقم 31 لسنة 1963. ومن ثم فإن الدفع بعدم الاختصاص على أساس سريان أحكام القانون المشار إليه على المنازعة الراهنة يكون غير قائم على أساس سليم من القانون ويتعين القضاء برفض هذا الدفع وباختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفض الدفع بعدم الاختصاص، وباختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى وعينت لنظر الموضوع جلسة 14 من مارس سنة 1964.