مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الثاني (من أول فبراير 1964 إلى آخر مايو 1964) - صـ 696

(58)
جلسة 29 من فبراير سنة 1964

برئاسة السيد/ مصطفى كامل إسماعيل وكيل المجلس، وعضوية السادة: حسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضية رقم 919 لسنة 8 القضائية

( أ ) دعوى - ميعاد رفع الدعوى - تظلم - قرار فرض الغرامة لعدم الإخطار عن البناء في المواعيد المحددة طبقاً للقانون رقم 56 لسنة 1954 - هو قرار إداري نهائي - جواز التظلم منه خلال ستين يوماً من تاريخ التكليف بالأداء - كون قرار المدير العام في التظلم نهائياً مؤداه استنفاد الإدارة كل سلطتها بالفصل في التظلم - تقديم أي تظلم تال غير مجد سواء بالنسبة للاستجابة إليه أو بالنسبة لإبقاء ميعاد رفع الدعوى مفتوحاً - وجوب التقيد في رفع الدعوى بالمواعيد محسوبة من تاريخ الفصل في التظلم - أساس ذلك.
(ب) قرار إداري - تظلم - البت في التظلم لا يلزم فيه شكل معين - يكفي أن يوافق الرئيس الإداري المختص على المذكرة التي توضع في شأن التظلم.
1) أن القانون رقم 56 لسنة 1954 قد رسم طريقة التظلم من القرار الصادر بفرض الغرامة لعدم الإخطار عن البناء في المواعيد المحددة لذلك والمبينة في هذا القانون، فنص في المادة (8) منه على أن للمالك أو المنتفع المكلف بأداء الغرامة المقررة طبقاً للمادة (7) أن يتظلم إلى مدير عام مصلحة الأموال المقررة خلال تسعين يوماً من تاريخ تكليفه بالأداء ويكون قرار المدير العام في التظلم نهائياً. والقرار الصادر بفرض الغرامة لعدم الإخطار في المواعيد المحددة لذلك إنما هو قرار نهائي أجاز القانون التظلم منه وهذا لا يكون إلا بالنسبة للقرارات الإدارية النهائية القابلة للتنفيذ والتي لا تحتاج لإجراء إداري أخر لجعلها كذلك، وإذا ما نظم قانون خاص إجراء للتظلم ممن قرار إداري معين - كما هو الشأن في القرار المطعون فيه، ورتب نتائج على هذا التظلم فإنه لا مناص من التقيد بهذا الوضع الخاص دون الرجوع إلى قانون أخر وعلى ذلك إذا ما رسم القانون رقم 56 لسنة 1954 طريقة التظلم من القرار المطعون فيه وجعل القرار الذي يصدر في هذا التظلم باتاً ونهائياً فإن الجهة الإدارية تكون قد استنفدت كل سلطاتها حيال هذا القرار ومقتضى ذلك أنها لا تملك بعدئذ المساس به تعديلاً أو إلغاء. ومن ثم وقد حفظ تظلم المطعون ضده أو رفض وعلم المذكور بذلك يقيناً (على الأقل في 14 من إبريل سنة 1959 تاريخ تقديم تظلمه الثاني) فإنه طبقاً للقانون يكون القرار الصادر في التظلم نهائياً ويخرج الأمر به من يد السلطة الإدارية إلى يد السلطة القضائية إذا ما أثير النزاع أمامها ويكون كل تظلم بعد ذلك لجهة الإدارة من هذا القرار غير مجد ويجب إذن التقيد بالمواعيد المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة عند رفع الأمر إلى المحكمة، ولما كان الثابت أن المطعون ضده قد علم في 14 من إبريل سنة 1959 بالقرار الصادر برفض تظلمه فإنه كان يجب عليه أن يقيم دعواه بالإلغاء في خلال الستين يوماً التالية لهذا التاريخ فإذا أقامها في 11 من يناير سنة 1960 كانت دعواه مرفوعة بعد الميعاد المقرر قانوناً لرفع دعاوى الإلغاء عن القرارات الإدارية النهائية - ولا حجة فيما يقول به المطعون ضده من أن تظلمه الثاني إنما كان منصباً على القرار الصادر برفض تظلمه الأول من قرار فرض الغرامة - وبذلك لا يكون قد تظلم مرتين من أمر واحد هذا القول مردود عليه بأن الواقع أن تظلميه الأول والثاني إنما يهدفان إلى غرض واحد هو إلغاء قرار فرض الغرامة وقد كان هذا المعنى مفهوماً على وجهه الصحيح لدى المذكور وقت رفع الدعوى فضلاً عن أن ورود تظلمه الثاني على قرار رفض تظلمه الأول غير مقبول لعدم الجدوى منه بسبب نهائية هذا القرار وخروج الأمر، من يد الإدارة.
2) أن الموافقة على المذكرة التي وضعت في شأن تظلم المدعي المقدم في 2 من أكتوبر سنة 1958 هي عين القرار الصادر بحفظ هذا التظلم ذلك أن القانون لم يوجب أن يتخذ البت في التظلم شكلاً معيباً وإنما كل ما قصده أن يوافق على التصرف في التظلم الرئيس الإداري المختص.


إجراءات الطعن

في يوم 24 من مارس سنة 1962 أودع السيد رئيس إدارة قضايا الحكومة سكرتيرية هذه المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر بجلسة 23 من يناير سنة 1962 من محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 606 لسنة 14 القضائية المرفوعة من السيد/ المهندس محمد رضا حمزة ضد السادة محافظ القاهرة ومأمور إيرادات قسم ثان ومراقب عام الضريبة العقارية ببلدية القاهرة والقاضي "برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها وفي الموضوع بإلغاء قرار مأمورية إيرادات قسم ثان محافظة القاهرة فيما قضى به من فرض غرامة قدرها 239.650 مجـ على المبنى رقم 2 ألف بشارع بهجت بالزمالك والمملوك للمدعي مع إلزام الحكومة بالمصروفات ومبلغ 500 قرشاً مقابل أتعاب المحاماة. وطلب السيد رئيس إدارة قضايا الحكومة للأسباب التي أوردها في عريضة الطعن" الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم أصلياً بعدم قبول دعوى المطعون ضده شكلاً لرفعها بعد الميعاد واحتياطياً برفضها وإلزام المطعون ضده بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وقد أعلن هذا الطعن لذوي الشأن ثم نظرا أمام دائرة فحص الطعون بعد إخطار الطرفين بالجلسة التي عينت له، وقد قررت الدائرة المذكورة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا التي بعد أن سمعت ما رأت لزوم سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على النحو المبين بمحضر الجلسة أرجأت النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - كما يبين من أوراق الطعن - يخلص في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 606 لسنة 14 القضائية طالباً فيها الحكم بقبول التظلم شكلاً وفي الموضوع بإلغاء قرار مأمورية إيرادات قسم ثاني المبلغ في 9 من سبتمبر سنة 1958 بفرض غرامة على العمارة رقم 2 ألف بشارع بهجت باشا علي بالزمالك وقدرها 236.640 مجـ ودفع هذه الغرامة مع إلزام الجهة الإدارية المدعى عليه بالمصروفات: وقال في بيان دعواه أنه في سنة 1956 قام بإنشاء وبناء العمارة المشار إليها وحتى نهاية شهر أكتوبر سنة 1957 لم يكن قد تم بناؤها بل كانت لا تزال تحت التشطيب لذلك لم يتم التعاقد على سكنى أغلب الشقق إلا في شهر نوفمبر سنة 1957، أما العقود التي حررت في شهر أكتوبر سنة 1957 قبل إتمام التشطيب فقد كتب في آخرها جميعاً تعهد على المالك (المدعي) بأن يقوم بتسليم الشقة تامة ومعدة للسكنى في ميعاد غايته ثمانية 8 من نوفمبر سنة 1957 ولم يتم تشطيب العمارة إلا في 12 من نوفمبر سنة 1957، وتنفيذ لنص المادة 6 فقرة ب من القانون رقم 56 لسنة 1954 قام بالإخطار عن عمارته هذه في 18 من نوفمبر سنة 1957 لمأمورية إيرادات قسم ثاني. وبتاريخ 9 من سبتمبر سنة 1958 وصلته استمارة رقم 19 وفرض غرامة مماثلة بحجة أنه لم يبلغ في الميعاد أي قبل نهاية أكتوبر سنة 1957 وعلى الفور تظلم من قرار فرض الغرامة عليه بتاريخ 8 من أكتوبر سنة 1958 بانياً تظلمه على أنه قد أبلغ في الميعاد إذ أن العمارة لم يتم تشطيبها إلا في 12 من نوفمبر سنة 1957 وقد قام بالتبليغ عنها في 18 من نوفمبر سنة 1957 - وقد حققت المأمورية شكواه واطلعت على عقود الإيجار كما اطلعت على عقود مقاولي الرخام والزجاج وثبت لها أن العمارة حقيقة لم يتم تشطبيها إلا في 12 من نوفمبر سنة 1957 ورغم ذلك كله حفظت شكواه بتاريخ 11 من يناير سنة 1959 وقالت في قرارها. أن المالك قد استولى على إيجار شهر نوفمبر سنة 1957، بالنسبة للشقق التي تعهد بإتمام تركيب الزجاج فيها أي أن استغلاله لها ثابت باستلامه الأجرة عن شهر نوفمبر سنة 1957 وعلى ذلك كان يجب عليه أن يخطر قبل أول نوفمبر سنة 1957... وتحرر قرار الحفظ في 16 من نوفمبر سنة 1959 وأخطر المدعى به في 18 من نوفمبر سنة 1959. ويعيب المدعي على القرار المطعون فيه مخالفة القانون الذي جعل الانتهاء من البناء هو الموجب لتقديم الإخطار، فإذا لم يتم البناء ولم يشطب ومع ذلك أمكن الاستفادة منه بتأجيره قبل إتمامه فلا يكلف المالك بالإخطار إلا عند إتمام البناء جمعيه فإذا كان الثابت من وقائع الدعوى أن البناء لم يكن قد تم حتى نهاية أكتوبر سنة 1957 فلا يجوز فرض غرامة عليه ما دام قد أخطر في الميعاد القانوني بعد إتمام التشطيب. وقد أجابت البلدية على الدعوى بأنه في 17 من نوفمبر سنة 1957 حررت لجنة الجرد لربط سنة 1958 على الملف رقم 2 ألف بشارع بهجت علي بالزمالك البحرية وأثبتت به أن البناء قد تم قبل 31 من أكتوبر سنة 1957 مستندة في ذلك إلى واقع معاينة العقار ووجود سكان بالشقق، وأن أغلب عقود الإيجار قد حرر في أكتوبر سنة 1957 على أن يبدأ سريانها من أول نوفمبر سنة 1957 وبناء على ذلك فرضت ضريبة عقارية قدرها 236.640 مجـ وغرامة مساوية لقيمة هذه الضريبة لعدم تقديم المالك المنتفع الإخطار عن العقار في الميعاد القانوني وهو 31 من أكتوبر سنة 1957... وأعلنت المالك (المطعون ضده) بالربط والغرامة في 9 من سبتمبر سنة 1958 فتظلم من الغرامة في 2 من أكتوبر سنة 1958 وبعد بحث التظلم وتحقيق الموضوع قرر السيد/ مدير عام مصلحة الأموال المقررة حفظ التظلم، وفي 14 من إبريل سنة 1959 تظلم المطعون ضده من قرار الحفظ السابق ونظراً لنهائية هذا القرار وفقاً لنص المادة 8 معدلة من القانون رقم 56 لسنة 1954 فقد حفظ التظلم الثاني وأقام المطعون ضده دعواه هذه في 11 من يناير سنة 1960 طالباً إلغاء القرار الصادر من مأمورية إيرادات ثان المبلغ له في 9 من سبتمبر سنة 1958 بفرض غرامة على العمارة المملوكة له قدرها 236.640 مجـ ثم دفعت البلدية الدعوى بعدم قبولها لرفعها بعد الميعاد وذلك بالاستناد إلى المادة (8) من القانون رقم 56 لسنة 1954 التي - تنص على أن "للمالك أو المنتفع المكلف بأداء الغرامة المقررة طبقاً للمادة (7) - أن يتظلم إلى مدير عام مصلحة الأموال المقررة أو مدير عام الجهة المختصة بربط وتحصيل الضريبة خلال تسعين يوماً من تاريخ تكليفه بالأداء ويكون القرار الصادر في التظلم نهائياً" والثابت من الأوراق أن المطعون ضده كلف بأداء الغرامة في 9 من سبتمبر سنة 1958 فتظلم من هذا القرار في 2 من أكتوبر سنة 1958 وصدر قرار المدير العام بحفظ هذا التظلم ولم يقم المطعون ضده برفع دعواه إلا في 11 من يناير سنة 1960 ويعتبر تاريخ تظلمه من قرار الحفظ في 14 من إبريل سنة 1959 هو تاريخ علمه اليقيني بالقرار النهائي الصادر بفرض الغرامة وكان يجب عليه أن يقيم دعواه خلال ستين يوماً من هذا التاريخ فإن أقامها بعد ذلك كانت دعواه مرفوعة بعد الميعاد القانوني وفي موضوع الدعوى قالت البلدية أن الاستفادة من العقار هي الموجبة للإبلاغ طبقاً لنص الفقرة ب من المادة (6) من القانون رقم 56 لسنة 1954.. ومن المعلوم أن الضرائب المباشرة أساساً هي ضرائب على الإيراد ومن ثم فإن المشرع قد جعل مناط رفع الضريبة هو انعدام الدخل العقاري كلياً أو جزئياً.
وبجلسة 23 من يناير سنة 1962 قضت المحكمة بحكمها المطعون فيه "برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها وفي الموضوع بإلغاء قرار مأمورية إيرادات قسم ثان - محافظة القاهرة فيما قضى به من فرض غرامة قدرها 236.640 مجـ مستندة في ذلك بالنسبة إلى الدفع بعدم القبول إلى أن الثابت من الأوراق أن المدعي تظلم من القرار القاضي بفرض الغرامة عليه لتأخره في الإخطار وأنه سمعت أقواله في 3 من ديسمبر سنة 1958 ورفع المحقق مذكرة مؤرخة 5 من يناير سنة 1959 انتهى فيها إلى عدم أحقية المذكور في شكواه وقد وافق على هذه النتيجة كل من الإدارة العامة والمدير العام للإيرادات والمدير العام للشئون المالية والشركات وذلك بتاريخ 14 من يناير سنة 1959 وأنه وإن لم يكن في الأوراق ما يدل على أن المدعي قد أعلن بهذا القرار إلا أن الشكوى التي تقدم بها في 14 من إبريل سنة 1959 والتي طلب فيها إعادة النظر في قرار الحفظ تدل على علمه به وقد كتب السيد مدير عام الإيرادات خطاباً لمراقبة الحصر والتقدير بتاريخ 19 من إبريل سنة 1959 يطلب إليها فيه بحث الشكوى إلا أنه قد تأشر على الأوراق بإعادة بحث الموضوع وذلك بتاريخ 2 من مايو سنة 1959، وفي 21 من مايو سنة 1959 رفعت إدارة التحريات بمراقبة الضريبة العقارية مذكرة للإدارة العامة انتهت فيها إلى حفظ الشكوى الأخيرة المقدمة في 15 من إبريل سنة 1959 بالنظر إلى أنه سبق الفصل في التظلم المقدم من المدعي بقرار نهائي، وأنه وإن كان قد تأشر على هذه المذكرة بعرض الأمر على مجلس الدولة لإبداء رأيه عما إذا كان يجوز النظر في التظلم المقدم من المالك عن قرار المدير العام إلا أن المدير العام للإيرادات لم ير محلاً لذلك لأن الفصل في شكاوى الغرامات نهائي بنص القانون، وقد تأشر على الأوراق بأن المدعي قد أخطر بذلك في 15 من نوفمبر سنة 1959. وعلى ذلك فبالنسبة للقرار الصادر في 14 من يناير سنة 1959 والقاضي برفض شكوى المدعي المقدمة منه في 2 من أكتوبر سنة 1958 فإن نهائية هذا القرار على النحو المنصوص عليه في المادة 8 من القانون رقم 56 لسنة 1954 لا تحول بين أصحاب الشأن وبين التظلم لجهة الإدارة فيما تصدره من قرارات في هذا الشأن لأن المعنى الذي يرمي إليه الشارع من هذه العبارة هو أن هذا القرار قابل بذاته للتنفيذ المباشر دون ما حاجة لتصديق أية سلطة عليا عليه، وبالنظر إلى أنه وإن لم يثبت في الأوراق إعلان المدعي به إلا أن التظلم المقدم منه في 14 من إبريل سنة 1959 يفيد علمه به، وبالنظر إلى أن جهة الإدارة وإن كانت بسبيل إعادة بحث الموضوع إلا أن الذي استوقف نظرها عبارة نص المادة 8 ومفادها أن قرار المدير العام في التظلم نهائي وقد فسرت مضمون هذه العبارة بأن مثل هذا القرار لا يجوز لجهة الإدارة أن ترجع فيه كما لا يجوز التظلم منه وارتأت أن تستأثر لنفسها بسلطة تفسير نصوص القانون وأبت الرجوع للجهة المختصة وهي إدارة الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، وقد أبلغ المدعي بهذا القرار على النحو الثابت في الأوراق بتاريخ 15 من نوفمبر سنة 1959، وبالنظر إلى أن تظلم هذا الأخير كان طوال هذه المدة محل بحث ودراسة جديدة فإن الدعوى قد رفعت في 10 من يناير سنة 1960 تكون مرفوعة في الميعاد ومن ثم يكون الدفع في غير محله متعين الرفض وأما عن الموضوع فقد استند الحكم المطعون فيه في القضاء للمدعي بطلباته إلى المادة 6 من القانون رقم 56 لسنة 1954 وخلص من ذلك إلى أن العبرة في الإخطار وميعاده إنما هو بإتمام البناء قبل نهاية أكتوبر من كل عام، أما ما يتم خلال الشهرين التاليين فإن التكليف بالإخطار عنه يكون واجباً قبل نهاية ديسمبر.. ويتضح من المستندات المقدمة من المدعي أن بعض الشقق قد استوفيت والبعض الآخر لم يستكمل وبالتالي يكون الإخطار الذي قام به قد تم في الميعاد وعلى ذلك فلا محل لفرض الغرامة.
ومن حيث إن الطعن يقوم على خطأ الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد ذلك أن الثابت من الأوراق أن المطعون ضده قد تظلم من قرار فرض الغرامة في 2 من أكتوبر سنة 1958 ورفض تظلمه في 14 من يناير سنة 1959 وأنه علم بقرار رفض التظلم علماً يقينياً في 14 من إبريل سنة 1959 إذ قدم في هذا التاريخ تظلماً ثانياً فطلب فيه صراحة إعادة النظر في قرار رفض التظلم الأول وكان عليه أن يقيم دعواه في خلال ستين يوماً من هذا التاريخ لأنه يعتبر مجرياً لمواعيد الطعن القضائي بالنسبة له، ولا يغير من الأمر أنه تظلم مرة أخرى من قرار فرض الغرامة في 14 من إبريل سنة 1959 وأن البلدية أخطرته برفض التظلم الثاني في 10 من نوفمبر سنة 1959 لأنه لا أثر لهذا التظلم أو العلم به في قطع مواعيد الطعن القضائي إذ العبرة في انقطاع مواعيد الطعن بالإلغاء هو بالتظلم الإداري الأول أما تتابع التظلمات أو تكرارها فلا يفيد شيئاً في هذا الخصوص لأن مدة الطعن القضائي لا تنقطع إلا مرة واحدة.
وأما عن خطأ الحكم المطعون فيه في القضاء في الموضوع بإلغاء القرار الصادر بالغرامة فإن مرجعه إلى أن المادة 6 من القانون رقم 56 لسنة 1954 المشار إليه لم تعلق إجراء الإخطار على إتمام البناء بل أوجبته بالنسبة لكل ما يستجد من العقارات خلال المدة المحددة ويصبح الإخطار واجباً ولازماً إذا استغل العقار أو انتفع به على أي وجه من الوجوه لأنه يصبح من هذا التاريخ خاضعاً للضريبة العقارية المقررة، والثابت من الأوراق أن العقار المملوك للمطعون ضده قد أبرمت عنه عقود إيجار محررة جميعها في أكتوبر وإن كانت العلاقة التأجيرية قد حدد لبدئها تاريخ لاحق هو أول نوفمبر سنة 1957 مما يفيد صلاحيته لشغله بالسكن وبالتالي فقد كان على المالك أن يقوم بالإخطار قبل 31 من أكتوبر سنة 1957، ولا يغير من ذلك وجود بعض التشطيبات لأنه فضلاً عن أن اللجنة قد مرت بتاريخ 7 من نوفمبر سنة 1957 ووجدت العقار تاماً وأن جميع تشطيباته قد انتهت فعلاً فضلاً عن ذلك فإن الإخطار كان واجباً رغم دفاعه هذا لأنه متى استغل العقار أو انتفع به صار الإخطار عنه واجباً.
ومن حيث إنه عن الوجه الأول من أوجه الطعن الخاص بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد فإن القانون رقم 56 لسنة 1954 قد رسم طريقة التظلم في المواعيد المحددة لذلك والمبينة في هذا القانون، فنص في المادة (8) منه على أن للمالك أو المنتفع المكلف بأداء الغرامة المقررة طبقاً للمادة (7) أن يتظلم إلى مدير عام مصلحة الأموال المقررة خلال ستين يوماً من تاريخ تكليفه بالأداء ويكون قرار المدير العام في التظلم نهائياً. والقرار الصادر بفرض الغرامة لعدم الإخطار في المواعيد المحددة لذلك إنما هو قرار إداري نهائي أجاز القانون التظلم منه وهذا لا يكون إلا بالنسبة للقرارات الإدارية النهائية القابلة للتنفيذ والتي لا تحتاج لإجراء إداري أخر لجعلها كذلك، وإذا ما نظم قانون إجراء للتظلم من قرار إداري معين - كما هو الشأن في القرار المطعون فيه - ورتب نتائج على هذا التظلم فإنه لا مناص من التقيد بهذا الوضع الخاص دون الرجوع إلى قانون أخر وعلى ذلك إذا ما رسم القانون رقم 56 لسنة 1954 طريقة التظلم من القرار المطعون فيه وجعل القرار الذي يصدر في هذا التظلم باتاً ونهائياً فإن الجهة الإدارية تكون قد استنفدت كل سلطاتها حيال هذا القرار ومقتضى ذلك أنها لا تملك بعدئذ المساس به تعديلاً أو إلغاء. ومن ثم وقد حفظ تظلم المطعون ضده أو رفض وعلم المذكور بذلك يقيناً (على الأقل في 14 من إبريل سنة 1959 تاريخ تقديم تظلمه الثاني) فإنه طبقاً للقانون يكون القرار الصادر في التظلم نهائياً ويخرج الأمر به من يد السلطة الإدارية إلى يد السلطة القضائية إذا ما أثير النزاع أمامها ويكون كل تظلم بعد ذلك لجهة الإدارة من هذا القرار غير مجد ويجب إذن التقيد بالمواعيد المنصوص عنها في قانون مجلس الدولة عند رفع الأمر إلى المحكمة، ولما كان الثابت أن المطعون ضده قد علم في 14 من إبريل سنة 1959 بالقرار الصادر برفض تظلمه فإنه كان يجب عليه أن يقيم دعواه بالإلغاء في خلال الستين يوماً التالية لهذا التاريخ فإذا أقامها في 11 من يناير سنة 1960 كانت دعواه مرفوعة بعد الميعاد المقرر قانوناً لرفع دعاوى الإلغاء عن القرارات الإدارية النهائية - ولا حجة فيما يقول به المطعون ضده من أن تظلمه الثاني إنما كان منصباً على القرار الصادر برفض تظلمه الأول من قرار فرض الغرامة - وبذلك لا يكون قد تظلم مرتين من أمر واحد هذا القول مردود عليه بأن الواقع أن تظلميه الأول والثاني إنما يهدفان إلى غرض واحد هو إلغاء قرار فرض الغرامة وقد كان هذا المعنى مفهوماً على وجهه الصحيح لدى المذكور وقت رفع الدعوى فضلاً عن أن ورود تظلمه الثاني على قرار رفض تظلمه الأول غير مقبول لعدم الجدوى منه بسبب نهائية هذا القرار وخروج الأمر من يد الإدارة.
كما لا وجه لما يثير في مذكرته المقدمة لهذه المحكمة من عدم وجود قرار صريح صادر من مدير عام مصلحة الأموال المقررة بحفظ تظلمه الأول وأن كل ما قدم هو مذكرة مؤرخة 14 من يناير سنة 1959 بالموافقة على حفظ شكوى الغرامة ذلك أن هذا القول يناقض صراحة ما ذكره المطعون ضده في مذكرته المقدمة أمام محكمة القضاء الإداري (5 دوسيه) من أنه كلف بأداء الغرامة في 9 من سبتمبر سنة 1958 فتظلم من هذا القرار في 2 من أكتوبر سنة 1958 وأن قرار المدير العام صدر بعد ذلك بحفظ التظلم وأبلغ إليه متأخراً في 8 من نوفمبر سنة 1959 هذا إلى أن الموافقة على المذكرة التي وضعت في شأن تظلم المدعي المقدم في 2 من أكتوبر سنة 1958 هي عين القرار الصادر بحفظ هذا التظلم ذلك أن القانون لم يوجب أن يتخذ البت في التظلم شكلاً معيناً دائماً وكل ما قصده أن يوافق على التصرف في التظلم الرئيس الإداري المختص. وهذا ما لا ينكره المطعون ضده وغني عن البيان أن ما يشير إليه المذكور خاصاً بإخطاره في 8 من نوفمبر سنة 1959 كان عن تظلمه الثاني المقدم في 14 من إبريل سنة 1959.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد قد قام على سببه الصحيح قانوناً، ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض هذا الدفع للأسباب الواردة فيه والسابق الإشارة إليها قد جانب الصواب مما يتعين معه إلغاؤه والقضاء بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد دون ما حاجة لبحث أوجه الطعن الأخرى المتعلقة بالموضوع مع إلزام المدعي بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم قبول الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.