مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الثاني (من أول فبراير 1964 إلى آخر مايو 1964) - صـ 707

(59)
جلسة 29 من فبراير سنة 1964

برئاسة السيد/ مصطفى كامل إسماعيل وكيل المجلس، وعضوية السادة: حسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضية رقم 979 لسنة 8 القضائية

( أ ) تأميم - اختصاص - شركة مساهمة - تأميمها وفقاً للقانون رقم 72 لسنة 1961 - مؤداه أيلولة ملكيتها للدولة مع احتفاظها بشكلها القانوني - عدم جواز اعتبارها من المصالح العامة في تطبيق الفقرة (جـ) من المادة 47 من قانون مجلس الدولة - عدم اختصاص الجمعية العمومية للقسم الاستشاري بمجلس الدولة بإبداء الرأي في نزاعات الشركة مع الوزارات أو المصالح العامة ما لم يلجأ إليها في ذلك اختياراً على سبيل التحكيم - انعقاد الاختصاص لمجلس الدولة بهيئة قضاء إداري - أساس ذلك.
(ب) قرار إداري - تعريفه.
(جـ) قرار إداري - التفرقة بين القرار التنظيمي العام والقرار الفردي - القول بأن العمل الإداري الذي يكون تطبيقياً لنص عام مقيد لا ينشئ أو يعدل مركزاً قانونياً ومن ثم لا يكون قراراً إدارياً - مردود بأنه يتعين التفرقة بين حالة كونه النص المقيد متعلقاً بفرد معين وحالة كونه يضع قاعدة عامة أو مجردة - تطبيق هذا النص في هذه الحالة لا يقتضي من الإدارة إلا التنفيذ المادي في حين يستلزم صدور قرارات فردية تحدد مجال انطباق النص في الحالة الثانية - كون هذه القرارات الفردية تطبيقاً لنص عام لا يمنع من أنها هي التي تنشئ المركز القانوني الفردي، ومن ثم فهي قرارات إدارية وليست أعمالاً مادية - مثال بالنسبة للقرارات الصادرة تطبيقاً للقانون رقم 112 لسنة 1960 في شأن رسوم الإذاعة والأجهزة اللاسلكية.
(د) رسم - القانون رقم 112 لسنة 1960 في شأن رسوم الإذاعة والأجهزة اللاسلكية - وضعه قاعدة بفرض رسم على كل مستهلك لتيار كهربائي - تفرقته في فئات الرسم بين دائرة كل من مجلس بلدي مدينتي القاهرة والإسكندرية وبين دائرة المجالس البلدية الأخرى - ليس معناه إعفاء من لا يدخل في نطاق التحديد الإداري لمجلس بلدي معين - أساس ذلك - تأكد هذا المعنى من أحكام القانون رقم 48 لسنة 1962.
1 - أن المشرع قد سلك الشركة المدعية ضمن الشركات التي تضمنها القانون رقم 119 لسنة 1961، التي لا يجوز لأي شخص طبيعي أو معنوي أن يمتلك من أسهمها ما تزيد قيمته السوقية على عشرة آلاف جنيه وقضى بأن تؤول إلى الدولة ملكية الأسهم الزائدة بحسبان أن الشركة المدعية، حسبما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لذلك القانون، من ضمن الشركات التي قامت بدور فعال مؤثر في الاقتصاد القومي ومثلت أهمية وحيوية توجيهه والتأثير عليه، لذلك رأى المشرع أنه من الضروري ألا يترك أمر توجيهها لتيارات المصلحة الخاصة لأن ذلك قد ينطوي على تعويق لحظة التنمية الاقتصادية الهادفة إلى مضاعفة الدخل القومي ورفع مستوى المعيشة للمواطنين جميعاً، كما تغيا المشرع بهذا القانون منع رأس المال الخاص من التحكم في إدارة وتوجيه تلك الشركة ومثيلاتها، هادفاً إلى إزالة التناقض الاجتماعي في الدولة، الذي يتمثل في تغلغل فئة قليلة برؤوس أموالها في عدد كبير من الشركات بالهيمنة عليها وتوجيهها وفق إرادتها وبما يتلاءم ومصالحها - ثم أصدر المشرع في أغسطس سنة 1963 القانون رقم 72 لسنة 1963 بتأميم الشركات والمنشآت ومن بينها الشركة المدعية وبذا آلت ملكيتها كاملة إلى الدولة وأصبحت بموجب القانونين رقم 119 لسنة 1961 ورقم 72 لسنة 1963 والقرار الجمهوري رقم 1899 لسنة 1961 إحدى الشركات التابعة للمؤسسة المصرية العامة لصناعة الغزل والنسيج تلك المؤسسة التابعة لوزارة الصناعة.
وبتأميم الشركة المدعية تكون قد آلت ملكيتها إلى الدولة وأصبحت أموالها من الأموال المملوكة للدولة ملكية خاصة، هذا دون أن تسأل الدولة عن التزامات الشركة إلا في حدود ما آل إليها من أموالها وحقوقها في تاريخ التأميم وأصبحت المؤسسة المصرية العامة لصناعة الغزل والنسيج تختص بالإشراف عليها وهذه بدورها تحت رقابة وزير الصناعة وإشرافه وأصبحت الشركة المدعية محتفظة بشكلها القانوني ولها شخصيتها الاعتبارية الخاصة وميزانيتها المستقلة عن ميزانية الدولة والمعدة على نمط الميزانيات التجارية مع استمرارها في مزاولة نشاطها وفق القرارات واللوائح الداخلية والقرارات المتعلقة بالشئون المالية والإدارية وذلك دون التقيد بالقواعد الحكومية ولها حرية العمل تحت توجيه المؤسسة وإرشادها ولا تخضع قراراتها لاعتماد المؤسسة إلا في مسائل محددة مثل تلك التي تمس السياسة العامة أو التخطيط أو التنسيق أو التسويق أو ما شابه ذلك.
ومفاد ذلك أن الشركة المدعية تظل، مع تملك الدولة لها، شركة تجارية من أشخاص القانون الخاص وقد حرصت قوانين التأميم على تأكيد بقائها محتفظة بشكلها القانوني واستمرارها في نشاطها في إطار هذا الشكل - ولا يمكن والحالة هذه اعتبارها من المصالح العامة في تطبيق حكم الفقرة ج من المادة 47 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة.
وترتيباً على ذلك لا تختص الجمعية العمومية للقسم الاستشاري بمجلس الدولة بإبداء الرأي مسبباً في نزاعات الشركة المدعية مع الوزارات أو المصالح العامة أو الهيئات الإقليمية أو البلدية ما لم يلجأ إليها في ذلك اختياراً على سبيل التحكيم وبالتالي يتعين رفض الدفع بعدم الاختصاص والقضاء باختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى.
2 - أن القرار الإداري هو عمل قانوني من جانب واحد، يصدر بالإدارة الملزمة لإحدى الجهات الإدارية في الدولة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح، في الشكل الذي يتطلبه القانون، بقصد إنشاء وضع قانوني معين ابتغاء مصلحة عامة.
3 - أن القرار التنظيمي العام يولد مراكز قانونية عامة أو مجردة، بعكس القرار الفردي الذي ينشئ مركزاً قانونياً خاصاً لفرد معين، وإذا كان صحيحاً أن القرار الفردي تطبيق أو تنفيذ لقانون فإنه في الوقت ذاته مصدر لمركز قانوني فردي أو خاص متميز عن المركز القانوني العام المجرد المتولد عن القانون ومن ثم فلا يمكن القول بأن العمل الفردي الإداري الذي يكون تطبيقاً لنص عام مقيد لا ينشئ أو يعدل مركزاً قانونياً، لأن كل قرار إداري منشئ لمركز قانوني هو في الوقت ذاته تطبيق تنفيذي لقاعدة قانونية أعلى.
فالقرار الفردي ينشئ مركزاً قانونياً فردياً، ولكنه في الوقت ذاته تطبيق لقاعدة عامة منشئة لمراكز قانونية عامة مجردة، كما أنه عندما يكون اختصاص جهة الإدارة مقيداً يجب التفرقة بين حالة ما إذا كان النص المقيد متعلقاً بفرد معين وحالة ما إذا كان النص المقيد يضع قاعدة عامة أو مجردة لا تخص شخصاً بذاته، ففي الحالة الأولى يقتصر دور جهة الإدارة المكلفة بالتنفيذ على التنفيذ المادي، لا لأن اختصاصها مقيد، بل لأنها بصدد نص خاص بفرد معين استقر فيه الوضع القانوني، فلم يبق بعد ذلك شيء إلا التنفيذ. أما في الحالة الثانية فإنه لابد أن يسبق التنفيذ المادي للقاعدة تحديد مجال انطباقها بتعيين الأفراد الذين تسري عليهم ويكون ذلك بقرارات فردية تعين هؤلاء الأفراد بأشخاصهم لا بصفاتهم.
وعلى هدي ما تقدم فإن القانون رقم 112 لسنة 1960 هو من الأعمال القانونية العامة التي تعتبر مصدراً لقواعد عامة مجردة، فالمراكز القانونية المتولدة عنه مراكز قانونية عامة مجردة تشمل جميع من يتناولهم بالتطبيق بصفاتهم لا بأشخاصهم بما يقتضي عند التطبيق والتنفيذ تعيين هؤلاء الذين ينطبق عليهم وتتوافر فيهم شروطه، ولا يكون ذلك إلا بقرارات فردية تعين أشخاص هؤلاء الذين يتناولهم بأسمائهم لا بصفاتهم وتكون المراكز القانونية الناشئة عن هذه القرارات الفردية مراكز فردية خاصة بكل واحد من هؤلاء الذين ينطبق عليهم القانون، وهذه القرارات الفردية هي التي تنشئ المراكز القانوني الفردي لكل منهم وهي وإن كانت تطبيقاً للقاعدة العامة المضمنة في القانون رقم 112 لسنة 1960 سالف الذكر، إلا أنها في الوقت ذاته مصدر لمركز قانوني ذاتي فردي أو خاص متميز عن المركز القانوني المتولد عن القانون المنشئ للمراكز القانونية العامة، فإذا ما صدرت هذه القرارات الفردية تبعها القيام بالعمل المادي أي سداد الرسم وهو تنفيذ مادي يعقب القرار الإداري الفردي المبلغ للشركة المطالبة بسداد الرسم، لانطباق الشروط الواردة في القانون على حالتها.
وترتيباً على ذلك فإن هيئة الإذاعة عندما تطالب الشركة المدعية بسداد الرسم عن شهور معينة وتكلفها بتركيب عدادات وبسداد الرسم في المستقبل لا يقتصر دورها على مجرد التنفيذ المادي للقانون رقم 112 لسنة 1960، بل قد سبق هذا الإجراء التحقق من استيفاء الشركة للشروط المطلوبة، ثم الأمر بتحصيل الرسم - فإذا حصل أن هيئة الإذاعة خالفت القانون عند إصدار قرارها بتحصيل الرسم والتكليف بتركيب العدادات وسداد الرسم في المستقبل، وطعنت الشركة في هذا القرار فإن طعنها يكون موجهاً إلى قرار إداري مما يجوز الطعن فيه بالإلغاء الأمر الذي يتعين معه قبول الدعوى وهذا هو ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه وأن الخطأ في تكييف دفع هيئة الإذاعة بعدم قبوله الدعوى ووصفه بأنه دفع بعدم الاختصاص.
4 - أن القانون رقم 112 لسنة 1960 في شأن رسوم الإذاعة والأجهزة اللاسلكية قد تضمن في المادة الأولى منه، فرض الرسم على كل مستهلك لتيار كهربائي عن كل وحدة كيلو وات ساعة من التيار الكهربائي المستهلك على الوجه الآتي:
مليمان في دائرة كل من مجلس بلدي مدينتي القاهرة والإسكندرية ومليم في دائرة المجالس البلدية الأخرى وراعى المشرع إعفاء الطاقة الكهربائية المستهلكة في القوى المحركة من هذا الرسم.
وأوجبت المادة الثالثة منه على المصانع والورش والمحلات وسائر الجهات التي تدار بالكهرباء من محطات توليد خاصة بها أن تخصص عداداً مستقلاً للإنارة الخاصة بها حتى يحصل الرسم بمقتضاه فلا يشمل القوى المحركة التي تدار بها تلك المصانع أو الورش.
ويبين من نص المادة الأولى من القانون المذكور أنه جاء مطلقاً إذ وضع قاعدة عامة والتزاماً غير محدد النطاق بشخص معين أو بمكان خاص، مقتضاه فرض الرسم على كل مستهلك لتيار كهربائي، وإذا كان المشرع في سبيل تحديد قيمة هذا الرسم قد فرق بين مستهلكي دائرة كل من مجلس بلدي مدينتي القاهرة والإسكندرية وبين غيرهم ممن هم في دائرة المجالس البلدية الأخرى فإنه لم يعف من هذا الرسم أحداً، ولا محل لتحدي الشركة المدعية بأن القرار بقانون رقم 112 لسنة 1960 لا يسري على مصانعها لأنها لا تقع في دائرة أي مجلس بلدي، ذلك أن الرسم مفروض على كل استهلاك للتيار الكهربائي في غير القوى المحركة وذلك بصفة عامة مطلقة غير محددة ومفاد هذا أن كل مستهلك لتيار كهربائي من هذا القبيل خاضع لسداد هذا الرسم، الذي لم يعف القانون منه أحداً ولما كان القانون في مجال تحديد فئات الرسم قد فرق بين دائرة كل من مجلس بلدي مدينتي القاهرة والإسكندرية وبين دائرة المجالس البلدية الأخرى فليس معنى ذلك إعفاء من لا يدخل التحديد الإداري لمجلس بلدي معين لأن الإعفاء من الضريبة أو الرسم لا يكون إلا بقانون، فقصد المشرع ليس هو الإعفاء وإنما تحديد فئتين للرسم إحداهما للقاهرة والإسكندرية والأخرى لما عدا هاتين المدينتين.
لذلك فإن الشركة المدعية تخضع، باعتبارها مستهلكة لتيار كهربائي للرسم المفروض، ولما كانت مصانعها خارج نطاق كل من مجلسي بلدي مدينتي القاهرة والإسكندرية، فإنها إزاء خضوعها للرسم المفروض تكون ملزمة بهذه المثابة بسداد الرسم، طبقاً للفئة الأدنى المقررة لدائرة المجالس البلدية الأخرى ومقداره مليم واحد عن كل وحدة كيلو وات ساعة من التيار الكهربائي المستهلك.
ومما يؤيد هذا النظر أن المشرع عالج بالقانون رقم 48 لسنة 1962 ما أثير من جدل حول عدم استحقاق الرسم على مستهلكي التيار الكهربائي في الجهات غير الداخلة في دوائر المجالس البلدية وذلك بنصه على سريان هذا الرسم بفئة مليم واحد في سائر أنحاء الجمهورية فيما عدا دائرة محافظتي القاهرة والإسكندرية ومدينة الجيزة.


إجراءات الطعن

في يوم الأربعاء 4 من إبريل سنة 1962 أودعت شركة مصر للحرير الصناعي سكرتارية المحكمة عريضة طعن قيد بجدولها تحت رقم 979 لسنة 8 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (هيئة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 6 من فبراير سنة 1962 في الدعوى رقم 1418 لسنة 14 القضائية المقامة من شركة مصر للحرير الصناعي ضد وزارة الثقافة والإرشاد القومي وهيئة الإذاعة "القاضي برفض الدفع بعدم الاختصاص وباختصاصها وفي الموضوع برفض الدعوى وألزمت الشركة بالمصروفات" وطلبت الشركة الطاعنة للأسباب التي استندت إليها في عريضة الطعن، الحكم بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء حكم محكمة القضاء الإداري الصادر في 6 من فبراير سنة 1962 فيما يتعلق برفض الدعوى وبإلغاء قرار هيئة الإذاعة القاضي بسريان القانون رقم 112 لسنة 1960 بشأن رسوم الإذاعة والأجهزة اللاسلكية قبل تعديله بالقانون رقم 48 لسنة 1962 على التيار الكهربائي المستهلك بمصانع شركة مصر للحرير الصناعي بدفشو مركز كفر الدوار، مع إلزام هيئة الإذاعة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وقد أعلن هذا الطعن لوزير الدولة لشئون رئاسة الجمهورية في 5 من مايو سنة 1962، ولهيئة الإذاعة في 7 من مايو سنة 1962. وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 12 من أكتوبر سنة 1963 وأبلغت الحكومة والشركة المدعية في 20 من يوليو سنة 1963 بميعاد هذه الجلسة. وقد قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا حيث عين لنظره أمام الدائرة الأولى بها جلسة 14 من ديسمبر سنة 1963 وبجلسة 25 من يناير سنة 1964 صححت الشركة المدعية شكل الدعوى في مواجهة السيد المستشار الحاضر عن الحكومة بتوجيهها إلى وزارة الثقافة والإرشاد القومي، التي أصبحت تتبعها هيئة الإذاعة بعد أن كانت وقت رفع الدعوى تابعة للسيد وزير الدولة لشئون رئاسة الجمهورية. وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه الموضح بمحضر الجلسة قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.. وقد أودعت هيئة مفوضي الدولة مذكرة في الطعن حددت فيها وقائع الدعوى والمسائل القانونية التي أثارها النزاع وأيدت رأيها مسبباً منتهية فيه إلى أنها ترى قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الشركة الطاعنة بالمصروفات.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من الأوراق تتحصل في أن الشركة المدعية أقامت دعواها بصحيفة أودعتها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 28 من أغسطس سنة 1960 طالبة إلغاء قرار هيئة الإذاعة الصادر في 31 من يوليه سنة 1960 والقاضي بسريان القانون رقم 112 لسنة 1960 بشأن رسوم الإذاعة والأجهزة اللاسلكية على التيار الكهربائي المستهلك بمصانع شركة مصر للحرير الصناعي بدفشو مركز كفر الدوار لوقوعها خارج دائرة أي من المجالس البلدية مع إلزام الإذاعة بمصروفات الدعوى ومقابل أتعاب المحاماة - وقالت شرحاً لدعواها أن المادة الأولى من القانون رقم 112 لسنة 1960 بشأن رسوم الإذاعة والأجهزة اللاسلكية تنص على أن "يفرض رسم على كل مستهلك لتيار كهربائي عن كل وحدة كيلوات ساعة من التيار الكهربائي المستهلك على الوجه الآتي:
مليمان في كل دائرة من مجلس بلدي مدينتي القاهرة والإسكندرية مليم واحد في دائرة المجالس البلدية الأخرى.
وفي 2 من يوليه سنة 1960 وردت إليها عدة خطابات تتضمن مطالبتها بتنفيذ الالتزامات التي أوجبها القانون المشار إليه، مع مراعاة توريد الرسم مستقبلاً في الميعاد القانوني طبقاً لأحكام هذا القانون والقانون رقم 308 لسنة 1955 الخاص بالحجز الإداري للحصول على مستحقات هيئة الإذاعة.
ونظراً لوقوع مصانعها خارج دائرة أي من المجالس البلدية فإن القانون المشار إليه لا ينطبق عليها وقد قامت بالرد على هيئة الإذاعة بذلك بخطابها المؤرخ 13 من يوليه سنة 1960 إلا أن هيئة الإذاعة ردت عليها بخطابها المؤرخ 31 من يوليه سنة 1960 الذي جاء فيه أنه "ليس صحيحاً إذن ما ورد في كتاب الشركة آنف الذكر من أن القانون المذكور لا يسري على التيار الكهربائي المستهلك بمصانع الشركة لوقوعها خارج دائرة أي من المجالس البلدية إذ لا سند لهذا القول من القانون" - ثم ذكرت الشركة أن قرار هيئة الإذاعة القاضي بانطباق القانون رقم 112 لسنة 1960 المشار إليه على مصانعها الواقعة خارج دائرة أي من المجالس البلدية جاء مخالفاً للقانون، كما أن تفسيره للقانون على هذا النحو يكون خطأ في تطبيقه وتأويله مما يضطرها إلى الالتجاء إلى محكمة القضاء الإداري طالبة الحكم بإلغاء هذا القرار.
وقد أودعت الشركة حافظة بمستنداتها ضمنتها الخطابات المتبادلة بينها وبين هيئة الإذاعة وقدمت إدارة قضايا الحكومة في 31 من مايو سنة 1961 مذكرة طلبت فيها الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى واحتياطياً برفضها مع إلزام الشركة المدعية بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. وقالت عن الدفع بعدم قبول الدعوى أن هيئة الإذاعة قد حررت إلى جميع الشركات بما فيها الشركة المدعية توجه نظرها إلى صدور القانون رقم 112 لسنة 1960 بشأن رسوم الإذاعة وتنبه عليها بسداد الرسم المستحق من أول مايو سنة 1960، وهذا العمل لا يعد قراراً إدارياً وبالتالي تكون الدعوى غير مقبولة.
أما عن موضوع الدعوى، فذكرت أن المادة الأولى من القانون رقم 112 لسنة 1960 قررت فرض رسم على كل مستهلك لتيار كهربائي عن كل وحدة كيلوات ساعة من التيار الكهربائي المستهلك على الوجه الآتي:
1 - مليمان في دائرة كل من مجلس بلدي مدينتي القاهرة والإسكندرية.
2 - مليم واحد في دائرة المجالس البلدية الأخرى.
ويحصل هذا الرسم مع ثمن التيار الكهربائي المحصل بوساطة الهيئات التي تقوم بتحصيله ويؤدي إلى هيئة الإذاعة.
فهذا النص قد وضع قاعدة عامة وإلزاماً غير محدد النطاق بشخص معين أو بمكان معين ومقتضاه فرض رسم على كل مستهلك لتيار كهربائي.
وإذا كان المشرع في سبيل تحديد قيمة هذا الرسم قد فرق بين مستهلكي دائرة كل من مجلس بلدي مدينتي القاهرة والإسكندرية وغيرهم ممن هم في دائرة المجالس البلدية الأخرى فإنه لم يعف من هذا الرسم أحداً كائناً ما كان فرداً كان أو شركة وأياً كان محل الإقامة، ذلك لأن الإعفاء من الضريبة أو الرسم لا يكون إلا بنص صريح - وثابت أن الفقرة الأولى من المادة قد افترضت الالتزام بالرسم على نطاق غير محدد بشخص أو بمكان معين - وتحديد قيمة الرسم على النحو الوارد في المادة لا يعني إعفاء المستهلكين الذين لا يقيمون في دائرة أي مجلس من المجالس البلدية وإنما يدخلهم في نطاق المستهلكين الذين لا يقيمون في دائرة القاهرة والإسكندرية - هذا إلى أن كافة نصوص القانون رقم 112 لسنة 1960 سالف الذكر تفترض في مجموعها أن نطاق فرض الرسم سيكون من العموم بحيث لا يتأثر فرضه بشخصية المستهلك أو بمكان إقامته، ويستفاد هذا المعنى من المادة الثالثة التي ألزمت المصانع والورش والمحلات وسائر الجهات التي تدار بالكهرباء من محطات توليد خاصة بها بأن تخصص عداداً مختبراً ومختوماً من المجلس البلدي أو من جهة حكومية مختصة أو من شركات التزام الإنارة لتسجيل القوى المستهلكة الخاضعة للرسم ذلك أنه لما كان من هذه الجهات ما لا يقع في دائرة أي من المجالس البلدية فقد احتاط المشرع فأجاز اختيار عداداتها في أي جهة حكومية مختصة أو من شركات التزام الإنارة، وما ذلك إلا ليمكن تسجيل القوى المستهلكة الخاضعة للرسم في جميع الأحوال دون إعفاء أحد منه حتى في حالات التوليد الخاصة كذلك يؤيد أن فرض الرسم لا يتأثر بمكان إقامة المستهلك ويؤكده أن المواد 5، 6، 7 من القانون وهي التي تضمنت أساس فرض الرسم وفئاته على البطاريات الجافة وأجهزة استقبال السيارات وأجهزة الاستقبال التي تدار بواسطة البطاريات السائلة - جاءت نصوصها عامة ومطلقة في فرض الرسم على هذه الأجهزة والبطاريات دون أن تتضمن أي تحديد مكاني يحد من نطاق فرض هذه الضريبة.
وعلى ذلك فإن اعتراض الشركة المدعية على سريان القانون عليها لا سند له من القانون.
وقد تقدمت الشركة المدعية بمذكرة ضمنتها الرد على دفاع هيئة الإذاعة فقالت رداً على الدفع بعدم قبول الدعوى - أن مذكرة الحكومة ذهبت إلى أن القرار المطعون فيه لا يعد قراراً إدارياً بمقولة أنه مجرد تنبيه إلى حكم القانون، والواقع أن الطعن لا ينصب على مجرد إخطار الشركة بأحكام القانون وإنما على القرار الإداري الصادر من هيئة الإذاعة رداً على معارضة الشركة في انطباق القانون رقم 112 لسنة 1960 سالف الذكر عليها - فالقرار المطعون فيه ليس من قبيل الأعمال المادية بل هو قرار إداري نهائي صادر من هيئة الإذاعة وليس بمجرد تنبيه إلى مقتضيات أحكام قانون معين وبذلك يكون الدفع المبدى من هيئة الإذاعة في غير محله وقالت في الموضوع أن الرسم المقرر على التيار الكهربائي المستهلك قد تحدد بفئتين مختلفتين وفي نطاق مكاني محدد جعله المشرع نطاق المجالس البلدية المحدد بموجب قرارات من وزير الشئون البلدية والقروية، وكل مكان يقع خارج الحدود التي ترد بقرار وزير الشئون البلدية لا يكون داخلاً ضمن نطاق دائرة المجلس البلدي.
كما أن مصانع الشركة تقع خارج نطاق أي من المجالس البلدية وبذلك فإن التيار المستهلك في الإنارة داخل هذه المصانع لا يخضع للرسم المقرر بالمادة الأولى من القانون المشار إليه.
وبجلسة 6 من فبراير سنة 1962 حكمت المحكمة برفض الدفع بعدم الاختصاص وباختصاصها وفي الموضوع برفض الدعوى وألزمت الشركة المدعية بالمصروفات، وأقامت قضاءها فيما يتعلق بالدفع بعدم الاختصاص، على أنه لما كانت الحكومة تدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى تأسيساً على أنه ليس هناك قرار إداري نهائي مما تختص المحكمة بنظره بمقوله أن ما اتخذته هيئة الإذاعة من إخطار الشركة المدعية بصدور القرار القانون رقم 112 لسنة 1960 بشأن رسم الإذاعة والأجهزة اللاسلكية وبيان الأحكام الواردة به لا يعدو أن يكون عملاً مادياً لا تتوافر فيه أركان القرار الإداري - ولما كانت الشركة إنما تبغي من دعواها الطعن على القرار الإداري الصادر بإلزامها بالرسوم المستحقة عندما أريد تطبيق القانون رقم 112 لسنة 1960 تطبيقاً فردياً عليها وهو قرار إداري نهائي صادر من جهة مختصة بناء على قوة ملزمة فإن المحكمة تختص بنظر الطعن عليه ويكون الدفع في غير محله متعيناً رفضه، وعن الموضوع، تقول المحكمة أن الشركة المدعية تنعى على القرار المطعون فيه أنه مخالف للقانون وتؤسس ذلك على أن القانون رقم 112 لسنة 1960 لا يسري على مصانع الشركة لأنه لا يسري إلا على المصانع التي تقع في دائرة المجالس البلدية وما دام مصنع الشركة لا يقع في دائرة مجلس بلدي فإنه لا يجوز فرض رسم على التيار الكهربائي المستهلك به وباستقراء نصوص القانون رقم 112 لسنة 1960 يبين من المواد - 1، 3، 5، 6 - أن الرسم مفروض على كافة المستهلكين ولا يغير من وجهة النظر هذه أن المشرع قد فرق في قيمة الرسم بين مستهلكي مصر والإسكندرية وباقي الخاضعين للقانون ومن ثم فإن طعن الشركة على القرار يكون في غير محله وتكون الدعوى على غير أساس وبتعيين رفضها.
ومن حيث إن الطعن يقوم على الأسباب الآتية:
(أولاً) أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تأويل القانون رقم 112 لسنة 1960 فيما ذهب إليه من أنه يخلص من مجموع نصوصه أن الرسم مفروض على كافة المستهلكين وأنه لا يغير من وجهة النظر هذه أن المشرع قد فرق قيمة الرسم بين مستهلكي مصر والإسكندرية وباقي الخاضعين للقانون.
ووجه الخطأ أن الحكم تجاهل بذلك مفاد عبارة في دائرة المجالس البلدية الأخرى الواردة بالمادة الأولى وجعلها تنصرف إلى جميع أنحاء البلاد فيما عدا القاهرة والإسكندرية اللتين يسري عليهما الرسم بواقع مليمان عن كل كيلو وات وبذلك فقد مد نطاقه المكاني إلى خارج النطاق الذي حدده القانون.
ولعل أبلغ دليل على خطأ الحكم في تأويل هذا القانون هو ما فعله المشرع من تعديل القانون 112 لسنة 1960 في مادته الأولى بجعلها كالآتي وذلك بموجب القانون رقم 48 لسنة 1962:
مادة 1 - يستبدل بنص المادة 1 ونص المادة 10 من القانون رقم 112 لسنة 1960 النصان الآتيان:
مادة 1 - يفرض رسم على كل مستهلك لتيار كهربائي عن كل وحدة كيلو وات ساعة من التيار الكهربائي المستهلك على الوجه الآتي:
2 (مليمان) في دائرة كل من محافظتي القاهرة والإسكندرية ومدينة الجيزة.
1 مليم في سائر أنحاء الجمهورية الأخرى.
ويحصل هذا الرسم مع ثمن التيار الكهربائي بمعرفة الجهات التي تقوم بتحصيله ويؤدي إلى هيئة الإذاعة كل ستة شهور في شهري يناير ويوليو من كل عام وتعفى من هذا الرسم الطاقة الكهربائية المستهلكة في القوى المحركة.
وبذلك يكون من الواضح أن المشرع استدرك نقصاً أو عيباً بالنص المعدل ورأى ضرورة تدخله، بإجراء تعديل يؤدي إلى الغرض من النص أو ليمد سريان القانون إلى نطاق آخر، ومن البديهي أن هذا التعديل لا يسري إلا من التاريخ الذي يحدده المشرع. وقد حدد القانون رقم 48 لسنة 1962 تاريخ النشر ميعاداً لسريان التعديل (م 3 ق 48 لسنة 1962) ومن المسلم أنه لا يجوز للقضاء أن يضع نفسه موضع المشرع فيذهب في تأويل النص مذهباً لا تسعفه العبارات الواردة فيه وإلا فإنه يكون قد أحل نفسه محل المشرع، ولا يمكن القول مع محكمة القضاء الإداري بسريان الرسم على التيار المستهلك في مصانع الشركة في ظل النص القديم.
(ثانياً) أن الحكم خالف القانون حينما ذهب إلى القول بأن الرسم مفروض على جميع المستهلكين، ذلك أن الرسم المقرر بموجب القانون المشار إليه ليس في الحقيقة رسماً واحداً وإنما هو عدة رسوم تختلف من حيث السعر والنطاق المكاني ولا يجمعها إلا كونها مقررة لصالح هيئة الإذاعة ويبين لذلك بوضوح من استعراض نصوص القانون رقم 112 لسنة 1960 وذلك على النحو الثاني:
1 - رسم على كل مستهلك لتيار كهربائي في الإنارة (المادة الأولى).
2 - رسم على البطاريات الجافة (المادة الخامسة).
3 - رسم سنوي يؤديه كل مالك سيارة بها جهاز استقبال (المادة السادسة).
4 - رسم سنوي يؤديه كل مالك لجهاز استقبال يدار بواسطة البطاريات السائلة ولا يمكن مع وضوح هذه النصوص القول بأن القانون المشار إليه قد فرض رسماً يستحق على كافة المستهلكين، إذ من الواضح أن هذا القانون قد قرر عدة رسوم وحدد بالنسبة للرسم المقرر على استهلاك التيار الكهربائي سعرين يطبق كل منهما في نطاق مكاني محدد.
(ثالثاً) أن الحكم المطعون فيه مشوب بالقصور في أسبابه، إذا لم تبين المحكمة عن طريق أسباب سائغة كافية وجه الصواب فيما ذهب إليه وقد اكتفت بمجرد سرد ثلاث مواد من القانون 112 لسنة 1960 لا تؤدي في حد ذاتها إلى النتيجة التي انتهت إليها من انطباق حكم المادة الأولى منه على التيار الكهربائي المستهلك بمصانع الشركة غير الواقعة داخل دائرة أي من المجالس البلدية.
وقد دفعت الجهة الإدارية بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى على اعتبار أن النزاع يخرج عن اختصاص المحاكم وتختص به الجمعية العمومية للقسم الاستشاري بمجلس الدولة وذلك لتأميم الشركة الطاعنة ضمن شركات الغزل والنسيج في شهر أغسطس سنة 1963 إذ أصبح بذلك رأس مالها جمعيه مملوكاً للدولة وبهذا تغير وضعها القانوني، فبعد أن كانت شركة مساهمة يملك رأسمالها قطاع خاص أصبحت بحكم قوانين التأميم من الشركات الداخلية ضمن القطاع العام.
وقد عقبت الشركة الطاعنة على هذا الدفع بمذكرة ضمنتها أن تأميمها لا يترتب عليه زوال شخصيتها (الاعتبارية) باعتبارها شخصاً من أشخاص القانون الخاص ولا منحها الشخصية (الاعتبارية) العامة وأن كل ما يترتب على التأميم هو تملك الدولة لأسهمها أي تغير صفة المالك وفيما عدا ذلك تظل متمتعة بشخصيتها (الاعتبارية) الخاصة المستقلة وذمتها المالية الخاصة فلا تختص الجمعية العمومية للقسم الاستشاري بمجلس الدولة بإبداء الرأي في هذا النزاع، وقد قدمت هيئة مفوضي الدولة مذكرة تكميلية في هذا الدفع انتهت فيها إلى أنها ترى رفض الدفع بعدم الاختصاص والحكم باختصاص المحكمة بنظر المنازعة.
1 - عن الدفع بعدم الاختصاص:
من حيث إن عامي 1961، 1963 قد شهدا خطوات متعددة اقتضت وضع برامج شاملة للعمل الاجتماعي تعود بخبرات العمل الاقتصادي ونتائجه على الجموع الشعبية العاملة، وتصنع لها مجتمع الرفاهية الذي تتطلع إليه، فانتقلت إلى الدولة ملكية مشروعات تجارية وصناعية وزراعية كانت تتولاها شركات خاصة وذلك عن طريق التأميم نظراً لأنها تمارس نشاطاً وتستهدف أغراضاً تتصل أوثق اتصال بحاجات الجمهور الضرورية والحيوية وبذا تم خلق قطاع عام، قادر على أن يقود التقدم في جميع المجالات ويتحمل المسئولية الرئيسية في خطة التنمية الاقتصادية العامة فاقتحمت الدولة ساحة النشاط التجاري لتسد النقص وتقوم الاعوجاج وتفتح الآفاق الجديدة في نطاق خطة مرسومة للنشاط الاقتصادي تسهر على أعمالها، لكفالة المصلحة العامة، ويتصف هذا النشاط بطابع السلطة العامة وتتذرع الدولة في القيام به بوسائل القانون العام مع اتباع الأساليب التجارية في الإدارة والمحاسبة وقد تضمنت القوانين الصادرة في يوليه سنة 1961 أغسطس سنة 1963 وقانون المؤسسات العامة، النظام القانوني لنشاط الدولة في هذا الميدان وهو المنبثق من النظام الاشتراكي وهو في تلخيص بسيط نظام التوجيه والكفاية والعدل.
ومن حيث إن المشرع قد سلك الشركة المدعية ضمن الشركات التي تضمنها القانون رقم 119 لسنة، التي لا يجوز لأي شخص طبيعي أو معنوي أن يتملك من أسهمها ما تزيد قيمته السوقية على عشرة آلاف جنيه وقضى بأن تؤول إلى الدولة ملكية الأسهم الزائدة بحسبان أن الشركة المدعية، حسبما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لذلك القانون، من ضمن الشركات التي قامت بدور فعال مؤثر في الاقتصاد القومي ومثلت أهمية حيوية في توجيهه والتأثير عليه، لذلك رأى المشرع أنه من الضروري ألا يترك أمر توجيهها لتيارات المصلحة الخاصة لأن ذلك قد ينطوي على تعويض لخطة التنمية الاقتصادية الهادفة إلى مضاعفة الدخل القومي ورفع مستوى المعيشة للمواطنين جميعاً، كما تغيا المشرع بهذا القانون منع رأس المال الخاص من التحكم في إدارة وتوجيه تلك الشركة ومثيلاتها، الذي يتمثل في تغلغل فئة قليلة برؤوس أموالها في عدد كبير من الشركات بالهيمنة عليها وبتوجيهها وفق إدارتها وبما يتلائم ومصالحها - ثم أصدر المشرع في أغسطس سنة 1963 القانون رقم 72 لسنة 1963 بتأميم بعض الشركات والمنشآت ومن بينها الشركة المدعية وبذا آلت ملكيتها كاملة إلى الدولة وأصبحت بموجب القانونين رقم 119 لسنة 1961 ورقم 72 لسنة 1963 والقرار الجمهوري رقم 1899 لسنة 1961 إحدى الشركات التابعة للمؤسسة المصرية العامة لصناعة الغزل والنسيج تلك المؤسسة التابعة لوزارة الصناعة.
ومن حيث إن المشرع بإصداره هذه القوانين ينطلق بنصوصها إلى هدف محدد يحقق غاية معينة مضمونها دعم الاقتصاد القومي وتنميته، ويضمن تقدماً نحو طاقات خلاقة حلاً للمشكلات الاقتصادية ويتابع العمل النضالي لاستخلاص إدارة عمل فعال مؤثر ويرسم خطة لتنظيم الاقتصاد القومي وتوجيهه نحو زيادة القطاع العام بحشد القوى الفنية والإمكانيات المادية اللازمة لإدارة بعض المرافق الحيوية والإشراف عليها تحقيقاً للتوجيه اللازم لخدمة أغراض التنمية الاقتصادية والقدرة الكاملة على الوفاء باحتياجات الخطة ومستلزماتها.
وبتأميم الشركة المدعية تكون قد آلت ملكيتها إلى الدولة وأصبحت أموالها من الأموال المملوكة للدولة ملكية خاصة، هذا دون أن تسأل الدولة عن التزامات الشركة إلا في حدود ما آل إليها من أموالها وحقوقها في تاريخ التأميم وأصبحت المؤسسة المصرية العامة لصناعة الغزل والنسيج تختص بالإشراف عليها وهذه بدورها تحت رقابة وزير الصناعة وإشرافه، وأصبحت الشركة المدعية محتفظة بشكلها القانوني ولها شخصيتها الاعتبارية الخاصة وميزانيتها المستقلة عن ميزانية الدولة والمعدة على نمط الميزانيات التجارية مع استمرارها في مزاولة نشاطها وفق القرارات واللوائح الداخلية والقرارات المتعلقة بالشئون المالية والإدارية والفنية وذلك دون التقيد بالقواعد الحكومية ولها حرية العمل تحت توجيه المؤسسة وإرشادها ولا تخضع قراراتها لاعتماد المؤسسة إلا في مسائل محددة مثل تلك التي تمس السياسة العامة أو التخطيط أو التنسيق أو التسويق أو، ما شابه ذلك.
ومفاد ذلك أن الشركة المدعية تظل، مع تملك الدولة لها، شركة تجارية من أشخاص القانون الخاص وقد حرصت قوانين التأميم على تأكيد بقائها محتفظة بشكلها القانوني واستمرارها في نشاطها في إطار هذا الشكل - ولا يمكن والحالة هذه، اعتبارها من المصالح العامة، في تطبيق حكم الفقرة ج من المادة 47 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة..
وترتيباً على ذلك لا تختص الجمعية العمومية للقسم الاستشاري بمجلس الدولة بإبداء الرأي مسبباً في نزاعات الشركة المدعية مع الوزارات أو المصالح العامة أو الهيئات الإقليمية أو البلدية ما لم يلجأ إليها في ذلك اختياراً على سبيل التحكيم وبالتالي يتعين رفض الدفع بعدم الاختصاص والقضاء باختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى.
(ب) عن الدفع بعدم قبول الدعوى:
ومن حيث إن الجهة الإدارية تدفع أيضاً بعدم قبول الدعوى على أساس أن تصرفها إنما اقتصر على مجرد التنبيه إلى حكم القانون، وذلك بتحرير هيئة الإذاعة إلى جميع الشركات بما فيها الشركة المدعية لتوجيه النظر إلى أن القانون رقم 112 لسنة 1960 بشأن رسوم الإذاعة قد فرض رسماً على كل مستهلك لتيار كهربائي وللتنبيه إلى سداد الرسم المستحق، وأن عملها والحالة هذه، لا يعد قراراً إدارياً وبالتالي تكون الدعوى غير مقبولة.
أن القرار الإداري هو عمل قانوني من جانب واحد، يصدر بالإدارة الملزمة لإحدى الجهات الإدارية في الدولة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح، في الشكل الذي يتطلبه القانون، بقصد إنشاء وضع قانوني معين ابتغاء مصلحة عامة.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن هيئة الإذاعة بكتبها المرسلة للشركة المدعية خضوعها لأحكام القانون رقم 112 لسنة 1960 وتأمرها بسرعة سداد الرسم المستحق عليها عن شهري مايو ويونيه سنة 1960 مضافاً إليه قيمة الغرامة عن كل شهر مع تنبيه الشركة إلى أنها ستكون ملزمة بسداد الرسم المستحق شهرياً على أساس القوى الكهربائية المستهلك كلها في المنشأة إذا لم تركب العدادات المطلوبة وبالغرامة إذا لم يورد هذا الرسم في الميعاد القانوني. وهذه الخطابات لا تتضمن مجرد التنبيه إلى حكم القانون وإنما تدور حول تكليف الشركة بسداد الرسم عن أشهر معينة مع مطالبتها بتركيب عدادات، وبسداد الرسم في المستقبل، وبهذه المثابة يدور النزاع حول مشروعية قرار أصدرته هيئة الإذاعة بقصد إنشاء مركز قانوني معين للشركة تعتقد تلك الهيئة، استناداً إلى أحكام القانون رقم 112 لسنة 1960، أن الشركة ملزمة بتنفيذه.
ومن حيث إن القرار التنظيمي العام يولد مراكز قانونية عامة أو مجردة بعكس القرار الفردي الذي ينشئ مركزاً قانونياً خاصاً لفرد معين، وإذا كان صحيحاً أن القرار الفردي تطبيق أو تنفيذ لقانون مثلاً فإنه في الوقت ذاته مصدر لمركز قانوني فردي أو خاص متميز عن المركز القانوني العام المجرد المتولد عن القانون ومن ثم فلا يمكن القول بأن العمل الإداري الذي يكون تطبيقاً لنص عام مقيد لا ينشئ أو يعدل مركزاً قانونياً، لأن كل قرار إداري منشئ لمركز قانوني هو في الوقت ذاته تطبيق تنفيذي لقاعدة قانونية أعلى. فالقرار الفردي ينشئ مركزاً قانونياً فردياً، ولكنه في الوقت ذاته تطبيق لقاعدة عامة منشئة لمراكز قانونية عامة مجردة، كما أنه عندما يكون اختصاص جهة الإدارة مقيداً يجب التفرقة بين حالة ما إذا كان النص المقيد متعلقاً بفرد معين وحالة ما إذا كان النص المقيد يضع قاعدة عامة أو مجردة لا تخص شخصاً بذاته، ففي الحالة الأولى يقتصر دور جهة الإدارة المكلفة بالتنفيذ على التنفيذ المادي، لا لأن اختصاصها مقيد، بل لأنها بصدد نص خاص بفرد معين استقر الوضع القانوني، فلم يبق بعد ذلك شيء إلا التنفيذ. أما في الحالة الثانية فإنه لا بد أن يسبق التنفيذ المادي للقاعدة تحديد مجال انطباقها بتعيين الأفراد الذين تسري عليهم ويكون ذلك بقرارات فردية تعين هؤلاء الأفراد بأشخاصهم لا بصفاتهم.
وعلى هدي ما تقدم فإن القانون رقم 112 لسنة 1960 هو من الأعمال القانونية العامة التي تعتبر مصدراً لقواعد عامة مجردة، فالمراكز القانونية المتولدة عنه مراكز قانونية عامة مجردة تشمل جميع من يتناولهم بالتطبيق بصفاتهم لا بأشخاصهم، مما يقتضي عند التطبيق والتنفيذ تعيين هؤلاء الذين ينطبق عليهم وتتوافر فيهم شروطه، ولا يكون ذلك إلا بقرارات فردية تعين أشخاص هؤلاء الذين يتناولهم بأسمائهم لا بصفاتهم وتكون المراكز القانونية الناشئة عن هذه القرارات الفردية مراكز خاصة بكل واحد من هؤلاء الذين ينطبق عليهم القانون، وهذه القرارات الفريدة هي التي تنشئ المركز القانوني الفردي لكل منهم وهي وإن كانت تطبيقاً للقاعدة العامة المضمنة في القانون رقم 112 لسنة 1960 سالف الذكر، إلا أنها في الوقت ذاته مصدر لمركز قانوني ذاتي فردي أو خاص متميز عن المركز القانوني المتولد عن القانون المنشئ للمراكز القانونية العامة، فإذا ما صدرت هذه القرارات الفردية تبعها القيام بالعمل المادي أي سداد الرسم وهو تنفيذ مادي يعقب القرار الإداري الفردي المبلغ للشركة المطالبة بسداد الرسم لانطباق الشروط الواردة في القانون على حالتها وترتيباً على ذلك فإن هيئة الإذاعة عندما تطالب الشركة المدعية بسداد الرسم عن شهور معينة وتكلفها بتركيب عدادات وبسداد الرسم في المستقبل لا يقتصر دورها على مجرد التنفيذ المادي للقانون رقم 112 لسنة 1960، بل قد سبق هذا الإجراء التحقق من استيفاء الشركة للشروط المطلوبة، ثم الأمر بتحصيل الرسم - فإذا حصل أن هيئة الإذاعة خالفت القانون عند إصدار قرارها بتحصيل الرسم والتكليف بتركيب العدادات وبسداد الرسم في المستقبل، وطعنت الشركة في هذا القرار فإن طعنها يكون موجهاً إلى قرار إداري مما يجوز الطعن فيه بالإلغاء، الأمر الذي يتعين معه قبول الدعوى وهذا هو ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه وإن أخطأ في تكييف دفع هيئة الإذاعة بعدم قبوله الدعوى ووصفه بأنه دفع بعدم الاختصاص.
(جـ) عن الموضوع:
من حيث إن رسوم أجهزة الاستقبال تعد المصدر الأساسي الذي تعتمد عليه هيئة الإذاعة في سبيل تحقيق أغراضها والنهوض برسالتها وقد اعترض تنفيذ القانون رقم 266 لسنة 1955 في شأن أجهزة استقبال الإذاعة اللاسلكية صعوبات عملية متعددة سواء من جانب الإذاعة أو من ناحية الملتزمين بأداء تلك الرسوم، ترتب عليها قصور الحصيلة التي كان متوقعاً جبايتها فضلاً عن ازدياد نفقات التحصيل مما حدا إلى إلغاء القانون المشار إليه الذي كان يفرض رسماً ثابتاً على حائزي الأجهزة اللاسلكية والاستعاضة عنه بفرض رسم جديد على أساس نسبة ضئيلة من استهلاك التيار الكهربائي وعلى إنتاج البطاريات الجافة وعلى أجهزة الاستقبال التي بالسيارات، فأصدر المشرع القانون رقم 112 لسنة 1960 في شأن رسوم الإذاعة والأجهزة اللاسلكية، مراعياً في الرسم الجديد التوفيق بين حصول هيئة الإذاعة على مستحقاتها في نظام مريح وبين أداء المواطنين لهذا الرسم في سهولة ويسر. وقد تضمنت أحكامه تحقيق فكرة العدالة الاجتماعية بين المواطنين إذ من شأنه أن يتكافل أصحاب الدخول الكبيرة مع أصحاب الدخول الصغيرة في أداء هذا الرسم على دفعات، بقدر إمكانياتهم، كما استهدف المشرع بإصداره تشجيع المواطنين على اقتناء أجهزة استقبال مما يساعد على رفع مستواهم الثقافي والاجتماعي.
4 - أن القانون رقم 112 لسنة 1960 في شأن رسوم الإذاعة والأجهزة اللاسلكية قد تضمن في المادة الأولى منه، فرض الرسم على كل مستهلك لتيار كهربائي عن كل وحدة كيلو وات ساعة من التيار الكهربائي المستهلك على الوجه الآتي:
مليمان في دائرة كل من مجلس بلدي مدينتي القاهرة والإسكندرية ومليم في دائرة المجالس البلدية الأخرى وراعى المشرع إعفاء الطاقة الكهربائية المستهلكة في القوى المحركة من هذا الرسم.
وأوجبت المادة الثالثة منه على المصانع والورش والمحلات وسائر الجهات التي تدار بالكهرباء من محطات توليد خاصة بها أن تخصص عداداً مستقلاً للإنارة الخاصة بها حتى يحصل الرسم بمقتضاه فلا يشمل القوى المحركة التي تدار بها تلك المصانع أو الورش.
ويبين من نص المادة الأولى من القانون المذكور أنه جاء مطلقاً ووضع قاعدة عامة والتزاماً غير محدد النطاق بشخص معين أو بمكان خاص، مقتضاه فرض الرسم على كل مستهلك لتيار كهربائي، وإذا كان المشرع في سبيل تحديد قيمة هذا الرسم قد فرق بين مستهلكي دائرة كل من مجلس بلدي مدينتي القاهرة والإسكندرية وبين غيرهم ممن هم في دائرة المجالس البلدية الأخرى فإنه لم يعف من هذا الرسم أحداً. ولا محل لتحدي الشركة المدعية بأن القرار بقانون رقم 112 لسنة 1960 لا يسري على مصانعها لأنها لا تقع في دائرة أي مجلس بلدي، ذلك أن الرسم مفروض على كل استهلاك للتيار الكهربائي في غير القوى المحركة وذلك بصفة عامة مطلقة غير محددة ومفاد هذا أن كل مستهلك لتيار كهربائي من هذا القبيل خاضع لسداد هذا الرسم، الذي لم يعف القانون منه أحداً ولما كان القانون في مجال تحديد فئات الرسم قد فرق بين دائرة كل من مجلس بلدي مدينتي القاهرة والإسكندرية وبين دائرة المجالس البلدية الأخرى فليس معنى ذلك إعفاء من لا يدخل في نطاق التحديد الإداري لمجلس بلدي معين لأن الإعفاء من الضريبة أو الرسم لا يكون إلا بقانون، فقصد المشرع ليس هو الإعفاء وإنما تحديد فئتين للرسم إحداهما للقاهرة والإسكندرية والأخرى لما عدا هاتين المدينتين.
لذلك فإن الشركة المدعية تخضع، باعتبارها مستهلكة لتيار كهربائي للرسم المفروض، ولما كانت مصانعها خارج نطاق كل من مجلسي بلدي مدينتي القاهرة والإسكندرية، فإنها إزاء خضوعها للرسم المفروض تكون ملزمة بهذه المثابة بسداد الرسم، طبقاً للفئة الأدنى المقررة لدائرة المجالس البلدية الأخرى ومقداره مليم واحد عن كل وحدة كيلو وات ساعة من التيار الكهربائي المستهلك.
ومما يؤيد هذا النظر أن المشرع قد عالج بالقانون رقم 48 لسنة 1962 ما أثير من جدل حول عدم استحقاق الرسم على مستهلكي التيار الكهربائي في الجهات غير الداخلة في دوائر المجالس البلدية وذلك بنصه على سريان هذا الرسم بفئة مليم واحد في سائر أنحاء الجمهورية فيما عدا دائرة محافظتي القاهرة والإسكندرية ومدينة الجيزة.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق في النتيجة التي انتهى إليها وفي قضائه - ويكون الطعن والحالة هذه قد قام على غير أساس سليم من القاهرة متعيناً رفضه مع إلزام الشركة المدعية بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه برفض الدفع بعدم الاختصاص - وباختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى، وبرفض الطعن موضوعاً، وألزمت الشركة المدعية بالمصروفات.