مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الثاني (من أول فبراير 1964 إلى آخر مايو 1964) - صـ 742

(61)
جلسة أول مارس سنة 1964

برئاسة السيد/ عبد العزيز الببلاوي رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة: الدكتور محمد سعد الدين الشريف ومحمد تاج الدين يس وعبد الفتاح نصار وأبو الوفا زهدي المستشارين.

القضية رقم 1136 لسنة 7 القضائية

قرار إداري - سحب - موظف - فصل - الأصل عدم جواز سحب القرارات الإدارية متى صدرت مشروعة - استثناء قرارات الفصل من هذا الأصل فيجوز سحبها في خلال ستين يوماً من تاريخ صدورها ولو تمت صحيحة ولو كان السحب قبل إنشاء قضاء الإلغاء في مصر - القرار الساحب لقرار الفصل يجعله كأنه لم يكن - وجوب اعتبار خدمة المفصول الذي سحب قرار فصله متصلة مع ما يترتب على هذا من آثار - أساس ذلك ومثال بالنسبة لسحب قرار فصل أحد العمال.
إذا كان الثابت أن الجهة الإدارية قد سحبت في 21 من يونيه سنة 1943 قرار فصل المدعي من الخدمة خلال الستين يوماً التالية لتاريخ صدوره واكتفت في شأنه بحرمانه من أجره خلال مدة الفصل جزاء وفاقاً لما بدر منه وسواء اعتبر قرار الفصل من الخدمة صحيحاً أو غير صحيح فسحبه جائز على كلا الحالين ولو تم ذلك قبل إنشاء قضاء الإلغاء في مصر "إذ لو اعتبر الفصل مجافياً لحكم القانون فلا شبهة في جواز الرجوع فيه وسحبه ولأن السحب يكون مقصوداً به إزالة آثار هذا البطلان أما إذا اعتبر مطابقاً للقانون فالسحب هنا جائز استثناء إذ ولئن كان الأصل في السحب أو الرجوع في القرارات الإدارية إلا يقع أيهما إعمالاً لسلطة تقديرية أو لاعتبارات الملاءمة إلا أنهم سوغوا إعادة النظر في قرارات الفصل من الخدمة الحكومية وسحبها لنوازع إنسانية تقوم على العدالة إذ المفروض أن تنفصم صلة العامل بالوظيفة بمجرد فصله ويجب لإعادته إلى الخدمة أن يصدر قرار جديد بالتعيين ولكن قد يحدث خلال فترة الفصل أن تتغير شروط الصلاحية للتعيين وقد يغدو أمر التعيين مستحيلاً أو قد تأثيراً ضاراً في مدة خدمة العامل أو في أقدميته وقد تتغير الجهة التي تختص بالتعيين فتصبح غير تلك التي فصلت العامل وقد لا يكون لدى الجهة الجديدة الاستعداد لإصلاح الأذى الذي حاق بالعامل من جزاء فصله أو غير ذلك من اعتبارات العدالة التي توجب معالجة هذه النتائج الضارة وعلى هذا النظر أطرد القضاء الإداري الفرنسي.
وأنه إذا كانت الجهة الإدارية - وهي الحريصة على تجنيب المدعي هذه النتائج الضارة كلها أو بعضها - قد عمدت بحكم هذه القيمة إلى سحب القرار الصادر بفصله مكتفية بحرمانه من الأجر خلال مدة الفصل لكونه لم يؤد لها عملاً يستحق عنه هذا الأجر، فإن قرارها يكون صحيحاً ويكون قرار الإعادة إلى الخدمة الصادر في 21 من يونيه سنة 1943 منطوياً في الحقيقة على قرار السحب المشار إليه من حيث خصائصه وآثاره القانونية ويكون من مقتضاه اعتبار القرار المسحوب الخاص بفصل المدعي كأنه لم يكن ويتعين من ثم اعتبار خدمة المدعي بالوزارة متصلة غير منقطعة مما يتعين معه تدرج أجره اليومي بالعلاوات الدورية في حدود ربط الدرجة المقررة لوظيفته التي أسندت إليه عند بدء التعيين.
وأنه ولئن استقام ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه في أسبابه من اعتبار قرار الإعادة إلى الخدمة سحباً لقرار الفصل إلا أنه يتضح من التفصيل الذي سلف بيانه أنه لا صحة فيما انتهى إليه هذا الحكم من أن المدعي يستأهل أن يوضع في الدرجة (140/ 240 مليم) من بدء تعيينه بوزارة الزراعة في 16 من مايو سنة 1937، إذ لم يكن في هذا التاريخ منتمياً - بحكم أجره اليومي الأول ووظيفته - كخادم - إلى الفئة (140/ 240 مليم) بل ينبغي أن يوضع من بدء التعيين في الفئة (100/ 240) مليم بأجر يومي قدره 100 مليم يزاد بطريق العلاوات الدورية المقررة طبقاً لكادر العمال.


إجراءات الطعن

في 26 من إبريل سنة 1961 أودع السيد رئيس إدارة قضايا الحكومة بصفته سكرتيرية المحكمة صحيفة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1136 لسنة 7 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارات الخزانة والاقتصاد والصناعة والزراعة والتموين بجلسة 25 من فبراير سنة 1961 في الدعوى رقم 242 لسنة 7 القضائية المقامة من السيد/ محمود علي عوض ضد وزارة الزراعة والقاضي: "بتسوية حالة المدعي تطبيقاً لأحكام كادر العمال في الدرجة (140/ 300 مليم) منذ تعيينه في 16 من مايو سنة 1937 مع تدرجه بالعلاوات الدورية المستحقة، حتى الآن وتثبيت غلاء المعيشة على أساس أجره في 30 من نوفمبر سنة 1950 مع صرف الفروق المالية المترتبة على هذه التسوية اعتباراً من 13 من فبراير سنة 1955 مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات" وطلبت الحكومة للأسباب التي أسندت إليها في صحيفة طعنها "قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وقد أعلن هذا الطعن إلى المطعون عليه في أول مايو سنة 1961 وفي 30 من مايو سنة 1963 أبلغ الخصوم بجلسة 22 من يونيه سنة 1963 المحددة لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون التي أحالته إلى المحكمة الإدارية العليا وحددت لنظر الطعن أمامها جلسة 5 من يناير سنة 1964. وفي هذه الجلسة سمعت هذه المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 242 لسنة 7 القضائية ضد وزارة الزراعة أمام المحكمة الإدارية لوزارات الخزانة والاقتصاد والصناعة والزراعة والتموين بإيداع صحيفتها سكرتيرية المحكمة المذكورة في 2 من مايو سنة 1960 - بعد قبول طلب إعفائه من الرسوم القضائية المقدم منه بتاريخ 13 من فبراير سنة 1960 - طالباً الحكم له بتسوية حالته طبقاً لأحكام كادر العمال في الدرجة (140/ 300) منذ تعيينه الأول في مايو سنة 1937 مع تدرجه بالعلاوات الدورية المستحقة له حتى الآن مع تثبيت غلاء المعيشة وصرف الفروق الناتجة عن هذه التسوية وقال شرحاً لدعواه أنه عين في وظيفته حارس دراجات (عامل عادي) في عام 1937 وظل يقوم بعمله خير قيام وفي 13 من مايو سنة 1943 أجري معه تحقيق وعلى أثره صدر قرار بفصله من الخدمة ولما تظلم من القرار المخالف للقانون قامت جهة الإدارة بسحب قرارها وقررت إعادته إلى العمل في 21 من يونيه سنة 1943 ثم قامت الجهة الإدارية بتسوية حالته تطبيقاً لكادر العمال في سنة 1950 غير أن هذه التسوية تمت اعتباراً من 21 من يونيه سنة 1943 ثم قامت الجهة الإدارية بتسوية حالته تطبيقاً لكادر العمال في سنة 1950 غير أن هذه التسوية تمت اعتباراً من 21 من يونيه سنة 1943 لا من تاريخ تعيينه الأصلي في عام 1937 ولما كانت هذه التسوية على ما يقول المدعي - خاطئة بسبب اعتباره معيناً في 21 من يونيه سنة 1943 حالة كونه معيناً في الواقع في عام 1937، فإنه يحق له المطالبة بإعادة تسوية حالته بالتطبيق لأحكام كادر العمال منذ تعيينه في عام 1937 - وقد ردت الجهة الإدارية بأن المدعي إنما فصل من الخدمة اعتباراً من 13 من مايو سنة 1943 وأعيد إلى العمل في 21 من يونيه سنة 1943 باعتباره معيناً جديداً وسويت حالته على هذا الأساس اعتباراً من تاريخ إعادته إلى العمل هذا مع العلم بأن قواعد ضم مدد الخدمة السابقة لا تسري على عمال اليومية، وبجلسة 25 من فبراير سنة 1960 حكمت المحكمة الإدارية لوزارة الزراعة بتسوية حالة المدعي تطبيقاً لأحكام كادر العمال في الدرجة (140/ 300) منذ تعيينه في 16 من مايو سنة 1937 مع تدرجه بالعلاوات الدورية المستحقة له حتى الآن وتثبيت غلاء المعيشة على أساس أجره في 30 من نوفمبر سنة 1950 مع صرف الفروق المالية المترتبة على هذه التسوية اعتباراً من 13 من فبراير سنة 1955 مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات، وأقامت قضاءها على أن المدعي ذكر أنه عند ما أعيد تعيينه في 21 من يونيه سنة 1943 لم يقدم مسوغات تعيين جديدة. كما أنه منح أجره الذي كان يتقاضاه قبل فصله في 12 من مايو سنة 1943 وأنه منح إعانة غلاء المعيشة منذ ذلك التاريخ أي منذ 21 من يونيه سنة 1943 وقد جاء ملف خدمته مؤيداً لأقواله كما أن الوزارة المدعى عليها لم تدحض دعواه وأنه لما تقدم تكون نية المدعى عليها واضحة الدلالة على أن قرار تعيينه الصادر في 11 من يونيه سنة 1943، إنما هو سحب للقرار الأول الصادر في 12 من مايو سنة 1943 بفصله من الخدمة وعلى ذلك تكون التسوية التي أجرتها المدعى عليها في شأن المدعي على اعتبار أن تاريخ تعيينه هو 21 من يونيه سنة 1943 تسوية خاطئة، كما أسست هذا القضاء أيضاً بالنسبة إلى مبدأ استحقاق الفروق المالية على أنه لم يثبت من ملف خدمة المدعي أنه قد قدم تظلماً قاطعاً للتقادم خلال خمس سنوات سابقة على تقديمه طلب الإعفاء في الرسوم القضائية المقدم منه في 13 من فبراير سنة 1960 وبذلك يكون المدعي على حق في صرف الفروق المالية اعتباراً من الخمس سنوات السابقة على تاريخ طلب الإعفاء.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أنه يتضح من استقراء أوراق الدعوى أن الوزارة قصدت بإعادة المطعون ضده إلى الخدمة تعيينه تعييناً جديداً بعد أن فصل في 15 من مايو سنة 1943 والدليل على ذلك أنها رفضت اعتبار مدة خدمته متصلة حين طلب إليها ذلك ولا يجوز الاحتجاج بالقول بأن الوزارة لم تطلب منه مسوغات تعيين جديدة لأن المسوغات مودعة في ملف خدمته فضلاً عن أن مدة الفصل كانت وجيزة بحيث لم يكن محتملاً تغير ظروف المطعون ضده فيها وليس ثمة ما يستدل منه من الأوراق على أن الإدارة قصدت إلى سحب قرار الفصل من الخدمة الذي أصدرته في 15 من مايو سنة 1943 كما أن القانون لم يشترط انقضاء مدة معينة على الفصل إذا رؤي لظروف تقدرها الإدارة إعادة تعيين الموظف من جديد. كما يقوم الطعن كذلك على أنه حتى مع افتراض التسليم بهذا النظر فإن المحكمة قضت بتطبيق أحكام كادر العمال على المطعون ضده منذ بداية التعيين في 16 من مايو سنة 1937 مع تدرجه بالعلاوات الدورية المستحقة له حتى الآن مع أن الثابت أنه عين في 16 من مايو سنة 1937 بيومية قدرها أربعون مليماً، وظل يعمل عاملاً عادياً بأجر مقداره سبعون مليماً يومياً إلى تاريخ فصله في 13 من مايو سنة 1943 ثم أعيد بذات الأجر في 21 من يونيه سنة 1943 فلذا طبقت في شأنه أحكام كادر العمال اعتباراً من أول مايو سنة 1945 وبالأجر المقرر للعامل العادي وهو مائه مليم وليس أجر يومي قدره مائة وأربعون مليماً.
ومن حيث إنه قد تبين لهذه المحكمة من واقع الأوراق أن المطعون عليه محمود علي عوض نسب إليه خلال شهر مايو سنة 1943 الاعتداء على السيد مهندس الجراج وبواب وزارة الزراعة وأجرى معه على أثر ذلك تحقيق إداري تأكد فيه هذا الاتهام وإزاء ثبوت سبق إيقاع عدة جزاءات بالمطعون عليه خلال خدمته. بالوزارة صدر عقب التحقيق الإداري المشار قرار في 15 من مايو سنة 1943 بفصله من الخدمة لشراسة أخلاقه وإخلاله بالنظام خلال ساعات العمل وكثرة سوابقه، وفي 9 من يونيه سنة 1943 تقدم بظلامة التمس فيها إعادته إلى الخدمة رحمة بمن يعولهم من أفراد أسرته وقد أجابت الوزارة هذا الاسترحام فقررت في 28 من يونيه سنة 1943 إعادته إلى الخدمة اعتباراً من 21 من يونيه سنة 1943 وكانت الإعادة بناء على اقتراح قسم الهندسة بإعادته (اكتفاء بفصله من العمل حوالي شهر ونصف شهر وحرمانه من أجره وإعانة غلاء المعيشة طول هذه المدة ويعتبر هذا قراراً رادعاً لما ارتكبه من مخالفات) وقد التمس المطعون عليه في سبتمبر سنة 1943 حساب المدة بين تاريخ فصله في 15 من مايو سنة 1943 و21 من يونيه سنة 1943 أجازة استثنائية بدون أجر وعدم اعتباره عاملاً جديداً في خدمة الوزارة كي يستحق إعانة غلاء المعيشة فور رجوعه إلى العمل ويتاح له امتياز الحصول على أجر في أيام العطلات الرسمية والجمع ولما عرض هذا الملتمس على السيد وكيل وزارة الزراعة أشر عليه في 29 من يناير سنة 1944 بالرفض، وذلك بعد اطلاعه على مذكرة قسم المستخدمين التي وردت في ملف خدمته بالصيغة الآتية: (أن سابقة فصله من الخدمة كانت بسبب شراسة أخلاقه مع آخرين وأعيد للخدمة من باب الرأفة به. وقد عين عقب إعادته إلى العمل عاملاً لأحد المصاعد بالوزارة وفي غضون سنة 1947، وبمناسبة تطبيق كادر العمال على عمال اليومية بمختلف المصالح والوزارات تقدم هو ولفيف من زملائه عمال المصاعد بشكوى إلى المسئولين بوزارة الزراعة يطالبون فيها باعتبارهم مساعدي صناع في الفئة (150/ 240) مليم وهو ذات الأساس الذي عومل به زملاء لهم بوزارة الأشغال حسبما تبين من كتاب هذه الوزارة رقم 14/ 1/ 53 (11191) في 20 من مارس سنة 1947 الموجه إلى وزارة الزراعة، ولكن هذه الوزارة اقتصرت في هذا الشأن على التحرير لوزارة المالية من أجل معاملة عمال المصاعد على الأساس المذكور، وعلى الرغم من استعجال الوزارة للكتاب المذكور لم تجب وزارة المالية عن استفسارها وحيال ذلك تقدم المطعون عليه في أواخر سنة 1949 بالتماس تسوية حالته على أساس اعتباره عاملاً عادياً في الفئة (140/ 240) مليم طبقاً لكتاب المالية رقم 4458 في 3 مارس سنة 1946، وبهذا المعنى رفعت مذكرة بتاريخ 27 من مارس سنة 1950 من وكيل وزارة الزراعة بالنيابة وقد صدر في 29 من مارس سنة 1950 الأمر الإداري رقم 7811 بتسوية حالة محمود علي عوض (المطعون عليه) على أساس وضعه في الدرجة (140/ 240) مليم بأجر يومي مقداره 140 مليماً اعتباراً من 21 من يونيه سنة 1943 وهو التاريخ الذي بدأ فيه عمله كعامل مصعد بوزارة الزراعة، وقد صرفت له جميع الفروق المالية المترتبة على هذه التسوية حتى تاريخ صدور الأمر الإداري سالف الذكر وبذلك تقاضى فعلاً هذا الأجر (140) مليماً وعلاواته المقررة من التاريخ الذي منح فيه الدرجة (140/ 240) مليم طبقاً لهذه التسوية الإدارية التلقائية وحددت له إعانة غلاء المعيشة على أساس الأجر الذي بلغه في 30 من نوفمبر سنة 1950 بحيث يمتنع عليه قانوناً طلب تعديل إعانة الغلاء بعد أن حددت على وجه صحيح. كما تبين لهذه المحكمة أنه عين عاملاً عادياً في أدنى فئات هذه الدرجة بأجر يومي أربعون مليماً واشتغل في بادئ الأمر ساعياً (خادماً عادياً) بإدارة القوانين حتى نقل في 11 من يوليه سنة 1942 إلى وظيفة عامل عادي لحراسة الدراجات بإدارة السكرتارية ورفع أجره اعتباراً من 8 أكتوبر سنة 1942 إلى سبعين مليماً يومياً وظل يتقاضى هذا الأجر حتى فصل من الخدمة في 15 من مايو سنة 1943 على ما سلف البيان.
ومن حيث إنه إذا كان الثابت أن الجهة الإدارية قد سحبت في 21 من يونيه سنة 1943 قرار فصل المدعي من الخدمة خلال الستين يوماً التالية لتاريخ صدوره واكتفت في شأنه بحرمانه من أجره خلال مدة الفصل جزاء وفاقاً لما بدر منه وسواء اعتبر قرار الفصل من الخدمة صحيحاً أو غير صحيح فسحبه جائز على كلا الحالين ولو تم ذلك قبل إنشاء قضاء الإلغاء في مصر. إذ لو اعتبر الفصل مجافياً لحكم القانون فلا شبهة في جواز الرجوع فيه وسحبه ولأن السحب يكون مقصوداً به إزالة آثار هذا البطلان. أما إذا اعتبر مطابقاً للقانون فالسحب هنا جائز استثناء، إذ ولئن كان الأصل في السحب أو الرجوع في القرارات الإدارية ألا يقع كلاهما إعمالاً لسلطة تقديرية أو لاعتبارات الملاءمة إلا أنهم سوغوا إعادة النظر في قرارات الفصل من الخدمة الحكومية وسحبها لنوازع إنسانية تقوم على العدالة إذ المفروض أن تنفصم صلة العامل بالوظيفة بمجرد فصله ويجب لإعادته إلى الخدمة أن يصدر قرار جديد بالتعيين ولكن قد يحدث خلال فترة الفصل أن تتغير شروط الصلاحية للتعيين وقد يغدو أمر التعيين مستحيلاً أو قد يؤثر الفصل تأثيراً ضاراً في مدة خدمة العامل أو في أقدميته وقد تتغير الجهة التي تختص بالتعيين فتصبح غير تلك التي فصلت العامل وقد لا يكون لدى الجهة الجديدة الاستعداد لإصلاح الأذى الذي حاق بالعامل من جزاء فصله أو غير ذلك من اعتبارات العدالة التي توجب معالجة هذه النتائج الضارة وعلى هذا النظر أطرد القضاء الإداري الفرنسي.
وأنه إذا كانت الجهة الإدارية - وهي الحريصة على تجنيب المدعي هذه النتائج الضارة كلها أو بعضها - قد عمدت بحكم هذه القيمة إلى سحب القرار الصادر بفصله مكتفية بحرمانه من الأجر مدة الفصل لكونه لم يؤد لها عملاً يستحق عنه هذا الأجر، فإن قرارها يكون صحيحاً ويكون قرار الإعادة إلى الخدمة الصادر في 21 من يونيه سنة 1943 منطوياً في الحقيقة على قرار السحب المشار إليه من حيث خصائصه وآثاره القانونية ويكون من مقتضاه اعتبار القرار المسحوب الخاص بفصل المدعي كأنه لم يكن ويتعين من ثم اعتبار خدمة المدعي بالوزارة متصلة غير منقطعة مما يتعين معه تدرج أجره اليومي بالعلاوات الدورية في حدود ربط الدرجة المقررة لوظيفته التي أسندت إليه عند بدء التعيين.
وأنه لئن استقام ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه في أسبابه من اعتبار قرار الإعادة إلى الخدمة سحباً لقرار الفصل إلا أنه يتضح من التفصيل الذي سلف بيانه أنه لا صحة فيما انتهى إليه هذا الحكم من أن المدعي يستأهل أن يوضع في الدرجة (140/ 240) مليماً من بدء تعيينه بوزارة الزراعة في 16 من مايو سنة 1937، إذ لم يكن في هذا التاريخ منتمياً - بحكم أجره اليومي الأول ووظيفته كخادم - إلى الفئة (140/ 240) مليم بل ينبغي أن يوضع من بدء التعيين في الفئة (100/ 240) مليم بأجر يومي قدره 100 مليم يزاد بطريق العلاوات الدورية المقررة طبقاً لكادر العمال. حتى تاريخ تعيينه عامل مصعد في 21 من يونيه سنة 1943، ومن هذا التاريخ برفع مرتبته - بوصفه عاملاً عادياً - إلى الفئة (140/ 240) مليم وهي فئة الأجر التي رؤيت مناسبتها ومعادلتها لوظيفة عامل المصعد - طبقاً للتفسير الذي أورده كتاب المالية رقم 4458 المؤرخ 3 من مارس سنة 1946 - التي لم يشغلها المدعي قبل 31 من يونيه سنة 1943، وهذا الكتاب وردت فيه لأول مرة وظيفة عامل مصعد باعتبارها من الوظائف التي أغفلتها الكشوف الأصلية الملحقة بكادر العمال والتي رأى إجراء أحكام الكادر عليها بجعلها من المهن المقررة لها الدرجة (140/ 240) مليم الموصوفة بأنها لعامل (عادي).
ومن حيث إنه يتعين - بناء على ما تقدم - إلغاء الحكم المطعون فيه وتسوية حالة المدعي على أساس استحقاقه أجراً يومياً قدره مائة مليم في الفئة (100/ 240) مليم اعتباراً من تاريخ تعيينه بخدمة الحكومة في 16 من مايو سنة 1937 حتى تاريخ شغله لوظيفة عامل مصعد في 21 من يونيه سنة 1943 ومن هذا التاريخ يرفع أجره اليومي إلى 140 مليماً في الفئة (140/ 240) مليماً المعدلة إلى (140/ 300) مليماً على أن يزاد أجره بالعلاوات الدورية في حدود ربط هذه الفئة كما يتبين من ملف خدمته. وغني عن البيان أن زيادة أجره استناداً إلى التسوية التي تقضي بها هذه المحكمة والتي تتحصل في رفع أجره اليومي إلى مائة مليم اعتباراً من بدء تعيينه في 16 من مايو سنة 1937 ليس من شأنها أن تكسبه زيادة في أجره اليومي الذي سويت حالته على أساسه طبقاً للأمر الإداري رقم 7811 الصادر في 27 من مارس سنة 1950 والذي منحه الفئة (140/ 240) مليماً المعدلة إلى (140/ 200) بأجر يومي قدره 140 مليماً اعتباراً من 21 من يونيه سنة 1943، إذ مبلغ ما تفيده التسوية المقضي له بها هو زيادة نظرية في أجره اليومي الذي كان يتقاضاه قبل 21 من يونيه سنة 1943، دون أن ينعكس هذا على مقدار الأجر الذي تقاضاه ابتداء من التاريخ الأخير، وهذه الزيادة - المقضي بها بالنسبة إلى أجره اليومي السابق على تاريخ 21 من يونيه سنة 1943 - أن ترتب عليها فروق مالية لصالح المدعي فهي فروق سقط الحق في المطالبة بها لانقضاء أكثر من خمس سنوات على استحقاقها قبل تقديمه طلب الإعفاء من الرسوم القضائية في 13 من فبراير سنة 1950 ودون أن يثبت أنه سبق له التظلم من عدم اقتضائها تظلماً قاطعاً قبل ذلك فهي إذن زيادات في أجره اليومي استحقها حتى تاريخ إعادته إلى الخدمة ولم يسبق للمدعي المطالبة بها أو التظلم من عدم اقتضائها قبل طلب المعافاة المقدم منه توطئة لإقامة دعواه الحالية.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد جانب الصواب، إذ سحب على بداية التعيين في الحكومة حقه في الأجر اليومي 140 مليماً الذي سويت حالته تلقائياً على أساس استحقاقه اعتباراً من 21 من يونيه سنة 1943، توهماً منه بأن قضاءه باعتبار إعادة التعيين سحباً لقرار الفصل يؤدي إلى هذه النتيجة وهو غير صحيح على ما سلف البيان ويتعين من ثم إلغاء الحكم المطعون فيه في النتيجة التي انتهى إليها وبرفض الدعوى مع إلزام المدعي بمصروفاتها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.