مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الثاني (من أول فبراير 1964 إلى آخر مايو 1964) - صـ 753

(62)
جلسة أول مارس سنة 1964

برئاسة السيد/ عبد العزيز الببلاوي رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة: محمود سعد الدين الشريف ومحمد تاج الدين يس وعبد الفتاح نصار وأبو الوفا زهدي المستشارين.

القضية رقم 2557 لسنة 6 القضائية

عامل - ترقية - قرار إداري - تسوية - ترقية العامل إلى درجة الدقة الممتازة مشروطة بقضائه ست سنوات في درجة عامل دقيق - تكييف هذا الشرط - هو شرط صلاحية للترقية لا شرط لزوم وفق ما استقرت عليه أحكام المحكمة الإدارية العليا - اعتقاد الإدارة أن هذا الشرط هو شرط لزوم وإجراؤها الترقية إلى درجة الدقة الممتازة على هذا الأساس - جواز سحب هذه الترقية في أي وقت - أساس ذلك.
أن الخطأ الذي وقعت فيه الإدارة من جهة توهمها أن المدعي استحق تلقائياً الترقية إلى درجة الدقة الممتازة (360/ 700) بمضي ست سنوات عليه في درجة الصانع الدقيق (300/ 500) هو خطأ في القانون لا يحجب الأصل الثابت الذي جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن الدقة الممتازة لا تقع بصورة تلقائية سواء اكتمل النصاب الزمني بعد نفاذ كادر العمال أو قبل ذلك بل يتعين أن يرد الأمر في شأنها إلى تقدير الإدارة كما ثبت - بعد فوات هذه المدة - في استحقاق صاحب الشأن للترقية أو عدم استحقاقه إياها وأن يصدر بناء على ذلك قرارها بترقية من تتوسم فيه هذا الاستحقاق وهو ما لم يثبت أنها فعلته بالنسبة إلى المدعي قبل اتخاذ قرارها المسحوب الصادر بترقية المدعي إلى درجة الصانع الممتاز (360/ 800 مليم) في 30 من يونيه سنة 1952.
وأنه إذا كانت أحكام كادر العمال تشترط فيمن يرقى من الداخل إلى وظيفة الصانع الممتاز أن يكون بالضرورة في وظيفة الصانع الذي تحتاج مهنته إلى الدقة الممتازة (360/ 700) كما تشترط كذلك ألا يرقى إلى وظيفة الصانع الممتاز إلا من قضى اثنتي عشرة سنة على الأقل في درجتي دقيق ودقيق ممتاز وكانت الجهة الإدارية قد توهمت أن المدعي قد استحق فعلاً الترقية إلى درجة الدقة الممتازة (360/ 700 مليم) بمضي ست سنوات عليه في درجة الصانع الدقيق على خلاف الواقع وما جرى به قضاء هذه المحكمة من أن مضي النصاب الزمني هو شرط صلاحية للترقية إلى درجة الدقة الممتازة لا شرط لزوم وأن الأمر يرد في النهاية إلى الإدارة لتقدير استحقاق صاحب الشأن لهذه الترقية ثم يصدر بناء على ذلك قرارها بالترقية إذا كان ذلك كله صحيحاً، فإن قرار ترقية المدعي مباشرة إلى درجة الصانع الممتاز الذي صدر في 30 من يونيه سنة 1952 على ظن أنه كان قبل هذا القرار في درجة الدقة الممتازة يكون في الواقع فاقداً لركن النية المشترط في القرارات الإدارية ومجرداً من الأساس القانوني الذي تبنى عليه الترقية إلى درجة الصانع الممتاز طبقاً لأحكام كادر العمال مما ينحدر به إلى رجة الانعدام وخاصة وأن سلطة الإدارة بالنسبة إلى هذا التصرف هي سلطة مقيدة بأحكام كادر العمال ولا حرية لها في انتهاكها بهذه الصورة الصارخة بل ولا ولاية لها على الإطلاق في ترقية المدعي إلى أكثر من الدرجة التالية للدرجة المرقى منها، فتخطيه درجة الدقة الممتازة التي ينبغي أن تتم الترقية عليها، ومخالفة لقاعدة جوهرية من قواعد الترقية ومن ثم لا يكتسب قرارها الصادر في 30 من يونيه سنة 1952 بترقية المدعي إلى درجة الصانع الممتاز (360/ 700) أية حصانة ولو فات الميعاد المحدد للطعن فيه بالإلغاء أو لسحبه بل يجوز للإدارة الرجوع في قرارها وسحبه في أي وقت.


إجراءات الطعن

في 27 من أغسطس سنة 1960 أودع السيد رئيس إدارة قضايا الحكومة بصفته سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 2557 لسنة 6 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة الزراعة بجلسة 27 من يونيه سنة 1960 في الدعوى رقم 69 لسنة 7 القضائية المقامة من السيد/ منجود إبراهيم محمد ضد وزارة الزراعة والقاضي، بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من وكيل وزارة الزراعة بتاريخ 11 من أغسطس سنة 1959 فيما تضمنه من سحب القرار الصادر بترقية المدعي إلى درجة الصانع الممتاز (360/ 800) اعتباراً من 30 من يونيه سنة 1952 ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الوزارة المصروفات ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة. وطلب السيد رئيس إدارة قضايا الحكومة بصفته للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى وإلزام المطعون ضده بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين" وقد أعلن هذا الطعن إلى المطعون عليه في 14 من فبراير سنة 1961. وفي 15 من مايو سنة 1963 أبلغ ذوو الشأن بجلسة 25 من مايو سنة 1963 المحددة لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون التي أحالته إلى المحكمة الإدارية العليا لنظره أمامها بجلسة 5 من يناير سنة 1964. وفي الجلسة سمعت هذه المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 69 لسنة 7 القضائية ضد وزارة الزراعة أمام المحكمة الإدارية لوزارة الزراعة بإيداع صحيفتها سكرتيرية المحكمة المذكورة في 21 من ديسمبر سنة 1959 طالباً الحكم له بقبول الدعوى وإلغاء القرار رقم 11858 المتضمن إلغاء ترقية الطالب إلى درجة صانع ممتاز في الفئة (390/ 800 مليم) وجميع ما يترتب على ذلك من آثار، وقال شرحاً لدعواه أنه التحق بخدمة وزارة الزراعة في غضون سنة 1936 في وظيفة سائق موتوسيكل ثم نقل في عام 1943 إلى وظيفة سائق سيارة بعد تأدية الامتحان الخاص لكل من هاتين المهنتين وفي عام 1946 طبق عليه كادر العمال فوضع في وظيفة سائق موتوسيكل منذ بدء التعيين في سنة 1936 في الفئة (200/ 360) مليماً ثم قلد وظيفة صانع دقيق في سنة 1943 وفي 12 من أغسطس سنة 1951 صدر قرار من مجلس الوزراء بالتسوية بين سائقي السيارات وسائقي الموتوسيكلات من حيث وضعهم في درجة واحدة بالفئة (300/ 500 مليم) وهي درجة الصانع الدقيق ورتبت على ذلك حتماً وجوب إرجاع أقدمية الطالب في درجة الصانع الدقيق (300/ 500 مليم) إلى بدء تاريخ تعيينه بالوزارة في عام 1936 ولما كان سائق السيارة الذي يكون قد أمضى في عمله ست سنوات قبل سنة 1945 في الفئة (300/ 500) مليم يتعين ترقيته بقوة القانون إلى صانع دقيق ممتاز في الفئة من (360/ 700 مليم) بصفة شخصية في التاريخ التالي لمضي ست سنوات عليه قبل أول مايو سنة 1945 وهذا الوضع في الواقع قد توافر في المدعي إذ اعتبر مرقى إلى درجة صانع دقيق ممتاز ووضع على هذا الأساس في كشوف الأقدمية التي قدمت إلى لجنة شئون العمال في سنة 1952 كما أقرت اللجنة المذكورة صحة هذه الكشوف وقد صدر قرار بترقية المدعي إلى وظيفة صانع ممتاز في الفئة (360/ 800 مليم) اعتباراً من 28 من يونيه سنة 1952 لأن أقدميته كانت تسمح بترقيته إلى وظيفة صانع ممتاز عند صدور هذا القرار وقد منح فعلاً علاوة الترقية اعتباراً من أول يوليه سنة 1952 ولكن المدعي فوجئ بعد مضي أكثر من خمس سنوات على هذه الترقية الأخيرة بإلغاء ترقيته إلى وظيفة صانع ممتاز (360/ 800 مليم) بحجة أنه لم تسبق ترقيته إلى درجة دقيق ممتاز (360/ 700 مليم) وأنه بذلك قد تخطى درجة عند حصول الترقية الملغاة وقد عرض الأمر على إدارة الفتوى بمجلس الدولة فأفتت بعدم جواز إلغاء هذه الترقية لمضي المدة التي يجوز للوزارة فيها سحب قرارها بالترقية وأن هذا القرار أصبح حصيناً ولكن الوزارة رغم هذا لم تأخذ بفتوى مجلس الدولة بل رفعت الأمر إلى ديوان الموظفين بصورة مبتورة فكان رد الديوان أنه يعتبر القرار الصادر بترقية المدعي إلى درجة صانع ممتاز معدوماً ولكن هذا الجواب من جانب الديوان غير سليم لأن عرض الموضوع عليه لم يكن عرضاً سليماً. ويضيف المدعي أن استحقاقه الدرجة صانع دقيق ممتاز بعد ست سنوات من تاريخ تعيينه هو أمر واقع بقوة القانون وليس للوزارة سلطة تقديرية في خصوصه وخاصة بعد أن قيدها قرار مجلس الوزراء بتاريخ 12 من أغسطس سنة 1951 من حيث تسويته بين سائقي السيارات وسائقي الموتوسيكلات في الدرجة من بدء التعيين ونتيجة تلك الحتمية هو استحقاقه لدرجة صانع دقيق ممتاز بعد مضي ست سنوات على بدء التعيين ما دام اكتمال هذا النصاب الزمني حاصلاً قبل أول مايو سنة 1945 ولذلك فإن الترقية موضوع هذه الدعوى ينبغي أن تكون محصنة ولكن الوزارة رغم هذا قامت بإصدار القرار رقم 11858 في 29 من يوليه سنة 1959 بسحب هذه الترقية وهو ما يطلب المدعي إلغاءه بعد أن سبق هذا الطلب بتظلم إداري لم يظفر بإجابة الوزارة المدعى عليها.
وقد ردت الجهة الإدارية على الدعوى بأنه فيما يتعلق بما يدعيه المطعون ضده من أنه كان يستحق الترقية إلى الدرجة (360/ 700 مليم) بصفة شخصية بعد ست سنوات من تاريخ التعيين بقوة القانون، فإنه يلاحظ أن الترقية لهذه الدرجة كانت جائزة للعمال المعينين قبل أول مايو سنة 1945 والواردة مهنهم في الكشف رقم "6" الملحق بكادر العمال والمدعي ولو أنه عين قبل أول مايو سنة 1945 إلا أنه لم يمض في وظيفة سائق سيارة لغاية هذا التاريخ الست سنوات المقررة إذ أنه لم يمنح هذه الوظيفة إلا من 7 من أغسطس سنة 1944 أما قبل ذلك فكان في وظيفة سائق موتوسيكل الواردة بالكشف رقم "5" الملحق بكادر العمال وهي من المهن التي لا تجيز قواعد الكادر ترقية أصحابها (360/ 700 مليم) قبل أول مايو سنة 1945 على ما يزعم المدعي أما قرار مجلس الوزراء الذي يشير إليه المدعي في دعواه فقد سوى بين وظيفتي سائق السيارة وسائق الموتوسيكل فيما يتعلق بتعديل نسب درجات العمال، دون الوظائف ومن ثم يكون المدعي غير محق في دعواه وبجلسة 27 من يونيه سنة 1960 حكمت المحكمة الإدارية لوزارة الزراعة "بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من وكيل وزارة الزراعة بتاريخ 11 من أغسطس سنة 1959 فيما تضمنه من سحب القرار الصادر بترقية المدعي إلى درجة الصانع الممتاز (360/ 800 مليم) اعتباراً من 20 من يونيه سنة 1952 وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الوزارة المصروفات ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة". وأقامت قضاءها على أن "الجهة الإدارية بما لها من سلطة تقديرية قد رقت المدعي بتاريخ 26 من أكتوبر سنة 1952 إلى درجة الصانع الممتاز (360/ 800 مليم) معتقدة خطأ أنه في درجة الصانع الدقيق دقة ممتاز "360/ 700" مليم وهي على هذا الأساس تكون قد أخطأت في تقدير الوضع القانوني للمدعي وكان يمكنها تدارك هذا الخطأ بسحب قرار الترقية الخاطئ خلال المدة المقررة للطعن فيه أمام القضاء أما وقد فاتها ذلك وقد تحصن ذلك القرار وأصبح بمثابة القرار السليم بمضي تلك المدة ومن ثم فلا يجوز المساس به ولا التعرض له صوناً للأوضاع القانونية واستقراراً للمراكز الذاتية، ولما كانت الوزارة قد ثبت أنها سحبت القرار الصادر بالترقية اعتباراً من 26 من أكتوبر سنة 1952 وذلك بالقرار الصادر في 11 من أغسطس سنة 1959 أي بعد أكثر من سبع سنوات، فإن هذا القرار يكون قد صدر بالمخالفة لأحكام القانون مما يتعين معه الحكم بإلغائه".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن إذا كانت مهمة الإدارة مقصورة على التحقق من استيفاء الشروط اللازمة لاستفادة أحد الأفراد من وضع قانوني معين، فإن القرار الصادر في هذا الشأن يجوز تصحيحه في كل وقت إذا ظهر عدم استيفاء الشروط القانونية، كما يجوز للأفراد أن تطالب بحقها دون التقيد بالمدة إذا لم تحترم الإدارة تلك الشروط أما إذا كان للإدارة أي قدر من الحرية في منح تلك الميزة أو وضعها فإن القرار يتحصن ضد السحب في مواعيد الطعن ولو كان القرار مخالفاً والوزارة في ترقيات عمالها لا يكون لها أي قدر من الحرية وإنما تمارس اختصاصاً مقيداً إذ لا يجوز لها أن تصدر قرارات الترقية إلا في نطاق الإطار الذي حددته القواعد التنظيمية العامة في شأن ترقيات العمال "كما يقوم على أن الثابت أن قرار ترقية المطعون ضده قد خالف الأوضاع القانونية إذ حقق آثاراً قانونية ما كان يمكن تحقيقها إلا بتعديل القاعدة التنظيمية أي بتعديل قواعد كادر العمال تعديلاً يجيز للعامل أن يتخطى في ترقيته بعض درجات الكادر وهذا ما يخرج من اختصاص الوزارة الطاعنة الأمر الذي يجعل قرارها بترقية المطعون ضده - على خلاف قواعد وأحكام كادر العمال التي لا تملك الوزارة تعديلها قراراً منعدماً. ومن المسلم به أن القرار المنعدم لا يكسب حقاً ولا يرتب أدنى أثر ويمكن للإدارة سحبه في أي وقت دون التقيد بميعاد السحب".
ومن حيث إنه قد تبين لهذه المحكمة من واقع الأوراق أن المطعون عليه قد عين بوزارة الزراعة في وظيفة سائق موتوسيكل بأجر يومي مقداره مائة مليم في أول مايو سنة 1936 وبعد اختباره في مهنة قيادة السيارات عين في وظيفة سائق بأجر يومي قدره مائة وخمسون مليماً في 8 من أغسطس سنة 1944 وعند تطبيق كادر العمال عليه سويت حالته على أساس وضعه في الدرجة "300/ 500" ببداية قدرها 240 مليماً وحصل على علاوات دورية كل سنتين بلغ بها أجره اليومي 300 مليم في أول مايو سنة 1946 ثم زيد هذا الأجر اليومي بالعلاوات الدورية حتى بلغ 400 مليم في أول مايو سنة 1952 وفي 30 من يونيه سنة 1952 رقى إلى الدرجة (360/ 800 م) وقد وصل بعد ذلك أجره اليومي بالعلاوات الدورية إلى 560 مليماً اعتباراً من أول مايو سنة 1958 وبعد اكتشاف الخطأ الذي اعتور هذه التسوية أصدر السيد وكيل وزارة الزراعة في 11 من أغسطس سنة 1959 الأمر رقم 8 يومية لسنة 1959 بتصحيح وضع المطعون عليه وإعادة تسوية حالته فاعتبر أجره اليومي في بدء التعيين 240 مليماً في الدرجة (300/ 500 مليم) المقررة لسائق الموتوسيكل وتوالت زيادته بالعلاوات الدورية المقررة حتى بلغ 400 مليم اعتباراً من أول مايو سنة 1952 ثم رقى إلى درجة الصانع الذي تحتاج وظيفته إلى الدقة الممتازة (360/ 700 م) في 30 من يونيه سنة 1952 وبلغ أجره اليومي بالعلاوات المقررة 460 مليماً في أول مايو سنة 1956 وفي 30 من مايو 1957 رقى إلى درجة الصانع الممتاز (360/ 800) وعلاوتها 40 مليماً كل سنين وبلغ أجره اليومي في أول مايو سنة 1958 - 540 مليماً. وقد تبين أيضاً أن عقب صدور قرار السحب المطعون فيه في 11 من أغسطس سنة 1959 تظلم منه المدعي إلى الجهة الإدارية المختصة في 27 من أغسطس سنة 1959 ولما لم تجب عنه السلطات المختصة بعد مضي ستين يوماً على تقديم التظلم اعتبر المدعي هذا الموقف من جانب الإدارة بمثابة رفض ضمني للتظلم فأقام دعواه بإلغاء قرار السحب وأودع صحيفتها في 21 من ديسمبر سنة 1959.
ومن حيث إنه لا شبهة في أن الخطأ الذي وقعت فيه الإدارة من جهة توهمها أن المدعي استحق تلقائياً الترقية إلى درجة الدقة الممتازة (630/ 700 م) بمضي ست سنوات عليه في درجة الصانع الدقيق (300/ 500) وهو خطأ في القانون لا يحجب الأصل الثابت الذي جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن الترقية الممتازة لا تقع بصورة تلقائية سواء اكتمل النصاب الزمني بعد نفاذ كادر العمال أو قبل ذلك بل يتعين أن يرد الأمر في شأنها إلى تقدير الإدارة كما ثبت - بعد فوات هذه المدة - في استحقاق صاحب الشأن للترقية المذكورة أو عدم استحقاقه إياها وأن يصدر بناء على ذلك قرارها بترقية من تتوسم فيه هذا الاستحقاق وهو ما لم يثبت أنها فعلته بالنسبة إلى المدعي قبل اتخاذ قرارها المسحوب الصادر بترقية المدعي إلى درجة الصانع الممتاز (360/ 800 م) في 30 من يونيه سنة 1952.
أنه إذا كانت أحكام كادر العمال تشترط فيمن يرقى من الداخل إلى وظيفة الصانع الممتاز أن يكون بالضرورة في وظيفة الصانع الذي تحتاج مهنته إلى الدقة الممتازة (360/ 700 م) كما تشترط كذلك إلا يرقى إلى وظيفة الصانع الممتاز إلا من قضى اثنتي عشرة سنة على الأقل في درجتي دقيق ودقيق ممتاز وكانت الجهة الإدارية قد توهمت أن المدعي قد استحق فعلاً الترقية إلى درجة الدقة الممتازة (360/ 700 م) بمضي ست سنوات عليه في درجة الصانع الدقيق على خلاف الواقع وما جرى به قضاء هذه المحكمة من أن مضي النصاب الزمني هو شرط صلاحية للترقية إلى درجة الدقة الممتازة لا شرط لزوم وأن الأمر يرد في النهاية إلى الإدارة لتقدير استحقاق صاحب الشأن لهذه الترقية ثم يصدر بناء على ذلك قرارها بالترقية إذا كان ذلك كله صحيحاً، فإن قرار ترقية المدعي مباشرة إلى درجة الصانع الممتاز الذي صدر في 30 من يونيه سنة 1952 على ظنه أنه كان قبل هذا القرار في درجة الدقة الممتازة يكون في الواقع فاقداً لركن النية المشترط في القرارات الإدارية ومجرداً من الأساس القانوني الذي تبنى عليه الترقية إلى درجة الصانع الممتاز طبقاً لأحكام كادر العمال مما ينحدر به إلى رجة الانعدام وخاصة وأن سلطة الإدارة بالنسبة إلى التصرف هي سلطة مقيدة بأحكام كادر العمال ولا حرية لها في انتهاكها بهذه الصورة الصارخة بل ولا ولاية لها على الإطلاق في ترقية المدعي إلى أكثر من الدرجة التالية للدرجة المرقى منها، فتخطيه درجة الدقة الممتازة التي ينبغي أن تتم الترقية عليها، ومخالفة لقاعدة جوهرية من قواعد الترقية ومن ثم لا يكتسب قرارها الصادر في 30 من يونيه سنة 1952 بترقية المدعي إلى درجة الصانع الممتاز (360/ 800 م) أية حصانة ولو فات الميعاد المحدد للطعن فيه بالإلغاء أو لسحبه بل يجوز للإدارة الرجوع في قرارها وسحبه في أي وقت.
وعلى ذلك يكون القرار رقم 8 يومية الصادر من السيد/ وكيل وزارة الزراعة في 11 من أغسطس سنة 1959 بسحب قرار الترقية إلى درجة الصانع الممتاز الحاصلة في 30 من يونيه سنة 1952 قد صدر وضعاً للأمور في نصابها الصحيح وجاء مطابقاً للقانون ويكون الحكم المطعون فيه إذ ذهب إلى غير هذا المذهب قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه ويتعين من ثم القضاء بإلغائه برفض الدعوى مع إلزام المدعي بمصروفاتها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.