مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الثاني (من أول فبراير 1964 إلى آخر مايو 1964) - صـ 787

(66)
جلسة 14 من مارس 1964

برئاسة السيد/ مصطفى كامل إسماعيل وكيل المجلس، وعضوية السادة: حسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضية رقم 815 لسنة 8 القضائية

عقد إداري - حقوق الإدارة في حالة تقصير المتعاقد معها تقصيراً جسيماً - حقها في التنفيذ على حسابه أو إنهاء العقد - العبرة في استخلاص إدارة الإدارة ليست بالمعنى الحرفي لقرارها - وجوب الاعتداد بالآثار التي رتبتها الإدارة على تصرفها للكشف عما قصدته في الحقيقة - تعبير الإدارة عن تصرفها في بعض الأوراق بعبارة "إلغاء العقد وإعادة تأجير المقصف على حساب المدعى عليه"، هو في حقيقته تنفيذ على حسابه ما دامت قد اجتزأت بالآثار التي تترتب على التنفيذ على حسابه.
أنه ولئن كان من المسلمات أن إحلال الإدارة شخصاً آخر محل المتعاقد الذي قصر في تنفيذ التزاماته تقصيراً جسيماً لا ينهي العقد بالنسبة للمتعاقد المقصر وأنه من ثم لا يكون مقبولاً قانوناً أن تلجأ الإدارة إلى توقيع الجزائين معاً على المتعاقد المقصر، جزاء التنفيذ على حسابه وجزاء إنهاء العقد. إلا أنه أيضاً من المسلمات أن استخلاص إرادة الإدارة في هذا الصدد - وإرادتها المنفردة هي المرجع وحدها في تعيين أي جزاء استهدفت به تأمين سير المرفق من الجزاءات التي يبيحها لها العقد أو القانون أو العرف الإداري - أن استخلاص إرادة الإدارة في هذا الشأن لا ينبغي أن يقف عند المعنى الحرفي للألفاظ. بل يجب أن يعتد فيه بالآثار التي رتبتها الإدارة على تصرفها للكشف عما قصدت في الحقيقة أن توقعه من جزاء.
ومن حيث إنه يبدو واضحاً مما سلف إيراده من الوقائع أن مخازن حكمدارية بوليس القاهرة ولئن كانت قد عبرت عن تصرفها في بعض الأوراق بعبارة إلغاء العقد وإعادة تأجير المقصف على حساب المدعى عليه. إلا أنها: أولاً - قرنت هذه العبارة بعبارة الرجوع عليه بفرق السعر وهو الأثر المترتب على التنفيذ على حسابه، ولم تشر إلى مصادرة التأمين وهو الأثر المترتب على إلغاء العقد، وواقع الحال أن المخازن إنما قصدت بعبارة إلغاء العقد حجب المدعى عليه عن المقصف حتى يتسنى لها إحلال آخر محله - ثانياً - بينت المخازن في إنذارها للمدعى عليه كما بينت الوزارة في جميع مراحل الدعوى الراهنة مفردات المبالغ المطالب بها المذكور فلم تخرج هذه المفردات عن الآثار التي تترتب على التنفيذ على حسابه من فرق سعر وجعل متأخر ومصاريف إدارية ورسوم تمغة دون الآثار التي تترتب على إلغاء العقد إذ هي لم تصادر التأمين وإنما خصمته من جملة مفردات المبالغ المطالب بها - وما دامت الإدارة في هذه الحالة لم تجمع بين الآثار التي تترتب على التنفيذ على حساب المدعى عليه والآثار التي تترتب على إلغاء العقد، وإنما اجتزأت بالآثار التي تترتب على التنفيذ على حساب هذا الأخير وتمسكت بأنها لم توقع عليه سوى جزاء التنفيذ على حسابه، فلا تثريب عليها في ذلك، ويعتبر الجزاء الموقع على المدعى عليه هو جزاء التنفيذ على حسابه دون جزاء إلغاء العقد وهو ما أفصحت عنه جهة الإدارة بجلسة أول أكتوبر سنة 1961 وما أكدته في عريضة طعنها.


"إجراءات الطعن"

في أول مارس سنة 1962 أودعت إدارة قضايا الحكومة سكرتيرية هذه المحكمة بالنيابة عن السيد وزير الداخلية بصفته تقرير طعن في الحكم الصادر بجلسة 31 من ديسمبر سنة 1961 من محكمة القضاء الإداري (هيئة المنازعات الخاصة بالعقود وطلبات التعويض) في الدعوى رقم 46 لسنة 14 القضائية المقامة من وزارة الداخلية ضد السيد/ سنوسي أمين أحمد الطحان الذي قضى برفض الدعوى وإلزام الوزارة المدعية المصروفات وطلب الطاعن للأسباب المبينة في تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلزام المطعون ضده بأن يدفع للسيد الطاعن بصفته مبلغ 70.258 ج والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة الرسمية حتى تمام الوفاء والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. وقد أعلن تقرير الطعن إلى المطعون عليه في 16 من إبريل سنة 1962 وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 28 من ديسمبر سنة 1963 وأبلغ الطرفان في 4 من ديسمبر سنة 1963 بميعاد هذه الجلسة. وفيها قررت الدائرة إحالة الطعن إلى الدائرة الأولى للمحكمة العليا حيث عين لنظره أمامها جلسة أول فبراير سنة 1964. وقد أبلغ الطرفان في 5 من يناير سنة 1964 بميعاد هذه الجلسة. وفيها سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن وقررت إرجاء النطق بالحكم لجلسة اليوم وفيها صدر الحكم.


"المحكمة"

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع إيضاحات ذوي الشأن وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن وزارة الداخلية أقامت الدعوى رقم 46 لسنة 14 القضائية ضد السيد/ سنوسي أمين أحمد الطحان بصحيفة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 10 من أكتوبر سنة 1959 - وقالت بياناً للدعوى أن مزاد استغلال مقصف بوليس الأزبكية وفرقة رقم "1" رسا على المدعى عليه في المدة من أول يوليه سنة 1958 إلى 30 من يونيه سنة 1959 مقابل جعل سنوي قدره 222.500 مجـ يدفع على أقساط شهرية اعتباراً من أول يوليه سنة 1958. وقد قام المدعى عليه بسداد قسط شهر يوليه سنة 1958 وجزء من قسط شهر أغسطس سنة 1958. ثم توقف عن دفع الأقساط الباقية كما توقف عن إدارة المقصف مما اضطر المحافظة إلى إلغاء العقد والترخيص باستغلال المقصف لمن يدعى حسونة عرفه شرف الدين عن المدة الباقية ولما كانت المبالغ التي استحقت على المدعى عليه نتيجة لإخلاله بشروط الترخيص قد بلغت 72.788 مجـ بخصم مبلغ 2.530 مجـ قيمة المتحصل من الحجز الإداري الموقع على أدوات المقصف الخاصة بالمتعهد المذكور يكون المستحق عليه هو مبلغ 70.258 مجـ وهو المبلغ الذي طلبت وزارة الداخلية الحكم بإلزامه بأن يدفعه لها مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي جلسة أول أكتوبر سنة 1961 أمام محكمة القضاء الإداري قدم الحاضر عن وزارة الداخلية مذكرة وقال "أن جهة الإدارة لم تلغ العقد أو تصادر التأمين إنما اشترت على الحساب فقط وأن العبارة التي وردت بالعريضة لا تطابق الواقع" وفي المذكرة أضافت الوزارة إلى الطلبات الواردة في صحيفة الدعوى طلب الحكم بإلزام المدعى عليه بأن يدفع الفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة الرسمية حتى تمام الوفاء. وبينت في هذه المذكرة أنه نتيجة لامتناع المدعى عليه عن دفع الإيجار وامتناعه عن الاستمرار في إدارة المقصف اضطرت الوزارة إلى إعادة تأجيره على حسابه ورسا المزاد على السيد/ حسونة عرفة مقابل مبلغ 99.750 عن المدة من 15 من سبتمبر سنة 1958 إلى 30 من يونيه سنة 1959 وهي المدة الباقية من العقد وأرسلت إلى المدعى عليه إنذاراً في 20 من سبتمبر سنة 1958 يتضمن تفاصيل عملية التنفيذ على حسابه كما يتضمن مطالبته بالمبلغ الناتج عن ذلك.
وقد استندت الوزارة عند اتخاذها هذا الإجراء إلى نص المادة 21 من العقد المبرم مع المدعي والدليل على أنها لم تلجأ إلى جزاء إلغاء العقد وإنما لجأت إلى التنفيذ على حساب المدعى عليه هو أنها لم تصادر التأمين وإنما خصمت قيمته من المبلغ المستحق لها وأنها إذا أغفلت سهواً في عريضة الدعوى طلب الحكم بالفوائد فإن ذلك لا يعتبر منها تجاوزاً عن هذه المطالبة لأن طلباتها بعد ذلك تضمنت الحكم بدفع المبلغ مع فوائده. وفي جلسة 31 من ديسمبر سنة 1961 قضت محكمة القضاء الإداري برفض الدعوى وإلزام الوزارة المدعية المصروفات وأقامت قضاءها على إن الثابت مما جاء بصحيفة الدعوى أن جهة الإدارة قد ألغت عقد المدعى عليه وأنه لا يجوز التنفيذ على حساب المتعاقد المقصر بعد التجاء جهة الإدارة إلى إلغاء عقده وإن كان ذلك لا يسلب الإدارة حقها في مطالبته بالتعويض عن الأضرار التي لحقتها من جراء إخلاله بتعهده. وأنه على هذا الأساس يتعين التصدي للدعوى الحالية باعتبار أن ما تطالب به جهة الإدارة هو بمثابة تعويض لها عن الأضرار التي لحقتها من جراء إخلال المدعى عليه بتعهده... ويتعين للقضاء بهذا التعويض أن يثبت الخطأ في جانب المدعى عليه. غير أن توقف المذكور بإرادته عن إدارة المقصف أمر لم يقم عليه دليل من الأوراق. كما أن جهة الإدارة لم تنبه عليه بحلول باقي الأقساط عندما تأخر في سداد الباقي من قسط شهر أغسطس سنة 1958. وكان من المحتمل في حالة مطالبته بباقي الأقساط أن يفئ إلى نفسه فيقوم بسداد باقي المستحق عليه عن هذا الشهر ثم يستمر في إدارة المرفق. وأنه لذلك لا يمكن القول بأن إلغاء العقد كان بسبب خطأ المدعى عليه بل كان إجراء خاطئاً من جانب الإدارة.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد بني على فهم حصلته المحكمة مخالفاً لما هو ثابت في أوراق الدعوى. فقد فهمت المحكمة أن الوزارة فسخت العقد، على حين أنها قامت بالتنفيذ على حساب المطعون ضده. كما يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد نفى الخطأ المنسوب إلى المطعون ضده على حين أنه إذا فرض أن العقد قد فسخ فهو فسخ على مسئولية المتعاقد وهذا النوع من الفسخ يجعل التعويض على أساس المسئولية العقدية. فيقع عبء الإثبات على المتعاقد الذي عليه أن يقيم الدليل على أنه لم يصدر منه أي خطأ. والمدعى عليه لم يبد أي دفاع. هذا فضلاً عن أن القانون يقيم بالنسبة للمسئولية العقدية قرينة قانونية قاطعة بالنسبة لخطأ المدين إذا قصر في تنفيذ الالتزام عيناً أو إذا تأخر في تنفيذه ولا يجوز للمدين دفع المسئولية عنه إلا بإثبات السبب الأجنبي ومع ذلك فقد طولب المطعون ضده بسداد المبلغ المطلوب منه ولكنه أصر على الامتناع وطالب أكثر من مرة بإلغاء العقد.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن مخازن حكمدارية بوليس القاهرة بالعباسية أخطرت المدعى عليه في 25 من يونيه سنة 1958 بأنها اعتمدت العطاء المقدم منه في مزاد استغلال مقصف قسم الأزبكية ومكتب فرقة "1" ومقداره 222.500 مجـ يدفع على أقساط شهرية متساوية مقدماً في أول كل شهر بواقع القسط الواحد 18.542 مجـ وأنه بموجب هذا الإخطار يعتبر التعاقد قد تم على ذلك. وطلبت منه من تاريخ اليوم التالي لوصول الإخطار إليه سداد القسط المستحق عن شهر يوليه سنة 1958 بداية الإيجار والحضور لمخازن الحكمدارية لتوقيع العقد على أن يكون معه ثمانية طوابع تمغة فئة الطابع الواحد منها خمسون مليماً قيمة رسم التمغة على الأوراق. وقد قام المدعى عليه بسداد قسط شهر يوليه سنة 1958 وتسلم المقصف في أول يوليه سنة 1958. وفي 12 من أغسطس سنة 1958 قدم إلى مدير مخازن حكمدارية البوليس شكوى أشار فيها إلى ارتفاع قيمة الإيجار وإلى أنه لم يتمكن من دفعه إلا بمشقة كبيرة والتمس تخفيض هذه القيمة أسوة بتخفيض إيجار المساكن وإلا فإنه على استعداد للتنازل عن استغلال المقصف وفي 13 من أغسطس سنة 1958 أرسل قسم الأزبكية إلى المخازن إشارة تليفونية يبلغها فيها أن المدعى عليه قام بدفع مبلغ 10.850 مجـ من إيجار المقصف عن شهر أغسطس سنة 1958 وعجز عن دفع الباقي وقدره 7.692 مجـ وطلب إجراء اللازم. فأجابت المخازن في نفس اليوم بتكليف القسم بسؤال المدعى عليه في تحقيق يثبت فيه عجزه مع تطبيق نصوص المادتين 11 و21 من شروط عقد الاستغلال ومع غلق المقصف والتحفظ على الأشياء الموجودة به والخاصة بالمذكور وتحرير كشف بها يرفق بأوراق التحقيق وأشارت إلى إمكان إعطاء هذا الأخير مهلة لدفع الباقي من الإيجار أقصاها يوم 15 من أغسطس سنة 1958. وفي نفس اليوم الذي وردت فيه إجابة المخازن أجري تحقيق مع المدعى عليه طلب منه فيه سداد باقي إيجار شهر أغسطس فأجاب بأنه على استعداد لدفع المبلغ الباقي بعد مهلة. ووافق على أن يكون أقصى المهلة يوم 15 من أغسطس سنة 1958. وفي 16 من أغسطس سنة 1958 أعيد التحقيق معه فأجاب بأنه دفع مبلغ 46 جنيهاً تأميناً وإيجار شهر مقدماً وطلب خصم باقي إيجار شهر أغسطس من التأمين على أن يكمل مبلغ التأمين في أول الشهر التالي وقرر أنه أرسل خطاباً موصى عليه للمخازن يطلب فيه تخفيض قيمة الإيجار أو إلغاء العقد وفي 26 من أغسطس سنة 1958 أجرى معه تحقيق آخر طلب منه قيمة سداد رسم التمغة المستحق على أوراق المزاد فقرر بأنه لا يستطيع الاستمرار في استئجار المقصف مقابل المبلغ الذي رسا عليه به المزاد وأنه قدم عدة طلبات لتخفيض الإيجار وأنه إذا كانت المخازن لا تقبل التخفيض فهو "مستغن عن البوفيه" وأنه يسدد رسم التمغة إلا إذا قبلت المخازن التخفيض. وفي 28 من أغسطس سنة 1958 وقع إقراراً كتابياً يقر فيه بعلمه بإجابة المخازن على التماسه بتخفيض الإيجار أسوة بتخفيض إيجار المسكن وهي التي تتضمن أنه بأخذ رأي مجلس الدولة في موضوع مماثل أفتى بأن القانون رقم 55 لسنة 1958 الخاص بتخفيض إيجار المساكن لا يسري على عقود استغلال المقاصف بأقسام ووحدات البوليس وفي أول سبتمبر سنة 1958 أرسلت المخازن إلى قسم الأزبكية إشارة تليفونية لتحصيل باقي إيجار شهر أغسطس في اليوم ذاته من المدعى عليه وطلبت في حالة عدم قيامه بالسداد غلق المقصف والتحفظ على محتوياته وإجراء جرد رسمي بخصوصه. وقد حرر محضر في نفس اليوم سئل فيه المذكور عن السبب في عدم قيامه بسداد المتأخر من إيجار شهر أغسطس فأجاب بأنه ليست لديه نقود وأنه من الممكن خصم المطلوب منه من مبلغ التأمين وإلغاء العقد وعلى هذا انتقل محرر المحضر إلى المقصف وقام بجرد محتوياته وأغلقه ووضع عليه الأختام. وفي اليوم ذاته أيضاً أبلغت المخازن وقائع الموضوع إلى مفتش الضبط وطلبت النظر في إلغاء عقد الإيجار وإعادة تأجير المقصف على حساب المتعهد المتخلف عن المدة الباقية من العقد والرجوع عليه بفرق السعر إن وجد وكذا بجميع التعويضات المترتبة على ذلك. فاتخذت الإجراءات لإعادة تأجير المقصف على حساب المدعى عليه عن المدة الباقية من العقد وأجريت مزادات في 6 و11 و14 من سبتمبر سنة 1958 وأخيراً رسا المزاد، على السيد/ حسونة عرفه بجعل قدره 99.750 مجـ عن المدة من 15 من سبتمبر سنة 1958 إلى 30 من يونيه سنة 1959. وفي 20 من سبتمبر سنة 1958 أرسلت المخازن إنذاراً إلى المدعى عليه بينت له فيه أنه توقف عن سداد قسم شهر أغسطس سنة 1958 وعن إدارة المقصف الأمر الذي اضطرها إلى إعمال البند 21 من شروط العقد وإعادة تأجير المقصف على حسابه وأنه استحق عليه نتيجة لذلك مبلغ 83.238 مجـ وأنذرته بأنه إذا لم يقم بسداد هذا المبلغ في خلال خمسة عشر يوماً فستضطر إلى اتخاذ الإجراءات القانونية للحصول عليه.
ومن حيث إنه يبدو واضحاً مما تقدم أن الإدارة نبهت على المدعى عليه بالوفاء بما استحق عليه من قسط شهر أغسطس سنة 1958 وأمهلته في الوفاء بهذا الالتزام المرة بعد الأخرى. ثم كلفته تكليفاً جازماً بالتنفيذ. بيد أنه لم يبد في كل مرة إلا إصراراً على الامتناع عن التنفيذ وإلحاحاً في طلب إلغاء العقد. وهذا الموقف الذي ثبت أن المدعى عليه قد اتخذه إزاء التزاماته العقدية لا شك أنه موقف ظاهر التعنت يحمل البرهان القاطع على تقصيره في التنفيذ تقصيراً جسيماً، ويكشف عن عدم كفايته وعجزه عن الانتظام في استغلال المقصف فلا جرم إن استشعرت الإدارة الخطر من استمرار بقائه فيه. ولجأت تأميناً لسير المقصف إلى أن توقع عليه الجزاءات العقدية. فأحلت غيره محله على حسابه وتحت مسئوليته. وهو ما تملكه الإدارة - بحسب أصول الروابط الإدارية العقدية - إزاء المتعاقد معها إذا بلغ إخلاله بالتزاماته مبلغ الخطأ الجسيم. حتى ولو لم يكن ثمة نص في العقد على ذلك.
ومن حيث إنه ولئن كان من المسلمات أن إحلال الإدارة شخصاً آخر محل المتعاقد الذي قصر في تنفيذ التزاماته تقصيراً جسيماً لا ينهي العقد بالنسبة للمتعاقد المقصر وأنه من ثم لا يكون مقبولاً قانوناً أن تلجأ الإدارة إلى توقيع الجزاءين معاً على المتعاقد المقصر، جزاء التنفيذ على حسابه وجزاء إنهاء العقد، إلا أنه أيضاً من المسلمات أن استخلاص إرادة الإدارة في هذا الصدد - وإرادتها المنفردة هي المرجع وحدها في تعيين أي جزاء استهدفت به تأمين سير المرفق من الجزاءات التي يبيحها لها العقد أو القانون أو العرف الإداري - أن استخلاص إرادة الإدارة في هذا الشأن لا ينبغي أن يقف عند المعنى الحرفي للألفاظ. بل يجب أن يعتد فيه بالآثار التي رتبتها الإدارة على تصرفها للكشف عما قصدت في الحقيقة أن توقعه من جزاء.
ومن حيث إنه يبدو واضحاً مما سلف إيراده من الوقائع أن مخازن حكمدارية بوليس القاهرة ولئن كانت قد عبرت عن تصرفها في بعض الأوراق بعبارة إلغاء العقد وإعادة تأجير المقصف على حساب المدعى عليه، إلا أنها: أولاً - قرنت هذه العبارة بعبارة الرجوع عليه بفرق السعر وهو الأثر المترتب على التنفيذ على حسابه. ولم تشر على مصادرة التأمين وهو الأثر المترتب على إلغاء العقد. وواقع الحال أن المخازن إنما قصدت بعبارة إلغاء العقد حجب المدعى عليه عن المقصف حتى يتسنى لها إحلال آخر محله - ثانياً - بينت المخازن في إنذارها للمدعى عليه كما بينت الوزارة في جميع مراحل الدعوى الراهنة مفردات المبالغ المطالب بها المذكور فلم تخرج هذه المفردات عن الآثار التي تترتب على التنفيذ على حسابه من فرق سعر وجعل متأخر ومصاريف إدارية ورسوم تمغة دون الآثار التي تترتب على إلغاء العقد إذ هي لم تصادر التأمين وإنما خصمته من جملة مفردات المبالغ المطالب بها - وما دامت الإدارة في هذه الحالة لم تجمع بين الآثار التي تترتب على التنفيذ على حساب المدعى عليه والآثار التي تترتب على إلغاء العقد، وإنما اجتزأت بالآثار التي تترتب على التنفيذ على حساب هذا الأخير وتمسكت بأنها لم توقع عليه سوى جزاء التنفيذ على حسابه. فلا تثريب عليها في ذلك. ويعتبر الجزاء الموقع على المدعى عليه هو جزاء التنفيذ على حسابه دون جزاء إلغاء العقد وهو ما أفصحت عنه بجلسة أول أكتوبر سنة 1961 وما أكدته في عريضة طعنها.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن تصرف الإدارة إزاء المدعى عليه هو تصرف مشروع ينبني عليه استحقاقها قبله فرق السعر والجعل المتأخر والمصاريف الإدارية ورسوم التمغة. والمبالغ التي عينتها الوزارة لهذه المفردات مبالغ صحيحة وهي قد خصمت من جملتها مبلغ التأمين وقيمة المتحصل من بيع الأدوات الخاصة بالمدعى عليه. ومن ثم فهي على حق في الدعوى. وإذا أخذ الحكم المطعون فيه بغير هذا النظر فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله. ويتعين القضاء بإلغائه وبإلزام المدعى عليه بأن يدفع للوزارة المدعية مبلغ 70.258 مجـ والفوائد القانونية عن هذا المبلغ بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية بها في أول أكتوبر سنة 1961 - تاريخ التقدم بالمطالبة بها لأول مرة أمام محكمة القضاء الإداري، إذ جاءت صحيفة الدعوى خالية من هذه المطالبة وذلك حتى تمام الوفاء مع إلزام المدعى عليه بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإلزام المدعى عليه سنوسي أمين أحمد الطحان بأن يدفع لوزارة الداخلية المدعية مبلغ 70.258 مجـ (سبعين جنيهاً مصرياً ومأتين وثمانية وخمسين مليماً) وفوائده القانونية بواقع 4% (أربعة في المائة) سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في أول أكتوبر سنة 1961 في تمام الوفاء، وألزمت المدعى عليه بالمصروفات.