مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة العشرون (من أول أكتوبر سنة 1974 إلى آخر سبتمبر سنة 1975) - صـ 61

(21)
جلسة 15 من ديسمبر سنة 1974

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ حسنين رفعت نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ مصطفى كمال إبراهيم، ومحمد فهمي طاهر، ومحيي الدين طاهر، ويوسف شلبي يوسف المستشارين.

القضية رقم 395 لسنة 16 القضائية

عاملون مدنيون بالدولة - نقل - ترقية - قرار إداري - انعدام القرار الإداري.
المعول عليه قانوناً في تحديد تبعية موظف ما إلى جهة إدارية معينة هو بما يصدر في شأنه من قرارات إدارية يتحدد بمقتضاها مركزه القانوني - صدور قرار إداري بنقل موظف واستمراره مع ذلك في العمل بالجهة المنقول منها وعدم تسلمه العمل بالجهة المنقول إليها ثم صدور قرار إداري من الجهة الأولى بإلغاء نقله لا يمنع من اعتباره منقولاً من التاريخ الذي حدده القرار الصادر بنقله وحتى إلغاء النقل - نتيجة ذلك أنه لا يكون لهذا الموظف أصل حق في الترقية بالجهة التي نقل منها خلال فترة النقل ويكون القرار الإداري الصادر بعد إلغاء النقل بترقيته اعتباراً من تاريخ حركة الترقيات التي تمت بالجهة المنقول منها خلال فترة النقل قرار صادراً من غير مختص مما يعتبر غصباً للسلطة ينحدر بالقرار إلى درجة الانعدام.
إن الثابت من الأوراق أن مجلس الوزراء قد وافق بجلسته المنعقدة في 30 من يناير سنة 1947 على إلغاء 96 وظيفة من مشروع ميزانية التموين بوزارة التجارة والصناعة، لأن شاغليها أصبحوا زائدين عن الحاجة، ولذلك يتم توزيعهم على الوزارات والمصالح التي في حاجة إلى وظائف جديدة، سداً للنقص في عدد موظفيها، ولذلك وافق المجلس بعد ذلك في 11 من مايو سنة 1947 على مذكرة اللجنة المالية التي رأت فيها نقل 66 وظيفة من الوظائف سالفة الذكر إلى وزارة العدل منها تسعة من الدرجة السادسة، وتنفيذاً لهذا القرار أصدر السيد وكيل وزارة التجارة والصناعة لشئون التموين الأمر الإداري رقم 496 لسنة 1947 بنقل الطاعن وآخرين إلى وزارة العدل اعتباراً من أول مايو سنة 1947، ونص على أن "يخلى كل منهم من عمله اعتباراً من 31 أكتوبر سنة 1947 ليتسلم عمله الجديد بالجهة المنقول إليها اعتباراً من أول نوفمبر سنة 1947، وتعتبر المدة من أول مايو سنة 1947 حتى 31 أكتوبر سنة 1947 بصفة انتداب بالتموين، وتخصم بماهياتهم عن المدة من أول مايو سنة 1947 حتى تاريخ إلغاء ندبهم على الوزارات المنقولين إليها" وفي هذه الأثناء كان الطاعن موقوفاً عن عمله اعتباراً من أول مارس سنة 1947 بمقتضى قرار وزير التجارة والصناعة لشئون التموين، رقم 126 لسنة 1947 الصادر في 10 من مارس سنة 1947، أي أن قرار نقله من هذه الوزارة صدر وهو موقوف عن عمله، بتاريخ 29 من ديسمبر سنة 1947 أصدر السيد وكيل الوزارة المذكورة الأمر الإداري رقم 592 لسنة 1947 برفع إيقافه وإعادته إلى العمل اعتباراً من 24 من ديسمبر سنة 1947 وتنفيذاً لذلك قام الطاعن بتسلمه العمل بمراقبة تموين القاهرة، ولما طلب السيد سكرتير عام الوزارة إخلاء طرفه لينقله إلى وزارة العدل (مكتب خبراء البحيرة) رد السيد مراقب تموين القاهرة على ذلك بالكتاب رقم 832 المؤرخ 2 من مايو سنة 1948 بأن المراقبة سبق أن أخطرت الوزارة في 31 من مارس سنة 1947 "بأن حالة العمل بالمراقبة لا تجعل من اليسير الاستغناء عن خدماته" كما أخطرتها في 25 من إبريل سنة 1948 بالموافقة على إلغاء نقله وترشيح أحد موظفي الوزارة بدلاً منه، واستجابة لذلك أصدر السيد وكيل الوزارة في 19 من مايو سنة 1948 الأمر الإداري رقم 282 لسنة 48 بإلغاء نقل الطاعن إلى وزارة العدل اعتباراً من أول مايو سنة 1948، وأشار هذا الأمر في ديباجته إلى قرار نقله وكتاب مراقب التموين سالف الذكر، كما أصدر السيد وزير العدل في 10 من يونيه سنة 1948 قراراً برفع اسم الطاعن من سجل قيد أسماء موظفي ومستخدمي القسم الجنائي بالمحاكم الوطنية اعتباراً من أول مايو سنة 1948 ونص في هذا القرار على أن يخصم بماهيته على ميزانية القسم المذكور حتى 30 من إبريل سنة 1948.
ومن حيث إنه يستفاد مما تقدم أن الطاعن قد نقل من وزارة التجارة والصناعة (شئون التموين) إلى وزارة العدل اعتباراً من أول مايو سنة 1947، وذلك إعمالاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 11 من مايو سنة 1947، وبذلك تكون قد انتهت علاقته بالوزارة المنقول منها وانقطعت قانوناً صلته بها، وعلى ذلك فإنه في المدة من أول مايو سنة 1947 (تاريخ نقله) حتى أول مايو سنة 1948 (تاريخ إلغاء نقله) لم يكن من عداد موظفي هذه الوزارة، وإذا كان خلال هذه الفترة قد صدر القرار المطعون فيه في 10 من أغسطس سنة 1947، أي في وقت كان يعتبر تابعاً لوزارة العدل، فإنه لم يكن له إذن أصل حق في الترقية بالقرار المذكور، ومن ثم لا يكون صحيحاً ما نعاه على هذا القرار بتخطيه في الترقية إلى الدرجة الخامسة، وبالتالي تكون دعواه غير قائمة على أساس سليم.
ومن حيث إنه لا وجه بعد ذلك لما يستند إليه الطاعن من أن القرار المطعون فيه وقد نص على إرجاع أقدمية من شملتهم حركة الترقية المطعون فيها إلى أول مايو سنة 1946، أي في وقت كان لا يزال موظفاً بوزارة التجارة والصناعة (التموين) ومن ثم كان يصيبه الدور في هذه الترقية - لا وجه لذلك إذ العبرة في تحديد الوقت الذي يتولد فيه المركز القانوني الناشئ عن القرار الإداري الذي يصدر بالترقية إنما هو بتاريخ صدور هذا القرار من جميع نواحيه بما في ذلك تحديد أقدمية معينة وفقاً لقاعدة قانونية صادرة في هذا الشأن، وبأن يكون للموظف أصل حق في هذه الترقية بالمقارنة بزملائه بالجهة التابع لها، ذلك أن الأصل في القرارات الإدارية أن تسري بأثر حال مباشر، وأن ما يترتب على هذه القرارات من آثار إنما تتحدد وفق القانون، ومن ثم فإنه حتى يتسنى ترقية الطاعن بالقرار المطعون فيه وإرجاع أقدميته إلى أول مايو سنة 1946 لا بد وأن يكون تابعاً أصلاً لوزارة التجارة والصناعة (التموين) التي أصدرت هذا القرار، الأمر غير المتوافر بالنسبة للطاعن لأنه كان قد نقل إلى وزارة العدل.
ومن حيث إنه لا اعتداد أيضاً لما يثيره الطاعن من أن نقله إلى وزارة العدل كان نقلاً صورياً تأسيساً على أنه كان مستمراً فعلاً في عمله بوزارة التجارة والصناعة (التموين) رغم هذا النقل لأنه فضلاً عن أنه - وقت صدور القرار المطعون فيه - كان موقوفاً عن العمل ولذلك لم يباشر أي عمل في أي من الوزارتين المذكورتين - وذلك على النحو الذي سلفت الإشارة إليه - فإن عدم تسلمه العمل بوزارة العدل عقب إنهاء وقفه من 24 من ديسمبر سنة 1947، ومباشرته العمل بمراقبة تموين القاهرة لا يؤثر في تبعيته قانوناً لوزارة العدل المنقول إليها، لأن استئنافه العمل بهذه المراقبة كان بالمخالفة لقرار نقله، ولذلك طلبت الوزارة إخلاء طرفه منها نظراً لنقله إلى وزارة العدل، ولا يجوز للطاعن إذن أن يفيد من هذا الوضع ليتخذ منه سنداً له في ادعائه الاستمرار في خدمة وزارة التجارة والصناعة (التموين) المنقول منها، إذ المعول عليه قانوناً في تحديد تبعية موظف ما إلى جهة إدارية معينة هو ما يصدر في شأنه من قرارات إدارية يتحدد بمقتضاها مركزه القانوني.
ومن حيث إن وزارة التجارة والصناعة (التموين) ولئن منحت الطاعن علاوته التكميلية اعتباراً من أول مايو سنة 1947 وصرفت مرتبه عن مدة وقفه عن العمل من أول مارس حتى 28 من ديسمبر سنة 1947 المعلى بالأمانات، فإن ذلك لا ينهض دليلاً على استمرار تبعيته لهذه الوزارة رغم نقله منها إلى وزارة العدل، إذ الثابت أن ذلك قد تم بموجب الأمر الإداري رقم 438 لسنة 1948 الصادر في أول سبتمبر سنة 1948، أي في وقت كان الطاعن قد أصبح تابعاً لوزارته الأولى بعد إلغاء نقله، كما أن هذا القرار قد صدر تنفيذاً لفتوى إدارة الرأي المختصة بمجلس الدولة الصادرة في 22 من أغسطس سنة 1948 التي رأت فيها أحقيته في العلاوة والمرتب، وذلك بعد أن ثبت لديها بطلان وقفه عن العمل الذي سبق صدوره بقرار منها لعدم صحة ما نسب إليه من تزوير في أذون السكر بمراقبة تموين القاهرة، يضاف إلى ذلك بالنسبة للعلاوة التكميلية أنه صادف ميعاد استحقاقها للطاعن - وهو أول مايو سنة 1947 - إن كان أيضاً هو ذات التاريخ الذي اعتبر فيه منقولاً إلى وزارة العدل، ويلتمس لها العذر في ذلك لأن قرار مجلس الوزراء الذي تم النقل تنفيذاً له قد صدر في 11 من مايو سنة 1947 أي في تاريخ لاحق لتاريخ حلول ميعاد هذه العلاوة، كما اعتبر في الفترة من أول مايو حتى 31 من أكتوبر سنة 1947 منتدباً بالتموين، وأن من المسلم أن ندب الموظف لا يقطع صلته بالجهة الأصلية التابع لها، وهي بالنسبة للطاعن في هذه الحالة كانت وزارة العدل - وبالنسبة لصرف مرتبه عن مدة الوقف، ومنها الفترة التي اعتبر فيها منقولاً إلى وزارة العدل فإن هذا الصرف الخاطئ عن هذه الفترة - وهو عمل مادي - لا يؤثر في مركزه القانوني الذي تحدد له بموجب القرار الإداري الصادر بنقله إلى وزارة العدل، وقد تم تصحيح هذا الخطأ فعلاً بصدور قرار الوزارة الأخيرة في 10 من يونيه سنة 1948 والذي قضى بتحملها مرتبه عن المدة من أول مايو سنة 1947 (تاريخ نقله إليها) حتى أول مايو سنة 1948 (تاريخ إلغاء نقله منها)، وأن الأمر على هذا النحو لا يعدو في الحقيقة أن يكون مجرد تحديد للمصرف المالي لمرتب الطاعن عن هذه المدة وما يترتب على ذلك من إجراء تسوية مالية بين كل من الوزارتين المذكورتين.
ومن حيث إن السيد مفوض الدولة لهذه المحكمة قد ذكر في تقريره عن الطعن الحالي أن ثمة قراراً إدارياً قد صدر من وزير التموين بترقية الطاعن إلى الدرجة الخامسة حين وافق على 9 من سبتمبر سنة 1964 على ما ارتآه مفوض الدولة لوزارة التموين لصالح المتظلم (وهو الطاعن) عند نظر تظلمه من القرار المطعون فيه، وأنه وإن كان المفوض قد عدل عن رأيه بعد ذلك في 21 من يناير سنة 1965 حينما عرضت عليه المراقبة العامة للمستخدمين بهذه الوزارة بيانات جديدة متعلقة بنقله منها إلى وزارة العدل قبل إجراء حركة الترقيات المطعون فيها وانتهى المفوض لذلك إلى رفض التظلم ثم وافق السيد الوزير على هذا الرفض في 10 من فبراير سنة 1965، وأنه إذا كان هذا العدول يعتبر سحباً لقراره الأول إلا أنه قد جاء بعد أكثر من ستين يوماً من صدور هذا القرار، أي بعد أن أصبح حصيناً من الإلغاء أو السحب ولا يجوز المساس به.
ومن حيث إنه عما أثير من ناحية تحصن قرار ترقية الطاعن في الدرجة الخامسة - على النحو السالف بيانه - فإنه حسبما انتهت إليه هذه المحكمة فيما سبق من أن الطاعن وقت إجراء حركة الترقية المطعون فيها لم يكن قانوناً من عداد موظفي وزارة التجارة والصناعة (التموين)، فإن السيد الوزير لا يملك قانوناً ترقيته من تاريخ هذه الحركة، وأن قراره المعول بصدوره في 9 من سبتمبر سنة 1964 تاريخ موافقته الأولى على ما انتهى إليه مفوض الوزارة لصالحه يكون قد صدر من غير مختص، وبالتالي فإن هذا القرار يكون مشوباً بعيب عدم الاختصاص، وهذا العيب الذي اعتور هذا القرار هو من الجسامة بحيث يعتبر من قبيل غصب السلطة، أي اعتداء على سلطة وزير العدل الذي كان الطاعن تابعاً له آنذاك، وهو ليس مجرد عيب عادي وبسيط من عيوب عدم الاختصاص التي تؤدي فقط إلى بطلان القرار واعتباره قائماً قانوناً إلى أن يقضي بإلغائه، بل أن هذا العيب ينزل بالقرار وينحدر به إلى درجة الانعدام، إذ يجرده من طابع القرارات الإدارية ويجعل منه مجرد عمل مادي عديم الأثر قانوناً، فيعتبر كأن لم يكن، ومن ثم لا يتمتع بأية حصانة، ولا يزول انعدامه بفوات ميعاد الطعن فيه، لأنه عدم والعدم لا يقوم والساقط لا يعود، الأمر الذي من أجله يجوز الرجوع فيه وسحبه في أي وقت دون التقيد بميعاد معين.