مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الثاني (من أول فبراير 1964 إلى آخر مايو 1964) - صـ 888

(75)
جلسة 28 من مارس سنة 1964

برئاسة السيد/ مصطفى كامل إسماعيل وكيل المجلس، وعضوية السادة: حسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضية رقم 24 لسنة 8 القضائية والقضية 452 لسنة 9 القضائية

( أ ) أجانب - إقامة خاصة - تجديدها - تمييز القانون رقم 89 لسنة 1960 فئة الأجانب ذوي الإقامة الخاصة - اعتبار إقامتهم في البلاد في حكم الإقامة الممتدة - أساس ذلك: هو أن الترخيص بالإقامة لهم وبتحديدها يتم بقوة القانون، دون أن يكون للإدارة سلطة تقديرية في هذا الشأن - رفض الترخيص بالإقامة أو تجديدها إذا ما توافرت حالة من الحالات المنصوص عليها في المادة 26 من هذا القانون - مشروط بعرض أمر إبعادهم على اللجنة المشار إليها في المادة 29، ووجوب موافقتها على ذلك.
(ب) أجانب - إبعادهم – هو حق مقرر للدولة، ولها سلطة تقديرية لمبرراته - تفيدها بحسن استعمال هذا الحق، بقيام الإبعاد على أسباب جدية، يقتضيها الصالح العام في حدود القانون.
(جـ) أجانب - إبعاد - مدى رقابة القضاء الإداري على قرار الإبعاد - وقوف هذه الرقابة عند حد المشروعية أو عدمها في نطاق الرقابة الإدارية - أساس ذلك وأثره - ليس للقضاء وزن مناسبات قرار الإبعاد أو التدخل في تقدير خطورة سببه - دخول ذلك في نطاق الملاءمة التقديرية للإدارة بغير معقب عليها ما دام قرارها قد خلا من إساءة استعمال السلطة ومن مخالفة القانون.
1) أن قرار السيد رئيس الجمهورية بالقانون رقم (79) لسنة 1960 في شأن دخول وإقامة الأجانب، بأراضي الجمهورية العربية المتحدة والخروج منها، المنشور بالجريدة الرسمية في 24 من مارس سنة 1960 بالعدد رقم 71 قد أفرد الباب الثالث منه لأحكام تراخيص الإقامة. وقد نصت المادة السادسة عشر منه على أنه يجب على كل أجنبي أن يكون حاصلاً على ترخيص في الإقامة وعليه أن يغادر أراضي الجمهورية العربية المتحدة عند انتهاء مدة إقامته، ما لم يكن قد حصل قبل ذلك على ترخيص من وزارة الداخلية في مد إقامته. وقسمت المادة 17 منه الأجانب من حيث الإقامة إلى ثلاث فئات: -
(1) أجانب ذوي إقامة خاصة.
(2) أجانب ذوي إقامة عادية.
(3) أجانب ذوي مؤقتة.
وحددت المادة 18 منه فئات الأجانب ذوي الإقامة الخاصة، وهي خمس فئات. وجاء في الفقرة السابعة من هذه المادة ما يأتي: (ويرخص لأفراد هذه الفئة في الإقامة مدة عشرة سنوات تتجدد عند الطلب، وذلك ما لم يكونوا في إحدى الحالات المنصوص عليها في المادة (26) وواضح أن المشرع قد ميز فئة معينة من الأجانب (ذوي الإقامة الخاصة) نظراً لتوطد الصلة بينهم وبين الجماعة الوطنية، وارتباطهم بها مادياً أو معنوياً وهؤلاء هم الفلسطينيون، والأجانب الذين ولدوا في الإقليم المصري قبل تاريخ نشر المرسوم بقانون رقم (74) لسنة 1952، والأجانب الذين مضى على إقامتهم في الإقليم المصري عشرون سنة سابقة على تاريخ نشر المرسوم بقانون رقم (74) لسنة 1952 والأجانب الذين مضى على إقامتهم أكثر من خمس سنوات كانت تتجدد بانتظام، والعلماء ورجال الأدب والفن والصناعة والاقتصاد وغيرهم ممن يؤدون خدمات جليلة للبلاد) فرخص لهم في الإقامة مدة عشر سنوات بحكم القانون. كذلك قرر أن يكون تجديد هذه المدة وجوبياً لمدة عشر سنوات أخرى بمجرد الطلب، وذلك فيما عدا الحالات التي يتحقق فيها بالنسبة لهؤلاء الأجانب سبب من أسباب الإبعاد. ومن ثم يتضح أن إقامة الأجانب المنتمين إلى هذه الفئة - وهي الإقامة الخاصة - هي في الواقع من قبيل الإقامة الممتدة، لأن الترخيص بالإقامة وتجديدها يتم بقوة القانون دون أن يكون للإدارة سلطة تقديرية في هذا الشأن. وإنما للسلطة التنفيذية إن ترفض الترخيص بالإقامة أو تجديدها إذا ما توفرت حالة من حالات المادة (26). وهذه المادة لا تسمح بإبعاد الأجنبي ذي الإقامة الخاصة بمجرد وجوده في إحدى حالات الإبعاد المنصوص عليها منها، وإنما تتطلب فضلاً عن ذلك عرض الأمر على لجنة تشكل خصيصاً لهذا الغرض مع مراعاة موافقة هذه اللجنة. وقد جاء الباب الرابع من القانون رقم 89 لسنة 1960 خاصاً بالإبعاد. وتنص المادة (25) منه على أن لوزير الداخلية بقرار منه إبعاد الأجانب. وتجري المادة (26) بما يأتي: - (لا يجوز إبعاد الأجنبي من ذوي الإقامة الخاصة إلا إذا كان في وجوده ما يهدد أمن الدولة أو سلامتها في الداخل أو في الخارج أو اقتصادها القومي أو الصحة العمومية، أو الآداب العامة أو السكينة العامة أو كان عالة على الدولة وبعد عرض الأمر على اللجنة المنصوص عليها في المادة (29) وموافقتها).
وتشكل لجنة الإبعاد هذه من وكيل وزارة الداخلية رئيساً، ومن رئيس إدارة الفتوى والتشريع لوزارة الداخلية بمجلس الدولة، ورئيس إدارة الفتوى والتشريع لوزارة الخارجية بمجلس الدولة، ومدير عام مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية، ومدير إدارة القنصليات بوزارة الخارجية، ومندوب عن مصلحة الأمن العام أعضاء. وتبدي اللجنة رأيها في أمر الإبعاد على وجه السرعة. وجاء في المذكرة الإيضاحية لهذا القانون عن الإقامة الخاصة أنه قد روعي فيها احترام الحقوق المكتسبة. وأن قواعد تنظيم إبعاد الأجانب قصرت التمتع بعرض حالات الإبعاد على اللجنة الاستشارية على الأجانب ذي الإقامة الخاصة فقط. وظاهر من نص المادة (26) أن المشرع خص فئة الأجانب من ذوي الإقامة الخاصة بامتياز مقصود إذ علق إبعادهم دون غيرهم من الأجانب على توافر أحد الأسباب الواردة بصلب المادة (26). وغني عن القول أن هذه الأسباب هي من المرونة بحيث يمكن أن تتدرج تحتها كافة المبررات المتصورة بالنسبة للإبعاد وهذا الضمان يضاف إلى الضمان الذي قرره المشرع للأجانب من ذوي الإقامة الخاصة وهو اشتراط.. عرض أمر إبعادهم على اللجنة المشار إليها في المادة 29 ووجوب موافقة هذه اللجنة ولا شك أن في تعليق إبعاد ذوي الإقامة الخاصة على موافقة لجنة تضم عناصر قانونية وقضائية لكفيل بجعل الإبعاد بعيداً عن الأهواء والتسرع. وقد كان التشريع السابق المرسوم بقانون رقم 74 لسنة 1952 يقتصر في هذا الصدد على اشتراط أخذ رأي اللجنة السالف ذكرها دون أن يستلزم موافقتها.
إنه من المبادئ المقررة أن للدولة حق إبعاد من ترى إبعاده من الأجانب غير المرغوب في بقائهم وفقاً لخطرهم، وتأميناً لسلامتها، وصيانة لكيانها شعباً ومجتمعاً من كل ما يضره. كما أن للدولة الحق في تقدير ما يعتبر ضاراً بشئونها الداخلية والخارجية وما لا يعتبر كذلك، ولها حق اتخاذ الإجراءات المناسبة لكل مقام في حدود الواجبات الإنسانية، وما تعورف عليه دولياً، ولها سلطة تقديرية لمبررات الإبعاد ولا يرد على هذا الحق إلا قيد حسن استعماله بحيث يكون الإبعاد قائماً على أسباب جدية يقتضيها الصالح العام في حدود القانون.
3) ليس للقضاء الإداري، في حدود رقابته القانونية أن يتطرق إلى بحث ملاءمة الإبعاد الذي كشفت جهة الإدارة عن سببه، أو أن يتدخل في تقدير خطورة هذا السبب، ومدى ما يمكن ترتيبه عليه من آثار بإحلال نفسه محل وزارة الداخلية فيما هو متروك لتقديرها ووزنها. بل إن وزارة الداخلية حرة في تقدير أهمية الحالة والخطورة الناجمة عنها والأثر الذي يناسبها ولأهميته للقضاء الإداري على ما تكون منه عقيدتها واقتناعها في شيء من هذا، ذلك أن نشاط هذا القضاء في وزنه لقرارات الإبعاد ينبغي أن يقف عند حد المشروعية أو عدمها في نطاق الرقابة الإدارية فلا يجاوزها إلى وزن مناسبات قرار الإبعاد أو مدى خطورتها مما يدخل في نطاق الملاءمة التقديرية التي تملكها الإدارة وتنفرد بها بغير معقب عليها فيها ما دام قرارها قد خلا من إساءة استعمال السلطة ومن مخالفة القانون.


إجراءات الطعن

في 23 من نوفمبر سنة 1961 أودع الأستاذ محامي الحكومة سكرتيرية المحكمة (أولاً): تقرير طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم (24) لسنة 8 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري - هيئة منازعات الأفراد والهيئات - بجلسة 26 من سبتمبر سنة 1961 في طلب وقف التنفيذ في الدعوى رقم (1048) لسنة 15 القضائية المقامة من الأستاذ/ ليونيل موسى زرماتي المحامي ضد السيد وزير الداخلية والسيد مدير عام مصلحة الجوازات والجنسية، الذي قضى: (بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه) وطلب السيد الأستاذ محامي الحكومة للأسباب التي استند إليها في تقرير طعنه أن تقرر دائرة فحص الطعون (1) وقف تنفيذ هذا الحكم لحين الفصل في الطعن من المحكمة الإدارية العليا. (2) ثم إحالة الطعن إلى هذه المحكمة لتقضي بقبوله شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض دعوى المطعون عليه مع إلزامه بمصرفات هذا الطلب. وقد أعلن هذا الطعن في 28 من نوفمبر سنة 1961 إلى الخصم بمكتب الأستاذ المحامي عنه.
ثم في 14 من مارس سنة 1963 عاد الأستاذ محامي الحكومة فأودع سكرتيرية المحكمة (ثانياً) تقرير طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم (452) لسنة 9 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري ذاتها بجلسة 15 من يناير سنة 1963 في موضوع تلك الدعوى المقامة من نفس المدعي ضد ذات المدعى عليهما والذي قضى: (بإلغاء قرار وزير الداخلية رقم (10) مركزي الصادر في 8 من أغسطس سنة 1961 بإبعاد المدعي وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ 500 قرش مقابل الأتعاب). وطلب السيد محامي الحكومة للأسباب التي استند إليها في تقرير طعنه الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض دعوى المطعون عليه مع إلزامه بالمصروفات ومقابل الأتعاب. وقد أعلن هذا الطعن الثاني في أول إبريل سنة 1963 إلى المطعون عليه. وقد عين لنظر الطعنين معاً أمام دائرة فحص الطعون جلسة 11 من يناير سنة 1963 وفيها قررت الدائرة وقف تنفيذ الحكم الأول القاضي بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، كما قررت ضم كل من الطعنين إلى الآخر وإحالتها معاً إلى المحكمة الإدارية العليا للمرافعة بجلسة 22 من فبراير سنة 1964. وقد أخطر الأستاذ محامي المطعون عليه في 2 من فبراير سنة 1964 بميعاد جلسة المرافعة. وفيها سمعت هذه المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة. ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعنين معاً إلى جلسة اليوم مع الترخيص في تقديم مذكرات ومستندات. وفي 23 من مارس سنة 1964 قدم الأستاذ الوكيل عن المطعون عليه مذكرة بدفاعه انتهى فيها إلى طلب الحكم برفض الطعنين وإلزام الطاعنين بالمصروفات، وأرفق بهذه المذكرة حافظة تضم جواز سفر صادر من المملكة التونسية في 22 من ديسمبر سنة 1956 إلى السيد ليونيل موسى زرماتي المحامي وهذا الجواز صالح للاستعمال حتى 19 من ديسمبر سنة 1963 وثابت به أن صاحبه مكلف بالسفر، وأنه منح مهلة لمغادرة البلاد حتى 30 من سبتمبر سنة 1961 ثم أوقف تنفيذ قرار إبعاده مؤقتاً بتاريخ 28 من سبتمبر سنة 1961.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد
المداولة.
من حيث إن الطعنين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من أوراق الطعنين المضمومين تتحصل في أن المطعون عليه، الأستاذ/ ليونيل موسى زرماتي المحامي أقام الدعوى رقم (1048) لسنة 15 القضائية ضد وزارة الداخلية، ومصلحة الجوازات والجنسية بعريضة أودعها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري - هيئة منازعات الأفراد والهيئات في 20 من أغسطس سنة 1961 طالباً الحكم أولاً: وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار وزير الداخلية الذي أخطر به في 17 من أغسطس سنة 1961 بإبعاده من هذه الديار. وثانياً: في الموضوع بإلغاء هذا القرار مع إلزام الحكومة بالمصروفات. وقال شرحاً لدعواه أنه في 17 من أغسطس سنة 1961 توجه إلى إدارة المباحث بمصلحة الجوازات بناء على طلبها حيث أبلغ أن قراراً وزارياً صدر من السيد وزير الداخلية بإبعاده عن البلاد خلال ثمان وأربعين ساعة. وأنه لما تحرى عن سبب صدور هذا القرار على أنه وليد وشاية كاذبة وفرية مفضوحة بأنه، وهو المحامي القديم وصاحب الثروة المنحدرة إليه من والديه، يتاجر في المخدرات، وأضاف أنه ذو إقامة خاصة تنتهي في عام 1964 وله نشاط طويل طيب مشرف في المحاماة وفي عضوية مجالس إدارة شركات عديدة مما يدل على أنه ليس بالعنصر الخامل أو الضار ولكنه عضو عامل نافع في المجتمع المصري الذي يعيش فيه، والذي احتواه وأسرته منذ عشرات السنين. كما أنه لم يكن في يوم من الأيام محل شبهة في سلوكه العام أو الخاص أو محل تحر أو تحقيق لأمر يشينه أو يدينه، الأمر الذي يشهد بأنه ضحية نمائم وضيعة لا تصلح سنداً لمثل القرار المطعون فيه أو سبباً في هدم عملياته على النحو الذي يراد إنزاله عليه ومعاملته به. واستطرد يقول أنه، وهو من ذوي الإقامة الخاصة لم يسأل أو يفاتح في أي إجراء أو تحقيق يتصل بقرار إبعاده، ومن ثم يكون القرار المطعون فيه باطلاً لانعدام سنده، ولافتقاده الإجراءات القانونية التي رسمها القانون لمثله.
ولم تتقدم الحكومة بمذكرة بدفاعها أمام محكمة القضاء الإداري، وإنما اكتفت بتقديم ملف المدعي بإدارة الجوازات وبمذكرة السيد مدير البحث الجنائي المؤرخة 26 من يوليو سنة 1961 التي قام على أساسها القرار المطعون فيه وبالاطلاع على هذه المذكرة تبين أنها تفيد أن المطعون عليه، من مواليد هذه البلاد في سنة 1917 وأنه يهودي، تونسي، ومهنته محام، وقد وصلت إلى قسم مكافحة المخدرات معلومات تتضمن أنه يتجر بالمواد المخدرة البيضاء. وقد أسفرت التحريات عن أنه تونسي الجنسية، متزوج من فرنسية تقيم مع ولديها منه في مدينة نيس بجنوب فرنسا، وأن المذكور واسع الثراء يصرف عن سعة، ويتردد على كثير من النوادي الليلية، وأنه عدد كثير من الصديقات، وقد دلت التحريات أيضاً على أنه يقوم بصفة غير منتظمة، وفي فترات متباعدة ببعض عمليات جلب المواد المخدرة البيضاء، ويروجها بين الطبقات الراقية التي يداوم الاختلاط بها ويعاونه بعض الفتيات والسيدات في النوادي المختلفة، وتبين أيضاً من التحريات أنه يرجع أن يكون له نشاط سياسي ضار. كما أسفرت مراقبته في يونيو سنة 1961 عن أنه معروف عنه سوء السمعة ومخالطة النساء، وكثرة التردد على النوادي العامة والخاصة وحفلات اللهو. وبعرض موضوعه على السيد اللواء وكيل وزارة الداخلية لشئون الأمن العام أشار سيادته باتخاذ الإجراءات الكفيلة بإبعاده عن الديار استناداً إلى التحريات السالفة الذكر. وطلب السيد مدير إدارة البحث الجنائي اتخاذ اللازم نحو إنهاء إقامته بالبلاد واستصدر قرار وزاري بإبعاده عنها.
وبجلسة 26 من سبتمبر سنة 1961 حكمت محكمة القضاء الإداري - هيئة منازعات الأفراد والهيئات - بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه تأسيساً على أن المدعي هو من ذوي الإقامة الخاصة، وأن مراقبته في يونيو سنة 1961 أسفرت عن أنه سيئ السمعة وكثير التردد على النوادي العامة والخاصة، وتقول محكمة القضاء الإداري أن هذه أمور لا تندرج تحت نص المادة (26) من القانون رقم (189) لسنة 1960 في شأن دخول وإقامة الأجانب. وأن الأمور المنسوبة إلى المدعي لا تعدو أن تكون صفات متعلقة بالسلوك الشخصي ولا تصل إلى الدرجة التي تشترطها المادة (26) آنفة الذكر أما عما أشارت إليه مذكرة إدارة البحث الجنائي، من ناحية النشاط السياسي للمدعي فإن العبارات التي ساقتها تلك المذكرة في هذا الخصوص تقطع بعدم جدية الأسباب التي قام عليها هذا الظن إذ كلها عبارات مرسلة لا دليل عليها وغير قاطعة في النتيجة التي تريد أن تصل إليها. ومن ثم يكون القرار المطلوب وقف تنفيذه غير مستند بحسب الظاهر، إلى أسباب جدية مما يتعين معه إجابة المدعي إلى طلبه. وفي 23 من نوفمبر سنة 1961 طعنت إدارة الحكومة في هذا الحكم، وطلبت إلى دائرة فحص الطعون أن تقرر أولاً، وقف تنفيذ هذا الحكم لحين الفصل في الطعن من المحكمة الإدارية العليا وثانياً، إحالة الطعن إلى المحكمة العليا لتقضي بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض دعوى المطعون عليه.
وبجلسة 15 من يناير سنة 1963 حكمت محكمة القضاء الإداري، ذات الهيئة السابقة، بإلغاء قرار وزير الداخلية رقم (10) مركزي الصادر في 8 من أغسطس سنة 1961 بإبعاد المدعي من هذه الديار، وألزمت الحكومة بالمصروفات وأقامت قضاءها الموضوعي على أن الثابت من الأوراق أن المدعي هو من ذوي الإقامة الخاصة التي تنتهي في يناير سنة 1964، ومن ثم فإنه يمتنع على السيد وزير الداخلية إبعاده إلا لسبب من الأسباب المشار إليها في المادة (26) من القانون رقم (89) لسنة 1960 في شأن دخول وإقامة الأجانب، وهي أسباب وردت على سبيل الحصر، وبعد موافقة لجنة الإبعاد المنصوص عليها في المادة (29) من هذا القانون. ومتى كان الأمر كذلك فإنه يتعين أن يكون قرار الإبعاد مشروعاً كأي قرار إداري آخر، وتتمثل المشروعية في هذا المجال في أن يتحقق سبب الإبعاد وجديته، وأن يكون مستنداً إلى أصول ثابتة في الأوراق توصل إليه وتنتجه، وأن يكون القرار فوق ذلك مبرأ من عيوب الانحراف وإساءة استعمال السلطة. وقد ردت مذكرة إدارة البحث الجنائي بوزارة الداخلية ذات العبارات والأوصاف الواردة في مذكرة إدارة مكافحة المخدرات المؤرخة سنة 1958 من أن المدعي يتجر في المخدرات البيضاء ويصرف بسخاء ويتردد على المجتمعات ويصادق نسوة كثيرات، وقد جاء ذلك كله في عبارات مرصوصة لا تشعر بجديتها ولا تصلح سبباً للإبعاد. وكلها لا تعدو أن تكون مجرد أوصاف لسلوك المدعي، وطريقته في الحياة ولم تسفر مراقبة المذكور في يونيه سنة 1961 إلا عما سلفت الإشارة إليه. فإذا أضيف إلى ذلك أن المدعي محام يباشر نشاطه في مكتب أعده وأن متوسط دخله في مهنته هذه ومما يملكه من أوراق مالية حسب المستندات المقدمة منه يبلغ حوالي خمسة آلاف جنيه في السنوات الأخيرة فإن اختلاطه بالمجتمع وتردد الناس عليه لا يعتبر غريباً على مهنته ولا على الأوساط التي يتردد عليها، ومن ثم فلا يسوغ أن يؤخذ عليه ذلك بغير دليل يقطع بعدم مشروعية مثل هذا النشاط. وعلى هذا يكون قرار السيد وزير الداخلية رقم 10 مركزي لسنة 1961 بإبعاد المدعي عن البلاد قد فقد ركن السبب وبالتالي جاء مخالفاً للقانون متعيناً إلغاؤه.
ومن حيث إن الطعن في الحكم الصادر بإلغاء قرار وزير الداخلية بإبعاد المطعون عليه، يقوم على ما وقع فيه الحكم المذكور من خطأ في تطبيق القانون إذ أقام قضاءه على أن ما ورد بالتحريات والتقارير إنما يتعلق فقط بالسلوك الشخصي للمطعون عليه، ولا يدخل في دائرة الأسباب التي نصت عليها المادة (26) من القانون رقم 89 لسنة 1960 قد أسفرت تحريات رجال المباحث العامة وقسم مكافحة المخدرات عن أن المدعي موصوم بسوء السلوك وبالانحراف مما يضعه في مواطن الريب والشبهات وأنه يقوم بأعمال تشكل في ذات الوقت تهديداً لأمن الدولة في الداخل وتمس الصحة العامة والآداب العامة والاقتصاد القومي وكل ذلك يصلح مبرراً لإبعاد الأجنبي من ذوي الإقامة الخاصة. كما جاء في التحريات أنه يشترك في عمليات تهريب النقد إلى الخارج. وقد أدرج اسمه في قوائم الممنوعين من السفر إلى الخارج منذ عام 1959 قبل الرجوع إلى قسم مكافحة تهريب النقد، الأمر الذي يدل على مدى خطورته على الاقتصاد القومي. وإذا كان صحيحاً أن المذكور لم يضبط متلبساً بجرمه فإن من الصحيح كذلك أنه لو تم ذلك لانتقل به الحال من مجال القضاء الإداري إلى مجال القضاء الجنائي. وإذ اعتبر الحكم المطعون فيه أن ما صدر من المدعي وما نسب إليه غير كاف لتبرير صدور قرار إبعاده فإن الحكم بذلك يكون قد أخطأ أيضاً في تطبيق القانون وفي فهم حدود رقابته القانونية التي لا يجوز أن تتطرق إلى بحث ملاءمة القرار الإداري أو تقدير خطورة السبب ومدى ما يمكن أن يترتب عليه من آثار وانتهى تقرير هذا الطعن إلى طلب إلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض الدعوى مع إلزام المطعون عليه بالمصروفات.
ومن حيث قد بأن لهذه المحكمة من الاطلاع على الملف رقم (3636/ 36) المتعلق بالسيد ليونيل موسى رزماتي، لدى مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية بوزارة الداخلية أن المطعون عليه هو من مواليد البلاد في سنة 1917 وأنه سبق معاملته باعتباره يهودياً مصرياً، وصرف له جواز سفر مصري باعتباره مولوداً لأب مصري - شهادة جنسية الأب رقم (8137) في أول يوليو سنة 1939 ملف رقم (23/ 12/ 61) م - ثم تزوج من سيدة بلجيكية في سنة 1943 كانت تمنح إقامة. وفي سنة 1946 تقدمت بطلب صرف جواز سفر مصري لها باعتبارها اكتسبت الجنسية المصرية بزواجها من مصري، وقد ووفق على صرف الجواز لها في 30 من مارس سنة 1946. وجاء بالمذكرة المؤرخة 2 من يوليو سنة 1949 بأن قسم قضايا وزارة الداخلية رأى أن المدعي لا يعتبر داخلاً في الجنسية المصرية، وأشار بإلغاء شهادة جنسيته. وقد ترتب على ذلك أن أصبح غير معين الجنسية وسحب جواز سفره المصري، وصرفت له بدلاً منه تذكرة مرور مصرية، ومن ثم أصبح هو وزوجته من الحاصلين على إقامة. وفي 28 من يناير سنة 1954 وافقت الوزارة على منحه (إقامة خاصة) وكذلك منح زوجته أسوة به نفس الإقامة باعتبار الزوج تونسي الجنسية، والزوجة بلجيكية. ثم حدث في 22 من إبريل سنة 1959 أن طلبت إدارة المباحث العامة عدم منحه تأشيرة خروج قبل الرجوع إليها، وكانت ترفض جميع الطلبات التي يتقدم بها لطلب تأشيرة خروج أو تأشيرة عودة. وفي 9 من يونيو سنة 1961 تقدم بطلب آخر للحصول على تأشيرة عودة باستطلاع رأي المباحث العامة جاء خطاب الأمن العام "قسم مكافحة المخدرات" المؤرخ 26 من يوليو سنة 1961 بأن التحريات دلت على أن زوجته تقيم بمدينة نيس بجنوب فرنسا هي وولداه، وأن المذكور يتردد على كثير من النوادي الليلية ويصادق الكثيرات من السيدات وينفق عن سعة، ويقوم بجلب المواد المخدرة البيضاء ويروجها بين الطبقات المترفة من السيدات والآنسات، ويرجح أن يكون له نشاط سياسي ضار. ونظراً لأن المذكور حاصل على إقامة خاصة فقد عرض أمره على اللجنة الاستشارية للإبعاد تمهيداً لاستصدار قرار بإبعاده، وقد وافقت اللجنة المذكورة في 2 من أغسطس سنة 1961 على إنهاء إقامته وإبعاده. وفي 8 من أغسطس سنة 1961 صدر القرار الآتي نصه: "قرار رقم (10) مركزي - وزير الداخلية، بعد الاطلاع على مذكرة مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية المؤرخة 2 من أغسطس سنة 1961، وعلى المادة (25) من القانون رقم (89) لسنة 1960 بشأن دخول وإقامة الأجانب يبعد ليونيل موسى زرماتي التونسي الجنسية، وعلى وكيل الوزارة لشئون الأمن العام تنفيذ هذا القرار، توقيع وزير الداخلية. وهذا هو القرار الوزاري المطعون فيه بالإلغاء. وفي 10 من نوفمبر سنة 1958 قدم مفتش قسم مكافحة المخدرات إلى السيد مدير القسم التقرير الآتي: أنه في 30 من سبتمبر سنة 1958 علمت من بعض المصادر السرية أن (ليونيل زرماتي) المحامي يتجر في المواد المخدرة البيضاء، ويعمل على ترويجها داخل البلاد. فقمت بتحري ذلك الأمر حتى تأكدت صحة هذه الأنباء. وأن المذكور يجلب حقيقة هذه المواد من فرنسا وإيطاليا وغيرها بواسطة أعوان له هناك ثم يروجها بعد ذلك بمساعدة آخرين من السيدات والفتيات عادة اللاتي لا ترقى إليهن الشبهات في النوادي الكبيرة وبين الطبقات المترفة. وفي أول أكتوبر سنة 1958 عرضت الأمر على سيادتكم، فكلفت بالاستمرار في التحري والمراقبة واتخاذ ما يلزم من إجراءات لكشف وسائل هذه العصابة الخطيرة في التهريب ثم العمل على ضبطها. وقد اتضح من التحريات والمراقبة التي شملت المحادثات التليفونية وغيرها، والتي كانت تعرض نتائجها على سيادتكم أولاً بأول ما يأتي: -
(1) ازددت يقيناً أن المذكور يروج حقيقة المواد المخدرة البيضاء داخل البلاد، فضلاً عن أنه يتعاطاها، ولا زلت بسبيل استكمال المعلومات التي يمكن على ضوئها رسم الخطة وتحين الفرصة المناسبة للضبط، وسأستمر في عرض كل ما يجد من أمر في هذا الشأن على سيادتكم.
(2) ترجح عندي، على ضوء التحريات والمراقبة، أن نشاط السيد المذكور لا يقتصر على ترويج المخدرات البيضاء داخل البلاد كما أوضحت، ولكن ذلك قد يكون وسيلة وطريقاً لنوع آخر من النشاط الضار بكيان الدولة، وفيما يلي الأسباب التي أبني عليها هذا الترجيح: -
( أ ) السيد المذكور تونسي الجنسية، يهودي الديانة، متزوج من فرنسية تقيم مع ولديه منها في نيس بجنوب فرنسا في فيلا مملوكة له هناك، فهو إذن مرتبط بفرنسا بحكم مصلحته العائلية، وبإسرائيل بحكم مشاعره الدينية، رغم ما تقدم به للسلطات المختصة من طلبات لاكتساب الجنسية المصرية.
(ب) هو حسن المظهر يتمتع بشخصية قوية جذابة كثير الحركة سريعها، تغلب عليه النزعة النظامية في كل شئونه. ذكي. كثير الاختلاط بالناس خاصة من كان منهم من أصحاب الوظائف العامة.
(جـ) يجيد لغات كثيرة - فهو يتكلم اللغة العامية كأحد أبناء هذه البلاد، ولا ينم مظهره عن أصله. كما يجيد الفرنسية والإنجليزية والإيطالية، وهو مع ذلك كثير الاختلاط بالأجانب من جميع الجنسيات خاصة الفرنسيين ثم الإنجليز وله معارف كثيرون بالخارج من هؤلاء وهؤلاء ولا يزال يتصل بهم بالمراسلة وغيرها ويلتقي بمن يحضر منهم إلى مصر في الفنادق الكبرى.
(د) المذكور يبدو واسع الثراء، فهو يملك سيارة مرسيدس رقم (20884) ملاكي القاهرة يقودها بنفسه في أغلب الأحيان رغم وجود سائق لها. ثم هو ينفق الأموال الطائلة في النوادي العامة والخاصة التي لا تكاد تخلو منه ومن خلصائه من السيدات والآنسات عادة اللاتي يسخو في الإنفاق عليهن. ولا تعتقد أن ما يدره المكتب عليه من أرباح يمكن أن يكفي لسد بعض هذه النفقات. بل لعله لا يكفي لسد نفقات المكتب نفسه الذي يستخدم فيه عدداً من المحامين والموظفين يمكن أن يستنفدوا جميع الإيرادات.
(هـ) المذكور دائم الاتصال بعدد كبير من السيدات والفتيات الأنيقات اللاتي يغشين المجتمعات المترفة. وهن من الكثرة بصورة لا يبدو معها الأمر طبيعياً فقد التقى بستة منهن على التوالي في يوم واحد.
(و) السيد المذكور، وطيد الصلة بكثير من زعماء تونس السياسيين، كما أن له معارف ببعض البلاد العربية الأخرى. وفي 19 من يونيه سنة 1961 قدمت إدارة المباحث العامة. فرع النشاط الداخلي (صهيونية) مذكرة للعرض على السيد وكيل الوزارة لشئون الأمن العام (سري جداً) جاء بها أن المذكور من مواليد البلاد سنة 1917 يهودي تونسي محام وعضو مساهم بشركة جباسات البلاح يقيم بالزمالك متزوج من سوزان زرماتي من مواليد سنة 1915 مسيحية بلجيكية. وأن المذكور سيئ السمعة معروف عنه مخالطة النساء وكثير التردد على النوادي العامة وأماكن الحفلات واللهو. وبتاريخ 12 من نوفمبر سنة 1958 ورد تقرير من قسم مكافحة المخدرات - وهو التقرير الذي سلفت الإشارة إليه - كما جاء في هذه المذكرة السرية أنه لم يتبين بعد من التحريات والمراقبات وجود نشاط سياسي ضار. وقد تضمنت الأوراق أيضاً مذكرة من محافظ القاهرة عن المدعي جاء بها أن المذكور سافر إلى الخارج عام 1956 ثم عاد إلى مصر رغم أنه لم يكن مصرحاً لليهود الأجانب بالعودة إليه، وأنه دائم التردد على الأندية الليلية وينفق عن سعة لا تتناسب مع موارده، وأنه عنصر بنادي السيارات، ويتصل ببعض العناصر الرجعية، ويشتبه في اتصاله ببعض الهيئات الأجنبية. وقد يكون من الخير مراقبته لمعرفة نشاطه وميوله ومصدر ثروته.
ومن حيث إن قرار السيد رئيس الجمهورية بالقانون رقم (89) لسنة 1960 في شأن دخول وإقامة الأجانب، بأراضي الجمهورية العربية المتحدة والخروج منها، - المنشور بالجريدة الرسمية في 24 من مارس سنة 1960 بالعدد رقم 71 - قد أفرد الباب الثالث منه لأحكام تراخيص الإقامة. وقد نصت المادة السادسة عشر منه على أنه يجب على كل أجنبي أن يكون حاصلاً على ترخيص في الإقامة وعليه أن يغادر أراضي الجمهورية العربية المتحدة عند انتهاء مدة إقامته، ما لم يكن قد حصل قبل ذلك على ترخيص من وزارة الداخلية في مد إقامته. وقسمت المادة (17) منه الأجانب من حيث الإقامة إلى ثلاث فئات: -
(1) أجانب ذوي إقامة خاصة.
(2) أجانب ذوي إقامة عادية.
(3) أجانب ذوي إقامة مؤقتة.
وحددت المادة (18) منه فئات الأجانب ذوي الإقامة الخاصة، وهم خمس فئات. وجاء في الفقرة السابعة من هذه المادة ما يأتي: "ويرخص لأفراد هذه الفئة في الإقامة مدة عشرة سنوات تتجدد عند الطلب، وذلك ما لم يكونوا في إحدى الحالات المنصوص عليها في المادة (26)" وواضح أن المشرع قد ميز فئة معينة من الأجانب (ذوي الإقامة الخاصة) نظراً لتوطد الصلة بينهم وبين الجماعة الوطنية، وارتباطهم بها مادياً أو معنوياً وهؤلاء هم الفلسطينيون والأجانب الذين ولدوا في الإقليم المصري قبل تاريخ نشر المرسوم بقانون رقم (74) لسنة 1952، والأجانب الذين مضى على إقامتهم في الإقليم المصري عشرون سنة سابقة على تاريخ نشر المرسوم بقانون رقم (74) والأجانب الذين مضى على إقامتهم أكثر من خمس سنوات كانت تتجدد بانتظام، والعلماء ورجال الأدب والفن والصناعة والاقتصاد وغيرهم ممن يؤدون خدمات جليلة للبلاد) فرخص لهم في الإقامة مدة عشر سنوات بحكم القانون. كذلك قرر أن يكون تجديد هذه المدة وجوبياً لمدة عشر سنوات أخرى بمجرد الطلب، وذلك فيما عدا الحالات التي يتحقق فيها بالنسبة لهؤلاء الأجانب سبب من أسباب الإبعاد. ومن ثم يتضح أن إقامة الأجانب المنتمين إلى هذه الفئة - وهي الإقامة الخاصة - هي في الواقع من قبيل الإقامة الممتدة، لأن الترخيص بالإقامة وتجديدها يتم بقوة القانون دون أن يكون للإدارة سلطة تقديرية في هذا الشأن. وإنما للسلطة التنفيذية إن ترفض الترخيص بالإقامة أو تجديدها إذ ما توفرت حالة من حالات المادة (26). وهذه المادة لا تسمح بإبعاد الأجنبي ذي الإقامة الخاصة بمجرد وجوده في إحدى حالات الإبعاد المنصوص عليها منها، وإنما تتطلب فضلاً عن ذلك عرض الأمر على لجنة تشكل خصيصاً لهذا الغرض مع مراعاة موافقة هذه اللجنة. وقد جاء الباب الرابع من القانون رقم (89) لسنة 1960 خاصاً بالإبعاد. وتنص المادة (25) منه على أن لوزير الداخلية بقرار منه إبعاد الأجانب وتجري المادة (26) بما يأتي: - (لا يجوز إبعاد الأجنبي من ذوي الإقامة الخاصة إلا إذا كان في وجوده ما يهدد أمن الدولة أو سلامتها في الداخل أو في الخارج، أو اقتصادها القومي أو الصحة العمومية، أو الآداب العامة أو السكينة العامة أو كان عالة على الدولة وبعد عرض الأمر على اللجنة المنصوص عليها في المادة (29) وموافقتها).
وتشكل لجنة الإبعاد هذه من وكيل وزارة الداخلية رئيساً، ومن رئيس إدارة الفتوى والتشريع لوزارة الداخلية بمجلس الدولة، ورئيس إدارة الفتوى والتشريع لوزارة الخارجية بمجلس الدولة، ومدير عام مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية، ومدير إدارة القنصليات بوزارة الخارجية، ومندوب عن مصلحة الأمن العام، أعضاء. وتبدي اللجنة رأيها في أمر الإبعاد على وجه السرعة. وجاء في المذكرة الإيضاحية لهذا القانون عن الإقامة الخاصة أنه قد روعي فيها احترام الحقوق المكتسبة. وأن قواعد تنظيم إبعاد الأجانب قصرت التمتع بعرض حالات الإبعاد على اللجنة الاستشارية على الأجانب ذوي الإقامة الخاصة فقط. وظاهر من نص المادة (26) أن المشرع خص فئة الأجانب من ذوي الإقامة الخاصة بامتياز مقصود إذ علق إبعادهم دون غيرهم من الأجانب على توافر أحد الأسباب الواردة بصلب المادة (26) وغني عن القول أن هذه الأسباب هي من المرونة بحيث يمكن أن تتدرج تحتها كافة المبررات المتصورة بالنسبة للإبعاد. وهذا الضمان يضاف إلى الضمان الذي قرره المشرع للأجانب من ذوي الإقامة الخاصة وهو اشتراط عرض أمر إبعادهم على اللجنة المشار إليها في المادة (29) ووجوب موافقة هذه اللجنة ولا شك أن في تعليق إبعاد ذوي الإقامة الخاصة على موافقة لجنة تضم عناصر قانونية وقضائية لكفيل بجعل الإبعاد بعيداً عن الأهواء والتسرع. وقد كان التشريع السابق المرسوم بقانون رقم (74) لسنة 1952 يقتصر، في هذا الصدد، على اشتراط أخذ رأي اللجنة السالف ذكرها دون أن يستلزم موافقتها.
2 - ومن حيث إنه من المبادئ المقررة أن للدولة حق إبعاد من ترى إبعاده من الأجانب غير المرغوب في بقائهم وفقاً لخطرهم، وتأميناً لسلامتها. وصيانة لكيانها شعباً ومجتمعاً من كل ما يضره. كما أن للدولة الحق في تقدير ما يعتبر ضاراً بشئونها الداخلية والخارجية وما لا يعتبر كذلك، ولها حق اتخاذ الإجراءات المناسبة لكل مقام في حدود الواجبات الإنسانية، وما تعورف عليه دولياً، ولها سلطة تقديرية لمبررات الإبعاد ولا يرد على هذا الحق إلا قيد حسن استعماله بحيث يكون الإبعاد قائماً على أسباب جدية يقتضيها الصالح العام في حدود القانون.
فإذا كانت الثابت من أوراق هذا الطعن أن قرار إبعاد المطعون عليه، وهو من ذوي الإقامة الخاصة الذين عينتهم المادة (18) وحرمت إبعادهم إلا وفقاً لأحد المبررات الواردة على سبيل الحصر في المادة (26) من القانون رقم (89) لسنة 1960، قد صدر بناء على موافقة لجنة الإبعاد بعد عرض تقرير شامل عليها ضم شتات المذكرات والأسباب والأسانيد المقدمة لوزارة الداخلية من عدد من الأجهزة المختصة على النحو السالف تفصيله. فإن قرار وزير الداخلية الصادر بهذا الإبعاد بناء على أسباب استخلصت استخلاصاً سائغاً من الأوراق، وفي حدود السلطة المخولة له بمقتضى قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم (89) لسنة 1960 وبعد موافقة لجنة الإبعاد هذا القرار الوزاري يكون قد صدر سليماً لا عيب فيه. والإدارة حرة في تقدير ملاءمة إصداره بناء على ما تجمع لديها من تحريات وما قام حول الأجنبي من شبهات ما دامت هي قد أطمأنت إليها وقدرت ما عساه يخشى من خطورة نشاطه على أمن الدولة أو سلامتها أو اقتصادها القومي أو الصحة العامة أو الآداب العامة. وكل أولئك من الأسباب والمبررات المحددة في المادة (26) سالفة الذكر. وهذا أمر متروك لمحض تقدير جهة الإدارة المختصة ولجنة الإبعاد تترخص فيه كلتاهما على مقتضى ما تطمئن إليه من قرائن ودلائل وأمارات وفي مقدمتها ما ورد بتقرير إدارة مكافحة المخدرات وإدارة المباحث العامة، وهي أجهزة رسمية من أغراضها معاونة السلطة العامة في استجماع المعلومات والبيانات والدلائل الخاصة بمثل هذه الأمور وخاصة في مثل الظروف التي تجتازها البلاد.
وليس للقضاء الإداري في حدود رقابته القانونية أن يتطرق إلى بحث ملاءمة الإبعاد في هذه الحالة، الذي كشفت جهة الإدارة عن سببه، أو أن يتدخل في تقدير خطورته هذا السبب، ومدى ما يمكن ترتيبه عليه من آثار، بإحلال نفسه محل وزارة الداخلية فيما هو متروك لتقديرها ووزنها. بل إن وزارة الداخلية حرة في تقدير أهمية الحالة والخطورة الناجمة عنها والأثر الذي يناسبها، ولا هيمنة للقضاء الإداري على ما تكون منه عقيدتها واقتناعها في شيء من هذا، ذلك أن نشاط هذا القضاء في وزنه لقرارات الإبعاد ينبغي أن يقف عند حد المشروعية أو عدمها في نطاق الرقابة الإدارية فلا يجاوزها إلى وزن مناسبات قرار الإبعاد أو مدى خطورتها مما يدخل في نطاق الملاءمة التقديرية التي تملكها الإدارة وتنفرد بها بغير معقب عليها فيها ما دام قرارها قد خلا من إساءة استعمال السلطة ومن مخالفة القانون. وقد صدر القرار المطعون فيه مطابقاً لأحكام المواد (18، 26، 29) من القانون المنظم لدخول وإقامة الأجانب بأراضي الجمهورية العربية المتحدة والخروج منها رقم (89) لسنة 1960. وخلا من إساءة استعمال السلطة، وبذا فهو صحيح سليم مبرأ من كل عيب.
وإذ ذهب الحكمان المطعون فيهما، في كل من شقي الدعوى: المستعجل والموضوعي مذهباً مغايراً فإنهما يكونان قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله ويتعين القضاء بإلغائهما وبرفض الدعوى بشقيها مع إلزام المدعي بمصروفاتها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعهما بإلغاء الحكمين المطعون فيهما، وبرفض الدعوى بشقيها، وألزمت المدعي بالمصروفات.