مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الثاني (من أول فبراير 1964 إلى آخر مايو 1964) - صـ 914

(78)
جلسة 29 من مارس 1964

برئاسة السيد/ عبد العزيز الببلاوي رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة: محمود سعد الدين الشريف ومحمد تاج الدين يس وعبد الفتاح نصار وأبو الوفا زهدي المستشارين.

القضية رقم 1710 لسنة 6 القضائية

حكم - حجية الشيء المقضي - تعويض - قضاء الحكم بإلغاء القرار الصادر بتخطي أحد الأشخاص في التعيين وتعيين من يلونه في ترتيب الامتحان - أثره التسليم بوقوع خطأ من الإدارة - أحقية المتخطي في الحصول على تعويض عن الفترة التي قضاها بدون عمل - شروط ذلك.
إن الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بالإسكندرية في 18 من فبراير سنة 1958 في الدعوى رقم 444 لسنة 4 القضائية المقامة من المطعون عليه ضد مصلحة الجمارك وديوان الموظفين له حجية الشيء المقضي فيما حكم به من إلغاء قرار وزير المالية الصادر في 4 من يوليه 1954 فيما تضمنه من تخطي المطعون عليه بقرار التعيين بإحدى وظائف الدرجة الثامنة الكتابية وتعيين من يلونه في ترتيب الدرجات في امتحان ديوان الموظفين ولا جدال في أن تصرف الإدارة المذكور بعد إذ تبين من الحكم المشار إليه مخالفته للقانون يكون خاطئاً، ومن ثم تقوم مسئولية الإدارة عن الأضرار التي حاقت بالمطعون عليه نتيجة لتخطيه في قرار التعيين ما دام يترتب على حجية الحكم الصادر بإلغاء هذا التخطي التسليم بأن التصرف قد انطوى على مخالفة واضحة للقانون وإخلال بأحكامه وما دام هذا الإخلال هو الذي يستفاد منه الخطأ المنسوب إلى الإدارة، وإذ عجزت الإدارة عن إثبات أن المطعون عليه قد وفق إلى مورد رزق يستعين به على تخفيف وقع الحرمان من راتب الوظيفة المقطوع عنه نتيجة للتخطي في التعيين وأنكر المدعي من ناحية أخرى تكسبه بوسيلة أخرى بعد إخفاقه في الانخراط في العمل الحكومي فإنه يتعين أن يقضي له بالتعويض عن تصرف الإدارة الخاطئ على أن يراعي في ذلك أن المطعون عليه قد أسهم بفعله في إطالة مدة تعطله إلى ما بعد 4 من مارس سنة 1956 حتى تاريخ تعيينه في 11 من فبراير سنة 1959 مما تنتفي معه علاقة السببية بين خطأ الإدارة والضرر الذي حل بالمطعون عليه في تلك الفترة، وهذا الانتفاء مستفاد من امتناعه عن استكمال مسوغات تعيينه عندما طولب بها في 22 من مارس سنة 1956 الأمر الذي يترتب عليه لزاماً انحصار الضرر الذي أصاب المطعون عليه في المدة اللاحقة على تخطيه في قرار التعيين آنف الذكر والتي امتدت إلى تاريخ مطالبته الإدارة إياه باستكمال مسوغات تعيينه على ما سلف البيان. لأن الضرر اللاحق على هذا التاريخ لم يكن بطبيعة الحال نتيجة لتصرف الإدارة غير المشروع.


إجراءات الطعن

في 13 من يونيه سنة 1960 أودع السيد رئيس إدارة قضايا الحكومة بصفته سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1710 لسنة 6 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بالإسكندرية بجلسة 14 من إبريل سنة 1960 في الدعوى رقم 126 لسنة 6 القضائية "محاكم" المقامة من السيد فوزي جرجس منصور ضد وزارة الخزانة ومصلحة الجمارك والقاضي: - "باستحقاق المدعي مبلغاً قدره مائة جنيه تعويضاً له عن قرار تخطيه في التعيين في إحدى الدرجات الثامنة الكتابية بمصلحة الجمارك الصادر في 4 من يوليه سنة 1954، وألزمت الحكومة المصروفات عدا مقابل أتعاب المحاماة. وطلب السيد رئيس إدارة قضايا الحكومة بصفته للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه، ورفض الدعوى وإلزام المدعي المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين وقد أعلن هذا الطعن إلى المطعون ضده في 15 من ديسمبر سنة 1960. وفي 4 من مارس سنة 1962 أبلغ الخصوم بالجلسة المحددة لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون التي أحالته إلى المحكمة الإدارية العليا وحددت لنظره أمامها جلسة 2 من فبراير سنة 1964. وفي هذه الجلسة سمعت هذه المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة ثم أرجأت النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يستفاد من أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه السيد/ فوزي جرجس منصور أقام الدعوى رقم 126 لسنة 6 القضائية "محاكم" ضد وزارة الخزانة ومصلحة الجمارك أمام المحكمة الإدارية بالإسكندرية بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة المذكورة في أول فبراير سنة 1959 - بعد قبول طلب إعفائه من الرسوم القضائية في 30 من يوليه سنة 1958 - طالباً الحكم على المدعى عليهما بأن يؤديا إليه متجمد راتبه وعلاواته عن المدة من 4 من يوليه سنة 1954 حتى 30 من سبتمبر سنة 1958 وقدره 523.005 مجـ أو تعويض مواز لهذا المبلغ مع إلزامهما بالمصروفات والأتعاب. وقال شرحاً للدعوى أن ديوان الموظفين كان قد أعلن عن مسابقة لخريجي مدرسة التجارة المتوسطة للتعيين بالدرجة الثامنة الكتابية في الوظائف الشاغرة بوزارة التربية والتعليم وقد تقدم الطالب للمسابقة بتاريخ 27 من مارس سنة 1954 وأخطر بنجاحه في الامتحان وبتقرير ترشحه لوظيفة في مصلحة الجمارك وتم توقيع الكشف الطبي عليه في 31 من مارس سنة 1954 ونجح فيه واستوفى كل مسوغات التعيين ثم انتظر صدور قرار تعيينه إلا أنه فوجئ بعدم الحاقة بالوظيفة رغم تعيين زملائه التاليين له في الترتيب وعلم شفوياً أن السبب في عدم تعيينه هو أن سنه تزيد على الثلاثين عاماً حيال هذا أقام الطالب الدعوى رقم 444 لسنة 4 القضائية أمام المحكمة الإدارية بالإسكندرية يتظلم من إهدار حقه في التعيين وطالب بإلغاء القرار الإداري الصادر من وزارة المالية في 4 من يوليه سنة 1954 بتعيين الناجحين في امتحان المسابقة الذي عقده ديوان الموظفين في 5 من مارس سنة 1954 فيما تضمنه من تخطية في التعيين بإحدى الوظائف الخالية التي رشح لها من ديوان الموظفين بعد نجاحه في الامتحان. وقد تداولت القضية المشار إليها بالجلسات إلى أن صدر فيها حكم لصالحه بتاريخ 18 من فبراير سنة 1958 بإلغاء قرار وزير المالية الصادر في 4 من يوليه سنة 1954 بتعيين الناجحين في امتحان المسابقة الذي عقده ديوان الموظفين في 5 من مارس سنة 1954 فيما تضمنه وتخطي الطالب في التعيين في إحدى الدرجات الثامنة الكتابية بمصلحة الجمارك ولما كان الحكم المشار إليه يقوم على إقرار حق الطالب في شغل إحدى الوظائف الكتابية بأثر يترتب منذ 4 من يوليه سنة 1954 ومن ثم يقتضي تفسير هذا الحكم ترتيب جميع الآثار الناجمة عما قضى به من إلغاء القرار الصادر بتعيين الناجحين في امتحان المسابقة فيما تضمنه من تخطيه في التعيين في إحدى الدرجات الثامنة الكتابية بمصلحة الجمارك وإذ كان من أهم تلك الآثار صرف راتب هذه الوظيفة إلى الطالب منذ قرار التعيين الصادر في 4 من يوليه سنة 1954 مع احتساب العلاوات الدورية المقررة والمزايا التي حصل عليها زملاؤه أو صرف تعويض مواز لمتجمد هذا الأجر وعلاواته ولما كانت جملة ذلك من أجر وعلاوات مستحقة عن المدة من 4 من يوليه سنة 1954 حتى 30 من سبتمبر سنة 1958 هو مبلغ 523.005 مجـ فإن المدعي ختم عريضة دعواه بطلب الحكم له بها. وقد ردت الجهة الإدارية على الدعوى فسلمت بسبق ترشيح المدعي للتعيين في وظيفة من الدرجة الثامنة الكتابية بالمصلحة باعتباره حاصلاً على شهادة التجارة المتوسطة عام 1944 وذلك بمعرفة ديوان الموظفين بعد نجاحه في امتحان المسابقة الذي عقده الديوان لهذا الغرض وقد عرضت مسوغات تعيينه بعد استيفائها على وزير المالية والاقتصاد لإصدار القرار الوزاري بتعيينه إلا أن الوزير لم يوافق على تعيينه هو وآخر لكبر سنهما وذلك بالقرار الوزاري الصادر في 4 من يوليه سنة 1954 ومن ثم صرف النظر عن ترشيحه وعين غيره في الدرجة التي كان مرشحاً لها. وفي أول سبتمبر سنة 1954 طلب ديوان الموظفين بكتابه رقم 25/ 1/ 4 تعين المدعي بالمصلحة (مصلحة الجمارك) أو إعادة أوراقه للديوان ليتسنى ترشيحه لجهة أخرى. ومن ثم أرسلت أوراقه إلى الديوان في 3 من أكتوبر سنة 1954 إلا أن الديوان أفاد بكتابه المؤرخ أول يناير سنة 1956 أنه رشح المذكور لمصلحة البريد التي أبدت أسفها لعدم إمكان تعيينه بها ثم رشحه الديوان لمصلحة الطرق والكباري التي طلبت هي الأخرى استبداله بمرشح آخر نظراً لما اتضح عند الرجوع على ملف خدمته السابقة من أنه ملئ بالجزاءات وأن سلوكه مع رؤسائه السابقين لا يشجع على قبوله بخدمتها وانتهى الديوان بأنه لا يسعه ترشيحه لجهة أخرى وأن مصلحة الجمارك أولى المصالح به. وإزاء رد الديوان هذا سارت المصلحة مرة أخرى في استيفاء أوراقه فأخطرته بخطاب موصى عليه بعلم وصول في 22 من مارس سنة 1956 للتقدم لإعادة الكشف الطبي وموافاتها بمسوغات تعيينه ثم أعادت مطالبته مرة أخرى بما ذكر في 16 من يونيه سنة 1956 إلا أنه رفض استيفاء مسوغات تعيينه مدعياً أن الموضوع أصبح من اختصاص القضاء وبعرض الموضوع على ديوان الموظفين أفاد بأن رفض المدعي يعتبر من قبيل تنازله عن التعيين في تلك الوظيفة ويكون للمصلحة الحق في شغل درجته بمرشح آخر ثم استطردت الجهة الإدارية إلى القول بأن المطعون عليه لم يكن جاداً في طلب تعيينه وخاصة بعد أن أخطر بالتقدم لتوقيع الكشف الطبي عليه واستيفاء مسوغات تعيينه فلم يستجيب لكل هذه الإخطارات حتى شهر مايو 1958.
وقالت أنه من المسلم به قضاء أنه عند تقرير التعويض ينبغي مراعاة موقف مدعي الضرر لأن المصلحة لم تنكر عليه أحقيته في التعيين التي رفض بها القضاء الإداري بل طالبته أكثر من مرة بتقدم مسوغات تعيينه ولكنه وقف من التصرف موقف المستخف وليس في مسلك مصلحتي البريد والطرق والكباري ما يبرر مساءلتها لعدم صلاحية المدعي للتعيين بسبب سوء السلوك المستظهر من ملف خدمته السابقة ومن باب أولى يصدق مثل هذا الأمر على مصلحة الجمارك وقالت أن ركن السببية المباشر بين الخطأ والضرر مفقود في الدعوى لأنه طولب بتقديم مسوغات تعيينه توطئه لتعيينه فرفض ودل هذا المسلك على أن تعطله لم يكن نتيجة من نتائج تصرف المصلحة وقالت أن الضرر الذي أصاب المدعي لم يكن جسيماً والأحكام تنحو منحى المشترط للخطأ الجسيم عند قضائها بالتعويض كيلا تغل يد الإدارة عن مزاولة اختصاصاتها الإدارية. وأضافت المصلحة إلى ما تقدم أن قيامها بتنفيذ الحكم الصادر في الدعوى رقم 444 لسنة 4 القضائية بتسليمه العمل في 11 من فبراير سنة 1959 واعتبار أقدميته من 4 من يوليه سنة 1954 ومنحه العلاوات المستحقة وإن لم تصرف إليه إلا من تاريخ استلامه العمل يعتبر خير سبيل لتعويضه عما فاته من ميزات نتيجة صدور القرار المقضي بإلغائه. ونوهت المصلحة بعد صدور الحكم المطعون فيه بأن سلوك المدعي وقف حائلاً دون قبول توظيفه بمصلحة الطرق والكباري مما أسهم في التراخي في تعيينه ورغم أن المحكمة أخذت في اعتبارها هذا الأمر - كما هو وارد في أسباب حكمها - إلا أنها قضت بمنحه التعويض المقضي في حين أن هذا الأمر وحده يكفي مبرراً لرفض دعواه وبجلسة 14 من إبريل سنة 1960 حكمت المحكمة الإدارية بالإسكندرية "باستحقاق المدعي مبلغاً قدره مائة جنيه تعويضاً له عن قرار تخطيه في التعيين في إحدى الدرجات الثامنة الكتابية بمصلحة الجمارك الصادر في 4 من يوليه سنة 1954 وألزمت الحكومة المصروفات عدا مقابل أتعاب المحاماة" وأقامت قضاءها على أن "عنصر الخطأ في جانب الإدارة في موضوع الدعوى ثابت قضاء بالحكم الصادر من المحكمة الإدارية بالإسكندرية في الدعوى رقم 444 لسنة 4 القضائية بإلغاء قرار وزير المالية الصادر في 4 من يوليه سنة 1954 فيما تضمنه من تخطي المدعي في التعيين في إحدى الدرجات الثامنة الكتابية بمصلحة الجمارك ومرجع الخطأ هو مخالفة القانون، وقد ترتب على خطأ الإدارة بعدم تعيين المدعي ضمن من عينوا في سنة 1954 ضرر يتمثل في تضييع فرصة التحاقه بالوظيفة المشرح لها والحيلولة بينه وبين الانتفاع بما يرتبه ذلك من آثار مادية من استحقاق مرتب الوظيفة وكان هذا الضرر ناتجاً من خطأ الإدارة حين أصدرت قرارها سالف الذكر، ووجب القول باستحقاق المدعي لمبدأ التعويض كما أقامت هذا القضاء فيما يتعلق بمقدار التعويض على أن المحكمة وهي بسبيل تقدير التعويض تلاحظ أولاً أن مصلحة الجمارك بعد أن فاءت إلى خطئها استدعت المدعي بتاريخ 22 من مارس سنة 1956 ليتقدم بمسوغات تعيينه ولتوقع الكشف الطبي عليه ونظر في أمر تعيينه الذي فوت عليه في سنة 1954 ثم عادت إلى إخطاره في 16 من يونيه سنة 1956 ولكنه أبى في الحالين إلى الاستجابة إلى هذا الطلب متعللاً بأن الأمر قد أصبح في يد القضاء بعد إذ رفع دعواه أمام القضاء الإداري في سنة 1955 مما اضطرت معه المصلحة إلى شغل الوظيفة الشاغرة لديها بمرشح آخر واعتبرت ذلك الموقف من المدعي تنازلاً منه عن طلب التعيين. وعلى ذلك فإن المحكمة تقصر المدة التي تعتبر مصلحة الجمارك مسئولة عن عدم تعيين المدعي فيها فيما بين 4 من يوليه سنة 1954 تاريخ صدور قرار تعيين زملائه بالقرار الملغي و22 من مارس سنة 1956 تاريخ استدعائه من لدن المصلحة للنظر في تعيينه ورفضه ذلك وهي مدة تقرب من عشرين شهراً إذا أخذنا في الاعتبار المدد اللازمة لاستلام المدعي العمل من ناحيته وإجراءات إعادة تعيينه من ناحية أخرى".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن "عدم موافقة وزير الاقتصاد على ترشيح ديوان الموظفين للمدعي لشغل وظيفة في الدرجة الثامنة بمصلحة الجمارك كان مرجعه إلى ما رآه الوزير من أن صغار السن هم أقدر العناصر على استيعاب المعلومات الجديدة والإفادة من الخبرة في عمل معقد مثل العمل في مصلحة الجمارك في حين أن المدعي كان قد تجاوز الثلاثين فلم يكن الوزير يهدف من قرار سوى وجه المصلحة العامة خاصة وأن الأمر لم يزد على إعادة أوراق المدعي إلى ديوان الموظفين لترشيحه في جهة أخرى فحق المدعي في التعيين وهو الحق المستمد من ترتيبه بين الناجحين في مسابقة الديوان لم يتأثر بقرار وزير الاقتصاد" لأن هذا القرار لم يكن قراراً بعدم تعيين المدعي في وظائف الحكومة إطلاقاً بل كان قراراً بأن المصلحة العامة تقضي بعدم تعيين المدعي في مصلحة الجمارك بالذات. وقد اتخذ ديوان الموظفين الإجراءات السليمة فيما تعلق بحالة المدعي فأحال أوراقه إلى مصلحة البريد ثم إلى مصلحة الطرق والكباري فلما لم تقبل كليهما تعيينه طلب الديوان من مصلحة الجمارك أن تعينه لديها وقد وافقت على ذلك فعلاً وطالبت المدعي بمجرد أن وصل إليها طلب الديوان بأن يستوفي مسوغات تعيينه ولكنه امتنع ولذلك كان المدعي هو الذي تسبب بفعله في عدم تعيينه بمصلحة الجمارك قبل صدور الحكم في الدعوى رقم 444 لسنة 4 القضائية كما قام الطعن على أنه يتضح مما تقدم أن جميع الإجراءات التي اتخذت بشأن تعيين المدعي كان رائدها المصلحة العامة وأن مصلحة الجمارك طالبت المدعي بأن يستوفي أوراقه ليستصدر قراراً بتعيينه فامتنع وبالتالي لا يمكن أن تسأل مصلحة الجمارك عن عدم تعيين المدعى بها وهو الخطأ الذي قال به الحكم والذي بني على أساسه استحقاق المدعي بالتعويض المحكوم به، كما أن تنفيذ المصلحة للحكم الصادر في الدعوى رقم 444 لسنة 4 القضائية بتسليمها المدعي العمل في 11 من فبراير سنة 1959 واعتبار أقدميته من 4 من يوليه سنة 1954 ومنحه العلاوات المستحقة له كل هذا لا يجعل للمدعي مجالاً للقول بوجود أضرار لحقته خاصة وأنه من المقرر أن الأجر مقابل العمل والمدعي لم يقم بعمله إلا من 11 من فبراير سنة 1959 بل إن امتناع المدعي عن استيفاء مسوغات تعيينه في عام 1956 يقطع بأنه كان يمارس أعمالاً أخرى ولو كان عدم تعيينه في 4 من يوليه سنة 1954 قد أصابه بضرر لما تردد في استيفاء أوراقه في عام 1956 تمهيداً لتعيينه. فالمدعي قد استوفى حقه كاملاً ولم يثبت أن ضرراً ما قد أصابه وبذلك لم يكن يستحق أي تعويض".
ومن حيث إنه يتبين مما تقدم أنه لا خلاف بين طرفي الخصومة حول الوقائع الثابتة بالأوراق، فتخطي المدعي في التعيين بإحدى وظائف الدرجة الثامنة الكتابية بموجب القرار الإداري الصادر من وزارة المالية في 4 من يوليه سنة 1954 رغم نجاحه في امتحان المسابقة الذي عقده ديوان الموظفين في 5 من مارس سنة 1954 وتعيين من يليه رغم أسبقيته في ترتيب النجاح - وهو التصرف القانوني الذي بسببه يطلب المدعي التعويض في الدعوى الحاضرة - هو أمر لم تنازع فيه الإدارة، وما أوضحته الجهة الإدارية من امتناع المدعي عن استيفاء أوراقه في 22 من مارس سنة 1956 توطئه لتعيينه بدعوى أن مسألة تخطيه في التعيين معروضة على القضاء لم يجادل فيه المدعي من ناحية أخرى".
ومن حيث إنه قد اتضح لهذه المحكمة من واقع الأوراق أن الحكم النهائي الحائز لقوة الشيء المقضي والصادر من المحكمة الإدارية بالإسكندرية في 18 من فبراير سنة 1958 قد تضمن إلغاء قرار وزير المالية الصادر في 4 من يوليه سنة 1954 بتعيين الناجحين في امتحان المسابقة الذي عقده ديوان الموظفين في 5 من مارس سنة 1954 فيما تضمن من تخطي المدعي في التعيين في إحدى الدرجات الثامنة الكتابية بمصلحة الجمارك وقد ورد في أسباب الحكم المذكور أن امتناع الجهة الإدارية عن تعيين المدعي رغم توافر الشروط اللازمة لتعيينه ينطوي على مخالفة صريحة للقانون وبالتالي يكون قرارها باطلاً متعيناً إلغاؤه.
ومن حيث إنه لا شبهة في أن الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بالإسكندرية في 18 من فبراير سنة 1958 في الدعوى رقم 444 لسنة 4 القضائية المقامة من المطعون عليه ضد مصلحة الجمارك وديوان الموظفين له حجية الشيء المقضي فيما حكم به من إلغاء قرار وزير المالية الصادر في 4 من يوليه سنة 1954 فيما تضمنه من تخطي المطعون عليه بقرار التعيين بإحدى وظائف الدرجة الثامنة الكتابية وتعيين من يلونه في ترتيب الدرجات في امتحان ديوان الموظفين ولا جدال في أن تصرف الإدارة المذكور بعد إذ تبين من الحكم المشار إليه مخالفته للقانون يكون خاطئاً، ومن ثم تقوم مسئولية الإدارة عن الأضرار التي حاقت بالمطعون عليه نتيجة لتخطيه في قرار التعيين ما دام يترتب على حجية الحكم الصادر بإلغاء هذا التخطي التسليم بأن التصرف قد انطوى على مخالفة واضحة للقانون وإخلال بأحكامه وما دام هذا الإخلال هو الذي يستفاد منه الخطأ المنسوب إلى الإدارة، وإذ عجزت الإدارة عن إثبات أن المطعون عليه قد وفق إلى مورد رزق يستعين به على تخفيف وقع الحرمان من راتب الوظيفة المقطوع عنه نتيجة للتخطي في التعيين وأنكر المدعي من ناحية أخرى تكسبه بوسيلة أخرى بعد إخفاقه في الانخراط في العمل الحكومي فإنه يتعين أن يقضى له بالتعويض عن تصرف الإدارة الخاطئ على أن يراعى في ذلك أن المطعون عليه قد أسهم بفعله في إطالة مدة تعطله إلى ما بعد 4 من مارس سنة 1956 حتى تاريخ تعيينه في 11 من فبراير سنة 1959 مما تنتفي معه علاقة السببية بين خطأ الإدارة والضرر الذي حل بالمطعون عليه في تلك الفترة، وهذا الانتفاء مستفاد من امتناعه عن استكمال مسوغات تعيينه عندما طولب بها في 22 من مارس سنة 1956 الأمر الذي يترتب عليه لزاماً انحصار الضرر الذي أصاب المطعون عليه في المدة اللاحقة على تخطية في قرار التعيين آنف الذكر والتي امتدت إلى تاريخ مطالبته الإدارة إياه باستكمال مسوغات تعيينه على ما سلف البيان. لأن الضرر اللاحق على هذا التاريخ لم يكن بطبيعة الحال نتيجة لتصرف الإدارة غير المشروع.
وعلى هذا لا يسع هذه المحكمة إلا أن تؤمن على الأسباب التي أوردها الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص. وتتخذها أسباباً تبني عليها قضاءها بمبلغ التعويض الذي قدره الحكم المطعون فيه وهو مائة جنيه وتعده تعويضاً عادلاً جابراً للضرر المادي والأدبي الذي أصاب المدعي في الفترة التي سلفت الإشارة إليها.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق في قضائه ويكون الطعن من ثم على غير أساس متعيناً رفضه مع إلزام الحكومة بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً، وألزمت الحكومة بالمصروفات.