مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الثاني (من أول فبراير 1964 إلى آخر مايو 1964) - صـ 922

(79)
جلسة 5 من إبريل 1964

برئاسة السيد/ عبد العزيز الببلاوي رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة: محمود سعد الدين الشريف ومحمد تاج الدين يس وعبد الفتاح نصار وأبو الوفا زهدي المستشارين.

القضية رقم 1080 لسنة 7 القضائية

قرار إداري - تعريفه - القرار بإحالة الموظف إلى التقاعد لبلوغه السن القانونية المقررة - هو قرار إداري منشئ لمركز قانوني - الطعن عليه يكون بدعوى الإلغاء في الميعاد القانوني دون دعوى التسوية - أساس ذلك.
أن ما أبداه المدعي أخيراً من أن قرار إنهاء خدمته على أساس بلوغه السن القانونية - وهو القرار المطعون فيه - ليس قراراً إدارياً مما تقدره الإدارة بسلطتها المطلقة بقصد إنشاء مركز قانوني، وأنه لا يعدو أن يكون قراراً تطبيقياً لا يتوافر فيه أركان القرار الإداري الذي لا يجوز التحلل من حكمه إلا بدعوى الإلغاء. هذا التكييف الذي ينتهي به المدعي إلى اعتبار الدعوى الحالية من قبيل منازعات التسوية مردود بما هو مقرر من أن القرار الإداري هو عمل قانوني من جانب واحد يصدر بالإدارة الملزمة لإحدى الجهات الإدارية في الدولة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين أو اللوائح، في الشكل الذي يتطلبه القانون بقصد إنشاء وضع قانوني معين ابتغاء مصلحة عامة. كما أن القرار التنظيمي العام يولد مراكز قانونية عامة أو مجردة، بعكس القرار الفردي الذي ينشئ مركزاً قانونياً خاصاً لفرد معين، وإذا صح أن القرار الفردي هو تطبيق لحكم القانون فإنه لابد من اعتباره أيضاً منشئاً لمركز فردي خاص متميز عن الوضع القانوني المجرد المتولد عن القانون، ومن ثم فلا ينبغي أن ينفي عن العمل الإداري الذي يكون تطبيقاً لنص عام مقيد صلاحيته لإنشاء مركز قانوني أو تعديله، لأن كل قرار إداري منشئ لمركز قانوني هو في الوقت ذاته تطبيق لقاعدة قانونية أعلى وعلى هذا الأساس فإن إحالة المدعي إلى التقاعد لا يعدو أن يكون قراراً إدارياً صادراً بإنشاء مركز قانوني بالنسبة إليه سواء انطوى قرار الإحالة على خطأ في تقدير السن أو لم يكن منطوياً على ذلك، ولصاحب الشأن عند الاقتضاء تعقب القرار بالطعن عليه بدعوى الإلغاء في ميعادها القانوني.


إجراءات الطعن

بتاريخ 13 من إبريل سنة 1961 أودع السيد/ أحمد نور الدين محمد صالح بعد أن حصل على قرار بالإعفاء من لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة الإدارية لرياسة الجمهورية ووزارة الداخلية والخارجية والعدل بجلسة 11/ 10/ 1960 في الدعوى رقم 124 لسنة 7 القضائية المرفوعة منه ضد الهيئة العامة للإصلاح الزراعي القاضي "بعدم قبول الدعوى شكلاً وبإلزام المدعي بالمصروفات" وطلب الطاعن للأسباب المبينة بصحيفة الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإلغاء القرار الصادر من الهيئة العامة للإصلاح الزراعي بتاريخ 20/ 7/ 1959 بفصل الطاعن من وظيفته اعتباراً من 25/ 8/ 1959 مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الوزارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقد أعلن الطعن للحكومة في 24/ 4/ 1961، وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 16/ 6/ 1962 وقررت المحكمة إحالة الدعوى إلى المحكمة الإدارية العليا وحدد لنظرها جلسة 12/ 1/ 1963. وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من ملاحظات ذوي الشأن على الوجه الموضح تفصيلاً بالمحضر قررت إصدار الحكم بجلسة 8 من مارس سنة 1964 ثم أرجأت النطق به لعدم المداولة إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من أوراق الطعن تتحصل في أن المدعي أقام دعواه طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر في 21/ 7/ 1959 بفصله من وظيفته اعتباراً من 25/ 8/ 1959 مع ما يترتب على ذلك من آثار وصرف مرتبه الذي كان يتقاضاه اعتباراً من تاريخ منعه عن العمل حتى تاريخ إعادته إلى عمله. وقال في بيان ذلك أنه كان يشغل وظيفة ناظر زراعة شراره بالفشن بمنطقة بني سويف، وقد فوجئ أثناء مرضه بكتاب يصل إليه من الهيئة العامة للإصلاح الزراعي في 24/ 9/ 1959 يتضمن التنبيه عليه بالحضور إلى مقر المنطقة صباح يوم الأحد 27/ 9/ 1959 لتسليم دفاتر القسائم ومفتاح الخزينة، فبادر بإخطار منطقة بني سويف بخطاب موصى عليه تاريخه 28/ 9/ 1959 بأنه مريض وأن انقطاعه عن العمل كان لهذا السبب، وعندما تماثل للشفاء ذهب لاستلام عمله يوم 28/ 10/ 1959 غير أنه أخطر شفوياً بالاستغناء عنه، ومن ثم سلم عهدته بمحضر تسليم مؤرخ في ذات اليوم. وبتاريخ 3/ 11/ 1959 تظلم من هذا القرار إلى وزير الإصلاح الزراعي، وإذ لم ترد الوزارة على تظلمه قدم طلباً لإعفائه من رسوم الدعوى الخاصة بطلب إلغاء هذا القرار، وأمام لجنة المساعدة القضائية ذكر مندوب الإصلاح الزراعي أنه فصل لبلوغه سن الستين. وقد عجز مندوب الإصلاح الزراعي عن تقديم شهادة الميلاد الدالة على بلوغه هذا السن، كما أنه كان يتعين على الإصلاح الزراعي عند عدم وجود شهادة الميلاد أن يحيله إلى القومسيون الطبي لتقدير سنه وهو ما لم يحصل. وإذ كان المدعي من سواقط القيد وقد قدر سنه باعتباره من مواليد سنة 1912 كما هو ثابت من المستخرج الرسمي الصادر بذلك، ومن ثم فإن عمره في تاريخ فصله من الخدمة لم يكن يجاوز 47 سنة الأمر الذي يخول له حق طلب إلغاء قرار إحالته إلى المعاش الصادر على غير أساس من القانون.
وأجابت الجهة الإدارية على الدعوى بأن دفعت بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد تأسيساً على أن المدعي علم علماً يقيناً بمضمون القرار المطعون فيه بتاريخ 28/ 5/ 1959 إذ أنه في هذا التاريخ حضر اجتماعاً لمجلس إدارة الجمعية التعاونية الزراعية ووجه إليه الشكر في الجلسة بمناسبة اعتزاله الخدمة. وفي الموضوع ذكرت أنها اعتمدت في تحديد تاريخ الإحالة لبلوغ المدعي السن القانونية على شهادة ميلاده التي كانت محفوظة بملف خدمته بمظروف به مسوغات تعيينه ومثبت على هذا المظروف وفي استمارة الخدمة وسجلات المستخدمين أن تاريخ ميلاده هو 25 أغسطس 1899 وهذا التاريخ يطابق أيضاً ما هو ثابت بشهادة تحقيق لشخصية المستخرجة في 13/ 11/ 1954 من أن سنه 52 سنة. وعلى هذا فإن ما ورد بالمستخرج الرسمي الذي تقدم به المدعي بعد تاريخ إحالته للمعاش باعتباره من سواقط القيد وأن سنه يبلغ 47 سنة فقط يتنافى مع البيانات الرسمية الثابتة بملف خدمته.
وبجلسة 11/ 10/ 1960 قضت المحكمة بعدم قبول الدعوى شكلاً، وألزمت المدعي بالمصروفات. وأقامت المحكمة قضاءها على أن الثابت من الأوراق أنه بتاريخ 21/ 7/ 1959 أصدر مدير الإدارة العامة قراره بالاستغناء عن خدمة المدعي اعتباراً من 25/ 8/ 1959 لبلوغه السن القانونية، ويتضح من الاطلاع على حافظة المستندات المقدمة من الإصلاح الزراعي أن المدعي بصفته مشرفاً على الجمعية التعاونية الزراعية حضر اجتماع مجلس الإدارة الربع الذي انعقد بتاريخ 25/ 8/ 1959. وقد جاء بمحضره أنه بمناسبة اعتزال السيد/ أحمد نور الدين مشرف الجمعية الخدمة اليوم لا يفوت مجلس الإدارة أن ينوه بخدماته المقيدة ومساعدته لصغار الفلاحين وحل مشكلاتهم بالطرق الودية. ويبين من ذلك أن المدعي كان يعلم في تاريخ هذا الاجتماع بقرار الاستغناء عنه وأسبابه وهذا العلم اليقيني يقوم مقام الإعلان أو النشر المنصوص عنهما في قانون مجلس الدولة كمبدأ لجريان ميعاد الطعن بالإلغاء. وإذ كان المدعي رغم ثبوت هذا العلم لم يتظلم من القرار المطعون فيه إلا بتاريخ 3/ 11/ 1959 ولما كان هذا التظلم قدم بعد انقضاء الستين يوماً فإن المدعي برفعه الدعوى بتاريخ 15 من مارس سنة 1960 يكون قد أقامها بعد فوات الميعاد المحدد قانوناً لرفعها، ومن ثم تكون غير مقبولة شكلاً.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن العلم المجرى لميعاد الطعن في القرارات الإدارية التي لم تنشر والتي لم تعلن إلى أصحاب الشأن فيها هو العلم اليقيني الشامل لكليات القرار وجزئياته. ولا شك أن العلم لا يكون يقينياً إلا إذا وصل إلى صاحب الشأن من مصدر موثوق به، وهذا المصدر لابد أن يكون رسمياً بأن يكون فرعاً من فروع الإدارة العامة يتلقى منها الأوامر والقرارات ويبلغها إلى صاحب الشأن، والمصدر الذي تلقى منه المدعي العلم المزعوم لا يمكن التعويل عليه لأنه عبارة عن مجموعة من الفلاحين يجتمعون من وقت لآخر للتشاور في أمورهم الزراعية والتعاونية ولا يعد مصدراً رسمياً يعول عليه في ثبوت العلم المبرر للتظلم. وما دام المدعي قد تظلم على أثر تلقيه في 14/ 9/ 1959 خطاباً بتكليفه بالحضور لتسليم ما بعهدته وعلمه من هذا المصدر الرسمي بصدور قرار بالاستغناء عنه فإن هذا العلم في هذا التاريخ دون سواه هو الذي يعتمد عليه في تحديد ميعاد التظلم من القرار المطعون فيه وما دام أن الثابت أن التظلم قد تم في 3/ 11/ 1959 فإنه يكون مقدماً في ميعاد الستين يوماً وبالتالي تكون الدعوى مقبولة على خلاف ما قضى به الحكم المطعون فيه. وفي الموضوع تضمنت صحيفة الطعن أن قرار الاستغناء عن المدعي صدر باطلاً لأنه أقيم على سبب غير صحيح وهو الادعاء بأنه بلغ سن الستين بينما لم تزد سنه وقت صدور ذلك القرار عن 47 سنة طبقاً لما هو ثابت من شهادة الميلاد المقدمة منه أخيراً والتي لم يطرأ عليها ما يسقط الاحتجاج بها كقرار قومسيون طبي أو نحو ذلك. وأضاف المدعي في مذكرته الختامية المقدمة في الطعن أن الحكم المطعون فيه قام به أكثر من سبب لإلغائه، لأنه أخطأ في تكييف المنازعة المطروحة عليه، واعتبرها من قبيل منازعات الإلغاء، وهي ليست كذلك لأنها من منازعات التسوية، وتفصيل ذلك أن قرار إنهاء خدمة المدعي على أساس بلوغه السن القانونية ليس قراراً إدارياً مما تصدره الإدارة بسلطتها المطلقة بقصد إنشاء مركز قانوني إذ لا خيار لها في إنهاء خدمة الموظف الذي بلغ السن القانونية، والصواب إذن أنه قرار تطبيقي لا تتوافر فيه عناصر القرار الإداري الذي لا يجوز التحلل من آثاره إلا بدعوى الإلغاء، وإنما يخضع للرقابة التي تملك فيها المحكمة الإدارية ولاية القضاء الكامل، وهي الرقابة التي تمارسها على منازعات التسوية ولا يتقيد طرحها على القضاء بميعاد دعوى الإلغاء. ثم انتهى المدعي في مذكرته هذه إلى أن نص المادة الثامنة من القانون رقم 210 لسنة 1951 يقضي بأن المعول عليه في تقدير سن الموظف هو شهادة الميلاد التي يقدمها أو مستخرج منها فإن لم يقدم شهادة ميلاده وجب الرجوع إلى القومسيون الطبي العام لتقدير سنه ويكون المعول على هذا التقدير وحده ولو قدم الموظف بعد ذلك شهادة ميلاده، وما دام أنه لم يعثر بملف الخدمة على شهادة الميلاد الوهمية التي يقرر الإصلاح الزراعي سبق تقديمها ضمن مسوغات التعيين والتي لم يثبت أنها فقدت، فإن المدعي يكون معتبراً من سواقط القيد ويكون تقدير سنه واجباً بوساطة القومسيون الطبي العام طبقاً لحكم المادة الثامنة من القانون رقم 210 لسنة 1951 سالفة الذكر أن لم تر المحكمة الأخذ بالمستخرج الذي حصل عليه المدعي بتاريخ 31/ 1/ 1960 والذي قدرت فيه سنة بأنه من مواليد 13 من أغسطس سنة 1912.
ومن حيث إن ما أبداه المدعي أخيراً من أن قرار إنهاء خدمته على أساس بلوغه السن القانونية - وهو القرار المطعون فيه - ليس قراراً إدارياً مما تقدره الإدارة بسلطتها المطلقة وبقصد إنشاء مركز قانوني، وأنه لا يعدو أن يكون قراراً تطبيقياً لا يتوافر فيه أركان القرار الإداري الذي لا يجوز التحلل من حكمه إلا بدعوى الإلغاء. هذا التكييف الذي ينتهي به المدعي إلى اعتبار الدعوى الحالية من قبيل منازعات التسوية مردود بما هو مقرر من أن القرار الإداري هو عمل قانوني من جانب واحد، يصدر بالإدارة الملزمة لإحدى الجهات الإدارية في الدولة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين أو اللوائح، في الشكل الذي يتطلبه القانون، بقصد إنشاء وضع قانوني معين ابتغاء مصلحة عامة. كما أن القرار التنظيمي العام يولد مراكز قانونية عامة أو مجردة، بعكس القرار الفردي الذي ينشئ مركزاً قانونياً خاصاً لفرد معين، وإذا صح أن القرار الفردي هو تطبيق لحكم القانون فإنه لابد من اعتباره أيضاً منشئاً لمركز فردي خاص متميز عن الوضع القانوني المجرد المتولد عن القانون، ومن ثم فلا ينبغي أن ينفي عن العمل الإداري الذي يكون تطبيقاً لنص عام مقيد صلاحيته لإنشاء مركز قانوني أو تعديله، لأن كل قرار إداري منشئ لمركز قانوني هو في الوقت ذاته تطبيق لقاعدة قانونية أعلى وعلى هذا الأساس فإن إحالة المدعي إلى التقاعد لا يعدو أن يكون قراراً إدارياً بإنشاء مركز قانوني بالنسبة إليه سواء انطوى قرار الإحالة على خطأ في تقدير السن أو لم يكن منطوياً على ذلك ولصاحب الشأن عند الاقتضاء تعقب القرار بالطعن عليه بدعوى الإلغاء في ميعادها القانوني.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بشكل الدعوى فإن قانون مجلس الدولة قد نص على أن ميعاد رفع الدعوى إلى المحكمة فيما يتعلق بطلبات الإلغاء ستون يوماً من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه في الجريدة الرسمية أو في النشرات التي تصدرها المصالح أو إعلان صاحب الشأن به. وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن علم صاحب الشأن بالقرار المطعون فيه قد يقوم مقام الإعلان أو النشر، وفي هذه الحالة يجب أن يكون علماً يقينياً لا ظنياً ولا افتراضياً بمؤدى القرار ومحتوياته وأن يثبت حصول ذلك في تاريخ معلوم يمكن حساب الميعاد منه. وإذ لم يثبت من الأوراق أن القرار المطعون فيه قد نشر أو أعلن المدعى به كما لم يثبت من جهة أخرى أنه قد علم بفحواه علماً يقينياً في تاريخ معين يجري منه ميعاد الستين يوماً سالفة الذكر فلا سند للدفع بعدم قبول الدعوى لانقضاء ذلك الميعاد. ولا وجه في هذا الشأن لأخذ المدعي بالعلم المفترض الذي اعتمد عليه الحكم المطعون فيه وهو العلم المستفاد مما جاء بمحضر اجتماع مجلس إدارة الجمعية التعاونية الزراعية من توجيه الشكر للمدعي بمناسبة اعتزاله الخدمة ما دام أن هذا الإعلام من جانب أعضاء الجمعية لم يكن متضمناً نوع الاعتزال أو سببه حتى يتحقق به العلم اليقيني حسبما سلف البيان. وبهذه المثابة وقد جرى الحكم المطعون فيه بغير النظر المتقدم فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله مما يتعين معه الحكم بإلغائه وبقبول الدعوى ما دام قد استوفيت أوضاعها الشكلية.
ومن حيث إنه بالنسبة لموضوع الدعوى فإنه بالرجوع إلى ملف خدمة المدعي يبين أنه عند التحاقه بالخدمة قدم مسوغات التعيين وتم توضيح أوراقها ومستنداتها على المظروف الذي انطوى عليها بعدد 7 وكان ما دون تحت رقم 1 منها هو شهادة الميلاد 25 من أغسطس سنة 1899 ثم أن مندوب الحكومة لمنطقة الفيوم أخطر مدير الإدارة العامة للمستخدمين بكتابه رقم 1400 المؤرخ 19/ 1/ 1954 بأن المدعي تسلم عمله وقد قدم مسوغات تعيينه كاملة بالهيئة، كما تأيد هذا من جانب المدعي نفسه عند مطالبته باستيفاء تلك المسوغات بإقراره الصادر بتاريخ 2/ 2/ 1956 بأنه سبق له أن سلمها إلى إدارة المستخدمين بالهيئة العليا للإصلاح الزراعي عند تعيينه، ولا شك أن إقراره هذا يتناول شهادة الميلاد المنوه عنها خاصة وأنها من الأوراق المتضمنة لأحد البيانات الجوهرية التي لا يتم التعيين بدونها ولا تستقر العلاقة الوظيفية بغير استكمالها وإذ كان الأمر قد انتهى فيما يتعلق باستيفاء مسوغات تعيين المدعي على هذه الصورة فقد استقر وضعه الوظيفي في علاقته بالحكومة فيما يختص بتاريخ ميلاده على أساس البيان الرسمي المستمد من الأوراق التي قدمها عند تعيينه وهذا التاريخ في الوقت نفسه يطابق ما هو ثابت بشهادة تحقيق الشخصية المقدمة ضمن مسوغاته ولا يسوغ له بعد ذلك أن ينقض من جانبه ما تم على يديه في هذا الصدد. وهذا الاستقرار يستتبع بذاته أيضاً أنه لم يكن هناك ثمت حاجة إلى تحديد سنه بقرار من القومسيون الطبي العام وقد جرى نص المادة 8 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة الذي عين المدعي في ظله بأن تثبت سن الموظف عند التعيين بشهادة الميلاد أو بصورة رسمية منها مستخرجة من سجلات المواليد وإلا حددت السن بقرار من القومسيون الطبي العام. ويكون هذا القرار غير قابل للطعن حتى ولو قدمت بعد ذلك شهادة الميلاد أو صورتها الرسمية، وتأسيساً على ذلك فإنه لم يكن هناك من سبيل أمام الجهة الإدارية في الوقت الذي تحدد فيه تاريخ ميلاد المدعي على نحو معين طوال مدة خدمته بالموافقة لأحكام القانون سوى أن تحيله إلى المعاش عند بلوغه السن القانونية. وإذ صدر هذا القرار معولاً بحق على ذلك التاريخ فإنه يكون قد صدر صحيحاً مستنداً إلى التطبيق السليم للقانون.
ومن حيث إنه لما تقدم لا اعتداد بالمستخرج الرسمي الذي استحصل عليه المدعي بعد إحالته إلى المعاش وهو ذلك المستخرج المستمد من القيد الذي أجرى بدفتر المواليد في 31/ 1/ 1960 بموجب تقدير مفتش الصحة على أنه من مواليد 13 من أغسطس سنة 1912 باعتباره من سواقط القيد واستناداً إلى قانون البطاقات الشخصية خاصة إذا ما لوحظ أن البيانات التي تضمنها القيد المذكور تناقض ما هو ثابت بعديد الأوراق الواردة في ملف خدمته سواء بالنسبة لجهة الميلاد أو لتاريخه، إذ بينما تتعلق كل من تذكره عدم وجود السوابق وشهادة تحقيق الشخصية بأن المدعي من مواليد مطاي فإن القيد الأخير صدر على أساس أن محل ميلاده هو الزمالك بالقاهرة، كما أن الأوراق التي قدمها المدعي من دائرة وقف المرحوم علي باشا حلمي والدالة على سابقة اشتغاله ناظراً لزراعة أشمنت وتلك الخاصة بتحقيق الشخصية تفيد كلها أنه معين ناظراً للزراعة ثم فصل منها في أخر يوليو سنة 1926 أي في تاريخ لم يكن قد بلغ فيه الرابعة عشرة من عمره مع أنه يتضح من شهادة تحقيق الشخصية الصادرة في سنة 1954 أنه كان في الثانية والخمسين في هذا التاريخ الأخير، وذلك كله مما يشفع في عدم الاطمئنان إلى ذلك المستخرج في تحديد تاريخ ميلاده أو جهته.
ومن حيث إنه ترتيباً على ما سبق إيضاحه فإن الطعن على القرار الصادر بإحالة المدعي إلى المعاش لبلوغه السن القانونية على أساس البيان الخاص بها الذي استقرت به علاقته الوظيفية منذ تعيينه، هذا الطعن على ذلك القرار يكون في غير محله، ومن ثم تكون دعوى المدعي واجبة الرفض مع إلزام رافعها بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبقبول الدعوى وبرفضها موضوعاً، وألزمت المدعي بالمصروفات.