مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الثاني (من أول فبراير 1964 إلى آخر مايو 1964) - صـ 930

(80)
جلسة 11 من إبريل 1964

برئاسة السيد/ مصطفى كامل إسماعيل وكيل المجلس، وعضوية السادة/ حسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضية رقم 1198 لسنة 9 القضائية

( أ ) دستورية القوانين - حق القضاء في التصدي لرقابتها - حد هذه الرقابة - تطبيق أو استبعاد القانون دون الحكم بإلغائه أو وقف تنفيذه.
(ب) دستورية القوانين - تشريع - الانحراف في السلطة التشريعية - التفرقة بينه وبين الانحراف في السلطة الإدارية - معيار الانحراف في هذه السلطة الأخيرة معيار موضوعي ذاتي بينما هو في السلطة التشريعية موضوعي محض لا يداخله أي عنصر ذاتي - التشريعات التي تقرها الهيئة التشريعية لا تنسب إلى من اقترحها أثر ذلك - لا وجه لما يعزي إلى من العمل لغايات شخصية.
(جـ) دستورية القوانين - تشريع - الانحراف في السلطة التشريعية - من صور المعيار الموضوعي له تجاوز التشريع الهدف المخصص الذي رسم له - قاعدة تخصيص الأهداف قليلة التطبيق في ميدان التشريع - الأصل إطلاق سلطة المشرع لتنظيم الروابط المختلفة دون التقيد إلا بالمصلحة العامة وهي مفترضة - الاستثناء تقييد المشرع بأهداف معينة وردت في الدستور أو أفصح عنها المشرع ذاته - وجوب الحذر في استخلاص هذه الأهداف.
(د) تشريع - أغراضه ومجال تطبيقه - تلتمس أولاً في عنوان التشريع ونصوصه - عدم الالتجاء إلى الأعمال التحضيرية إلا عند غموض التشريع ونصوصه - مثال بالنسبة للقانون رقم 51 لسنة 1963 بإضافة بعض الشركات والمنشئات التموينية إلى الجدول المرافق لقانون التأميم رقم 117 لسنة 1962.
(هـ) اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري - القرارات الإدارية التي تعتبر مجرد إجراء للتنبيه إلى تنفيذ حكم القانون - المقصود بها - طلبات وقف تنفيذها أو إلغائها - خروجها عن ولاية القضاء الإداري - أساس ذلك - مثال بالنسبة لقرار إصداره وزير التموين تنفيذاً لأحكام القانون رقم 51 لسنة 1963.
1) ليس في القانون المصري ما يمنع القضاء من التصدي لبحث دستورية القوانين ما دامت رقابته لهذه الدستورية تجد حدها في نطاق تطبيق أو استبعاد تطبيق القانون دون الحكم بإلغائه أو وقف تنفيذه.
2) أن الانحراف في استعمال السلطة التشريعية إذا صح أنه يصلح سبباً لبطلان القانون دستورياً، بيد أنه ولئن ساغ اتخاذ معيار ذاتي موضوعي للانحراف في استعمال السلطة الإدارية، لأن انقياد رجل الإدارة للدوافع الذاتية وهو يمارس سلطته العامة أمر محتمل - وإن كان في ذلك أقل من الفرد وهو يباشر حقوقه الخاصة - إلا أنه في نطاق الانحراف في استعمال السلطة التشريعية لا يسوغ أن يقبل إلا معياراً موضوعي محض لا يداخله أي عنصر ذاتي، إذ الواجب أن يفترض في الهيئة التي تمارس السلطة التشريعية - وهي تسمو في النزاهة والتجرد عن الفرد وهو يباشر حقوقه الخاصة وعلى رجل الإدارة وهو يمارس سلطته الإدارية - الواجب إن يفترض فيها أنها لا تراعي في جميع التشريعات إلا المصلحة العامة وإذا كان سائغاً أن ينسب إلى رجل الإدارة أنه قد قصد إلى غايات شخصية - انتقاماً أو كيداً أو هوى - فليس بسائغ أن تنسب هذه الغايات الشخصية إلى الهيئة التي تمارس السلطة التشريعية فالمفروض دائماً أن هذه الهيئة إنما تعمل لتحقيق المصلحة العامة ولا غاية لها غير ذلك. كما أن المفروض دائماً أن التشريعات التي تقرها الهيئة التي تمارس السلطة التشريعية لا تنتسب إلى من اقترحها، وإنما تنتسب إليها وحدها فكيفما كان القدح فيمن اقترحها من أنه قصد من اقترحها إلى غايات شخصية، فإن إقرار الهيئة التي تمارس السلطة التشريعية لهذه التشريعات، يلغي وجود من اقترحها فلا يكون مخالفاً لهذه التشريعات إلا الهيئة المذكورة. وبالتالي فلا تقوم قائمة لما عزى إلى من اقترحها من العمل لغايات شخصية.
3) أنه ولئن قيل بأن من بين صور المعيار الموضعي للانحراف في استعمال السلطة التشريعية تجاوز التشريع للهدف المخصص الذي رسم له، بيد إن قاعدة تخصيص الأهداف ليست كثيرة التطبيق في ميدان التشريع. فقل أن يقيد الدستور المشرع في دائرة معينة لا يتخطاها، ولهدف مخصص لا يجاوزه. وأقل من القليل، بل يكاد يكون في حكم النادر، أن يقيد المشرع نفسه في دائرة غرض معين. ومن ثم فإنه إذا ما أثيرت قاعدة تخصيص الأهداف بالنسبة لتشريع ما ينبغي السير بحذر شديد في استخلاص هدف الدستور، إذا كان المثار أن الدستور رسم للمشرع هذا الهدف، وبحذر أشد في استخلاص غرض المشرع، إذا كان المثار أن المشرع هو الذي قيد نفسه بهذا الغرض. ذلك أن الأصل هو إطلاق سلطة المشرع في التشريع فيقوم بتنظيم الروابط المختلفة ولا يتقيد في هذا التنظيم بهدف غير المصلحة العامة والمصلحة العامة مفترضة.
4) من المقرر أن مجال تطبيق التشريع وأغراضه إنما يلتمس أولاً في عنوان التشريع وفي نصوصه، قبل أن يلتمس في الأعمال التحضيرية، فلا يلجأ إلى الأعمال التحضيرية ومنها المذكرة الإيضاحية إلا إذا أعوز إلى ذلك غموض عنوان التشريع أو نصوصه.
ومن الوضوح بمكان أن عنوان القانون رقم 51 لسنة 1963 وهو كما سلف البيان "إضافة بعض الشركات والمنشئات التموينية إلى الجدول المرافق للقانون رقم 117 لسنة 1961 بتأميم بعض الشركات والمنشئات" هذا العنوان لم يجعل الإضافة مقصورة على المطاحن والمضارب والمخابز والصناعات التموينية الملحقة بها أو المتداخلة فيها، بل وسعت الإضافة بغير قيد أو تحديد، الصنوف الأخرى من الشركات والمنشئات التموينية كما أن المادة الثانية من القانون المذكور إذ نصت على أن "يضاف إلى الجدول الملحق بالقانون رقم 117 لسنة 1961 المشار إليه الشركات والمنشئات التموينية المبينة في الجدول المرافق بهذا القانون..." قد قضت في وضوح سافر، بأن الإضافة ليست مقصورة على المطاحن والمضارب والمخابز والصناعات التموينية الملحقة بها أو المتداخلة فيها بل وسعت هذه الإضافة بغير قيد أو تحديد الضروب الأخرى من الشركات والمنشئات التموينية. وإذا كان ثمة ما قيد المشرع به نفسه لإدراج الشركة أو المنشأة تحت حكم الإضافة إلى الجدول الملحق بالقانون رقم 117 لسنة 1961، فإنه فقط - بحسب عنوان القانون 51 لسنة 1963 المشار إليه ونص المادة الثانية منه - كون الشركة أو المنشأة من الشركات والمنشئات التموينية. فيكفي أن تكون الشركة أو المنشأة المبينة في الجدول المرافق لذلك القانون، من الشركات والمنشئات التموينية حتى تعتبر داخلة في مجال تطبيق القانون وفي دائرة أغراضه.
ولما كان لا ريب في أن مصانع سوهاج الكبرى من المنشئات التموينية فإن إدراجها في الجدول المرافق للقانون رقم 51 لسنة 1963، يدخل لما تقدم في مجال تطبيق القانون وفي دائرة أغراضه. ومن ثم لا يبين أن هذا الإدراج مشوب بعيب الانحراف، فليس فيه ثمة تجاوز لما استبان أن المشرع قيد به نفسه، كما أن ما أثاره المدعي من أن اقتراح إدراج تلك المصانع كان لدوافع ذاتية، ليس بذي أثر على صحة إدراجها من الناحية الدستورية.
5) يبين أن المركز القانوني الذي يتضرر منه المدعي إنما نشأ مباشرة من القانون رقم 51 لسنة 1963 بعد إذ استبان أن إدراج مصانع سوهاج الكبرى في الجدول المرافق له صحيح من الناحية الدستورية، ومن ثم فإن قرار وزير التموين الصادر في 19 من مايو سنة 1963 بإلحاق مصانع سوهاج الكبرى بمطحن المدعي المؤمم، ليس قراراً إدارياً، وإنما هو مجرد إجراء اتخذ للتنبيه إلى تنفيذ حكم القانون فتخرج هذه المنازعة عن ولاية مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري لأن اختصاصه رهين بطلب إلغاء أو وقف تنفيذ القرارات الإدارية دون غيرها.


إجراءات الطعن

في 12 من أغسطس سنة 1963 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية هذه المحكمة تقرير طعن في الحكم الصادر بجلسة 6 من أغسطس سنة 1963 من محكمة القضاء الإداري (هيئة منازعات الأفراد والهيئات) في الدعوى رقم 466 لسنة 17 القضائية المقامة من السيد/ محمد محمد خليل المزلاوي ضد رياسة الجمهورية والسيدين وزير التموين ومدير عام المؤسسة العامة للمطاحن والمضارب والمخابز، والذي قضى برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبرفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة وبقبول الدعوى وباختصاص المحكمة وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب المبينة بتقدير الطعن أولاً - تحديد جلسة عاجلة أمام دائرة فحص الطعون للأمر بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه - ثانياً - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، ورفض طلب وقف التنفيذ مع إلزام المدعي بالمصروفات. وقد أعلن تقرير الطعن إلى رئاسة الجمهورية ووزارة التموين في 18 من أغسطس سنة 1963، وإلى مؤسسة المطاحن والمضارب والمخابز وإلى المدعي في 19 من أغسطس سنة 1963 وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 31 من أغسطس سنة 1963 وقد أبلغ الطرفان في 20 من أغسطس سنة 1963 بميعاد هذه الجلسة. وفيها أمرت الدائرة بإجماع الآراء بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وبإحالة الطعن إلى المحكمة العليا (الدائرة الأولى) حيث عين لنظره أمامها جلسة 2 من نوفمبر سنة 1963 وأبلغ الطرفان في 7 من أكتوبر سنة 1963 بميعاد هذه الجلسة. وتداول الطعن في الجلسات حتى جلسة 28 من ديسمبر سنة 1963 وفيها سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من ذوي الشأن وقررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم وفيها صدر الحكم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع إيضاحات ذوي الشأن وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 1466 لسنة 17 القضائية ضد رياسة الجمهورية والسيدين وزير التموين ومدير عام المؤسسة العامة للمطاحن والمضارب والمخابز بصحيفة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 29 من مايو سنة 1963 بطلب الحكم أولاً - بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الصادر في 19 من مايو سنة 1963 من وزير التموين والمؤسسة العامة للمطاحن والمضارب والمخابز بإلحاق مصانع سوهاج الكبرى المملوكة للمدعي والتي تشمل معصرة الزيوت ومستودع الكسب ومصنع الصابون والثلج والمحطة الكهربائية بالمطحن المؤمم الذي كان مملوكاً للمدعي وما يترتب على ذلك من الآثار ثانياً - في الموضوع بإلغاء القرار المذكور - ثالثاً - بإلزام المدعى عليهم المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال بياناً للدعوى إن مطحنه كان قد أدرج بالجدول رقم 2 الملحق بالقانون رقم 42 لسنة 1962 ضمن المطاحن التي ساهمت المؤسسة العامة للمطاحن والمخابز في رأسمالها بالتطبيق لأحكام القانون رقم 118 لسنة 1961 المعدل بالقانون رقم 42 لسنة 1962 وبقرار رئيس الجمهورية رقم 561 لسنة 1962 معيناً في البند (أولاً) المطاحن التي عناها ومحدداً في البند (ثانياً) مضرب الأرز الذي قصده ثم نص في البند (ثالثاً) على جميع الصناعات التموينية ومطاحن المواني الملحقة أو المتداخلة في الشركات والمنشئات التي ساهمت المؤسسة العامة للمطاحن والمضارب والمخابز في رأسمالها غير أن وزارة التموين والمؤسسة العامة المذكورة اعتبرتا أن معصرة الزيوت ومستودع الكسب ومصنع الصابون ومصنع الثلج والمحطة الكهربائية المملوكة للمدعي من الصناعات التموينية الملحقة أو المتداخلة في المطحن الذي ساهمت المؤسسة في رأسماله فأقام المدعي الدعوى رقم 375 لسنة 17 القضائية بطلب وقف تنفيذ هذا القرار الذي قضت محكمة القضاء الإداري بجلسة 19 من فبراير سنة 1963 بوقفه وقد طعن في هذا الحكم بالطعن رقم 979 لسنة 9 القضائية. وفي 28 من إبريل سنة 1963 صدر القانون بالقانون رقم 117 لسنة 1961 الشركات والمنشئات التموينية الخاصة بالمطاحن ومضارب الأرز المبينة بالجدولين المرافقين للقانونين رقمي 118 و199 لسنة 1961 وكذلك جميع الصناعات التموينية والمطاحن الملحقة أو المتداخلة فيها كما نص في مادته الثانية على أن يضاف إلى الجدول الملحق بالقانون رقم 117 لسنة1961 الشركات والمنشئات التموينية المبينة في الجدول المرافق لهذا القانون وكذلك جميع الصناعات التموينية والمطاحن الملحقة أو المتداخلة فيها واشتمل الجدول على 16 مطحناً ووردت مصانع سوهاج الكبرى (معصرة زيوت ومستودع كسب - مصنع صابون - مصنع ثلج محطة كهربائية) مع الستة عشر مطحناً. وبعد أن استعرض المدعي المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 51 لسنة 1963 استخلص أن إضافة مصانع سوهاج الكبرى لم تتم إلا على أساس أنها متداخلة أو ملحق بالمطحن الذي كان مملوكاً له. وأن الأمر في جوهره لا يختلف عما كان مثاراً في الدعوى رقم 275 لسنة 17 القضائية. وأنه ما دام الحكم في الدعوى المذكورة قد انتهى إلى انتفاء التلاحق أو التداخل، فإن التأميم يمتنع امتداده إلى المصانع المذكورة ولا تستطيع وزارة التموين والمؤسسة العامة للمطاحن والمضارب والمخابز جحد الحقيقة المسجلة في حكم قضائي ظلت له حجيته بالرغم من الطعن المرفوع عنه في 20 من إبريل سنة 1963 ولا يسعفهما القانون رقم 51 لسنة 1963 لأنهما استصدراه على ذات الأساس الذي استصدر بموجبه البند ثالثاً من القانون رقم 132 لسنة 1962. ومضى المدعي يقول أنه في استعمال حقه والتزامه حدوده وإدراكه لسلطة المحكمة لا يستهدف من دعواه الطعن في القانون رقم 51 لسنة 1963. وإنما غاية ما ينشده استبعاد تطبيقه بالنسبة لمصانع سوهاج الكبرى لمخالفة إضافتها للجدول المحلق بالقانون المذكور لمحل ذلك القانون وغايته المحددة. ويتمثل استبعاد التطبيق في صورة الدفع بالبطلان أو في صورة طلب الحكم بإلغاء القرار الإداري الصادر في 19 من مايو سنة 1963 من وزير التموين والمؤسسة العامة للمطاحن والمضارب والمخابز والأمران مترادفان حكماً ونتيجة. والأسباب التي دعت محكمة القضاء الإداري في 19 من فبراير سنة 1963 إلى إجابته إلى طلب وقف التنفيذ لا تزال قائمة بل قد أصبحت أكثر وضوحاً بعد أن رفعت المؤسسة منذ 19 من مايو سنة 1963 يده عن ممتلكاته وحرمته حق التصرف فيها وإدارتها. وبجلسة 25 من يونيه سنة 1963 دفع الحاضر عن المؤسسة بانقطاع سير الخصومة لأن الدعوى موجهة إلى مدير المؤسسة على حين إنها طبقاً للمادة 9 من القانون رقم 60 لسنة 1963 يجب أن توجه إلى من يمثل المؤسسة وهو رئيس مجلس الإدارة. ودفعت الحكومة في مذكرتها بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر النزاع إذ لا تملك المحكمة القول بأن التشريع منحرف أو غير منحرف لأن في هذا افتئاتاً على السلطة التشريعية. كما أن صراحة النص والظروف والملابسات لا يمكن معهما القول بانحراف في التشريع أو بأعضاء السلطة القضائية حق مناقشة هذا التشريع واستبعاد تطبيقه. ولا يمكن أن ينسب إلى التشريع أي انحراف لأنه أخل بمبدأ المساواة أو أنه وضع لحالة خاصة بالمدعي. ذلك أن هذا القانون قد ورد تكملة لهذه القوانين ولضروب من النشاط لم تقتصر على المضارب والمخابز والمطاحن. ثم قالت الحكومة أن صفتي الاستعجال والضرر غير متوافرتين. فليس ثمة خطر محقق لا يمكن تداركه إذ أن مجال التعويض إن كان له محل متوفر. وقد عقب المدعي على دفوع المؤسسة والحكومة ودفاعهما بأنه عدل بالجلسة وفي مواجهة الحاضر عن المؤسسة شكل الدعوى فجعلها ضد رئيس مجلس الإدارة. هذا فضلاً عن أن منصب رئيس مجلس الإدارة شاغر ومدير عام المؤسسة هو المتولي اختصاص رئيس مجلس الإدارة بموجب تفويض صادر إليه. وانتقل المدعي إلى الرد على الدفع بعدم الاختصاص وانتهى إلى إن قانون مجلس الدولة لم يحظر على المجلس سوى النظر في الأعمال السياسية وأعمال السيادة. وأن القضاء المصري الحق في رقابة دستورية القوانين وأن محكمة القضاء الإداري مختصة بالنظر في طلب استبعاد تطبيق القانون رقم 51 لسنة 1963 على واقعة الدعوى المطروحة عليها وأن المدعي على حق في أن يجاب إلى طلباته فيها بعد قيام الدليل على انحراف التشريع وهو الإخلال بمبدأ المساواة ومخالفة الجدول للغرض الذي استهدفه القانون المذكور وبجلسة 6 من أغسطس سنة 1963 قضت محكمة القضاء الإداري برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبرفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة وبقبول الدعوى وباختصاص المحكمة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وأقامت قضاءها فيما يتعلق بقبول الدعوى على أنه يكفي لتصحيح شكل الدعوى ما قام به المدعي في جلسة 25 من يونيه سنة 1963 من توجيه طلباته إلى رئيس مجلس إدارة المؤسسة في شخص الحاضر عنها بالجلسة فضلاً عن أن المدعي قد اختصم السيد رئيس الجمهورية والسيد وزير التموين وهما الجهتان الرئاسيتان وصاحبتا الولاية على المؤسسة وفيما يتعلق بالاختصاص قال المدعي أنه لم يرفع دعواه طعناً في القانون رقم 51 لسنة 1963 ولم يطلب إلغاءه ولا وقف تنفيذه وليست الدعوى دعوى بطلان أصلية موجهة إلى هذا القانون بسبب عدم دستوريته. وفيما يتعلق بوقف التنفيذ قال المدعي أن القانون رقم 51 لسنة 1963 صدر محدداً هدفه والغرض منه. وهذا التحديد واضح في عنوانه وديباجته ونصوصه ومذكرته الإيضاحية وهدفه مقصور على تأميم المطاحن ومضارب الأرز التي سبق مساهمة الدولة في رأسمالها تأميماً كلياً ثم تأميم المطاحن ومضارب الأرز التي لم يسبق مساهمة الدولة في رأسمالها تأميماً كلياً أيضاً. والغرض منه هو أحكام الرقابة على مناعة المطاحن والمضارب. وعلى ذلك فإن مرد إدراج مصانع سوهاج الكبرى مفصلة بعناصرها في الجدول المرافق للقانون المذكور لا ينهض بذاته سنداً لتأميمها ما دامت خارجة عن مجال هذا القانون ونطاق ودواعي إصداره فهي ليست مطحناً ولا مخبزاً ولا مضرباً للأرز وليست ملحقة به ولا متداخلة في شيء مما ذكر ومجرد إدراجها في الجدول لا يعدو أن يكون بهذه المثابة عملاً مادياً لا يرقى إلى مستوى التشريع الواجب الحصانة والرعاية.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ حين ذهب إلى أن القانون رقم 51 لسنة 1963 قصد تأميم منشئات بعينها هي المطاحن والمضارب دون غيرها من المنشئات وآية ذلك عنوان القانون الذي يدل على أن الشارع قصد أيضاً إلى تأميم منشئات تموينية ومصانع سوهاج الكبرى مجموعة من المنشئات التموينية وكذلك المغايرة في صياغة كل من مادتي القانون. وعلى أن الحكم المطعون فيه أخطأ حين ذهب إلى أن المذكرة الإيضاحية أفصحت عن أن الهدف هو تأميم المطاحن والمضارب دون غيرها. فقد أكدت المذكرة الإيضاحية في أكثر من موضع أن الغاية من القانون هي تأميم المنشئات التموينية الواردة فيه دون الوقوف عند المطاحن ومضارب الأرز والجدول الملحق بالقانون يعتبر عملاً تشريعياً قي حد ذاته ومكملاً من جميع الوجوه للتشريع. وعلة التشريع عامة وشاملة وهي تحقيق المصلحة العامة بإشراف الدولة إشرافاً كاملاً على جميع الصناعات التموينية ومن بينها صناعة طحن الدقيق وضرب الأرز. ولم يكن بدعاً أن يضمن المشرع الجدول المرافق له منشئات تقوم على أنواع مختلفة من النشاط بل إنه كان منطقياً مع نفسه في هذه الإضافة فلم يضمن الجدول إلا منشئات تموينية ملتزماً القيد الذي أورده حين عنون ذلك القانون بأنه خاص بإضافة منشئات تموينية إلى الجدول المرافق للقانون رقم 117 لسنة 1961. وتأميم مصانع سوهاج الكبرى بمقتضى القانون المذكور لم ينظر فيه إلى كونها متداخلة في مطحن المدعي. ولذلك فالنزاع يختلف عن النزاع الذي كان محل الحكم الصادر في الدعوى رقم 275 لسنة 17 القضائية كما يقوم الطعن على أن شرط الاستعجال المبرر لطلب وقف التنفيذ غير متوافر لأن التأميم لا يعني المصادرة.
ومن حيث إن الحكومة قدمت مذكرة تعقيباً على الطعن دفعت فيها بعدم الاختصاص ولائياً بنظر الدعوى على أساس أن قرار وزير التموين الصادر في 19 من مايو 1963 المطعون فيه ليس قراراً إدارياً بالمعنى القانوني مما يرد عليه الطعن بالإلغاء وإنما هو لا يعدو أن يكون إجراء تنفيذياً أو قراراً تنفيذياً وأن المنازعة في حقيقتها وجوهرها تنصب على الجدول الملحق بالقانون رقم 51 لسنة 1963 وهو في حد ذاته عمل تشريعي محض لا يرد عليه الطعن بالإلغاء. ثم مضت المذكرة ترد على ما جاء بمرافعة الحاضر عن المدعي الشفوية فنعت عليها أنها خاضت في وقائع هي في حقيقة الأمر منبتة الصلة بلب النزاع. وأن ما ادعاه من أن إضافة مصانع المدعي إلى الجدول مردها إلى حفيظة مدير المطاحن بسبب فصل المدعي موظفة في مصانعه اسمها "الآنسة مادلين" وعدم جدوى سعي المدير لديه لإعادتها إلى عملها. هذا الذي ادعاه مع التسليم جدلاً بصحته لا ينال من العمل التشريعي، لأنه إن أمكن قانوناً الطعن بالإلغاء في القرارات الإدارية النهائية على أساس أنها مشوبة بعيب سوء استعمال السلطة، فإن مما لا جدال فيه أنه لا يمكن نسبة هذا العيب إلى العمل التشريعي لأن المشرع منزه عن الانحراف.
ومن حيث إن المدعي قد عقب على الطعن وعلى مذكرة الحكومة فقال في مذكرته أنه لم يستهدف طلب الحكم ببطلان القانون رقم 51 لسنة 1963 ولكنه نازع في أن القانون رقم 51 لسنة 1963 قد استهدف تأميم مصانع سوهاج الكبرى لذاتها مؤسساً منازعته على أن عنوان القانون المذكور لا يعني أكثر مما عناه القانون رقم 132 لسنة 1962 إذ أن العنوان في القانونين واحد لفظاً وحروفاً. وأحكام القانون رقم 132 لسنة 1962 مقصورة على المطاحن والمضارب والمخابز والصناعات التموينية الملحقة أو المتداخلة في المطاحن. وعلى أن المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 51 لسنة 1963 قد أكدت الغرض من إصدار ذلك القانون وحدوده كما حددت نصوصه مجاله وأهدافه المخصصة وهي إضافة بعض المطاحن التي لم تكن الدولة قد ساهمت في رأسمالها وكذلك جميع الصناعات التموينية ومطاحن المواني الملحقة أو المتداخلة فيها ومصانع سوهاج الكبرى لا تعد من الصناعات التموينية أو من مطاحن المواني الملحقة أو المتداخلة وقد حسم ذلك حكم قضائي منذ 9 من فبراير سنة 1963 ولو أنه مطعون فيه إلا أنه لم يفصل في الطعن بعد فتظل للحكم حجيته. وأنه من ثم يكون ورود مصانع سوها الكبرى في الجدول المرافق للقانون رقم 51 لسنة 1963 مما يستوقف النظر لأن القانون لم يستهدفها ولأن الجدول ليس مكلفاً بمهمة إدراجها به، وأنه تأسيساً على ذلك لا يكون القرار المطعون فيه قراراً تنفيذياً للقانون ولا يكون في خصوص تلك المصانع بالذات عملاً تشريعياً محصناً من أن يرد عليه استقلالاً طعن بالإلغاء، وإنما يكون قراراً إدارياً يرد عليه الطعن بالإلغاء وطلب وقف التنفيذ، وتكون المحكمة مختصة ولائياً بالنظر في ذلك، ومضي المدعي يدلل على أن الزج بمصانع سوهاج الكبرى في الجدول المشار إليه عمل مادي قام به صاحب مصلحة فيه. فذكر أنه كان قد فصل الآنسة مادلين اسحق من عملها بمعصرته فأقامت دعوى أمام محكمة سوهاج قضى فيه ضدها. وحاول شقيقها إعادتها إلى عملها فلم يوفق فاستعان بمدير المطاحن الذي لاحت له فرصة صدور القانون رقم 132 لسنة 1962 فعمل على الاستيلاء على المصانع متذرعاً بأنها ملحقة بالمطحن ومتداخلة فيه. فاضطر المدعي إلى إقامة الدعوى رقم 275 لسنة 17 القضائية سالفة البيان، وقد بذل مدير المطاحن قصارى جهده لإعادة الآنسة مادلين إلى العمل. ولكن المدعي لم يرضخ لشتى صنوف التهديد حتى بعد أن قدمت ضده شكوى إلى مديرية الأمن بسوهاج، وخلص المدعي من ذلك إلى أن الجدول المرافق للقانون رقم 51 لسنة 1963 قد زجت فيه، كعمل مادي بحت، مصانع سوهاج الكبرى على خلاف نص القانون ومذكرته الإيضاحية وسخر لأمر بعيد الصلة بأغراض القانون ومجال تطبيقه.
ومن حيث إنه في 28 من إبريل سنة 1963 صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 51 لسنة 1963 بإضافة بعض الشركات والمنشئات التموينية إلى الجدول المرافق للقانون رقم 117 لسنة 1961 بتأميم بعض الشركات والمنشآت ونصت المادة الأولى من القانون المذكور على أن "ينقل إلى الجدول الملحق بالقانون رقم 117 لسنة 1961 المشار إليه الشركات والمنشآت التموينية الخاصة بالمطاحن ومضارب الأرز المبينة بالجدولين المرافقين للقانونين رقمي 118 و119 لسنة 1961 المشار إليهما وكذلك جميع الصناعات التموينية ومطاحن المواني الملحقة أو المتداخلة فيها" ونصت المادة الثانية على أن "يضاف إلى الجدول الملحق بالقانون رقم 117 لسنة 1961 المشار إليه الشركات والمنشئات التموينية المبينة في الجدول المرافق لهذا القانون وكذلك جميع الصناعات التموينية ومطاحن المواني الملحقة أو المتداخلة فيها" ونصت المادة الثالثة على أن "تتبع الشركات والمنشئات التموينية المشار إليها في المادتين السابقتين المؤسسة العامة للمطاحن والمضارب والمخابز" ونصت المادة الرابعة على أن "يصدر وزير التموين القرارات اللازمة لتنفيذ هذا القانون" ونص الجدول المرافق لهذا القانون تحت عنوان محافظة سوهاج على ما يأتي - 3 - مصانع سوهاج الكبرى (معصرة زيوت ومستودع كسب ومصنع صابون وثلج ومحطة كهربائية) وفي 19 من مايو سنة 1963 صدر قرار وزير التموين بإلحاق مصانع سوهاج الكبرى" معصرة زيوت ومستودع كسب ومصنع صابون وثلج ومحطة كهربائية) تنفيذاً للقانون رقم 51 لسنة 1963 في الملحق الذي أشار إليه - بمطحن المدعي المؤمم.
ومن حيث إن المدعي ولئن جعل يكرر أنه لم يستهدف طلب الحكم ببطلان القانون رقم 51 لسنة 1963 سالف البيان إلا أنه كيف القرار الصادر من وزير التموين في 19 من مايو سنة 1963 المشار إليه بأنه قرار إداري على أساس أن إدراج مصانع سوهاج الكبرى في الجدول المرافق للقانون المذكور جاء خارجاً عن الغرض من إصدار القانون سالف كما جاء خارجاً عن مجاله وأهدافه المخصصة وأن هذه المصانع قد زج بها في الجدول كعمل مادي بحت لأمر بعيد الصلة بأغراض القانون ومجال تطبيقه، وهو العمل على إعادة الآنسة مادلين اسحق إلى عملها بمعصرة المدعي بعد أن فصلها هذا الأخير ورفض أن يعيدها، ومفاد قول المدعي أن إدراج مصانع سوهاج الكبرى في الجدول المرافق للقانون رقم 51 لسنة 1963 باطل دستورياً ولا أثر له بسبب الانحراف في استعمال السلطة التشريعية فيكون الذي ألحق هذه المصانع بمطحنه المؤمم، ليس إدراجها في الجدول، ولكن القرار الصادر من وزير التموين في 19 من مايو سنة 1963. وأنه لذلك يكون هذا القرار قراراً إدارياً يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر المنازعات المتعلقة به فوق أنه قرار إداري مخالف للقانون إذ قرر ذلك حكم قضائي.
ومن حيث إنه يتعين بادئ الأمر الفصل في الدفع بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر المنازعة المراهنة وهو الدفع الذي تمسكت به الحكومة في مرحلة الطعن. وللفصل في ذلك الدفع، يتعين الفصل في صحة ما أسس عليه المدعي تكييفه لقرار وزير التموين المشار إليه بأنه قرار إداري، وهذا يقتضي تعرف ما إذا كانت ضوابط الانحراف في استعمال السلطة التشريعية وتطبيقاته، تسمح بأن ينسب إلى الهيئة التي تمارس السلطة التشريعية أنها قصدت في تشريع ما إلى غايات شخصية، أو أن ينسب إلى من اقترح هذا التشريع أنه قصد إلى غايات شخصية. كما يقتضي تدبر ضوابط قاعدة تخصيص الأهداف وتطبيقاتها، وذلك في مجال الانحراف في استعمال السلطة التشريعية. فإذا كان ما ذهب إليه المدعي فيما أسس عليه تكييفه للقرار سالف الذكر بأنه قرار إداري، يتفق مع تلك الضوابط والتطبيقات، وكان الانحراف بعد ذلك ثابتاً على نحو ما ذهب إليه المدعي، فإنه ينبغي في نطاق تطبيق أحكام القانون رقم 51 لسنة 1961 المشار إليه، استبعاد إدراج مصانع سوهاج الكبرى في الجدول المرافق لعدم دستورية هذا الإدراج ومن ثم يصح تكييف المدعي لقرار وزير التموين سالف الذكر بأنه قرار إداري، ويقوم بالتالي اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر المنازعة الراهنة وإلا فإنه إذا ثبت دستورية هذا الإدراج، كان المركز القانوني الذي يتضرر منه المدعي له ناشئاً مباشرة من القانون، وكان قرار وزير التموين المذكور مجرد إجراء اتخذ للتنبيه إلى تنفيذ حكم القانون، مما يخرج طلب إلغائه أو وقف تنفيذه عن ولاية مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري لأن اختصاصه رهين بطلب إلغاء أو وقف تنفيذ القرارات الإدارية دون غيرها. وغني عن البيان أنه ليس في القانون المصري ما يمنع القضاء من التصدي لبحث دستورية القوانين ما دامت رقابته لهذه الدستورية تجد حدها في نطاق تطبيق أو استبعاد تطبيق القانون دون الحكم بإلغائه أو وقف تنفيذه.
ومن حيث إن الانحراف في استعمال السلطة التشريعية إذا صح أنه يصلح سبباً لبطلان القانون دستورياً، بيد أنه ولئن ساغ اتخاذ معيار ذاتي موضوعي للانحراف في استعمال السلطة الإدارية، لأن انقياد رجل الإدارة للدوافع الذاتية وهو يمارس سلطته العامة أمر محتمل - وإن كان في ذلك أقل من الفرد وهو يباشر حقوقه الخاصة - إلا أنه في نطاق الانحراف في استعمال السلطة التشريعية لا يسوغ أن يقبل إلا معيار موضوعي محض لا يداخله أي عنصر ذاتي، إذ الواجب أن يفترض في الهيئة التي تمارس السلطة التشريعية - وهي تسمو في النزاهة والتجرد عن الفرد وهو يباشر حقوقه الخاصة وعن رجل الإدارة هو يمارس سلطته الإدارية - الواجب أن يفرض فيها أنها لا ترعى في جميع التشريعات إلا المصلحة العامة. وإذا كان سائغاً أن ينسب إلى رجل الإدارة أنه قد قصد إلى غايات شخصية - انتقاماً أو كيداً أو هوى - فليس بسائغ أن تنسب هذه الغايات الشخصية إلى الهيئة التي تمارس السلطة التشريعية فالمفروض دائماً أن هذه الهيئة - كما سلف البيان - إنما تعمل لتحقيق المصلحة العامة ولا غاية لها غير ذلك. كما أن المفروض دائماً أن التشريعات التي تقرها الهيئة التي تمارس السلطة التشريعية لا تتنسب إلى من اقتراحها، وإنما تنتسب إليها وحدها فكيفما كان القدح فيمن اقترحها من أنه قصد من اقتراحها إلى غايات شخصية، فإن إقرار الهيئة التي تمارس السلطة التشريعية لهذه التشريعات، يلغي وجود من اقترحها، فلا يكون مخالفاً لهذه التشريعات إلا الهيئة المذكورة. وبالتالي فلا تقوم قائمة لما عزى إلى من اقتراحها من العمل لغايات شخصية.
ومن حيث إنه ولئن قيل بأن من بين صور المعيار الموضوعي للانحراف في استعمال السلطة التشريعية تجاوز التشريع الهدف المخصص الذي رسم له، بيد أن قاعدة تخصيص الأهداف ليست كثيرة التطبيق في ميدان التشريع. فقل أن يقيد الدستور المشرع في دائرة معينة لا يتخطاها، ولهدف مخصص لا يجاوزه. وأقل من القليل، بل يكاد في حكم النادر، أن يقيد المشرع نفسه في دائرة غرض معين. ومن ثم فإنه إذا ما أثيرت قاعدة تخصيص الأهداف بالنسبة لتشريع ما فينبغي السير بحذر شديد في استخلاص هدف الدستور، إذا كان المثار أن الدستور رسم للمشرع هذا الهدف. وبحذر أشد في استخلاص غرض المشرع، إذا كان المثار أن المشرع هو الذي قيد نفسه بهذا الغرض. ذلك أن الأصل هو إطلاق سلطة المشرع في التشريع فيقوم بتنظيم الروابط المختلفة ولا يتقيد في هذا التنظيم بهدف غير المصلحة العامة، والمصلحة العامة مفترضة كما سلف البيان.
ومن الوضوح بمكان أن عنوان القانون رقم 51 لسنة 1963، وهو كما سلف أولاً في عنوان التشريع وفي نصوصه، قبل أن تلتمس في الأعمال التحضيرية فلا يلجأ إلى الأعمال التحضيرية، ومنها المذكرة الإيضاحية - إلا إذا أعوز إلى ذلك غموض عنوان التشريع أو نصوصه.
من الوضوح بمكان أن عنوان القانون رقم 51 لسنة 1963، وهو كما سلف البيان "إضافة بعض الشركات والمنشئات التموينية إلى الجدول المرافق للقانون رقم 117 لسنة 1961 بتأميم بعض الشركات والمنشئات، هذا العنوان لم يجعل الإضافة مقصورة على المطاحن والمضارب والمخابز والصناعات التموينية الملحقة بها أو المتداخلة فيها، بل وسعت الإضافة بغير قيد أو تحديد الصنوف الأخرى من الشركات والمنشئات التموينية كما أن المادة الثانية من القانون المذكور إذ نصت على أن "يضاف إلى الجدول الملحق بالقانون رقم 117 لسنة 1961 المشار إليها الشركات والمنشئات التموينية المبينة في الجدول المرافق بهذا القانون.." قد قضت في وضوح سافر، بأن الإضافة ليست مقصورة على المطاحن والمضارب والمخابز والصناعات التموينية الملحقة بها أو المتداخلة فيها بل وسعت هذه الإضافة بغير قيد أو تحديد الضروب الأخرى من الشركات والمنشئات التموينية. وإذا كان ثمة ما قيد المشرع به نفسه لإدراج الشركة أو المنشأة تحت حكم الإضافة إلى الجدول الملحق بالقانون رقم 117 لسنة 1961، فهو - بحسب عنوان القانون 51 لسنة 1963 المشار إليه ونص المادة الثانية منه - أن تكون الشركة أو المنشأة من الشركات والمنشئات التموينية. فيكفي أن تكون الشركة أو المنشأة المبينة في الجدول المرافق لذلك القانون، من الشركات والمنشئات التموينية، حتى تعتبر داخلة في مجال تطبيق القانون وفي دائرة أغراضه.
ولما كان لا ريب في أن مصانع سوهاج الكبرى من المنشئات التموينية، فإن إدراجها في الجدول المرافق للقانون رقم 51 لسنة 1963، يدخل لما تقدم في مجال تطبيق القانون وفي دائرة أغراضه. ومن ثم لا يبين أن هذا الإدراج مشوب بعيب الانحراف، فليس فيه ثمة تجاوز لما استبان أن المشرع قيد به نفسه، كما أن ما أثاره المدعي من أن اقتراح إدراج تلك المصانع كان لدوافع ذاتية، ليس بذي أثر على صحة إدراجها من الناحية الدستورية لما تقدم من الأسباب.
وإذ يبين أن المركز القانوني الذي يتضرر منه المدعي إنما نشأ مباشرة من القانون رقم 51 لسنة 1963 بعد إذ استبان أن إدراج مصانع سوهاج الكبرى في الجدول المرافق له صحيح من الناحية الدستورية، ومن ثم فإن قرار وزير التموين الصادر في 19 من مايو سنة 1963 بإلحاق مصانع سوهاج الكبرى بمطحن المدعي المؤمم، ليس قراراً إدارياً، وإنما هو مجرد إجراء اتخذ للتنبيه إلى تنفيذ حكم القانون فتخرج هذه المنازعة الراهنة - والحالة هذه - عن ولاية مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري لأن اختصاصه رهين بطلب إلغاء أو وقف تنفيذ القرارات دون غيرها وإذ ذهب الحكم المطعون فيه إلى غير ذلك فإنه يتعين إلغاؤه، والقضاء بقبول الدفع بعدم الاختصاص وبعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر طلب وقف التنفيذ وبإلزام المدعي بمصروفات هذا الطب.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبقبول الدفع بعدم الاختصاص، وبعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر طلب وقف التنفيذ، وألزمت المدعي بالمصروفات الخاصة بهذا الطلب.